المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن - جـ ١

[أبو زيد الثعالبي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الاول]

- ‌«توطئة»

- ‌1- مدرسة ابن عباس ب «مكّة» ، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:

- ‌2- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌3- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلاته وشيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنّفات الثّعالبيّ:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل

- ‌التفسير اصطلاحا:

- ‌التأويل لغة:

- ‌التأويل اصطلاحا:

- ‌التأويل عند السلف له معنيان:

- ‌الفرق بين التّفسير والتّأويل

- ‌حاجة النّاس إلى التّفسير

- ‌فهم الصّحابة للقرآن الكريم

- ‌أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

- ‌1- عليّ بن أبي طالب:

- ‌2- عبد الله بن مسعود:

- ‌3- أبيّ بن كعب:

- ‌4- عبد الله بن عبّاس

- ‌طرق الرواية عن ابن عبّاس:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

- ‌مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس

- ‌1- سعيد بن جبير:

- ‌2- مجاهد بن جبر:

- ‌3- عكرمة:

- ‌4- طاوس:

- ‌5- عطاء بن أبي رباح:

- ‌مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب

- ‌1- أبو العالية:

- ‌2- محمّد بن كعب القرظيّ:

- ‌3- زيد بن أسلم:

- ‌مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود

- ‌1- علقمة بن قيس:

- ‌2- مسروق:

- ‌3- عامر الشّعبيّ:

- ‌4- الحسن البصريّ:

- ‌5- قتادة:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

- ‌سمات التّفسير في تلك المرحلة

- ‌التّفسير في عصر التّدوين

- ‌أقسام التّفسير

- ‌أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

- ‌ ابن جرير الطبريّ

- ‌طريقة الطّبريّ في التّفسير:

- ‌ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:

- ‌ثالثا- الاتّجاه البيانيّ

- ‌المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ

- ‌أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

- ‌أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:

- ‌4- «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:

- ‌5- «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:

- ‌ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:

- ‌رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:

- ‌1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي

- ‌خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:

- ‌سادسا: كتب الخصائص والشمائل:

- ‌سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:

- ‌1- «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

- ‌4- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي

- ‌تاسعا: ومن كتب التّاريخ:

- ‌عاشرا: كتب أخرى منثورة:

- ‌ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

- ‌بين يدي المنهج:

- ‌أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:

- ‌ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:

- ‌ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:

- ‌رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:

- ‌خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:

- ‌سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:

- ‌سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:

- ‌ثامنا: احتجاجه بالشّعر:

- ‌تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:

- ‌وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

- ‌باب في فضل القرآن

- ‌باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

- ‌فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق

- ‌باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

- ‌باب في الاستعاذة

- ‌تفسير فاتحة الكتاب

- ‌[سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌باب في تفسير: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]

- ‌(القَوْلُ فِي «آمِينَ» )

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 12]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 73]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 91]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 126]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 133]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 138]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 139 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 193 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 199]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 203 الى 205]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 206 الى 210]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 213 الى 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 225]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 230 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 248]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 249 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 253 الى 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 259]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 277]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 278 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 283 الى 285]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌محتوى الجزء الأول من تفسير الثعالبي

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أعطى كُلَّ ذِي حَقٍّ حقّه فلا وصيّة لوارث» «1» .

وبِالْمَعْرُوفِ: معناه بالقصد الَّذي تعرفه النفوسُ دون إِضرار بالورثة، ولا تنزير «2» للوصية وحَقًّا: مصدر مؤكِّد، وخُصَّ «المتقون» بالذكر تشريفاً للرتبة ليتبادر النَّاس إِليها.

وقوله تعالى: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ

الآية: الضمير في «بَدَّلَهُ» عائدٌ على الإيصاء، وأمر الميت، وكذلك في «سَمِعَهُ» ، ويحتمل أن يعود الذي في «سَمِعَهُ» على أمر اللَّه تعالى في هذه الآية، والأول أسبق للناظر، وسَمِيعٌ عَلِيمٌ: صفتان لا يخفى معهما شيْءٌ من جَنَفِ الموصِينَ، وتبديلِ المتعدينَ، والجَنَفُ: الميل.

ومعنى الآية على ما قال مجاهد: من خشي أن يحيف الموصِي، ويقطع ميراث طائفة، ويتعمَّد الإِذاءة، فذلك هو الجَنَفُ في إِثم، وإِن لم يتعمَّد، فهو الجنف دون إِثم «3» ، فالمعنى: مَنْ وعظه في ذلك وردَّه عنه، وأصلح ما بينه وبين ورثَتِهِ، وما بين الورثة في ذاتهم، فلا إِثم عليه إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ بالموصِي، إِذا عملت فيه الموعظة، ورجع عما أراد من الإذاءة.

وقال ابن عبّاس وغيره: معنى الآية: فَمَنْ خافَ، أي: علِم، ورأى بعد موت الموصِي أن الموصِيَ حَافَ، وجَنَف، وتعمَّد إذاءة بعض ورثته، فَأَصْلَحَ ما بين الورثة، فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ، وإِن كان في فعله تبديلٌ مَّا لأنه تبديلٌ لمصلحة، والتبديلُ الذي فيه الإِثم إنما هو تبديل الهوى «4» .

[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)

(1) تقدم.

(2)

التنزير: تفعيل من النّزر، وهو: القليل التافه من كل شيء. والمقصود ألا يقلل من الوصية ولو شيئا يسيرا.

(3)

أخرجه الطبري (2/ 129) برقم (2697- 2698) بإسنادين مختلفين، عن مجاهد. وذكره ابن عطية (1/ 249) ، والبغوي في تفسيره (1/ 148) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 321) ، وعزاه لابن جرير، وعبد بن حميد.

(4)

أخرجه الطبري (2/ 129) برقم (2699) ، وذكره ابن عطية (1/ 249) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 320) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.

ص: 371

قوله جلّت قدرته: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ

الآية: كُتِبَ:

معناه فُرِضَ، والصيام في اللغة: الإِمساك، ومنه قوله سبحانه: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً [مريم: 26] وفي الشرع: إِمساكٌ عن الطعام والشراب مقترنةٌ به قرائنُ مِنْ مُراعاة أوقاتٍ، وغير ذلك.

وقوله تعالى: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ: اختلف في موضع التشبيه: قالتْ فرقة: التشبيهُ: كُتِبَ عليكم كصيامٍ قد تقدَّم في شرع غيركم، ف «الّذين» عامّ في النصارى «1» وغيرهم.

ولَعَلَّكُمْ: ترجّ في حقهم.

وتَتَّقُونَ: قيل على العموم لأن الصيام كما قال صلى الله عليه وسلم: «جنّة «2» ووجاء، وسبب

(1) هذا قول، والقول الثاني: أن التشبيه يعود إلى وقت الصوم وإلى قدره، وهذا ضعيف لأن تشبيه الشيء بالشيء يقتضي استواءهما في أمر من الأمور، فأما أن يقال: إنه يقتضي الاستواء في كل الأمور فلا. ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجوها. أحدها: أن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود، والنصارى، أما اليهود فإنها تركت هذا الشهر وصامت يوما من السنة، وزعموا أنه يوم غرق فيه فرعون، وكذبوا في ذلك أيضا لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما النصارى فإنهم صاموا رمضان، فصادفوا فيه الحر الشديد، فحولوه إلى وقت لا يتغير، ثم قالوا عند التحويل: نزيد فيه، فزادوا عشرا، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم، فنذر سبعا، فزادوه، ثم جاء بعد ذلك ملك آخر فقال: ما بال هذه الثلاثة، فأتمه خمسين يوما، وهذا معنى قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً [التوبة: 31] وهذا مروي عن الحسن. وثانيها: أنهم أخذوا بالوثيقة زمانا، فصاموا قبل الثلاثين يوما وبعدها يوما، ثم لم يزل الأخير يستسن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوما، ولهذا كره صوم يوم الشك، وهو مروي عن الشعبي، وثالثها: أن وجه التشبيه أنه يحرم الطعام والشراب والجماع بعد النوم كما كان ذلك حراما على سائر الأمم. واحتج القائلون بهذا القول بأن الأمة مجمعة على أن قوله تعالى: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة: 187] يفيد نسخ هذا الحكم، فهذا الحكم لا بد فيه من دليل يدل عليه، ولا دليل عليه إلا هذا التشبيه وهو قوله: كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، فوجب أن يكون هذا التشبيه دليلا على ثبوت هذا المعنى، قال أصحاب القول الأول: قد بينا أن تشبيه شيء بشيء لا يدل على مشابهتهما من كل الوجوه، فلم يلزم من تشبيه صومنا بصومهم أن يكون صومهم مختصا برمضان، وأن يكون صومهم مقدرا بثلاثين يوما، ثم إن هذه الرواية مما ينفر من قبول الإسلام إذا علم اليهود والنصارى كونه كذلك.

ينظر: «الفخر الرازي» (5/ 60) . [.....]

(2)

أخرجه البخاري (4/ 125) ، كتاب «الصوم» ، باب فضل الصوم حديث (1894) ، ومسلم (2/ 806) كتاب «الصيام» ، باب فضل الصيام حديث (162/ 1151) . ومالك (1/ 310) كتاب «الصيام» ، باب.

ص: 372

تقوى لأنه يميت الشهوات» .

وأَيَّاماً مَعْدُوداتٍ: قيل: رمضان، وقيل: الثلاثةُ الأيام من كل شهرٍ، ويومُ عاشوراءَ الَّتي نُسخَتْ بشهر رمضان.

ص: وأَيَّاماً: منصوبٌ بفعل مقدَّر يدلُّ عليه ما قبله، أي: صوموا أياماً، وقيل: أَيَّاماً: نصب على الظرف «1» انتهى.

جامع الصيام حديث (58) . وأبو داود (1/ 72) ، كتاب «الصيام» ، باب الغيبة للصائم حديث (2363) .

وأحمد (2/ 465) ، والبيهقي (4/ 269) كتاب «الصيام» ، باب الصائم ينزه صيامه عن اللفظة والمشاتمة، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 453- بتحقيقنا)، كلهم من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الصيام جنة، فلا يرفث، ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه- فليقل: إني صائم مرتين-، والذي نفسي بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه، وشرابه، وشهوته من أجلي، الصيام لي، وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها» لفظ البخاري.

وأخرجه البخاري (4/ 141) كتاب «الصيام» ، باب هل يقول الصائم: إني صائم إذا شتم، حديث (1904) . ومسلم (2/ 806) ، كتاب «الصيام» ، باب فضل الصيام، حديث (163/ 1151) . والنسائي (4/ 1263) ، كتاب «الصوم» ، باب فضل الصوم، وأحمد (2/ 273) ، والبيهقي (4/ 270) . كلهم من طريق ابن جريج، حدثني عطاء عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.

وأخرجه البخاري (1/ 381) ، كتاب «اللباس» ، باب ما يذكر في المسك، حديث (5927) . ومسلم (2/ 806) كتاب «الصيام» ، باب فضل الصيام، حديث (161/ 1151) . والترمذي (3/ 163) ، كتاب «الصوم» ، باب ما جاء في فضل الصوم، حديث (764) . والنسائي (4/ 164) ، كتاب «الصوم» ، باب فضل الصوم. وأحمد (2/ 281) ، وعبد الرزاق (4/ 306) رقم (7891) . والبغوي في «شرح السنة» (3/ 451- بتحقيقنا) . كلهم من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به.

وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حسن غريب من هذا الوجه.

وأخرجه البخاري (13/ 472) كتاب «التوحيد» ، باب قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ حديث (7492) ، ومسلم (2/ 806) كتاب «الصيام» ، باب فضل الصيام، حديث (164/ 1151) ، وأحمد (2/ 393، 443، 477، 480) .

وابن ماجة (1/ 525) ، كتاب «الصيام» ، باب ما جاء في فضل الصيام حديث (1638) ، (2/ 1256) ، كتاب «الأدب» ، باب فضل العمل حديث (3823) ، والبغوي في «شرح السنة» (3/ 45- بتحقيقنا) ، من طريق الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

وأخرجه البخاري (13/ 521) كتاب «التوحيد» ، باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته عن ربه حديث (7538) ، وأحمد (2/ 457، 467، 504) . والطيالسي (1/ 181- منحة) رقم (863) ، من طريق محمد بن زياد، عن أبي هريرة.

وأخرجه أحمد (2/ 503) ، والدارمي (2/ 25) كتاب «الصيام» ، باب فضل الصيام، وأبو يعلى (10/ 353) رقم (5947) ، من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.

(1)

وقيل: منصوب بالصيام، ولم يذكر الزمخشري غيره. ونظّره بقولك:«نويت الخروج يوم الجمعة» ، -

ص: 373

وقوله سبحانه: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ: التقدير: فأفْطَرَ، فَعِدَّةٌ، وهذا يسمونه فَحْوَى «1» الخطابِ، واختلف العلماءُ في حَدِّ المرض الذي يقع به الفطْر، فقال جمهور العلماء: إِذا كان به مرضٌ يؤذيه، ويؤلمه أو يخاف تَمادِيَهُ، أو يخافُ من الصوم تزيُّده، صحَّ له الفطْرُ، وهذا مذْهَبُ حُذَّاقِ أصحاب مالك، وبه يناظرون، وأما لفظ 44 ب مالكٍ: فهو المرضُ الَّذي يَشُقُّ على المرء، ويبلغ به، واختلف في الأفضل/ من الفِطْرِ أو الصَّوْمِ، ومذهبُ مالكٍ استحباب الصومِ لمن قَدَرَ علَيْه، وتقصيرُ الصَّلاة حَسَنٌ لأن الذمَّة تبرأ في رخصة الصلاة، وهي مشغولةٌ في أمر الصيام، والصوابُ: المبادرةُ بالأعمال.

والسَّفَرُ: سفَرُ الطاعةِ كالحجِّ، والجهادِ بإجماع، ويتصلُ بهذَيْن سفَرُ صلَةِ الرَّحِمِ، وطلبِ المعاشِ الضروريِّ.

وأما سفر التجارة، والمباحاتِ، فمختلَفٌ فيه بالمنع، والجواز، والقولُ بالجواز أرجح.

- وهذا ليس بشيء، لأنّه يلزم الفصل بين المصدر ومعموله بأجنبي، وهو قوله:«كما كتب» لأنه ليس معمولا للمصدر على أيّ تقدير قدّرته. فإن قيل: يجعل «كما كتب» صفة للصيام، وذلك على رأي من يجيز وصف المعرّف بأل الجنسية بما يجري مجرى النكرة فلا يكون أجنبيا. قيل: يلزم من ذلك وصف المصدر قبل ذكر معموله، وهو ممتنع.

وقيل: منصوب بالصيام على أن تقدّر الكاف نعتا لمصدر من الصيام، كما قد قال به بعضهم، وإن كان ضعيفا، فيكون التقدير:«الصيام صوما كما كتب» فجاز أن يعمل في «أياما» «الصيام» لأنه إذ ذاك عامل في «صوما» الذي هو موصوف ب «كما كتب» فلا يقع الفصل بينهما بأجنبي بل بمعمول المصدر.

وقيل: ينتصب بكتب: إمّا على الظرف وإمّا على المفعول به توسّعا، وإليه نحا الفراء وتبعه أبو البقاء.

قال أبو حيان: «وكلا القولين خطأ: أمّا النصب على الظرف فإنه محلّ للفعل، والكتابة ليست واقعة في الأيام، لكن متعلّقها هو الواقع في الأيام. وأمّا النصب على المفعول اتّساعا فإنّ ذلك مبنيّ على كونه ظرفا لكتب، وقد تقدّم أنه خطأ. ينظر: «الدر المصون» (1/ 460) .

(1)

وهو: مفهوم الموافقة وهو ما كان مدلول اللفظ في محل المسكوت موافقا لمعناه في محل المنطوق، ويسمى «دلالة النص» ، و «فحوى الخطاب» ، و «لحن الخطاب» .

وقد اتفق الشّافعية، والحنفية على حجية الفحوى، واشترط الشافعية أولوية المسكوت.

وينظر تفصيل ذلك في: «البحر المحيط» للزركشي (4/ 7) ، «البرهان» لإمام الحرمين (1/ 449) ، «الإحكام في أصول الأحكام» للآمدي (3/ 62) ، «نهاية السول» للأسنوي (2/ 202) ، «غاية الوصول» للشيخ زكريا الأنصاري (37) ، «المنخول» للغزالي (208) ، «حاشية البناني» (1/ 240) ، «الإبهاج» لابن السبكي (1/ 367) ، «الآيات البينات» لابن قاسم العبادي (20/ 15) ، «حاشية العطار على جمع الجوامع» (1/ 319) ، «التحرير» لابن الهمام (29) ، «حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى» (2/ 172) ، «التقرير والتحبير» لابن أمير الحاج (1/ 112) .

ص: 374

وأما سفر العصْيَان، فمختلف فيه بالجوازِ، والمنعِ، والقولُ بالمنع أرجحُ.

ومسافةُ سفر الفطر عند مالك، حيث تقصر الصلاة ثمانيةٌ وأربعون «1» ميلاً.

(1) يباح للمسافر الفطر في رمضان إذا تحققت الشروط الآتية:

الأول: أن يكون سفره سفر قصر، أي: أن يكون سفرا طويلا، والسفر الطويل: ما كان مرحلتين فأكثر، وهما: سير يومين من غير ليلة على الاعتبار، أو ليلتين بلا يوم كذلك، أو يوم وليلة مع النزول المعتاد، لنحو استراحة، أو أكل أو صلاة، وأن تكون المرحلتان بسير الأثقال. أي: الحيوانات المثقلة بالأحمال، والبحر كالبر في اشتراط المسافة المذكورة، فلو قطع الأميال فيه في ساعة مثلا لشدة جري السفينة بالهواء، فإنه يبيح له الفطر أيضا لوجود المسافة الصالحة، ولا يضرّ قطعها في زمن يسير. فإن قيل: إذا قطع المسافة في لحظة صار مقيما، فكيف يتصور ترخيصه فيها؟

أجيب بأنّه لا يلزم من وصول المقصد انتهاء الرّخصة.

الشرط الثاني: أن يكون سفره في غير معصية بألّا يكون عاصيا بالسفر، وهو الذي أنشأ سفره معصية، ولا عاصيا بالسفر في السفر، وهو الذي أنشأ سفره طاعة ثم قلبه معصية. أمّا العاصي في السفر، وهو من أنشأ سفره طاعة، واستمر كذلك إلّا أنه وقعت منه معصية في أثناء سفره فيجوز له الفطر، ولم يجوّز الشارع الفطر لمن كان سفره في معصية لأن ذلك يكون إعانة له على المعصية ولأن جواز الفطر رخصة والرخصة لا تناط بالمعاصي.

وبناء على هذين الشرطين يمكن أن يقال: إنّ المسافر الذي كان سفره في غير معصية، وكان سفره سفر قصر يباح له الفطر بالإجماع لقوله تعالى: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ أي: فله الفطر وعليه عدة من أيام أخر، ولما روت السيدة عائشة- رضي الله عنها أن حمزة بن عمر الأسلمي قال: يا رسول الله أأصوم في السّفر؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر» . ثمّ إن كان المسافر ممن لا يجهده الصوم. أي: لا يتضرر به، فالأفضل له الصوم لما روي عن أنس- رضي الله عنه أنه قال للصّائم في السّفر:«إن أفطرت فرخصة، وإن صمت فأفضل» . وأنّه لو أفطر عرض الصوم للنسيان، وحوادث الأيّام ولأن شهر الصوم له أفضلية ومزيّة على سائر الأيّام. وإن كان المسافر ممن يجهده الصوم، أي: يتضرر به فالأفضل له الفطر لما روى جابر- رضي الله عنه أنّه قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر برجل تحت شجرة يرشّ عليه الماء، فقال عليه السلام :«ما بال هذا» ؟ قالوا: صائم يا رسول الله. قال عليه السلام : «ليس من البرّ الصّيام في السّفر» .

فإن صام المسافر ثمّ أراد أن يفطر فله أن يفطر لأن العذر قائم، كما لو صام المريض وأراد أن يفطر.

الشرط الثالث: أن يكو السّفر سابقا على الصوم بأن يكون الشروع فيه سابقا على الشروع في الصوم، كأن يقع السفر بعد الغروب، وقبل الفجر.

أمّا إذا كان الشروع في السّفر بعد الشروع في الصوم، فيحرم عليه الفطر، ويجب الصوم.

وقال المزني: له أن يفطر، كما لو أصبح الصحيح صائما، ثمّ مرض. والمذهب الأوّل، وهو وجوب الصّوم وعدم جواز الفطر. دليل ذلك: أنّه عبادة أجتمع فيها سفر وحضر، وكل عبادة يجتمع فيها سفر وحضر يغلب جانب الحضر لأنّه الأصل.

وعلى الأول: لو جامع فيه لزمه الكفارة لأنّه يوم من رمضان هو صائم فيه صوما لا يجوز فيه الفطر.

الشرط الرابع: أن يرجو المسافر إقامة يقضي فيها ما أفطره من أيام سفره، فإن لم يرج إقامة يقضي فيها ما-

ص: 375

وقوله تعالى: فَعِدَّةٌ، أي: فالحكم أو الواجب عدّة، وفي وجوب تتابعها قولان، وأُخَرَ لا ينصرف للعَدْلِ.

وقوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ

الآية: قرأ باقي السبعة «1» غيْرَ نافعٍ وابنِ عامر: «فِدْيَةٌ» بالتنوين «طَعَامُ مِسْكِينٍ» بالإِفراد، وهي قراءة حَسَنةٌ لأنها بيَّنت الحكم في اليوم.

واختلفوا في المراد بالآية، فقال ابن عُمَر وجماعةٌ: كان فرضُ الصيامِ هكذا على

- أفطره، بأن كان مديم السّفر، فلا يباح له الفطر، لأنّ إباحة الفطر في هذه الحالة تؤدّي إلى إسقاط الفرض بالكلية، نعم، لو قصد القضاء في أيام أخرى من أيام سفره، جاز له الفطر، ولا فرق في جواز الفطر للمسافر بين أن يكون بأكل أو نحوه، كجماع، وغير ذلك.

ومتى أفطر المسافر وجب عليه القضاء دون الفدية، ثم إنّه إذا قدم المسافر، أو برىء المريض، وهما مفطران استحب لهما إمساك بقية النهار لحرمة الوقت، ولا يجب عليهما ذلك لأنهما أفطرا بعذر.

ويندب لهما إذا أكلا ألّا يأكلا إلّا عند من يعرف عذرهما لخوف التهمة.

وإذا قدم المسافر، وهو صائم، أو برىء المريض وهو صائم، ففي جواز إفطاره وجهان.

أحدهما: أنه يجوز لهما الفطر، وبه قال ابن أبي هريرة لأنه أبيح لهما الفطر من أوّل النهار، فجاز لهما الإفطار في بقيّة النّهار، كما لو دام السّفر والمرض.

وثانيهما: لا يجوز لهما الإفطار، وهو قول القاضي أبي الطيّب وجمهور الأصحاب لأنه زال سبب الرّخصة قبل الترخص. واعلم أنّه لا يباح الفطر في شهر رمضان بسبب من الأسباب المتقدمة، ألّا إذا نوى المفطر الترخص بفطره، بأن يقصد أن الشارع رخّص له الفطر، وذلك ليحصل الفرق، والتمييز بين الفطر الجائز والفطر الممتنع.

فلو أفطر بدون النّيّة المذكورة حرم عليه الفطر، وأثم به.

(1)

وأما قراءة نافع وابن عامر، فهي «فدية طعام مساكين» ، وحجتهما في الإضافة أولا: أن الفدية غير الطعام، وأن الطعام إنما هو المفدى به الصوم، لا الفدية، فإذا كان كذلك فالصواب في القراءة إضافة الفدية إلى الطعام.

وحجة الجمع أيضا: قوله قبلها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، ثم قال: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ قالوا: إنما عرف عباده حكم من أفطر الأيام التي كتب عليهم صومها بقوله: أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فإذا كان ذلك كذلك فالواجب أن تكون القراءة في «المساكين» على الجمع لا على التوحيد، ويكون تأويل الآية: وعلى الذين يطيقونه فدية أيام يفطر فيها إطعام مساكين، ثم تحذف «أياما» وتقيم «الطعام» مكانها.

ينظر: «حجة القراءات» (124، 125) ، «السبعة» (176) ، و «والكشف» (1/ 282) ، و «الحجة للقراء السبعة» (2/ 273) ، و «شرح الطيبة» (4/ 91) ، و «معاني القراءات» (1/ 192) ، و «شرح شعلة» (284، 285) ، و «العنوان» (73) ، و «إتحاف فضلاء البشر» (1/ 430) .

ص: 376

الناس مَنْ أراد أن يصوم، صام، ومن أراد أن يفطر أطعم مسكيناً، وأفطر، ثم نسخ ذلك بقوله سبحانه: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ «1» [البقرة: 185] . وقالت فرقة: الآية في الشيوخ الذي يطيقونه بتكلُّف شديدٍ «2» ، والآيةُ عند مالك: إِنما هي فيمَنْ يدركه رمضانٌ ثانٍ، وعليه صومٌ من المتقدِّم، فقد كان يطيق في تلك المدة الصوْمَ، فتركه، والفديةُ عند مالك وجماعةٍ من العلماء: مُدٌّ لكلِّ مسكين.

وقوله تعالى: فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

الآية: قال ابنُ عَبَّاس وغيره:

المراد مَنْ أطعم مسكينَيْنِ فصاعدًا «3» ، وقال ابن شِهَابٍ «4» : من زاد الإطعام مع

(1) أخرجه الطبري (2/ 139) برقم (2747)، وقال أحمد شاكر في «عمدة التفاسير» (3/ 421) :«عمر بن المثنى» هكذا في المطبوعة، وأنا أرجح أن يكون صوابه «محمد بن المثنى» ، شيخ الطبري الذي يروي عنه كثيرا. ولم أجد من يسمى «عمر بن المثنى» إلا رجلا واحدا في «التهذيب» ، و «لسان الميزان» ، على أنه من التابعين ثم لم أجترئ على تصحيحه هذا، لاحتمال أن يكون من شيوخ الطبري الذين لم نجد تراجمهم.

عبد الوهاب: هو ابن عبد المجيد الثقفي.

عبد الله: هو ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عرف بلقب «العمري» وهو ثقة مترجم في «التهذيب» ، وابن أبي حاتم (2/ 2/ 109- 110) ، ومن المحتمل أن يكون في المطبوعة خطأ، وأن يكون صوابه «عبيد الله» بالتصغير، وهو أخو عبد الله أكبر منه، وأوثق عند أئمة الجرح والتعديل، وهو أحد الفقهاء السبعة. مترجم في «التهذيب» ، وابن أبي حاتم (2/ 2/ 326- 327) ، وهو وأخوه يشتركان في كثير من الشيوخ، منهم:«نافع مولى ابن عمر» ، وإنما ظننت هذا الاحتمال لأن الحديث مروي من حديث «عبيد الله» .

فرواه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 200) ، من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. ورواه البخاري مختصرا (4/ 164، 8/ 136) من طريق عبد الأعلى، وهو ابن عبد الأعلى، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر.

ورواه البيهقي أيضا من أحد طريقي البخاري.

والحديث صحيح بكل حال. اهـ.

وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 325) ، وعزاه لوكيع، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة في «المصنف» ، والبخاري، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «سننه» . وذكره ابن عطية (1/ 252) ، عن ابن عمر، والشعبي، وسلمة بن الأكوع، وابن شهاب، ومعاذ بن جبل، وعلقمة، والنخعي، والحسن البصري.

(2)

وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 252) .

(3)

أخرجه الطبري (2/ 148) برقم (2802) عن ابن عباس بلفظ: «فزاد طعام مسكين آخر» ، وذكره ابن عطية (1/ 253) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 327)، عن طاوس بلفظ:«إطعام مساكين» ، وعزاه لعبد بن حميد. اهـ.

(4)

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة القرشي، -

ص: 377

الصوم «1» ، وقال مجاهدٌ: مَنْ زاد في الإِطعام على المدّ «2» ، وخَيْراً الأول قد نُزِّل منزلة مالٍ، أو نفعٍ، وخَيْرٌ الثاني والثالثُ صفةُ تفضيلٍ.

وقوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ يقتضي الحضَّ على الصوْمِ، أي: فاعلموا ذلك وصوموا.

ت: وجاء في فضل الصومِ أحاديثُ صحيحةٌ مشهورةٌ، وحدث أبو بكر بْنُ الخَطِيبُ بسنده عن سهل بن سعد الساعديّ «3» عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ صَامَ يَوْماً تَطوُّعاً، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ، لَمْ يَرْضَ اللَّهُ لَهُ بِثَوَابٍ دُونَ الجَنَّةِ» «4» ، قال: وبهذا الإِسناد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. انتهى «5» .

- الزهري، أبو بكر المدني، أحد الأئمة الأعلام وعالم الحجاز والشام. عن ابن عمر، وسهل بن سعد، وأنس، ومحمود بن الربيع، وابن المسيّب وخلق. وعنه أبان بن صالح، وأيوب، وإبراهيم بن أبي عبلة، وجعفر بن برقان، وابن عيينة، وابن جريج، والليث، ومالك وأمم. قال ابن المديني: له نحو ألفي حديث. قال ابن شهاب: ما استودعت قلبي شيئا فنسيته. وقال الليث: ما رأيت عالما قط أجمع من ابن شهاب. وقال أيوب: ما رأيت أعلم من الزهري، وقال مالك: كان ابن شهاب من أسخى الناس وتقيّا، ما له في الناس نظير. قال إبراهيم بن سعد: مات سنة أربع وعشرين ومائة.

ينظر: «تهذيب الكمال» (3/ 1269) ، و «تهذيب التهذيب» (9/ 445) ، و «تقريب التهذيب» (2/ 207) ، و «خلاصة تهذيب الكمال» (2/ 457) ، و «الكاشف» (3/ 96) ، و «تاريخ البخاري الكبير» (1/ 220) ، و «تاريخ البخاري الصغير» (1/ 56، 320) ، و «الجرح والتعديل» (8/ 318) .

(1)

أخرجه الطبري (2/ 149) برقم (2813) ، وذكره ابن عطية (1/ 253) . [.....]

(2)

أخرجه الطبري (2/ 149) برقم (2814) ، وذكره ابن عطية (1/ 253) ، والبغوي في «التفسير» (1/ 150) .

(3)

هو: سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب.

أبو العباس. وقيل: أبو يحيى، الأنصاري، الساعدي.

قال ابن الأثير في «الأسد» : شهد قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين، وأنه فرق بينهما، وكان اسمه حزنا، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلا. قال الزهري: رأى سهل بن سعد النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، وذكر أنه كان له يوم توفي النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. توفي سنة (88) وله (96) سنة.

ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (2/ 472) ، «الإصابة» (3/ 140) ، «الكاشف» (1/ 407) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 244) ، «الثقات» (3/ 168) ، «الاستيعاب» (2/ 664) ، «تهذيب الكمال» (1/ 555) ، «تهذيب التهذيب» (4/ 252) ، «تقريب التهذيب» (1/ 336) ، «الجرح والتعديل» (4/ 853) ، «شذرات الذهب» (1/ 63) ، «الرياض المستطابة» (110) ، «الأعلام» (1/ 143) .

(4)

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (1/ 278) ، عن سهل بن سعد الساعدي.

(5)

ينظر المصدر السابق.

ص: 378

قال ابن عبد البَرِّ في كتابهِ المسمَّى ب «بهجةِ المَجالِسِ» قال أبو العالية: الصائمُ في عبادةٍ ما لم يغتَبْ.

قال الشيخُ الصالحُ أبو عبد اللَّه محمَّد البلاليُّ الشافعيُّ في «اختصاره للإحياء» : وذكر السُّبْكِيُّ «1» في شرحه أن الغِيبَةَ تمنع ثوابَ الصوْمِ إِجماعاً، قال البلاليُّ: وفيه نظر لمشقَّة الاحتراز، نعم، إِن أكثر، توجَّهت المقالة. انتهى، وهذا الشيخ البلاليُّ لقيتُهُ، ورويتُ عنه كتابه هَذَا.

وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ، فُتِحَتْ أَبْوَابُ الجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ» «2» قال أبو عمر في «التمهيد» «3» : وذلك لأن الصوْمَ جُنَّةٌ يستجنُّ بها العَبْدُ من النار، وتُفْتَحُ لهم أبواب الجنة لأن أعمالهم تزكو فيه، تقبل منهم، ثم أسند أبو عمر عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ، لَمْ تُعْطَهُنَّ أُمَّةٌ قَبْلَهَا: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِم أَطْيَبُ/ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الملائكة حتّى 45 أيفطروا، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّائِمُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمْ المَئُونَةَ، والأذى، ثُمَّ يَصِيرُونَ إِلَيْكِ، وَتُصَفَّدُ «4» فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ، فَلَا يَخْلُصُونَ إلى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِهِ، ويَغْفِرُ لَهُمْ آخِرَ لَيْلَةٍ، قيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ القدر؟

(1) علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام، الأنصاري، الخزرجي، الشيخ الإمام الفقيه، المحدث، الحافظ، المفسر، المقرئ، الأصولي، المتكلم، النحوي، اللغوي، الأديب الحكيم، المنطقي، الجدلي، الخلافي، النظار، شيخ الإسلام، قاضي القضاة تقي الدين السبكي، ولد بسبك من أعمال الشرقية في صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة. قال ابن الرفعة: إمام الفقهاء ومصنفاته تزيد على المائة والخمسين. توفي في جمادى الآخرة سنة ست وخمسين وسبعمائة.

ينظر: «ابن قاضي شهبة» (3/ 603) ، و «الدرر الكامنة» (3/ 58) و «شذرات الذهب» (6/ 187) .

(2)

أخرجه البخاري (4/ 135) كتاب «الصوم» ، باب هل يقال: رمضان، أو شهر رمضان، حديث (1898، 1899) ، ومسلم (2/ 758) ، كتاب «الصيام» ، باب فضل شهر رمضان، حديث (1، 2/ 1079) ، والنسائي (4/ 126- 127) ، كتاب «الصيام» ، باب فضل شهر رمضان، وأحمد (2/ 357، 401) ، والدارمي (2/ 26) ، كتاب «الصوم» ، باب في فضل شهر رمضان، وابن حبان (3434) ، والبيهقي (4/ 202) كتاب «الصيام» ، باب ما روي في كراهية قول القائل: جاء رمضان، وذهب رمضان. والبغوي في «شرح السنة» (3/ 446- بتحقيقنا) ، من حديث أبي هريرة مرفوعا.

(3)

ينظر: «التمهيد» (16/ 153) .

(4)

صفده يصفده صفدا وصفودا وصفّده: أوثقه، وشدّه وقيّده في الحديد وغيره، وكذلك التصفيد.

ينظر: «لسان العرب» (2457) .

ص: 379