الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة البقرة (2) : آية 196]
وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (196)
وقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ: قال ابنُ زَيْد وغيره: إِتمامهما ألَاّ تفسخا، وأن تتمهما، إِذا بدأْتَ بهما «1» ، وقال ابن عَبَّاس وغيره: إِتمامهما أنْ تقضي مناسكهما كاملةً بما كان فيهما من دماء «2» ، وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ: إتمامهما أن تخريج قاصداً لهما، لا لتجارةٍ، ولا لغيرِ ذلك «3» ويؤيد هذا قولُهُ: لِلَّهِ.
وفروضُ الحجِّ: النيَّة «4» ، والإحرام، والطواف «5» المتصل بالسعي، يعني: طواف
(1) أخرجه الطبري (2/ 214) برقم (3207) ، وذكره ابن عطية (1/ 265) .
(2)
أخرجه الطبري (2/ 213) برقم (3194) . وذكره البغوي (1/ 165) ، وابن عطية (1/ 266) ، والسيوطي (1/ 376) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس. [.....]
(3)
أخرجه الطبري (2/ 214) برقم (3206) ، وذكره البغوي (1/ 165- 166) ، وابن عطية (1/ 265) .
(4)
معناه: نية الدخول في الحج وكيفيته: أن يقصد الحج والإحرام به لله تعالى لخبر «إنما الأعمال بالنيات»
…
ويشترط في النية أن تكون في أشهر الحج لقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ والمراد به وقت إحرام الحجّ.
ويسن اقتران النية بالتلبية بأن ينوي ويلبي بلا فاصل، كما يسنّ في النية- التلفظ باللسان، ليساعد اللسان القلب، بأن يقول الشخص: نويت الحج وأحرمت به لله (تعالى) إذا كان يحج عن نفسه، أو نويت الحج عن فلان، وأحرمت به لله تعالى- إذا كان يحج عن غيره.
وصيغة التلبية: «لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك» .
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه : لا ينعقد الإحرام حتى يلبّي، أو يسوق الهدي، واستدل «أوّلا» بقوله عليه الصلاة والسلام :«أمرني جبريل أن آمر أصحابي بالتلبية ورفع الصوت. و «ثانيا» بالقياس على الصلاة.
وأجيب عن الأول بأن الأمر أمر استحباب، وإلا لزم رفع الصوت، كما أجيب عن الثاني، بأنّ المقصود من الصلاة الذكر بخلاف الحجّ.
(5)
من أركان الحج الطواف بالبيت لقوله تعالى: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج: 29] ، والمراد به طواف الإفاضة، لانعقاد الإجماع على ذلك، ولهذا الطواف أسماء غير ذلك، منها «طواف الزيارة» ، و «طواف الفرض» ، وقد يسمى «طواف الصّدر» بفتح الدال، والأشهر أن طواف الصدر هو طواف الوداع.
ومحل طواف الإفاضة بعد الخروج من عرفة ولهذا سمي طواف الإفاضة، ويدخل وقته بنصف ليلة النحر، لمن وقف قبله قياسا على رمي جمرة العقبة، ولا آخر لوقته إذ الأصل، عدم التأقيت إلا إذا دلّ دليل على ذلك، ولا دليل ثمّة. -
الإِفاضة، والسَّعْيِ بين الصفا والمروة عنْدنا خلافاً لأبي حنيفة، والوقوفُ بعرفة «1» ، وزاد ابن الماجِشُونَ: جَمْرة العَقَبَة.
وقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ هذه الآية نزلَتْ عام الحديبية عنْد جمهور أهل التأويل، وأجمع جمهورُ النَّاس على أنَّ المُحْصَرَ بالعَدُوِّ يَحِلُّ حيثُ أُحْصِرَ، وينحر هَدْيه، إِن كان ثَمَّ هَدْيٌ، ويحلق رأسه، وأما المُحْصَرُ بمرضٍ، فقال مالك، وجمهور من العلماء: لا يحله إِلا البيتُ، ويقيم حتى يُفِيقَ، وإِن أقام سنين، فإِذا وصل البيتَ، بعد فوت الحجِّ، قطع التلبيةَ في أوائل الحرم، وحلَّ بعمرة، ثم تكون عليه حجَّة قضاء، وفيها يكون الهَدْي.
و «مَا» في موضع رفعٍ «2» ، أي: فالواجبُ، أو: فعليكُمْ ما استيسر، وهو شاةٌ عند الجمهور.
- ويسن تأخيره إلى بعد طلوع الشمس للاتباع، ويكره تأخيره عن يوم النحر، وفي تأخيره عن أيام التشريق كراهة شديدة، وعن خروجه من «مكة» كراهة أشد.
(1)
من أركان الحج: الوقوف بعرفة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«الحجّ عرفة» أي: معظمه، ويبتدىء وقته من زوال اليوم التاسع من ذي الحجة لما صح «أنّه صلى الله عليه وسلم وقف بعد الزّوال» مع خبر «خذوا عنّي مناسككم» ، وينتهي بطلوع فجر يوم النحر، وهو اليوم العاشر من ذي الحجة لقوله صلى الله عليه وسلم:«من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحجّ» ، ففي أي جزء من الزمن المذكور وقف المحرم بأرض عرفة أجزأه، دون ما قبله، ودون ما بعده.
نعم لو وقفوا يوم النحر غلطا لظنهم أنه اليوم التاسع بأن غم عليهم هلال ذي الحجّة، فأكملوا ذا القعدة ثلاثين، ثم بان أن الهلال أهلّ ليلة الثلاثين، أجزأهم ذلك الوقوف بدون قضاء، بشرط ألا يكون عددهم أقلّ من المعتاد، فإذا قلّ عددهم عن حسب العادة وجب عليهم القضاء، كما يجب عليهم القضاء إذا وقفوا اليوم الثامن أو الحادي عشر غلطا لندرة الغلط فيهما.
والمعتبر في الوقوف بعرفة حضور المحرم بها ولو لحظة ماشيا كان أو راكبا، متيقظا كان أو نائما، وسواء حضر لغرض الوقوف أم لا، كأن كان هاربا أو مارّا في طلب آبق، وسواء علم أنها عرفة، أو لم يعلم أنها هي، وبالجملة فيجزىء الوقوف مع النوم ولو استغرق جميع الوقت، ومع الغفلة، ومع عدم المكث، ومع الجهل بالبقعة واليوم.
وفي حكم أرض عرفة ما اتصل بها وكان في هوائها، فيكفي كون المحرم على دابّة أو سيّارة أو شجرة في أرض المذكورة. ولا يكفي كونه على غصن شجرة خارج عن هوائها، وإن كان أصل الغصن المذكور فيها، ولا كونه على غصن في هوائها وأصله ليس فيها، كما لا يكفي الطيران في جوّها، ولا الوقوف على جزء نقل منها إلى مكان آخر.
وحدّ عرفة من وادي «عرنة» إلى الجبال المقبلة على عرفة إلى حوائط بستان بني عامر، وإلى طريق الحصن، وليست النّمرة، ولا وادي «عرنة» ، ولا صدر مسجد إبراهيم عليه السلام من عرفات.
(2)
وفيها قولان آخران:
أحدهما: أنها في محل نصب، أي: فليهد، أو فلينحر. وهذا مذهب ثعلب.
وقال ابن عمر وعروة «1» : جَملٌ دون جَمَلٍ، وبقرةٌ دون بقرة «2» .
وقوله تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ الخطابُ لجميعِ الأمَّة، وقيل: للمحصَرِينَ خاصَّة، ومَحِلُّ الهَدْيِ: حيث يحل نحره، وذلك لمن لم يُحصَرْ بمنى، والترتيب: أن يرمي الحاجُّ الجَمْرَة، ثم ينحر، ثم يَحْلِق، ثم يَطُوف للإِفاضة.
وقوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً
…
الآية: المعنى: فحَلَق لإِزالة الأذى، فَفِدْيَةٌ، وهذا هو فحْوَى الخطاب عند أكثر الأصوليِّين، ونزلَتْ هذه الآية في كَعْب بن عجرة «3» ، حين رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَأْسُهُ يَتَنَاثَرُ قملاً، فَأَمَرَهُ بِالحَلَاّقِ، ونَزَلَتِ الرخْصَةُ.
والصيامُ عند مالك، وجميع أصحابه: ثلاثةُ أيامٍ، والصدقة ستّة مساكين لكلّ
- والثاني: أنه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: فعليه ما استيسر. ويعزى للأخفش.
ينظر: «الدر المصون» (1/ 484) .
(1)
عروة بن الزبير بن العوّام الأسدي، أبو عبد الله المدني، أحد الفقهاء السبعة، وأحد علماء التابعين، روى عن أبيه وأمه وكثير من الصحابة.
قال الزهري: عروة بحر لا تكدره الدّلاء. كان يقرأ كل ليلة ربع القرآن. ولد سنة 29 هـ. ومات وهو صائم سنة 92 هـ، وقيل غير ذلك.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 226)(4826) ، ابن سعد (5/ 132- 135) ، و «الحلية» (2/ 176- 183) ، «الوفيات» (3/ 255- 258) .
(2)
أخرجه الطبري (2/ 225) رقم (3275) ، وذكره ابن عطية (1/ 267) ، والسيوطي (1/ 384) ، وعزاه لوكيع، وسفيان بن عيينة، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، من طرق عن ابن عمر.
(3)
هو: كعب بن عجرة بن أمية بن عدي بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سواد بن مري بن إراشة
…
أبو محمد البلوي، حليف الأنصار.
قال الواقدي: ليس بحليف للأنصار، ولكنه من أنفسهم. قال ابن سعد: طلبت اسمه في نسب الأمصار فلم أجده. وقال ابن الكلبي. وساق نسبه إلى «بلي» ثم قال: انتسب كعب في الأنصار في بني عمرو بن عوف، وتأخر إسلامه ثم أسلم وشهد المشاهد كلها. روى عنه ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن عياش، وطارق بن شهاب وغيرهم.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (4/ 481) ، «الإصابة» (5/ 304) ، «الثقات» (3/ 351) ، «الاستيعاب» (2/ 1321) ، «الاستبصار» (195) ، «العبر» (1/ 57) ، «تجريد أسماء الصحابة» (2/ 31) ، «تاريخ جرجان» (296) ، «الأعلام» (5/ 227) ، «عنوان النجابة» (149) ، «الكاشف» (3/ 8) ، «الإكمال» (4/ 391) ، «الجرح والتعديل» (7/ 160) ، «تهذيب الكمال» (3/ 1147) ، «تهذيب التهذيب» (8/ 435) ، «تقريب التهذيب» (2/ 135) ، «سير أعلام النبلاء» (3/ 52) .
مسكينٍ نصفُ صاعٍ، وذلك مُدَّانِ بمُدِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، والنُّسُكُ: شاة بإِجماع، ومَنْ أتى بأفضلَ منها ممَّا يذبح أو ينحر، فهو أفضلُ والمفتدِي مخيَّر في أيِّ هذه الثلاثة شاء، حيثُ شاء من مكَّة وغيرها.
قال مالكٌ وغيره: كلَّما أتى في القرآن «أَوْ أَوْ» ، فإِنه على التخْيير.
وقوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ، أي: من العدُوِّ المُحْصِرِ/، قاله ابن عبَّاس وغيره»
، 49 ب وهو أشبهُ باللَّفظ، وقيل: معناه: إِذا برأتم من مَرَضِكم «2» .
وقوله سُبحانه: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ
…
الآية.
قال ابن عبَّاس وجماعةٌ من العلماء: الآيةُ في المحصَرين وغيرهم «3» ، وصورة المتمتِّع «4» أنْ تجتمعَ فيه ستَّةُ شروطٍ، أن يكون معتمراً في أشْهُر الحجِّ، وهو من غير
(1) ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 268) ، والسيوطي (1/ 384) ، وعزاه إلى سفيان بن عيينة، والشافعي في «الأم» ، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس.
(2)
أخرجه الطبري (2/ 251) ، وذكره البغوي (1/ 170) ، وابن عطية (1/ 268) .
(3)
أخرجه الطبري (2/ 254) برقم (3431) ، وذكره ابن عطية (1/ 268) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 387) ، وعزاه إلى ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(4)
وهو عكس الإفراد أن يحرم الشخص بالعمرة أوّلا من الميقات الذي مرّ عليه في طريقه إن كان غير ميقات بلده، ثم يأتي بأعمالها، وبعد الفراغ منها يحرم بالحج من «مكة» أو من الميقات الذي أحرم منه للعمرة، أو من مثل مسافته، أو من ميقات أقرب منه، وسواء كان إحرامه بالعمرة في أشهر الحج أو قبل أشهره، وسواء حج في العام الذي اعتمر فيه، أو أخر الحج إلى عام قابل، فللتمتع أربع صور، وسمّي الآتي به:
متمتعا لأنه تمتّع بمحظورات الإحرام بين النّسكين. ولدم التمتع شروط أربعة: أن تقع عمرة المتمتع في أشهر الحج، فإذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج «سواء أتمها قبل دخول أشهر الحج أو أتمها فيها» فلا يجب عليه الدم، لأنه لم يجمع بين الحج والعمرة في أشهر الحج، فأشبه المفرد. أن يحج من عامه، فإذا اعتمر في أشهر الحج ثم حج في عام آخر أو لم يحج أصلا، فلا دم عليه، لما روى البيهقي «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتمرون في أشهر الحج، فإذا لم يحجوا من عامهم ذلك لم يهدوا» .
ألا ويعود المتمتع بعد فراغه من العمرة إلى الميقات الذي أحرم منه أولا أو إلى ميقات آخر من مواقيت الحج ليحرم منه بالحج، فإن عاد المتمتع إلى الميقات ليحرم منه بالحج، فلا دم عليه لأن المقتضي للدم هو ذبح الميقات، وقد انتفى بعودة المتمتع إليه.
ألا يكون المتمتع من حاضري المسجد الحرام، لقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [البقرة: 196] ، والمراد بحاضري المسجد الحرام من بين مساكنهم، والحرم أقل من مرحلتين، فإن كان المتمتع من أهل هذه الجهة، فلا يلزمه الدم، لقربه من الحرم، والقريب من الشيء يقال له:«حاضره» ، قال تعالى: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ [الأعراف: 163] أي-[.....]
خاضري المَسْجِد الحرام، ويحل وينشىء الحَجَّ من عَامِهِ ذلك، دون رُجُوع إِلى وطنه، أو ما ساواه بُعْداً، هذا قول مالِكٍ، وأصحابه، واختلف، لِمَ سُمِّيَ متمتعاً.
فقال ابن القاسِمِ: لأنه تمتع بكلِّ ما لا يجوز للمُحْرِمِ فعْلُه مِنْ وقْت حلِّه في العمرة إِلى وقْت إِنشائه الحجِّ «1» ، وقال غيره: سمي متمتعاً لأنه تمتَّع بإِسقاط أحد السفرين، وذلك أنَّ حق العمرة أنْ تقصد بسَفَرٍ، وحقّ الحج كذلك، فلمَّا تمتع بإِسقاط أحدهما ألزمه اللَّه تعالى هَدْياً كالقَارن الَّذي يجمع الحجَّ والعمرةَ في سَفَر واحدٍ، وجُلُّ الأمة «2» على جواز العُمْرة في أَشْهُر الحجِّ للمكِّيِّ ولا دَمَ عليه «3» .
وقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، يعني: من وقتِ يُحْرِمْ إِلى يومِ عرفة، فإِنْ فاته صيامها قبل يوم النحرِ، فليصُمْها في أيام التشريق لأنها من أيام الحج.
وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ، قال مجاهد وغيره: أي: إِذا رجعتم من منى «4» ، وقال قتادة، والربيع: هذه رخصةٌ من اللَّه سبحانه «5» ، والمعنى: إِذا رجعتم إِلى أوطانكم، ولما جاز أن
- قريبة منه. والمعنى في ذلك أنه لم يربح ميقاتا عامّا لأهله ولمن مرّ به.
ووقت وجوب الدم على المتمتع هو وقت إحرامه بالحج، لأنه حينئذ يصير متمتعا بالعمرة إلى الحج، ويجوز له أن يذبح بعد فراغه من العمرة وقبل الإحرام بالحج لتقدم أحد سببيه. والأفضل ذبحه يوم النحر ولا آخر لوقته كسائر دماء الجبر بها.
(1)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 268) .
(2)
والأصل في ذلك ما روي عن قتادة أنّ أنسا أخبره قال: اعتمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أربع عمر، كلّهنّ في ذي القعدة إلّا الّتي كانت مع حجّته: عمرة من الحديبية في ذي القعدة، وعمرة من العام المقبل في ذي القعدة، وعمرة من الجعرّانة حيث قسم غنائم حنين في ذي القعدة، وعمرة مع حجّته» .
أخرجه البخاري (3/ 801)، كتاب العمرة: باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم (1778) ، وأطرافه في (1779- 1780- 3066- 4148) ، ومسلم (2/ 916) ، كتاب «الحج» ، باب بيان عدد عمر النبي صلى الله عليه وسلم (217- 1253) .
وروي عن ابن عمر أنه قال: اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر، إحداهن في رجب، فأخبرت عائشة بذلك، قالت: يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو معه، وما اعتمر في رجب قطّ.
وروي عن مجاهد أن علي بن أبي طالب قال: في كل شهر عمرة، وكان أنس بن مالك بمكة، فكان إذا حمم رأسه، خرج فاعتمر.
أخرجه الشافعي، كذا في «ترتيب المسند» (2/ 379) .
(3)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 267- 268) .
(4)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 270) .
(5)
ذكره ابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 270) .
يتوهَّم متوهم التخْيير بين ثلاثةِ أيَّامٍ في الحجِّ أو سبعة إِذا رجع، أُزِيلَ ذلك بالجليّة من قوله تعالى: تِلْكَ عَشَرَةٌ.
وكامِلَةٌ «1» قال الحسن بن أبي الحَسَن: المعنى: كاملة الثوابِ «2» ، وقيل: كاملةٌ «3» تأكيدٌ كما تقول: كَتَبْتُ بيَدِي، وقيل: لفظها الإِخبار «4» ، ومعناها الأمر، أي: أكملوها، فذلك فرضها، وقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ
…
الآيةَ: الإِشارة بذلك على قول الجمهورِ هي إِلى الهَدْي، أي: ذلك الاشتداد والإِلزام، وعلى قول من يرى أن المكِّيَّ لا تجوز له العُمْرة في أشهر الحج، تكون الإِشارة إِلى التمتُّع، وحُكْمِه فكأن الكلام ذلك الترخيصُ لمن لَمْ ويتأيَّد هذا بقوله: لِمَنْ لَمْ لأن اللام أبداً إِنما تجيء مع الرخص «5» ، واختلف الناس في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعد الإِجماع على أهل مكة، وما اتصل بها، فقيل: من تَجِبُ عليه الجمعة بمكَّة، فهو حَضَرِيٌّ، ومن كان أبعد من ذلك، فهو بَدَوِيٌّ، قال ع «6» : فجعل اللفظة من الحضارة، والبداوة.
وقيل: من كان بحيثُ لا يَقْصُرُ الصلاة، فهو حاضرٌ، أي: مشاهدٌ، ومن كان أبعد من ذلك، فهو غائبٌ.
وقال ابن عبَّاس، ومجاهد: أهل الحرم «7» كلّه حاضر والمسجد الحرامِ، ثم أمر تعالى بتقواه على العموم، وحذّر من شديد عقابه.
(1) قال الشافعي في «رسالته» : احتملت أن تكون زيادة في التبيين، واحتملت أن يكون أعلمهم أنّ ثلاثة إذا جمعت إلى سبع كانت عشرة كاملة. ينظر:«الرسالة» (26) .
(2)
ذكره البغوي في «معالم التنزيل» (1/ 170) وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 270) .
(3)
أخرجه الطبري (2/ 264) ، وذكره البغوي (1/ 170) ، وابن عطية (1/ 270) .
(4)
أخرجه الطبري (2/ 264) ، وذكره ابن عطية (1/ 270) ، والبغوي (1/ 171) .
(5)
وهذا على قول من قال: إن الإشارة ب «ذلك» المقصود بها: ذلك الترخيص، وأما القائلون بجواز اعتمار المكي في أشهر الحج، فيقولون: إن اللام في قوله تعالى: «لمن» بمعنى «على» ، ويصير المعنى:
وجوب الدم على من لم يكن من أهل مكة، كقوله عليه السلام:«اشترطي لهم الولاء» .
ينظر: «الجامع لأحكام القرآن» ، للإمام القرطبي (2/ 268) .
(6)
«المحرر الوجيز» (1/ 271) .
(7)
أخرجه الطبري (2/ 265) برقم (3506) ، وذكره ابن عطية (1/ 271) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 391) عن مجاهد، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس.