الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ت: والظاهر أن العَزْم غَيْرُ العقد، وقوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ:
يريد تمام العدَّة، والكتاب هنا هو الحدُّ الذي جُعِل، والقَدْر الذي رُسِمَ من المدَّة، وقوله:
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
…
الآية: تحذيرٌ من الوقوع فيما نهى عْنه، وتوقيف على غفره وحلمه.
[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]
لَاّ جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَاّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)
وقوله تعالى: لَاّ جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً هذا ابتداءُ إِخبارٍ برفع الجُنَاحِ عن المُطَلِّق قبل البِنَاءِ والجِمَاعِ، فَرَض مَهْراً أو لم يفرض، ولمّا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التزوُّج لمعنَى الذَّوْقِ، وقضَاءِ الشَّهْوةِ، وأمر بالتزوُّج، طلباً للعصْمَة، والتماس ثَوَابِ اللَّهِ، وقَصْدِ دوامِ الصُّحْبَةِ، وقع في نُفُوسِ المؤمنِينَ أنَّ من طلَّق قبل البناء قد واقع جزءاً من هذا المكروه، فنزلَتِ الآية رافعةً للجُنَاحِ في ذلك، إِذا كان أصْل النَّكاح علَى المَقْصِد الحَسَن.
وقال قَوْمٌ: لَاّ جُناحَ عَلَيْكُمْ: معناه: لا طَلَبَ لجميعِ المَهْر، بل عليكُمْ نصْفُ المفروض لِمَنْ فرض لها، والمتعةُ لمن لم يُفْرَضْ لها، وفَرْضُ المهرِ: إثباتُه، وتحديدُهُ، 59 أوهذه الآية/ تُعْطِي جوازَ العَقْد على التفْويض لأنه نكاحٌ مقرَّر في الآية، مُبَيَّنٌ حكْمُ الطلاق فيه قاله مالك في «المدوّنة» .
والفريضة: المصداق.
وقوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ. أي: أعطوهنَّ شيئاً يكون متاعاً لهنَّ، وحمله ابن عُمَر وغيره على الوجُوبِ، وحمله مالكٌ وغيره على الندْبِ، واختلف النَّاس في مقدارِ المُتْعة، قال الحَسَن: يمتَّع كلٌّ على قدْره، هذا بخادم، وهذا بأثوابٍ، وهذا بثوبٍ، وهذا بنفقةٍ «1» ، وكذلك يقول مالك.
وقوله تعالى: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ: دليلٌ على رفض التحديد، والمُوسِعُ: أي: من اتسع حالُه، والمُقْتِر: المقلُّ القليلُ المالِ، ومَتاعاً:
(1) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 319) .
نصبٌ على المصدر «1» .
وقوله تعالى: بِالْمَعْرُوفِ، أي: لا حمل فيه، ولا تكلُّف على أحد الجانبَيْنِ، فهو تأْكيدٌ لمعنى قوله: عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ، ثم أكَّد تعالى الندْبَ بقوله:
حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، أي: في هذه النازلةِ من التمتيعِ هُمْ محسِنُون، ومن قال بأنَّ المتعةَ واجبةٌ، قال: هذا تأكيدٌ للوجوب، أي: على المحسنين بالإيمان والإسلام، وحَقًّا: صفةٌ لقوله تعالى: مَتاعاً.
ت: وظاهر الآيةِ عمومُ هذا الحكْمِ في جميع المطلَّقات كما هو مذهبُ الشافعيِّ، وأحمد، وأصحاب الرأْي، والظاهرُ حمل المُتْعَة على الوجوبِ لوجوه، منها:
صيغةُ الأمر، ومنها: قولُه: حَقًّا، ومنْها: لفظةُ «على» ، ومنها: من جهة المعنى: ما يترتَّب على إِمتاعها من جَبْر القلوبِ، وربَّما أدى ترك ذلك إِلى العَدَاوة والبَغْضاء بَيْن المؤمنين، وقد مال بعضُ أئمَّتنا المتأخِّرين إِلى الوجوب. انتهى.
وقوله تعالى: وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
…
الآية: اختلف في هذه الآية، فقالتْ فرقةٌ، فيها مالك: إِنها مُخْرِجَةٌ للمطلَّقة بعد الفَرْض من حُكْم التمتيعِ إِذ يتناولها.
قوله تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ: وقال قتادةُ: نَسَخَتْ هذه الآيةُ الآيةَ الَّتي قبلها «2» ، وقال ابن القاسِمِ في «المدوَّنة» : كان المتاعُ لكلِّ مطلَّقة بقوله تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 241] ، ولغير المدخولِ بها بالآيةِ الَّتي في سورة «الأحزاب» ، فاستثنى اللَّه سبحانَهُ المَفْرُوضَ لها قَبْل الدخولِ بهذه الآية، وأثبت لها نصْفَ ما فَرَضَ فقَطْ «3» ، وزعم زيْدُ بْنُ أسْلَم أنها منسوخة «4» ، حكى ذلك في «المدوَّنة» عن زيد بن أسْلَم زعْماً.
وقال ابن القاسِمِ: إنها استثناءٌ، والتحرير يردُّ ذلك إِلى النسخ الَّذي قال زيْدٌ لأنَّ ابْنَ القاسِمِ قال: إِن قولَه تعالى: وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ [البقرة: 241] عمَّ الجميعَ، ثم استثنَى اللَّه
(1) ويجوز أن ينتصب على الحال، والعامل فيه حينئذ ما تضمنه الجار والمجرور «على الموسع» من معنى الفعل، وصاحب الحال ذلك الضمير المستكن في ذلك العامل. والتقدير: قدر الموسع يستقر عليه في حال كونه متاعا. وينظر: «الدر المصون» (1/ 583) .
(2)
أخرجه الطبري (2/ 555) برقم (5252) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 320) .
(3)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 327) .
(4)
ينظر المصدر السابق.
منْه هذه التي فُرِضَ لها قبل المَسِيسِ، وقال فريق من العلماء، منهم أبو ثَوْر «1» : المُتْعَة لكلِّ مطلَّقة عموماً، وهذه الآية إِنما بينت أن المفروض لها تأخُذُ نصْفَ ما فرض، أي: مع مُتْعَتها، وقرأ الجمهورُ «2» :«فَنِصْفُ» بالرفع، والمعنى: فالواجبُ نصْفُ ما فرضْتُمْ.
وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ: استثناء منقطعٌ، و «يَعْفُونَ» : معناه: يتركْنَ ويصفحْنَ، أي: يتركْن النِّصْفَ الذي وجَبَ لهنَّ عند الزوْجِ، وذلك إِذا كانت المرأةُ تمْلِكُ أمْرَ نَفْسِها.
واختلف في المرادِ بقوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
فقال ابن عَبَّاس، ومُجَاهدٌ، ومالكٌ، وغيرهم: هو الوليُّ الذي المَرْأَة في حِجْره «3» ، 59 ب وقالتْ فرْقَة: الذي بيده عُقْدة النكاح هو الزَّوْج «4» ، فعلى القول الأول: / الندْبُ في النَّصْف الذي يجبُ للمرأة إِمَّا أن تعفو هي، وإِما أن يعفو وليُّها، وعلى القول الثَّاني: إِما أنْ تعفو هي أيضاً فلا تأخذَ شيئاً، وإِما أن يعفو الزوْجُ عن النِّصْفِ الذي يحطّ، فيؤدّي جميع
(1) أبو عبد الله إبراهيم بن خالد بن أبي يمان، أبو ثور، أخذ عن الشافعي- رضي الله عنه كما أخذ الفقه عن غيره، قال الخطيب البغدادي: كان أحد الثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام في الدين، وله كتب مصنفة في الأحكام ينظر:«طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 55) ، و «تهذيب التهذيب» (1/ 118) ، و «طبقات السبكي» (1/ 277) .
(2)
وقرأ علي وزيد بن ثابت «فنصف» بضم النون في جميع القرآن. قال ابن عطية: وهي لغة، وكذلك روى الأصمعي قراءة عن أبي عمرو بن العلاء.
ينظر: «الشواذ» (ص 22) ، و «المحرر الوجيز» (1/ 320) . ونسبها أبو حيان في «البحر» (2/ 244) زيادة على ما تقدم إلى السلمي. [.....]
(3)
أخرجه الطبري (2/ 558- 559) برقم (5286- 5287- 5308) عن مجاهد برقم (5304) عن ابن عباس. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (1/ 219) عن ابن عباس. وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 320) . والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 521) ، وعزاه لابن جرير عن ابن عباس.
(4)
أخرجه الطبري (2/ 560- 563) بأرقام (5317- 5363) عن علي وشريح. وذكره البغوي في «معالم التنزيل» (1/ 219) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 321) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 521) . وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني في «الأوسط» ، والبيهقي بسند حسن، عن ابن عمرو، عن النبي صلى الله عليه وسلم
…
وعزاه لوكيع، وسفيان، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والبيهقي، عن علي بن أبي طالب.
وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي من طرق عن ابن عباس.