المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن - جـ ١

[أبو زيد الثعالبي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الاول]

- ‌«توطئة»

- ‌1- مدرسة ابن عباس ب «مكّة» ، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:

- ‌2- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌3- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلاته وشيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنّفات الثّعالبيّ:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل

- ‌التفسير اصطلاحا:

- ‌التأويل لغة:

- ‌التأويل اصطلاحا:

- ‌التأويل عند السلف له معنيان:

- ‌الفرق بين التّفسير والتّأويل

- ‌حاجة النّاس إلى التّفسير

- ‌فهم الصّحابة للقرآن الكريم

- ‌أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

- ‌1- عليّ بن أبي طالب:

- ‌2- عبد الله بن مسعود:

- ‌3- أبيّ بن كعب:

- ‌4- عبد الله بن عبّاس

- ‌طرق الرواية عن ابن عبّاس:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

- ‌مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس

- ‌1- سعيد بن جبير:

- ‌2- مجاهد بن جبر:

- ‌3- عكرمة:

- ‌4- طاوس:

- ‌5- عطاء بن أبي رباح:

- ‌مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب

- ‌1- أبو العالية:

- ‌2- محمّد بن كعب القرظيّ:

- ‌3- زيد بن أسلم:

- ‌مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود

- ‌1- علقمة بن قيس:

- ‌2- مسروق:

- ‌3- عامر الشّعبيّ:

- ‌4- الحسن البصريّ:

- ‌5- قتادة:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

- ‌سمات التّفسير في تلك المرحلة

- ‌التّفسير في عصر التّدوين

- ‌أقسام التّفسير

- ‌أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

- ‌ ابن جرير الطبريّ

- ‌طريقة الطّبريّ في التّفسير:

- ‌ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:

- ‌ثالثا- الاتّجاه البيانيّ

- ‌المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ

- ‌أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

- ‌أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:

- ‌4- «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:

- ‌5- «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:

- ‌ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:

- ‌رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:

- ‌1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي

- ‌خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:

- ‌سادسا: كتب الخصائص والشمائل:

- ‌سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:

- ‌1- «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

- ‌4- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي

- ‌تاسعا: ومن كتب التّاريخ:

- ‌عاشرا: كتب أخرى منثورة:

- ‌ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

- ‌بين يدي المنهج:

- ‌أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:

- ‌ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:

- ‌ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:

- ‌رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:

- ‌خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:

- ‌سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:

- ‌سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:

- ‌ثامنا: احتجاجه بالشّعر:

- ‌تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:

- ‌وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

- ‌باب في فضل القرآن

- ‌باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

- ‌فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق

- ‌باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

- ‌باب في الاستعاذة

- ‌تفسير فاتحة الكتاب

- ‌[سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌باب في تفسير: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]

- ‌(القَوْلُ فِي «آمِينَ» )

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 12]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 73]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 91]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 126]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 133]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 138]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 139 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 193 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 199]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 203 الى 205]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 206 الى 210]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 213 الى 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 225]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 230 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 248]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 249 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 253 الى 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 259]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 277]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 278 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 283 الى 285]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌محتوى الجزء الأول من تفسير الثعالبي

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

عسْكَرهم، فجعل عليهم مثْلَ الظُّلَّة، وأخرج اللَّه تعالى البَحْرَ من ورائهم، وأضرم نَاراً من بين أيديهم، فأحاط بهم غضبه، وقيل لهم: خذوها، وعليكُم الميثَاقُ، ولا تضيِّعوها، وإِلا سقط علَيْكم الجبَلُ، وأغرقكم البَحْر، وأحرقتكم النارُ، فَسَجَدُوا توبةً للَّه سبحانه، وأخذوا التوراةَ بالميثاقِ، قال الطبريُّ عن بعض العلماء: لو أخذوها أوَّلَ مرَّة، لم يكُنْ عليهم ميثاقٌ، وكانت سجدتهم على شِقٍّ لأنهم كانوا يرقبون الجَبَل خوْفاً، فلما رحمهم الله سبحانه، قالوا: لا سجدَةَ أفضلُ من سَجْدة تقبَّلها اللَّه، ورَحِمَ بها، فأَمَرُّوا سجودَهم على شِقٍّ واحدٍ.

قال ع «1» : والذي لا يصحُّ سواه أن اللَّه تعالى اخترع وقْتَ سجودهم الإِيمان في قلوبهم، لا أنهم آمنوا كُرْهاً، وقلوبهم غيرُ مطمئنة، قال: وقد اختصرْتُ ما سرد في قصصِ هذه الآية، وقصدت أَصَحَّهُ الذي تقتضيه ألفاظُ الآية، وخلط بعْضُ الناس صَعْقَةَ هذه القصَّة بصَعْقة السبعين.

وبِقُوَّةٍ: قال ابن عباس: معناه: بجِدٍّ واجتهاد «2» .

وقال ابن زيد: معناه: بتصديق وتحقيق «3» .

وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ، أي: تدبُّروه واحْفَظُوا أوامره ووعيدَهُ، ولا تنسوه، ولا تضيِّعوه.

وقوله تعالى: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ

الآية: تولَّى: أصله الإِعراض والإِدبار عن الشيء بالجِسْمِ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمورِ، والأديانِ، والمعتقداتِ اتِّساعاً ومجازاً، وتَوَلِّيهِمْ من بعد ذلك: إما بالمعاصِي، فكان فضل اللَّه بالتوبة والإِمهال إِلَيْها، وإما أن يكون تَوَلِّيهم بالكُفْر، فلم يعاجلْهم سبحانه بالهَلَاكِ لِيَكُونَ من ذرِّيَّتهم من يؤمن.

[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (65) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (66)

- و «الرملة» ، و «غزة» ، و «أرسوف» ، و «قيسارية» ، و «نابلس» ، و «أريحا» ، و «عمان» و «يافا» ، و «بيت جبرين» ، وهي أول أجناد «الشام» ، أولها من ناحية الغرب «رفح» وآخرها «اللجون» من ناحية الغور.

ينظر: «مراصد الاطلاع» (3/ 1042) .

(1)

«المحرر الوجيز» (1/ 159) .

(2)

أخرجه الطبري (1/ 367) برقم (1131) عن السدي، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 146) وعزاه لابن جرير.

(3)

أخرجه الطبري (1/ 368) برقم (1132) بلفظ: «خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحق» .

ص: 254

وقوله تعالى: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ

الآية: علمتمْ:

معناه: عرفتم، والسَّبْتُ مأْخوذٌ من السُّبُوت الَّذِي هو الراحةُ والدَّعَة، وإِما من السبت، وهو القَطْع لأن الأشياء فيه سَبَتَتْ وتمَّت خِلْقَتُها، وقصَّة اعتدائهم فيه/ أن الله عز وجل أمر 23 ب موسى عليه السلام بيَوْمِ الجُمُعَةِ، وعرَّفه فَضْلَه، كما أمر به سائر الأنبياءِ صلواتُ اللَّه عَلَيْهِمْ، فذكر موسى ذلك لبني إِسرائيل عن اللَّه سبحانه، وأمرهم بالتشرُّع فيه، فأبوا وتعدَّوْه إلى يوم السَّبْت، فأوحى اللَّه إلى موسى أنْ دَعْهم، وما اختاروا من ذلك، وامتحنهم بأنْ أمرهم بترك العَمَل فيه، وحرَّم عليهم صَيْدَ الحِيتَانِ، وشدَّد عليهم المِحْنَة بأن كانت الحِيتَانُ تأتي يوم السبْتِ حتى تخرج إلى الأفنية، قاله الحسن بن أبي الحسن.

وقيل حتى تخرج خراطيمُهَا من الماء، وذلك إِما بإِلهامٍ من اللَّه تعالى، أو بأمر لا يعلَّل، وإما بأن ألهمها معنى الأَمَنَةِ التي في اليومِ، مع تكراره كما فَهِمَ حمام مَكَّة الأَمَنَةَ، وكان أمر بني إِسرائيل بِأَيْلَةَ «1» على البحْر، فَإِذا ذهب السَّبْت، ذهبت الحيتان، فلم تظهر إلى السبت الآخر، فبقُوا على ذلك زماناً حتى اشْتَهَوُا الحُوتَ، فعَمَدَ رجُلٌ يوم السبْتِ، فربط حوتاً بخزمة «2» ، وضرب له وَتِداً بالساحل، فلما ذهب السَّبْتُ، جاء، فأخذه، فسَمِع قومٌ بفعْلِهِ، فصنعوا مثْلَ ما صنع.

وقيل: بل حفر رجُلٌ في غير السَّبْت حَفِيراً يخرج إِلَيْه البحر، فإِذا كان يوم السبت، خرج الحوت، وحصل في الحفير، فإذا جزر البحر، ذهب الماء من طريق الحفير، وبقي الحوت، فجاء بعد السبت، فأخذه، ففعل قوم مثل فعله، وكثر ذلك حتى صادره يوم السبت علانيةً، وباعوه في الأسواقِ، فكان هذا من أعظم الاعتداء، وكانت من بني إِسرائيل فرقةٌ نهَتْ عن ذلك، فنجَتْ من العقوبة، وكانت منهم فرقةٌ لم تَعْصِ، ولم تَنْهَ، فقيل:

نجت مع الناهين، وقيل: هلَكَتْ مع العاصين.

وكُونُوا: لفظةُ أمر، وهو أمر التكوينِ كقوله تعالى لكُلِّ شَيْءٍ: كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] قال ابن الحاجب «3»

(1) أيلة: مدينة على ساحل بحر «القلزم» مما يلي «الشام» . قيل: هي آخر الحجاز وأول «الشام» . وهي مدينة اليهود، الذين اعتدوا في السبت. ينظر:«مراصد الاطلاع» (1/ 138) .

(2)

الخزم: شجر له ليف تتخذ من لحائه الحبال، الواحدة خزمة.

ينظر: «لسان العرب» (1153) . [.....]

(3)

عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو، جمال الدين ابن الحاجب: فقيه مالكي، من كبار-

ص: 255

في مختصره الكَبِيرِ المسمى ب «منتهى الوُصُولِ» «1» : صيغةُ: افعل، وما في معناها قد صَحَّ إِطلاقها بإزاء خمسةَ عَشَرَ محملاً.

الوجوبُ: أَقِمِ الصَّلاةَ [الإسراء: 78] والنَّدْبُ: فَكاتِبُوهُمْ [النور: 33] .

والإِرشادُ: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ [البقرة: 282] والإِباحةُ: فَاصْطادُوا [المائدة: 2] .

والتأديب: «كُلْ مِمَّا يَلِيكَ» . والامتنانُ: كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ [الأنعام: 142] .

والإِكرامُ: ادْخُلُوها بِسَلامٍ [ق: 34] والتَّهديد: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت: 40] والإِنذار: تَمَتَّعُوا [إبراهيم: 30] والتسخيرُ: كُونُوا قِرَدَةً [الأعراف: 166] والإِهانة:

كُونُوا حِجارَةً [الإسراء: 50] والتَّسويةُ: فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا [الطور: 16] والدعاءُ:

اغْفِرْ لَنا [آل عمران: 147] والتمنِّي: [الطويل] :

أَلَا انجلي

«2»

وكمالُ القدرة: كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82] . انتهى.

وزاد غيره كونها للتعجيزِ، أعني: صيغةَ «افعل» .

قال ابن الحاجِبِ: وقد اتفق على أنها مجازٌ فيما عَدَا الوُجُوبَ والنَّدْبَ والإِباحةَ والتهديدَ، ثم الجمهورُ على أنها حقيقةٌ في الوجوب «3» . انتهى.

- العلماء بالعربية، كردي الأصل. ولد في «أسنا» (من صعيد مصر) ونشأ في «القاهرة» ، وسكن «دمشق» ، وكان أبوه حاجبا، فعرف به، له تصانيف كثيرة منها:«الكافية» في النحو، و «الشافية» في الصرف. ولد سنة (570 هـ.) ، وتوفي سنة (646 هـ.) .

ينظر: «وفيات» (1: 314) ، «الطالع السعيد» (188)، «مفتاح السعادة» (1: 117) ، «غاية النهاية» (1: 508) ، «الأعلام» (4/ 211) .

(1)

ينظر: «البرهان» (1/ 212) ، «المحصول» (1/ 2/ 62) ، «الأحكام» للآمدي (1/ 122) ، «المستصفى» (1/ 420) ، «التمهيد» للأسنوي (269) ، «المنخول» (105) ، «شرح العضد» (2/ 79) ، «شرح الكوكب» (2/ 41) ، «المعتمد» (1/ 57) ، «التبصرة» (27) ، «كشف الأسرار» (1/ 107) ، «حاشية البناني» (1/ 316) ، «فواتح الرحموت» (1/ 372) ، «تيسير التحرير» (1/ 351) ، «أصول السرخسي» (1/ 15) ، «الوصول إلى الأصول» (1/ 133) ، «تقريب الوصول» (93) ، «ميزان الأصول» (1/ 217) .

(2)

البيت لامرىء القيس في ديوانه ص (18) و «الأزهية» ص (271) و «خزانة الأدب» (2/ 326، 327) و «سرّ صناعة الإعراب» (2/ 513) ، و «لسان العرب» (11/ 361)(شلل) و «المقاصد النحويّة» (4/ 317) وبلا نسبة في «أوضح المسالك» (4/ 93) و «جواهر الأدب» ص (78) و «رصف المباني» ص (79) و «شرح الأشموني» (2/ 493) .

(3)

ولطلب الفعل صيغ مختلفة نوردها فيما يلي:

ص: 256

وخاسِئِينَ: معناه: مُبْعَدِينَ أذلَاّء صاغِرِينَ كما يقال للكَلْب، وللمطْرُود:

اخسأ، وروي في قصصهم أنَّ اللَّه تعالى مسخ العاصِينَ قردَةً في الليل، فأصبح الناجون

- 1- فعل الأمر: وذلك بصيغته المعروفة مثل قوله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ [الحج: 78] .

2-

صيغة المضارع المقترن ب «لام الأمر» مثل قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] .

ومثل: وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29] .

ومثل: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: 7] .

3-

صيغة المصدر القائم مقام فعل الأمر: مثل قوله تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ [المائدة: 89] .

ومثل قوله تعالى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [محمد: 4] .

4-

جملة خبرية يراد بها الطلب: مثل قوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ [البقرة: 233] .

إذ ليس المراد من هذا النّصّ الإخبار عن حصول الإرضاع من الوالدات لأولادهن، وإنما المراد هو أمر الوالدات بإرضاع أولادهن، وطلب إيجاده منهن.

ومثل قوله تعالى: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا [النساء: 141] .

فإن الظاهر من هذه الآية أنها للخبر، وإنما المراد بها أمر المؤمنين ألا يمكّنوا الكافرين من التّجبّر عليهم، والتّكبّر بأية صفة كانت.

ومثل قوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشّيخان: «لا تنكح البكر حتّى تستأذن» .

وقد اتّفق الأصوليون على أنّ صيغة الأمر تستعمل في مدلولات كثيرة، لكن لا تدلّ على واحد من هذه المدلولات بعينه إلا بقرينة، وهذه المدلولات هي كما ذكرها المصنف رحمه الله.

وقد اختلفت آراء العلماء في تعداد هذه الصّيغ زيادة، ونقصا، وسبب ذلك تداخل هذه الصّيغ مع بعضها، واختلاف وجهات النّظر في المعنى، وفي القرينة الّتي تحدّد وجه الاستعمال.

واتّسعت دائرة الاختلاف بين العلماء والأصوليين فيما يدلّ عليه الأمر حقيقة حيث إنّ دوران الأمر على أوجه كثيرة- كما سبق- لا يدلّ على أنّه حقيقة في كلّ منها.

فإذا ورد أمر من الأوامر في القرآن الكريم، أو في السّنّة النّبويّة، فهل يعتبر هذا الأمر دالّا على الوجوب؟

أم النّدب؟ أم الإباحة؟ أم لمعنى آخر؟

إن خصوصيّة التّعجيز، والتّحقير، والتّسخير

وغير هذه المعاني غير مستفاد من مجرّد صيغة الأمر، بل إنّما تفهم هذه المعاني من القرائن، وعليه فلا خلاف في أنّ صيغة الأمر ليست حقيقيّة في جميع الوجوه السّابقة.

وللعلماء آراء متعدّدة في دلالة الصيغة على الوجوب، أو على الندب، أو على غيرهما، فقد اتفق العلماء على أن صيغة الأمر لا تدلّ على أي معنى من المعاني المتقدمة إلا بقرينة، كما قلنا سابقا.

وقد اختلفوا فيما إذا تجرّدت هذه الصّيغة عن القرينة، فهل تدل على الوجوب؟ أم على النّدب؟ أم على الإباحة؟

المذهب الأوّل: وهو لجمهور العلماء حيث ذهبوا إلى أن صيغة «افعل» تدلّ على الوجوب حقيقة، -

ص: 257

إلى مساجِدِهِمْ، ومجتمعاتِهِمْ، فلم يروا أحداً من الهالكينَ، فقالوا: إِن للنَّاس لشأناً، ففتحوا عليهم الأبوابَ لما كانت مغْلَقة باللَّيْل، فوجدوهم قردَةً يعرفون الرجُلَ والمرأة.

وقيل: إن الناجينَ كانُوا قد قسموا بينهم وبين العاصين القريَةَ بجِدَارٍ تَبَرِّياً منهم، فأصبحوا، ولم تفتحْ مدينةُ الهالكين، فتسوَّروا عليهم الجدارَ، فإِذَا هم قردةٌ يثبُ بعضهم 24 أعلى بعض/.

وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وثبت أنَّ المُسُوخَ لا تنسل، ولا تأكل، ولا تشرَبُ، ولا تعيشُ أكثَرَ من ثلاثة أيام «1» ، ووقع في كتاب مسلم عنه صلى الله عليه وسلم «أنّ أمّة من الأمم فقدت، وأراها

- مجازا فيما سواه، أي: في النّدب والإباحة، وسائر المعاني المستعملة فيها الصيغة، وهذا مذهب الشافعي، واختاره ابن الحاجب في «المختصر» ، والبيضاويّ في «المنهاج» .

المذهب الثّاني: ويعزى لأبي هاشم الجبّائي، وهو وجه عند الشافعية حيث ذهبوا إلى أن صيغة الأمر حقيقة في الندب، مجاز فيما سواه.

المذهب الثّالث: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في الإباحة، وهو التخيير بين الفعل والتّرك، فهي لا تدلّ إلا على الجواز حقيقة لأنه هو المتيقن، فعند خلوّه عن القرينة يكون حقيقته في الإباحة، مجازا فيما سواها.

المذهب الرّابع: ويعزى للماتريديّ حيث يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين الوجوب والندب، وهو الطّلب لأن كلا من الوجوب والندب طلب، ويزاد قيد الجزم في جانب الوجوب لأنه الطلب الجازم، والندب غير جازم.

المذهب الخامس: وفيه تكون صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب والنّدب اشتراكا لفظيّا.

المذهب السّادس: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والإباحة.

المذهب السّابع: يرى أن صيغة الأمر حقيقة في القدر المشترك بين هذه الأنواع الثلاثة، وهو الإذن. نصّ عليه أبو عمرو بن الحاجب.

المذهب الثّامن: وإليه ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني، والغزالي، والآمديّ حيث كانوا يتوقّفون عن القول بأن الصيغة تدلّ على الوجوب، أو على الندب لأن الصيغة استعملت في الوجوب تارة، وفي النّدب أخرى، فقالوا بالتوقّف.

قال الآمديّ: ومنهم من توقّف، وهو مذهب الأشعري (رحمه الله تعالى) ومن تبعه من أصحابه كالقاضي أبي بكر، والغزالي، وغيرهما، وهو الأصح.

المذهب التّاسع: يرى أن صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والندب، والإباحة، والإرشاد، والتهديد.

وقيل: صيغة الأمر مشتركة بين الوجوب، والنّدب، والتحريم، والكراهة، والإباحة فهي مشتركة بين الأحكام الخمسة، ووجهة دلالة الصيغة على التحريم والكراهة فإنها تستعمل في التّهديد، وهو يستلزم ترك الفعل المهدّد عليه، وهو إما محرم، أو مكروه.

ينظر: «الإحكام» للآمدي (2/ 9) ، و «التيسير شرح التحرير» (2/ 49) .

(1)

ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 147) وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.

ص: 258