الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال قتادة، والحَسَنُ، وابْنُ جُبَيْر، والربيع: أظهر التعجُّب من صبرهم على النار لَمَّا عملوا عملَ مَنْ وَطَّن نفْسه علَيْها «1» ، وتقديره ما أجرأَهم علَى النَّارِ إِذ يعملون عملاً يؤدِّي إِليها، وذهب مَعْمَرُ بْنُ المثنى إِلى أن «ما» استفهامٌ، معناه: أيُّ شَيْءٍ صبرهم عَلَى النار «2» ، والأول أظهر.
وقوله سبحانه: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ
…
الآية: المعنى: ذلك الأمر بأنَّ اللَّه نزَّل الكتابَ بالحَقِّ، فكفروا/ به، والإشارة إلى وجوب النّار لهم.
والْكِتابَ: القرآن، وبِالْحَقِّ، أي: بالإخبار الحقّ، أي: الصادقة.
والَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ هم اليهودُ والنصارى، في قول السُّدِّيِّ «3» ، وقيل:
هم كفَّار العرب لقول بعضهم: هو سِحْرٌ، وبعضهم: أساطير، وبَعْضهم: مفترًى، إلى غير ذلك.
وبَعِيدٍ، هنا: معناه من الحقّ، والاستقامة.
[سورة البقرة (2) : آية 177]
لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)
وقوله تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
…
الآية: قال ابن عَبَّاس وغيره: الخِطَابُ بهذه الآية للمؤمنين، فالمعنى: ليس البرّ الصلاة وحدها «4» ،
(1) أخرجه الطبري (2/ 96) برقم (2508- 2509- 2510- 2511- 2512) ، عن قتادة، والحسن، وسعيد بن جبير، والربيع. وذكره ابن عطية (1/ 242)، وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (1/ 66) عن قتادة بلفظ:«ما أجرأهم عليها» ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 309) عن قتادة، وعزاه لابن جرير.
(2)
وبه قال السدي وجماعة، كما في تفسير الطبري (3/ 332) ، عن السدي، وأبي كريب، وابن زيد، وفي «البحر» (1/ 669) عن ابن عباس والسدي، والمبرد ومعمر بن المثنى، وفي «الدر» (1/ 169) عن السدي، وفي «فتح القدير» (1/ 172) عنه أيضا. وينظر:«مجاز القرآن» لأبي عبيدة (1/ 64) .
(3)
أخرجه الطبري (2/ 98) برقم (2520) وذكره ابن عطية (1/ 242) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 309) ، وعزاه لابن جرير. [.....]
(4)
أخرجه الطبري (2/ 99) برقم (2521- 2524) بإسنادين عن ابن عباس. وذكره ابن عطية (1/ 243) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 310) بإسنادين، عن ابن عباس، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقال قتادة، والربيع: الخطاب لليهودِ والنصارى لأنهم تكلَّموا في تحويل القبلة، وفضَّلت كل فرقة تولِّيها، فقيلَ لهم: ليس البرَّ ما أنتم فيه، ولكنَّ البرَّ من آمن باللَّه «1» .
وقوله تعالى: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ
…
الآيةَ: هذه كلُّها حقوقٌ في المال سوى الزكاةِ، قال الفَخْر «2» : وروَتْ فاطمةُ بنْتُ قَيْسٍ، أنَّ فِي المَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ «3» ، وتَلَا:
وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ
…
الآية، وعنه صلى الله عليه وسلم «لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ مَنْ بَاتَ شبعان، وجاره طاويا إلى جنبه» «4» انتهى.
(1) أخرجه الطبري (2/ 99- 100) برقم (2526- 2528) عن قتادة، والربيع بن أنس، وذكره ابن عطية (1/ 243) .
وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (1/ 66) عن قتادة. وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 310) عن قتادة، وعزاه لعبد الرزاق، وابن جرير.
(2)
«التفسير الكبير» (5/ 35) .
(3)
أخرجه الترمذي (3/ 48) في الزكاة، باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة (659، 660) . والطبري (2/ 57) ، والدارمي (1/ 385) في الزكاة، باب ما يجب في مال سوى الزكاة. والدارقطني (2/ 125) في الزكاة، باب تعجيل الصدقة قبل الحول رقم (11، 12) . والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/ 27)، والبيهقي (4/ 84) في الزكاة: باب الدليل على أن من أدى فرض الله في الزكاة، فليس عليه أكثر منه إلا أن يتطوع
…
من طريق شريك، عن أبي حمزة، عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس بنحوه.
وقال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة ميمون الأعور يضعف. وروى بيان وإسماعيل بن سالم، عن الشعبي هذا الحديث من قوله. وهذا أصح. وقال البيهقي: هذا حديث يعرف بأبي حمزة ميمون الأعور كوفي، وقد جرحه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، فمن بعدهما من حفاظ الحديث. والذي يرويه أصحابنا في التعاليق ليس في المال حق سوى الزكاة- فلست أحفظ فيه إسنادا.
وأخرجه ابن ماجة بالإسناد السابق (1/ 570) في الزكاة، باب ما أدي زكاته ليس بكنز (1789) بلفظ:
«ليس في المال حق سوى الزكاة» .
وقال النووي كما في تخريج أحاديث «الكشاف» للزيعلي (1/ 107) : حديث «ليس في المال حق سوى الزكاة» حديث منكر. ثم نقل كلام البيهقي برمته.
وبالجملة فالحديث كيفما كان ضعيف بأبي حمزة ميمون الأعور ضعفه الترمذي. وقال البيهقي: لا يثبت إسناده، تفرد به أبو حمزة الأعور، وهو ضعيف. ومن تابعه أضعف منه.
وللفظ الأول من الحديث شاهد أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (3/ 89، 90) ، من طريق موسى بن إسماعيل، عن محمد بن راشد، عن عبد الكريم، عن حبان بن جزىء، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«في المال حق بعد الزكاة؟ قال: نعم، يحمل على النجيبة» .
(4)
أخرجه البزار (1/ 76- كشف) رقم (115) ، من طريق حسين بن علي الجعفي، ثنا سفيان بن عيينة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أنس مرفوعا بلفظ:«ليس المؤمن الذي يبيت شبعان وجاره طاوي» .
وقال البزار: لا نعلمه، يروى عن أنس إلا من هذا الوجه.
قلت: وفي كلام البزار نظر حيث إن للحديث طريقا آخر عن أنس: أخرجه الطبراني في «المعجم-
قال ابن العربيِّ في «أحكامه» «1» : وإِذا وقع أداء الزكاة، ثم نزلَتْ بعد ذلك حاجةٌ، فإِنه يجبُ صرف المال إِليها باتفاق من العلماءِ، وقد قال مالك: يجبُ على كافَّة المسلمين فِدَاءُ أسراهم، وإن استغرق ذلك أموالَهُمْ، وكذلك إِذا منع الوالي الزكاةَ، فهل يجبُ على الأغنياء إِغناءُ الفقراء؟ الصحيحُ: وجوبُ ذلك علَيْهم. انتهى.
ومعنى: آتَى: أعطى على حبِّه، أي: على حبِّ المال، ويحتملُ أن يعود الضميرُ على اسْمِ اللَّه تعالى من قوله: مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، أي: من تَصَدَّقَ مَحَبَّة في اللَّه وطاعته.
ص: والظاهر أن الضمير في «حُبِّهِ» عائدٌ على «المال» لأن قاعدتهم أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إِلَاّ بدليلٍ. انتهى.
قال ع «2» : والمعنَى المقصودُ أن يتصدَّق المرءُ في هذه الوجوهِ، وهو صحيحٌ شحيحٌ يخشَى الفَقْر، ويأمل الغنى كما قال صلى الله عليه وسلم «3» . والشحّ في هذا الحديث: هو
- الكبير» (1/ 259) رقم (751) ، من طريق محمد بن سعيد الأثرم، ثنا همام، ثنا ثابت، ثنا أنس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما آمن بي من بات شبعانا، وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به» . والحديث ذكره الهيثمي في «المجمع» (8/ 170)، وقال: رواه الطبراني، والبزار، وإسناد البزار حسن.
والحديث ذكره أيضا المنذري في «الترغيب» (3/ 334)، وقال: رواه الطبراني، والبزار، وإسناده حسن، وللحديث شاهد من حديث ابن عباس.
أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» رقم (110) ، وفي «التاريخ الكبير» (5/ 195، 196) ، وأبو يعلى (5/ 92) رقم (2699) ، والحاكم (4/ 167) ، والطبراني في «الكبير» (12/ 154) رقم (12741) ، والخطيب في «تاريخ بغداد» (10/ 392) ، كلهم من طريق سفيان عن عبد الملك بن أبي بشير، عن عبد الله بن المساور، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن الذي يشبع، وجاره جائع إلى جنبه» .
والحديث ذكره المنذري في «الترغيب» (3/ 334)، وقال: رواه الطبراني، وأبو يعلى ورواته ثقات.
وقال الهيثمي في «المجمع» (8/ 170) : رواه الطبراني، وأبو يعلى، ورجاله ثقات.
(1)
ينظر: «الأحكام» (1/ 59) .
(2)
«المحرر الوجيز» (1/ 243) .
(3)
أخرجه البخاري (3/ 334) في الزكاة، باب فضل صدقة الشحيح (1419) ، و (5/ 439- 540) في «الوصايا» ، باب الصدقة عند الموت (2748) ، ومسلم (2/ 716) في الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح (92- 93/ 1032) ، وأبو داود (2/ 126) في الوصايا، باب ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية (2865) ، والنسائي (5/ 68) في الزكاة، باب أي الصدقة أفضل، و (6/ 237) في الوصايا، باب الكراهية في تأخير الوصية، وابن ماجة (2/ 903) في الوصايا، باب النهي عن الإمساك في الحياة، والتبذير عند الموت (2706) . والبخاري في «الأدب المفرد» برقم (786) ، وأحمد (2/ 231، 415، 447) ، وابن خزيمة (4/ 103) برقم (2454) ، والبيهقي (4/ 190) ، والبغوي (3/ 423) برقم.
الغريزيُّ الذي في قوله تعالى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء: 128] وليس المعنَى أنْ يكون المتصدِّق متَّصِفاً بالشحِّ الذي هو البُخْل.
وَفِي الرِّقابِ، أي: العتق، وفَكّ الأسرى.
وَالصَّابِرِينَ: نصبٌ على المدح، أو على إِضمار فعْلٍ، وهذا مَهْيَعٌ «1» في تكرار النعوت.
والْبَأْساءِ: الفَقْر والفاقة.
وَالضَّرَّاءِ: المرض، ومصائبُ البدن، وعن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال:
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَوَّلُ مَنْ يدعى إِلَى الجَنَّةِ الَّذِينَ يَحْمَدُونَ اللَّهَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ» رواه الحاكم في «المستَدْرَكِ» ، وقال: صحيحٌ على شرط مُسْلِمٍ «2» . انتهى من «السلاح» .
- (1665) ، من طريق عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة قال: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟
…
» فذكره.
(1)
المهيع: هو الطريق الواسع المنبسط. ينظر: «لسان العرب» (4838)(هيع) .
(2)
أخرجه الطبراني في «المعجم الصغير» (1/ 103) ، وفي «الأوسط» (4/ 44) رقم (3057) ، وفي «الكبير» (12/ 19) رقم (12345) ، وأبو نعيم في «الحلية» (5/ 69) . كلهم من طريق قيس بن الربيع، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعا.
وقال الطبراني: لم يروه عن حبيب إلا قيس بن الربيع، وشعبة بن الحجاج، عن نصر بن حماد الوراق.
وقال أبو نعيم: رواه شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/ 98)، وقال: رواه الطبراني في الثلاثة بأسانيد، وفي أحدها قيس بن الربيع وثقه شعبة، والثوري، وغيرهما.
وضعفه يحيى القطان، وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح اهـ.
قلت: قيس بن الربيع في سند الطبراني في معاجمه الثلاثة، وليس كما يوهم كلام الهيثمي.
والحديث ضعفه الحافظ العراقي في «تخريج الإحياء» (4/ 79) ، وأعله بقيس بن الربيع، وقال: ضعفه الجمهور، وهذا الحديث قد رواه شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، كما أشار إلى ذلك الحافظ أبو نعيم.
أخرجه الطبراني في «الصغير» (1/ 103) ، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 84- بتحقيقنا) . كلاهما من طريق نصر بن حماد الوراق، نا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.
وهذا سند ضعيف جدا.
نصر بن حماد قال النسائي، وغيره: ليس بثقة، ينظر «المغني» للذهبي (6609) .
وتابعهما عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن حبيب.
أخرجه الحاكم (1/ 502) .
وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. والمسعودي لم يخرج له مسلم شيئا فضلا عن اختلاطه.