الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التي هي كلُّها دواعٍ إِلى الجنَّة، والإِذن: العلْم والتمكينُ، فإِن انضاف إلى ذلك أمْرٌ، فهو أقوى من الإِذن لأنك إِذا قلْتَ: أذنْتُ في كذا، فليس يلزمك أنَّكَ أمرْتَ، ولَعَلَّهُمْ:
ترجٍّ في حق البشر، ومن تذَكَّر، عمل حسب التذكّر، فنجا.
[سورة البقرة (2) : آية 222]
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)
قوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً قال الطبريُّ عن السُّدِّيِّ: إنَّ السائلَ ثابتُ بْنُ الدَّحْدَاحِ «1» ، وقال قتادةُ وغيره: إِنما سألوه لأنَّ العرب في المدينةِ وما والاها، كانُوا قد استنوا بسُنَّة بني إِسرائيل في تجنُّب مواكلة الحائِضِ، ومساكَنَتِها، فنزلَتِ الآية «2» .
وقوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ يريدُ: جماعَهُنَّ بما فسّر من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ أنْ تشدَّ الحائِضُ إِزارها، ثُمَّ شأنُه بأعلاها.
قال أحمد بن نصر الداوديّ: روي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اتقوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ فَإِنَّ الجُذَامَ يَكُونُ مِنْ أَوْلَادِ المَحِيضِ» «3» انتهى.
قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ، وقرأ حمزة «4» وغيره «يَطَّهَّرْنَ» بتشديد الطاء والهاء، وفتحهما، وكلُّ واحدة من القراءَتَيْنِ يحتملُ أنْ يراد بها الاِغتسالُ بالماء، وأن يراد بها انقطاعُ الدمِ، وزوالُ أذاه، قال ابنُ العربيُّ في «أحكامه» «5» : سمعْتُ أبا بكر
(1) أخرجه الطبري (2/ 393) برقم (4237) ، وذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 298) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 461) ، وعزاه لابن جرير.
وهو ثابت بن الدّحداح بن نعيم بن غنم بن إياس، حليف الأنصار. وكان بلويّا، حالف بني عمرو بن عوف. ويقال: ثابت بن الدحداحة. ويكنى أبا الدحداح، وأبا الدحداحة. ينظر:«الإصابة» (1/ 503)(العلمية) .
(2)
أخرجه الطبري (2/ 393) برقم (4234) ، وذكره ابن عطية (1/ 298) . والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 462) ، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة.
(3)
ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (1/ 259) ، وعزاه لابن المنذر.
(4)
ينظر: «السبعة» (182) ، و «الكشف» (1/ 293) ، و «الحجة» (2/ 321) ، و «حجة القراءات» (134، 135) ، و «العنوان» (74) ، و «شرح الطيبة» (4/ 99) ، و «شرح شعلة» (290، 291) ، و «معاني القراءات» للأزهري (1/ 202) ، و «إتحاف» (1/ 438) .
(5)
ينظر: «الأحكام» (10/ 164) .
الشَّاشِيَّ «1» يقولُ: إِذا قيل: لا تَقْرَبْ بفتح الراء، كان معناه: لا تَلْتَبِسْ بالفعلِ، وإِذا كان بضم الراء، كان معناه لا تَدْن منه. انتهى.
وجمهورُ العلماء على أنَّ وطأها في الدَّمِ ذنْبٌ عظيمٌ يتاب منْه، ولا كفَّارة فيه بمالٍ «2» ، وجمهُورهم على أن الطُّهْر الذي يُحِلُّ جماعَ الحائِض، هو بالماءِ كطهر الجُنُب، ولا يجزىء من ذلك تَيَمُّمٌ ولا غيره.
وقوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ
…
الآية: الخلافُ فيها كما تقدَّم، وقال مجاهدٌ وجماعةٌ: تَطَهَّرْنَ، أي: اغتسلن بالماء «3» بقرينةِ الأمر بالإِتيان لأنَّ صيغة الأمر من الله
(1) القاسم بن القفال الكبير الشاشي محمد بن علي، مصنف «التقريب» ، كان إماما جليلا حافظا، برع في حياة أبيه، قال العبادي: إن كتابه «التقريب» قد تخرج به فقهاء خراسان، وازدادت طريقة أهل العراق به حسنا، وقد أثنى البيهقي على التقريب، وقال فيه الأسنوي: ولم أر في كتب الأصحاب أجلّ منه.
ينظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 187) ، «هدية العارفين» (1/ 827) ، «طبقات الأسنوي» (ص 108) .
(2)
اتفق أهل العلم على تحريم غشيان الحائض، ومن فعله عالما عصى، ومن استحلّه كفر لأنه محرّم بنصّ القرآن، ولا يرتفع التّحريم حتى ينقطع الدم وتغتسل عند أكثر أهل العلم، وهو قول سالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، ومجاهد، والحسن، وإبراهيم، وإليه ذهب عامة العلماء، لقوله سبحانه وتعالى:
فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أي: اغتسلن.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز غشيانها بعد ما انقطع دمها لأكثر الحيض قبل الغسل.
واختلف أهل العلم في وجوب الكفّارة بوطء الحائض، فذهب أكثرهم إلى أنه يستغفر الله ولا كفّارة عليه، وهو قول سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النّخعي، والقاسم، وعطاء، والشّعبي، وابن سيرين، وبه قال ابن المبارك، والشّافعيّ، وأصحاب الرأي.
وذهب جماعة إلى إيجاب الكفّارة بإتيان الحائض، منهم قتادة والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق، وقاله الشافعي في القديم، لما روى عن ابن عبّاس، أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال في رجل جامع امرأته وهي حائض.،
قال: «إن كان الدّم عبيطا، فليتصدّق بدينار، وإن كان صفرة، فنصف دينار» .
أخرجه الترمذي (1/ 245)، أبواب الطهارة: باب ما جاء في الكفارة في ذلك (137) ، وفي سنده عبد الكريم بن أبي المخارق، ضعيف كما في «التقريب» (1/ 516) ، وللحديث طرق أخرى قد بسطها الشيخ شاكر في شرحه للترمذي (1/ 245- 254) ، فانظرها ففيها فوائد.
قال أبو عيسى: حديث الكفّارة في إتيان الحائض قد روي عن ابن عباس موقوفا، وروي أنه قال:«إن أصابها في فور الدّم تصدّق بدينار، وإن كان في انقطاع الدم، فنصف دينار» .
وقال قتادة: دينار للحائض، ونصف دينار إذا أصابها قبل الغسل. وقال أحمد: يتخيّر بين الدّينار والنصف، وقال الحسن: عليه ما على المجامع في نهار رمضان.
ومن لم يوجب الكفارة، ذهب إلى أن حديث ابن عبّاس لا يصحّ متّصلا مرفوعا. ينظر:«شرح السنة» (1/ 409- 410) .
(3)
أخرجه الطبري (2/ 398- 399) برقم (4273) . -