الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو عبد اللَّه اللَّخْمِيُّ في «مختصره» لتفسير الطبريِّ: وعن قتادة: هذا مثلٌ «1» ، فاعقلوا عن اللَّه أمثالَهُ هذا رجلٌ كَبرت سنُّه، ورَقَّ عظمه، وكَثُر عياله، ثم احترقت جنَّته، أحْوجَ ما يَكُون إِليها، يقول: أيحبُّ أحدكم أنْ يضلَّ عنه عمله يَوْمَ القيامةِ أحْوَجَ ما يكُونُ إِلَيْه. وعن الحَسَنِ نحوه. انتهى.
وخصَّ الأعناب والنَّخيل بالذكْر، لشرفهما، وفَضْلهما على سائر الشَّجَر، والواو في قوله: وَأَصابَهُ واو الحالِ وكذلك في قوله: وَلَهُ، وضعفاءُ: جمعُ ضعيفٍ، والأعصار: الريحُ الشديدةُ العاصفةُ التي فيها إِحراق لكلِّ ما مرَّت عليه يكونُ ذلك في شدَّة الحرِّ، ويكون في شدَّة البَرْد، وكلّ ذلك من فيح جهنّم.
ولَعَلَّكُمْ: تَرَجٍّ في حقِّ البَشَر، أي: إِذا تأمَّل من بُيِّنَ له هذا البيان رُجِيَ له التفكُّر، وكان أهْلاً له، وقال ابنُ عَبَّاس: تتفكَّرونَ في زوالِ الدنْيَا، وفنَائِها، وإِقبال الآخرةِ وبقائها «2»
[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَاّ أُولُوا الْأَلْبابِ (269)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ مَا كَسَبْتُمْ
…
الآية: هذا خطاب لجميع أمّة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم/ وهذه صيغةُ أمر بالإِنفاق، واختلف المتأوِّلون، هل المراد بهذا 69 ب الإِنفاق الزَّكَاةُ المفروضةُ، أو التطوُّع، والآية تعمُّ الوجهَيْن، لكنَّ صاحب الزكاة يتلَقَّاها على الوُجُوب، وصاحب التطوُّع يتلَقَّاها على الندْبِ، وجمهورُ المتأوِّلين قالوا: معنى مِنْ طَيِّباتِ: من جَيِّد ومختارِ ما كسبتُمْ، وجعلوا الخبيثَ بمعنَى الرديء، وقال ابن زَيْد:
معناه: من حلالِ ما كسبتمْ «3» ، قال: وقوله: وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ، أي: الحرام «4» .
ع «5» : وقولُ ابن زيدٍ ليس بالقويِّ من جهة نَسَق الآيةِ، لا من معناه في نفسه.
(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (1/ 77) برقم (6098) ، وذكره السيوطي في «تفسيره» (1/ 604) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(2)
أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 80) برقم (6118) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 361) .
(3)
ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 361) .
(4)
ينظر السابق.
(5)
ذكره ابن عطية (1/ 361) .
وكَسَبْتُمْ: معناه: كانت لكُمْ فيه سعاية، وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ:
النباتات، والمَعَادن، والرِّكَاز، وما ضارع ذلك، وتَيَمَّمُوا: معناه: تعمدوا، وتَقْصِدوا، والتيمُّم: القصْد، وقال الجُرْجَانِيُّ: قال فريقٌ من الناس: إِن الكلام تَمَّ في قوله:
الْخَبِيثَ، ثم ابتدأ خَبَراً آخر، فقال: تُنْفِقُونَ منه وأنتم لا تأخذونه إِلا إِذا أغمضتم، أي:
ساهَلْتُم، قال ع «1» : كأنَّ هذا المعنى عتابٌ للنَّفْسِ وتقريعٌ وعلى هذا، فالضميرُ في مِنْهُ عائدٌ على الْخَبِيثَ.
قال الجُرْجَانِيُّ: وقال فريقٌ آخر: بل الكلامُ متَّصِلُ إِلى قوله: فِيهِ وعلى هذا، فالضمير في «مِنْهُ» عائدٌ على:«مَا كَسَبْتُمْ» كأنه في موضعَ نصبٍ على الحالِ، والمعنى في الآية: فَلَا تَفْعَلُوا مع اللَّهِ ما لا ترضَوْنه لأنفُسِكم، واعلموا أنَّ اللَّه غنيٌّ عن صدقاتكم، فمَنْ تقرب وطلب مثوبةً، فلْيفعلْ ذلك بما لَهُ قَدْرٌ.
ت: وهذا يقوِّي القولَ بأنها في الزكاة المفروضة، وحَمِيدٌ: معناه محمودٌ.
وقوله تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ
…
الآية: هذه الآيةُ وما بعدها- وإِن لم تكُنْ أمراً بالصدقة، فهي جالبةُ النفوس إلى الصدقة- بيَّن- عز وجل فيها نزغاتِ الشيطانِ، ووسوستَهُ، وعداوتَهُ، وذكَّر بثوابه هو سبحانه، لا رَبَّ غيره، وذَكَّر بتفضُّله بالحكْمة، وأثنى عليها، ونبَّه أنَّ أهل العقول هم المتذكِّرون الذين يقيمُونَ بالحكْمة قدْرَ الإِنفاق في طاعةِ اللَّه، وغير ذلك، ثم ذكر سبحانه علْمَهُ بكلِّ نفقة ونَذْر، وفي ذلك وعْدٌ ووعيدٌ، ثم بيَّن الحِكَمَ في الإِعلان والإِخفاء وكذلك إِلى آخر المعنى.
والوعد في كلامِ العربِ، إِذا أطلق، فهو في الخير، وإِذا قُيِّد بالموعود، فقد يقيد بالخَيْر، وقد يقيَّد بالشر كالبِشَارة، وهذه الآية مما قُيِّدَ الوعْدُ فيها بمكْرُوه، والفَحْشَاءُ: كلُّ ما فَحُشَ، وفَحُشَ ذكْرُه، روى ابن مسعود، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:«إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً «2» مِن ابن آدَمَ، وَلِلْمَلِكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ، فَإِيعَادٌ بالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالحَقِّ، وأَمَّا لَمَّةُ المَلَكِ، فَإِيعَادٌ بِالخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ، فَلْيَعْلَمْ أنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأخرى، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ» ثُمَّ قرأَ صلى الله عليه وسلم: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ
…
الآية. قُلْتُ: هذا حديثٌ صحيحٌ خرَّجه أبو عيسَى التِّرمذيُّ، وقال
(1) ذكره ابن عطية (1/ 362) .
(2)
اللّمّة: الهمة والخطرة تقع في القلب. ينظر: «لسان العرب» (4079) . [.....]
فيه: حَسَنٌ غريبٌ صحيحٌ «1» .
والمغفرةُ: هي السَّتْر على عبادِهِ في الدنيا والآخرة، والفَضْل: هو الرزق في الدنيا، والتوسعةُ فيه، والنَّعِيمُ في الآخرة، وَبِكُلٍّ قدْ وعد اللَّه جلَّ وعلَا، وروي، أنَّ في التوراة:
«عَبْدِي، أَنْفِقْ مِنْ رِزْقِي، أَبْسُطْ عَلَيْكَ فَضْلِي، فَإِنَّ يَدِي مَبْسُوطَةٌ على كُلِّ يَدٍ مَبْسُوطَةٍ» وفي القُرآن مصداقه، وهو: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ/ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ: 39] . 70 أت: روى الطَّبرانيُّ سليمانُ بْنُ أحْمَدَ «2» ، بسنده عَنْ عبد اللَّه بنِ عمرٍو، قال:
قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَطْعَمَ أَخَاهُ حتى يُشْبِعَهُ، وسَقَاهُ مِنَ المَاءِ، حتى يَرْوِيَهُ، بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ مَا بَيْنَ كُلِّ خَنْدَقَيْنِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ» «3» . انتهى.
وعن أبي سَعيدٍ الخُدْرِيِّ- رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا مُسْلِمٍ كَسَا مُسْلِماً ثَوْباً عَلَى عُرْيٍ، كَسَاهُ اللهُ مِنْ خُضْرِ الجَنَّةِ، وأَيُّما مُسْلِمٍ أَطْعَمَ مُسْلِماً عَلَى جُوعٍ أَطْعَمَهُ اللَّهُ مِنْ ثِمَارِ الجَنَّةِ، وأَيُّمَا مُسْلِمٍ سقى مُسْلِماً على ظَمَإٍ، سَقَاهُ اللَّهُ عز وجل مِنَ الرَّحِيقِ المَخْتُومِ» أخرجه أبو داود «4» ، مِنْ حديثِ أبي خالد، هو الدّالاني «5» ، عن نبيح «6» ،
(1) أخرجه الترمذي (5/ 219- 220) ، كتاب «التفسير» باب سورة البقرة، حديث (2988) ، وأبو يعلى (8/ 417) رقم (4999) ، وابن حبان (40- موارد) ، والطبري (3/ 88) كلهم من طريق عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن ابن مسعود به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(2)
سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم، ولد ب «عكا» سنة 260 هـ. من كبار المحدثين، أصله من «طبرية» الشام، وإليها نسبته، رحل إلى الحجاز، واليمن، ومصر، والعراق، وفارس، والجزيرة، وتوفي سنة 360 هـ ب «أصبهان» . له ثلاثة معاجم في الحديث، منها «المعجم الصغير» وله كتب في «التفسير» ، و «الأوائل» ، و «دلائل النبوة» وغير ذلك.
ينظر: «وفيات الأعيان» (1/ 215) ، و «النجوم الزاهرة» (4/ 59) ، و «تهذيب ابن عساكر» (6/ 240) ، و «الأعلام» (3/ 121) .
(3)
ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/ 133)، وقال: رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» بنحوه إلا أنه قال: من أطعم أخاه خبزا، وفيه رجاء بن أبي عطاء، وهو ضعيف.
(4)
أخرجه أبو داود (1/ 526) كتاب «الزكاة» ، باب في فضل سقي الماء، حديث (1682) من طريق أبي خالد الدالاني عن نبيح عن أبي سعيد مرفوعا.
(5)
أبو خالد الدّالاني الكوفي، اسمه يزيد بن عبد الرحمن، عن عمرو بن مرّة، والمنهال بن عمرو، وعنه الثوري، وشعبة، وثقه أبو حاتم، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن عديّ: في حديثه لين مات سنة مائة. ينظر: «الخلاصة» (3/ 214) .
(6)
نبيح بن عبد الله، العنزي الكوفي، عن جابر، وابن عباس، وابن عمر، وعنه الأسود بن قيس وجماعة، وثقه أبو زرعة. ينظر:«الخلاصة» (3/ 104) .