الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضمر، ولا يعرف اسم مضمر يتغيَّر آخره غيره، وحكي عن بعضهم أنه قال: الكاف والهاء والياء هو الاسم المضمر، لكنها لا تقوم بأنفسها، ولا تكون إِلا متصلات، فإذا تقدَّمت الأفعال جعل «إِيَّا» عماداً لها، فيقال: إِيَّاكَ، وإِيَّاهُ، وإِيَّايَ، فإِذا تأخرت، اتصلت بالأفعال، واستغني عن «إيّا» .
ونَعْبُدُ: معناه: نقيم الشرع والأوامر مع تذلُّل واستكانةٍ، والطريقْ المذلَّل يقال له معبَّدٌ، وكذلك البعير.
ونَسْتَعِينُ معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا، وهذا كله تبرّ من الأصنام.
[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)
وقوله تعالى: اهْدِنَا: رغبة لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغ الأمر كلها، فإِذا كانت من الأعلى، فهي أَمْرٌ.
والهِدَايَةُ في اللغة: الإرشادُ، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسِّرون بغير لفظ الإِرشاد وكلها إِذا تأملت راجِعةٌ إلى الإرشاد، فالهدى يجيء بمعنى خَلْقِ الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 5] ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [النور: 46]، وإِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56] فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ [الأنعام: 125] الآية، قال أبو المعالي «1» : فهذه الآيات لا يتجه جلها إلا على خلق الإيمان في القلب، وهو محض الإرشاد «2» .
8 أوقد جاء الهدى بمعنى الدعاء كقوله تعالى: وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] أي: داع/ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52] .
(1) عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد، العلامة إمام الحرمين، أبو المعالي بن أبي محمد الجويني، ولد سنة (419) ، وتفقه على والده، وقعد للتدريس بعده، وحصل أصول الدين وأصول الفقه على أبي القاسم الأسفراييني الإسكاف، وصار إماما، حضر درسه الأكابر، وتفقه به جماعة من الأئمة. قال السمعاني: كان إمام الأئمة على الإطلاق، ومن تصانيفه: النهاية والغياثي والإرشاد، وغيرهما. مات سنة (478) .
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 255) ، «طبقات السبكي» (3/ 249) ، «وفيات الأعيان» (2/ 341) ، و «الأنساب» (3/ 430) ، «شذرات الذهب» (3/ 358) ، «النجوم الزاهرة» (5/ 121) ، و «معجم البلدان» (2/ 193) .
(2)
ينظر: ص 486.
وقد جاء الهدى بمعنى الإِلهام من ذلك قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] .
قال المفسِّرون: ألهم الحيواناتِ كلَّها إِلى منافعها.
وقد جاء الهدى بمعنى البيان من ذلك قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فصلت: 17] قال المفسِّرون: معناه: بيَّنَّا لهم.
قال أبو المعالي «1» : معناه: دعوناهُمْ، وقوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى [الليل: 12]، أي: علينا أنْ نبيِّن.
وفي هذا كله معنى الإِرشاد.
قال أبو المعالي: وقد ترد الهدايةُ، والمراد بها إِرشاد المؤمنين إِلى مسالك الجِنَانِ والطرقِ المفضيةِ إِلَيْهَا كقوله تعالى في صفة المجاهدين: فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [محمد: 4- 5] ومنه قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23]، معناه: فاسلكوهم إِليها.
قال ع «2» : وهذه الهدايةُ بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضدُّ الضلالِ، وهي الواقعة في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ على صحيح التأويلات، وذلك بيِّن من لفظ «الصِّرَاط» والصراط في اللغة: الطريقُ الواضِحُ ومن ذلك قول جَرِيرٍ «3» : [الوافر]
أَمِيرُ المُؤْمِنيِنَ على صِرَاطٍ
…
إِذَا اعوج المَوَارِدُ مستقيم «4»
(1) ينظر: «الإرشاد» ص (190) ، و «المحرر الوجيز» (1/ 73) .
(2)
ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 73) .
(3)
جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر الكلبي، اليربوعي، من تميم أشعر أهل عصره، ولد سنة (28) هـ. ومات سنة 110 هـ. في «اليمامة» . وعاش عمره كله يناضل شعراء زمنه ويساجلهم، وكان هجاءا مرّا، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق والأخطل، وكان عفيفا، وهو من أغزل الناس شعرا.
ينظر: «الأعلام» (2/ 19) ، «وفيات الأعيان» (1/ 102) ، «الشعر والشعراء» (179) ، و «خزانة الأدب» (1/ 36) . [.....]
(4)
البيت في مدح هشام بن عبد الملك، ينظر: ديوانه (507) ، «شرح الديوان» لمحمد بن حبيب (1/ 218) ، «المحتسب» (1/ 43) ، «مجاز القرآن» (1/ 24) ، «تفسير الطبري» (1/ 56) ، «تفسير القرطبي» (1/ 103) ، «اللسان» (سرط) ، «الجمهرة» (2/ 330) ، «الدر المصون» (1/ 78) .
والموارد: الطرق، واحدها موردة.
واختلف المفسِّرون في المعنى الذي استعير له «الصِّراط» في هذا الموضع: فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الصراط المستقيم هنا القرآنُ «1» ، وقال جابرٌ: هو الإِسلام، يعني الحنيفيَّة «2» .
وقال محمَّد بن الحنفيَّة «3» : هو دينُ اللَّه الذي لا يَقْبَلُ مِن العِبَادِ غيره «4» .
وقال أبو العالية: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه أبو بَكْر وعمر، أي: الصراط المستقيم طريق محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر «5» ، وهذا قويٌّ في المعنى، إلَاّ أنَّ تسمية أشخاصهم طريقاً فيه تجوُّز، ويجتمع من هذه الأقوال كلِّها أنَّ الدعوة هي أنْ يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيِّين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام وهو حالُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وصاحبيه.
وهذا الدعاء إِنما أمر به المؤمنون، وعندهم المعتقدات، وعند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قوله: اهْدِنَا فيما هو حاصل عندهم: التثبيتُ والدوام، وفيما ليس بحاصل، إِما من جهة الجهل به، أو التقصير في المحافظة عليه: طلب الإرشاد إليه، فكلّ
(1) أخرجه ابن جرير (1/ 173)(176) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 59) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 41) ، عن علي مرفوعا، وابن كثير (1/ 27) ، عن علي موقوفا عليه.
وقال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري: والإسناد إلى علي بن أبي طالب فيه انهيار.
(2)
أخرجه ابن جرير (178) ، وصححه الحاكم (2/ 259) ، ووافقه الذهبي. وذكره الماوردي في تفسيره (1/ 59) ، والبغوي (1/ 41) ، وابن كثير (1/ 27)، قال: صحيح، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 40) وعزاه لوكيع، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن جرير، والمحاملي في «أماليه» ، والحاكم. وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(3)
محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، الإمام المعروف ب «ابن الحنفية» أمه خولة بنت جعفر الحنفية، نسب إليها. عن أبيه، وعثمان، وغيرهما. وعنه بنوه: إبراهيم، وعبد الله، والحسن، وعمرو بن دينار، وخلق. قال إبراهيم بن الجنيد: لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر ولا أصح مما أسند محمد بن الحنفية. قال أبو نعيم: مات سنة ثمانين.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 440) ، و «تهذيب التهذيب» (9/ 354) ، و «الكاشف» (3/ 80) ، و «الثقات» (5/ 347) .
(4)
ذكره الماوردي في «تفسيره» (ص 59) ، وابن كثير (ص 27)، وقال: صحيح.
(5)
أخرجه ابن جرير (1/ 105) برقم (184) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 59) ، والبغوي (1/ 41) ، وابن كثير (1/ ص 27، 28)، وقال: صحيح. وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 41) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جريج، وابن أبي حاتم، وابن عدي، وابن عساكر. ورواه الحاكم في «المستدرك» ، عن ابن عباس، وقال: صحيح. ووافقه الذهبي.
داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله، وأفعاله، ومعتقداته واختلف في المشار إِليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم، وقول ابن عبَّاس، وجمهور من المفسِّرين: أنه أراد صراط النبيِّين والصدِّيقين والشهداء والصالِحِين، وانتزعوا ذلك من قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ
…
الآية [النساء: 66] إلى قوله: رَفِيقاً «1» .
وقوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، اعلم أنَّ حكم كل مضافٍ إلى معرفة أنْ يكون معرفة، وإنما تنكَّرت «غَيْرٌ» و «مِثْلٌ» «2» مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، وذلك إِذا قلْتَ: رأيتُ غَيْرَكَ، فكلُّ شيء سوى المخاطَبِ، فهو غيره وكذلك إِنْ قُلْتَ: رأيْتُ مثْلَكَ، فما هو مثله لا يحصى لكثرة وجوه المماثلة.
والْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ: اليهودُ، والضالُّون: النصارى قاله ابن مسعود، وابن عَبَّاس، مجاهد، والسُّدِّيُّ، وابن زيد «3» .
وروى ذلك عديّ بن حاتم «4» عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «5» ، وذلك بيِّن من كتاب اللَّه لأنَّ ذِكْرَ
(1) أخرجه ابن جرير (1/ 106) برقم (188)، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (1/ 178) (188) : في إسناده ضعف. وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 75) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 42) .
(2)
هذا يكون في الإضافة المحضة المعنوية لا الإضافة غير المحضة اللفظية.
(3)
أخرجه الطبري (1/ 111- 114) بأرقام (200- 201- 202- 205- 214- 219) عن ابن زيد، ومجاهد، عن ابن عباس، وابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (1/ 77) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 42- 43) .
وابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدني روى عن أبيه، وعن وكيع وابن وهب، وقتيبة، وخلق. ضعّفه أحمد، وابن المديني، والنسائي، وغيرهم. توفي سنة (182) هـ.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 133)(4094) ، «الجرح والتعديل» (2/ 232- 233) ، و «المغني» (2/ 380) .
(4)
هو: عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعلب بن عمرو بن عوث بن طيّ
…
وقيل في نسبه غير ذلك، أبو الطريف. وقيل: أبو وهب، الطائي.
وهو ابن حاتم الطائي الذي يضرب بكرمه وجوده المثل، وكان هو أيضا كريما جوادا، وقد أسلم بعد أن كان نصرانيا. وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، وثبت هو وقومه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وردت كثير من العرب، فجاء إلى أبي بكر بصدقة قومه. وأخباره في الكلام كثيرة، وسيرته بين الصحابة شهيرة. توفي سنة (67) وقيل غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (4/ 8) ، «الإصابة» (4/ 228) ، «الثقات» (1/ 316) ، «الاستيعاب» (1057) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 376) ، «الطبقات الكبرى» (1/ 322) ، «التاريخ الكبير» (7/ 43) ، «التاريخ الصغير» (1/ 148) ، «الجرح والتعديل» (7/ 2) .
(5)
أخرجه الترمذي (5/ 204) ، كتاب «تفسير القرآن» ، باب ومن سورة فاتحة الكتاب، حديث (2954) . -