الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: كانوا يرون أنه يسأل أهل الكتاب «1» .
لكن هذا لا يقدح في صدقه وعدالته فقد «أجمعت الأمّة على إمامته والاحتجاج به، وقد أخرج له أصحاب الكتب السّتّة» «2» .
ثم إنّ سؤال أهل الكتاب أمر مباح- فيما لا يتعلّق بحكم تشريعيّ- أباحه الرسول صلى الله عليه وسلم «3» .
كان مجاهد- رضي الله عنه يعطي عقله حرّيّة واسعة في فهم بعض نصوص القرآن التي يبدو ظاهرها بعيدا فإذا ما مرّ بنصّ قرآنيّ من هذا القبيل، وجدناه ينزّله بكلّ صراحة ووضوح على التشبيه والتمثيل، وتلك الخطّة كانت فيما بعد مبدأ معترفا به، ومقرّرا لدى المعتزلة في تفسير القرآن بالنسبة لمثل هذه النصوص» «4» .
نموذج من تفسير مجاهد: روى ابن كثير أن مجاهدا قال في قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً [لقمان: 20]، قال: أما الظاهرة: فالإسلام والقرآن والرسول والرّزق، وأما الباطنة: فما ستر من العيوب والذنوب «5» .
وقال في قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11] قال:
من لم يتب إذا أصبح وإذا أمسى، فهو من الظّالمين «6» .
3- عكرمة:
هو: عكرمة بن عبد الله البربريّ المدنيّ، مولى عبد الله بن عبّاس، يكنى بأبي عبد الله، أصله من البربر بالمغرب «7» .
سمع من مولاه «ابن عبّاس» ، وعليّ بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وعمرو بن العاص، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدريّ، وغيرهم «8» .
(1)«طبقات ابن سعد» 5/ 466.
(2)
«سير أعلام النبلاء» 4/ 324.
(3)
يقول صلى الله عليه وسلم: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
(4)
«التفسير والمفسرون» 1/ 108.
(5)
«البداية والنهاية» 9/ 234.
(6)
«البداية والنهاية» 9/ 234.
(7)
«طبقات ابن سعد» 5/ 287، «وفيات الأعيان» 1/ 319، «البداية والنهاية» 9/ 254، «الأعلام» 5/ 43.
(8)
«طبقات ابن سعد» 5/ 287.
تلمذ على يدي عبد الله بن عبّاس، وكان ابن عبّاس لا يألو جهدا في تثقيفه وتعليمه، بل إنّه كان يقسو عليه حتّى يعلّمه، روى ابن أبي شيبة عن عكرمة قال «1» :
«كان ابن عبّاس يجعل في رجليّ الكبل يعلّمني القرآن والسّنّة» .
وروى البخاريّ في صحيحه عن عكرمة أن ابن عباس قال له «2» :
لقد اهتمّ ابن عبّاس بتلميذه هذا اهتماما كبيرا وكأنّه كان يعدّه ليكون خليفته في تفسير القرآن، وكان يكافئه إذا ما أحسن فهم آية أشكلت على ابن عبّاس.
روى داود بن أبي هند عن عكرمة قال:
قرأ ابن عبّاس هذه الآية: لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً [الأعراف: 164] قال ابن عبّاس: لم أدر أنجا القوم أم هلكوا؟ قال: فما زلت أبيّن له حتّى عرف أنهم نجوا، فكساني حلّة «3» .
قال شهر بن حوشب: «عكرمة حبر هذه الأمّة» «4» .
وقد شهد له الأئمّة الأعلام بالثّقة والعدالة.
قال المروزيّ: قلت لأحمد: يحتجّ بحديث عكرمة؟ فقال: نعم، يحتجّ به «5» .
وقال ابن معين: إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وفي حمّاد بن سلمة، فاتهمه على الإسلام «6» .
(1)«البداية والنهاية» 9/ 255، والكبل: القيد.
(2)
«ميزان الاعتدال» 3/ 93.
(3)
«طبقات ابن سعد» 5/ 288. [.....]
(4)
«ميزان الاعتدال» 3/ 93، مقدمة فتح الباري ص 450.
(5)
«مقدمة فتح الباري» ص 340.
(6)
«معجم الأدباء» 12/ 189.
وقال البخاريّ: ليس أحد من أصحابنا إلّا وهو يحتجّ بعكرمة «1» .
وقد أخرج له: البخاريّ ومسلم وأبو داود والنّسائيّ.
علمه ومكانته في التّفسير: كان عكرمة على درجة كبيرة من العلم، فهو من أعلم النّاس بالسّير والمغازي.
قال سفيان عن عمرو قال «2» :
كنت إذا سمعت عكرمة يحدّث عن المغازي كأنه مشرف عليهم ينظر كيف يصفّون ويقتتلون، وهو من علماء زمانه بالفقه والقرآن.
أما التفسير، فقد شهد له الأئمة بذلك، يقول الشّعبيّ: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة «3» .
وقال حبيب بن أبي ثابت:
اجتمع عندي خمسة: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وعطاء فأقبل مجاهد، وسعيد بن جبير يلقيان على عكرمة التفسير، فلم يسألاه عن آية إلّا فسّرها لهما، فلمّا نفذ ما عندهما جعل يقول:
أنزلت آية كذا في كذا، وأنزلت آية كذا في كذا «4» .
نموذج من تفسير عكرمة: قال عكرمة في قوله تعالى: وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ أي:
بالشهوات، وَتَرَبَّصْتُمْ بالتوبة، وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ أي: التّسويف، حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ: الموت، وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد: 14] : الشّيطان «5» .
وتوفّي عكرمة- رضي الله عنه بالمدينة سنة سبع ومائة للهجرة، وقيل: سنة أربع ومائة «6» .
(1)«مقدمة فتح الباري» ص 450.
(2)
«البداية والنهاية» 9/ 255، «مقدمة فتح الباري» ص 450.
(3)
«البداية والنهاية» 9/ 255.
(4)
«مقدمة فتح الباري» ص 450.
(5)
«البداية والنهاية» 9/ 259.
(6)
«تهذيب التهذيب» 7/ 263- 273، «تذكرة الحفاظ» 1/ 90، «البداية والنهاية» 9/ 253.