الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَرْءَ مَعَ مَالِهِ، إِنْ قَدَّمَهُ، أَحَبَّ أَنْ يلحقه، وإن خلفه، أحبّ التّخلّف» «1» . انتهى.
33 أوقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ خبرٌ في اللفظ، معناه الوعد والوعيد/.
[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]
وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (111) بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَاّ خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ (115)
وقوله تعالى: لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، معناه: قال اليهودُ:
لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقال النصارى: لن يدخل الجنة إِلا من كان نصارى، فجمع قولهم. ودلَّ تفريقُ نوعَيْهم على تفريقِ قولَيْهم، وهذا هو الإِيجازُ واللفُّ.
وهُوداً: جمعُ هَائِدٍ «2» ، ومعناه: التائبُ الراجعُ، وكذَّبهم اللَّه تعالى، وجعل قولهم أمنيَّةً، وأمر نبيَّه- عليه السلام بدعائهم إِلى إِظهار البُرْهان، وهو الدليلُ الذي يوقع اليقينَ، وقولهم:«لَنْ» نفي حسُنت بعده «بلى» إذ هي ردٌّ بالإيجاب في جواب النفي، حرف مرتجل لذلك، وأَسْلَمَ: معناه: استسلم، وخضَع، ودان، وخص الوجْهَ بالذكْر لكونه أشرف الأعضاء، وفيه يظهر أثر العِزِّ والذُّلِّ، وَهُوَ مُحْسِنٌ: جملة في موضعِ الحالِ.
وقوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ
…
الآية: معناه: أنه ادعى كلُّ فريقٍ أنه أحقُّ برحمةِ اللَّه من الآخر، وسبب الآية أن نصارى نجران اجتمعوا مع يهود المدينة عند النبيّ صلى الله عليه وسلم فتسابُّوا، وكَفَرَ اليهودُ بعيسى وبملَّته، وبالإِنجيلِ، وكَفَر النصارى بموسى وبالتَّوراة.
ع «3» : وفي هذا من فعلهم كفر كل طائفة بكتابها لأن الإِنجيلَ يتضمَّن صدْقَ موسى، وتقرير التَّوْراة، والتوراةَ تتضمَّن التبشير بعيسى، وكلاهما يتضمّن صدق النبيّ صلى الله عليه وسلم،
(1) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (ص 224) رقم (634) عن عبد الله بن عبيد به.
(2)
ينظر: «عمدة الحفاظ» (4/ 307) .
(3)
«المحرر الوجيز» (1/ 198) .
فعنفهم اللَّه تعالى على كذبهم، وفي كتبهم خلافُ ما قالوا.
وفي قوله تعالى: وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ تنبيه لأمة محمّد صلى الله عليه وسلم على ملازمة القُرْآن، والوقوف عند حدوده، والكتَابُ الذي يتلونه، قيل: هو التوراةُ والإِنجيل، فالألف واللام للْجِنْسِ، وقيل: التوراةِ لأن النصارى تمتثلُها.
وقوله تعالى: كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ يعني: كفار العَرَبِ لأنهم لا كتابَ لهم، فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
…
الآية، أي: فيثيب من كان على شيءٍ، ويعاقب من كان على غَيْر شيء، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللَّهِ
…
الآيةَ، أي: لا أحد أظلم من هؤلاء، قال ابنُ عَبَّاس وغيره: المراد النصارَى الذين كانِوا يؤذون من يصلِّي ببَيْت المَقْدِسِ «1» ، وقال ابن زَيْد: المراد كُفَّار قريش حين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسجِدِ الحرامِ «2» ، وهذه الآية تتناوَلُ كلَّ من منع من مسجد إِلى يوم القيامة.
وقوله سبحانه: أُولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ
…
الايةَ: فمن جعل الآية في النصارى، روى أنَّه مَرَّ زمَنٌ بعْد ذلك لا يدخل نصرانيٌّ بيْتَ المَقْدِس إِلا أوجع ضرباً، قاله قتادةُ والسُّدِّيُّ «3» ، ومن جعلها في قريش، قال: كذلك نودي بأمر النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَلَاّ يَحُجَّ مُشْرِكٌ، وَأَلَاّ يَطُوفَ بِالبَيْتِ عُرْيَانٌ «4» وفَأَيْنَما «5» شرط، وتُوَلُّوا جزم به،
(1) أخرجه الطبري (1/ 544) برقم (1822) بلفظ: «إنهم النصارى» ، وذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 199) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 204) ، وعزاه لابن جرير، ولفظه السيوطي:«هم النصارى» .
(2)
أخرجه الطبري (1/ 546) برقم (1828) وذكره ابن كثير (1/ 156) ورجح قول ابن زيد. وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 199) ، والبغوي في «تفسيره» (1/ 107) ، ولفظه «نزلت في مشركي مكة، وأراد بالمساجد المسجد الحرام، منعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حجه والصلاة فيه عام الحديبية» ، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 204) ، وعزاه لابن جرير.
(3)
أخرجه الطبري (1/ 547) برقم (1829) عن قتادة وبرقم (1831) عن السدي. وذكره ابن عطية في تفسيره (1/ 199) عن قتادة والسدي.
(4)
أخرجه البخاري (3/ 483) ، كتاب «الحج» ، باب لا يطوف بالبيت عريان، الحديث (1622) ، ومسلم (2/ 982) ، كتاب «الحج» ، باب لا يحج البيت مشرك، الحديث (435/ 1347) واللفظ له، من حديث أبي هريرة قال:«بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، في الحجّة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس يوم النحر: «لا يحجّ بعد العام مُشْرِكٌ، ولا يطوف بالبيت عريان» .
(5)
«أين» هنا اسم شرط بمعنى «إن» و «ما» مزيدة عليها «وتولوا» مجزوم بها وزيادة «ما» ليست لازمة لها بدليل قوله: -
وفَثَمَّ: جوابه، ووَجْهُ اللَّهِ: معناه: الذي وجَّهنا إِلَيْه كما تقولُ: سافَرْتُ في وجه كذا، أي: في جهة كذا، ويتجه في بعض المواضِعِ من القرآن كهذه الآية أن يراد بالوجْهِ الجِهَةُ الَّتي فيها رضَاهُ، وعلَيْها ثوابُه كما تقول تصدَّقت لوجْهِ اللَّهِ، ويتَّجه في هذه الآية خاصَّة أن يراد بالوجه الجهةُ الَّتي وجهنا إليها في القبلة، واختلف في سبب نزولِ هذه الآية، 33 ب فقال ابنُ عُمَرَ: نزلَتْ هذه الآية في صلاة النافلةِ في السفَرِ، / حيث توجَّهت بالإِنسان دابَّته «1» ، وقال النَّخَعِيُّ: الآية عامَّة، أينما تولوا في متصرَّفاتكم ومساعِيكُمْ، فثَمَّ وجْه اللَّه، أي: موضع رضاه، وثوابه، وجهة رحمته الَّتي يوصِّل إِليها بالطاعة «2» ، وقال عبد اللَّه بن عامِرِ بنِ ربيعَةَ «3» : نَزَلَتْ فيمن اجتهد في القبلة «4» ، فأخطأ، ووَرَدَ في ذلكَ حديثٌ رواه عامرُ بن ربيعة، قال: «كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فتحرى قَوْمٌ القبلة،
- أين تضرب بنا العداة تجدنا
…
وهي ظرف مكان، والناصب لها ما بعدها، وتكون اسم استفهام أيضا فهي لفظ مشترك بين الشرط والاستفهام ك «من» و «ما» وزعم بعضهم أن أصلها السؤال عن الأمكنة وهي مبنية على الفتح لتضمنه معنى حرف الشرط أو الاستفهام. ينظر «الدر المصون» (1/ 350) .
(1)
الطبري (1/ 550)(1839- 1840) وروي بإسنادين عن ابن عمر أولهما من طريق أبي كريب قال حدثنا ابن إدريس قال حدثنا عبد الملك عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وثانيهما من طريق أبي السائب قال حدثنا ابن فضيل عن عبد الملك بن أبي سليمان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. اهـ.
وقال أحمد شاكر: «والحديث رواه أحمد أيضا (4714) عن يحيى القطان عن عبد الملك بن أبي سليمان بنحوه ورواه مسلم (1/ 195) من طريق يحيى وآخرين. وكذلك رواه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/ 4) بأسانيد من طريق عبد الملك» اهـ.
وذكره البغوي في «التفسير» (1/ 108) وذكره ابن عطية (1/ 200) ، وابن كثير (1/ 158) والشوكاني في «التفسير» (1/ 197) .
(2)
أخرجه الطبري (1/ 551) برقم (1844) عن المثنى قال: حدثني الحجاج، قال: حدثنا حماد، قال:
قلت للنخعي: إني كنت استيقظت- أو قال: أيقظت- شك الطبري- فكان في السماء سحاب، فصليت لغير القبلة؟ قال: مضت صلاتك، يقول الله عز وجل : فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ. اهـ.
وذكره ابن عطية في تفسيره (1/ 200) .
(3)
عبد الله بن عامر بن ربيعة بن مالك بن عامر.. حليف بني عدي بن كعب ثم حليف الخطاب والد عمرو. وهو من عنز بن وائل. أبو محمود. العنزي. الأصغر. العدوي. ولد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: ولد سنة 6، وتوفي سنة (85 هـ.)
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (3/ 287) ، «الإصابة» (4/ 89) ، «الثقات» (3/ 219) ، «الجرح والتعديل» (5/ 122) ، «بقي بن مخلد» (647) .
(4)
أخرجه الطبري (1/ 551) برقم (1845) ، وذكره ابن عطية (1/ 200) والشوكاني في «فتح القدير» (1/ 197) .
وأَعْلَمُوا عَلَامَاتً، فَلَمَّا أَصْبَحُوا، رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ أخطئوها، فعرّفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فنزلت هذه الآية» «1» .
(1) أخرجه أبو داود الطيالسي (ص- 156) ، الحديث (1145) ، والترمذي (2/ 176) ، كتاب «الصلاة» ، باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم، الحديث (345) ، وابن ماجة (1/ 326) ، كتاب «إقامة الصلاة» ، باب من يصلي لغير القبلة وهو لا يعلم، الحديث (1020)، والدارقطني (1/ 272) :
كتاب «الصلاة» ، باب الاجتهاد في القبلة، الحديث (5) ، وأبو نعيم (1/ 179) ، والبيهقي (2/ 11) ، كتاب «الصلاة» ، باب استبيان الخطأ بعد الاجتهاد، وعبد بن حميد (ص- 130) ، رقم (316) ، والطبري في «تفسيره» (2/ 531) ، والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 31) ، من رواية الربيع بن السمان، عن عاصم بن عبيد الله، عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه به، وقال الترمذي:(ليس إسناده بذاك، لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان، وأشعث بن سعيد، أبو الربيع السمان يضعف في الحديث) .
وقال العقيلي: وأما حديث عامر بن ربيعة، فليس يروى من وجه يثبت متنه، وقد توبع أبو الربيع السمان.
تابعه عمرو بن قيس عند الطيالسي، وسعد بن سعيد، عند عبد بن حميد لتنحصر علة الحديث في عاصم بن عبيد الله.
وعاصم بن عبيد الله: قال الحافظ: ضعيف.
ينظر: «التقريب» (1/ 385) .
وقال العلامة أحمد شاكر في «تعليقه على الطبري» (2/ 531) ، حديث ضعيف.
وقد وردت القصة من وجه آخر من حديث جابر بن عبد الله: أخرجه الحاكم (1/ 206) ، كتاب «الصلاة» ، والدارقطني (1/ 272) ، والبيهقي (2/ 10) ، من طريق داود بن عمرو، ثنا محمد بن يزيد الواسطي، عن محمد بن سالم، عن عطاء، عن جابر قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصابنا غيم
…
» فذكره، قال الدارقطني:(كذا قال: عن محمد بن سالم وقال غيره: عن محمد بن يزيد، عن محمد بن عبيد الله العزرمي عن عطاء، وهما ضعيفان) .
وقال الحاكم: (رواته محتج بهم كلهم، غير محمد بن سالم، فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح) .
وأخرجه الدارقطني (1/ 272) ، والبيهقي (2/ 11)، أيضا من طريق أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري قال: وجدت في كتاب أبي: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر رضي الله عنهما قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرية كنت فيها، فأصابتنا ظلمة، فلم نعرف القبلة
…
» فذكر الحديث، وفيه: «فأتينا النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عن ذلك، فسكت وأنزل الله عز وجل :
وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أي حيث كنتم» .
قال البيهقي: (وكذلك رواه الحسن بن علي بن شبيب العمري، ومحمد بن محمد بن سليمان الباغندي، عن أحمد بن عبيد الله، ولم نعلم لهذا الحديث إسنادا صحيحا قويا، وذلك لأن عاصم بن عبيد الله بن عمر العمري، ومحمد بن عبيد الله العزرمي، ومحمد بن سالم الكوفي، كلهم ضعفاء، والطريق إلى عبد الملك العزرمي غير واضح لما فيه من الوجادة وغيرها، وفي حديثه أيضا نزول الآية في ذلك، وصحيح عن عبد الملك بن أبي سليمان العزرمي، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أن الآية إنما نزلت في التطوع خاصة، حيث توجه بك بعيرك) . [.....]