المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 260] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن - جـ ١

[أبو زيد الثعالبي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الاول]

- ‌«توطئة»

- ‌1- مدرسة ابن عباس ب «مكّة» ، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:

- ‌2- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌3- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلاته وشيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنّفات الثّعالبيّ:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل

- ‌التفسير اصطلاحا:

- ‌التأويل لغة:

- ‌التأويل اصطلاحا:

- ‌التأويل عند السلف له معنيان:

- ‌الفرق بين التّفسير والتّأويل

- ‌حاجة النّاس إلى التّفسير

- ‌فهم الصّحابة للقرآن الكريم

- ‌أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

- ‌1- عليّ بن أبي طالب:

- ‌2- عبد الله بن مسعود:

- ‌3- أبيّ بن كعب:

- ‌4- عبد الله بن عبّاس

- ‌طرق الرواية عن ابن عبّاس:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

- ‌مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس

- ‌1- سعيد بن جبير:

- ‌2- مجاهد بن جبر:

- ‌3- عكرمة:

- ‌4- طاوس:

- ‌5- عطاء بن أبي رباح:

- ‌مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب

- ‌1- أبو العالية:

- ‌2- محمّد بن كعب القرظيّ:

- ‌3- زيد بن أسلم:

- ‌مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود

- ‌1- علقمة بن قيس:

- ‌2- مسروق:

- ‌3- عامر الشّعبيّ:

- ‌4- الحسن البصريّ:

- ‌5- قتادة:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

- ‌سمات التّفسير في تلك المرحلة

- ‌التّفسير في عصر التّدوين

- ‌أقسام التّفسير

- ‌أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

- ‌ ابن جرير الطبريّ

- ‌طريقة الطّبريّ في التّفسير:

- ‌ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:

- ‌ثالثا- الاتّجاه البيانيّ

- ‌المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ

- ‌أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

- ‌أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:

- ‌4- «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:

- ‌5- «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:

- ‌ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:

- ‌رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:

- ‌1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي

- ‌خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:

- ‌سادسا: كتب الخصائص والشمائل:

- ‌سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:

- ‌1- «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

- ‌4- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي

- ‌تاسعا: ومن كتب التّاريخ:

- ‌عاشرا: كتب أخرى منثورة:

- ‌ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

- ‌بين يدي المنهج:

- ‌أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:

- ‌ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:

- ‌ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:

- ‌رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:

- ‌خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:

- ‌سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:

- ‌سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:

- ‌ثامنا: احتجاجه بالشّعر:

- ‌تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:

- ‌وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

- ‌باب في فضل القرآن

- ‌باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

- ‌فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق

- ‌باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

- ‌باب في الاستعاذة

- ‌تفسير فاتحة الكتاب

- ‌[سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌باب في تفسير: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]

- ‌(القَوْلُ فِي «آمِينَ» )

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 12]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 73]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 91]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 126]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 133]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 138]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 139 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 193 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 199]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 203 الى 205]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 206 الى 210]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 213 الى 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 225]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 230 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 248]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 249 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 253 الى 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 259]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 277]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 278 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 283 الى 285]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌محتوى الجزء الأول من تفسير الثعالبي

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

وقوله تعالى: فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ: المعنى: قال هو: أَعلَمُ أنَّ اللَّه على كلِّ شيء قديرٌ، وهذا عنْدي لَيْسَ بإِقرار بما كان قَبْلُ يُنْكِرُهُ كما زعم الطبريُّ «1» ، بل هو قولٌ بَعَثَهُ الاعتبارُ كما يقول الإِنسان المؤمن، إِذا رأى شيئاً غريباً مِنْ قدرةِ اللَّهِ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللَّهُ، ونحْو هذا.

وأما قراءة حمزةَ والكسائي «2» : «قال اعلم» . موصولةَ الألفِ، ساكنةَ الميمِ، فتحتمل وجهيْن:

أحدهما: قال المَلَكُ له: اعلم، وقد قرأ ابن مسعود، والأعمشُ «3» :«قِيلَ اعلم» .

والوجه الثاني: أنْ يُنَزِّلَ نفسه منزلةَ المُخَاطَبِ الأجنبيِّ المُنْفَصِلِ، أي: قال لنفسه:

اعلم، وأمثلة هذا كثيرة.

[سورة البقرة (2) : آية 260]

وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)

قوله تعالى: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى

الآية: قال جمهور العلماء: إِن إبراهيم- عليه السلام لم يكُنْ شَاكًّا في إِحياء اللَّه الموتى قطُّ، وإنما طلب المعايَنَة، وأما قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ» «4» فمعناه: أنْ لو كانَ شَكَّ، لكنَّا نحْنُ أَحَقُّ به، ونحن لا نشكّ، فإبراهيم- عليه

(1) ذكره الطبري (3/ 47) .

(2)

ينظر: «السبعة» (189) ، و «الحجة» (2/ 383) ، و «حجة القراءات» (144) ، و «معاني القراءات» (1/ 223) ، و «شرح شعلة» (296) ، و «العنوان» (75) ، و «شرح الطيبة» (4/ 118) ، و «إتحاف» (1/ 449) .

(3)

قراءة ابن مسعود ذكرها ابن زنجلة في «حجة القراءات» (ص 144) وابن خالويه في «مختصر الشواذ» (ص 23) ، والزمخشري في «الكشاف» (1/ 308) ، وقراءتهما معا في «المحرر الوجيز» (1/ 351) ، و «البحر المحيط» (2/ 308) ، وقراءة الأعمش وحده في «الدر المصون» (1/ 628) .

(4)

أخرجه البخاري (6/ 473) ، كتاب «الأنبياء» ، باب قوله: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ، حديث (3372)، و (6/ 481) باب قول الله تعالى: لَقَدْ كانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آياتٌ لِلسَّائِلِينَ، حديث (3387) ، و (8/ 49) ، كتاب «التفسير» ، باب: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ، حديث (4537) ، وباب تفسير سورة يوسف، حديث (4694) ، و (12/ 397) ، كتاب «التعبير» ، باب رؤيا أهل السجون، حديث (6992) ، ومسلم (1/ 133) ، كتاب «الإيمان» ، باب زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، حديث (238/ 151) ، وابن ماجة (2/ 1335) ، كتاب «الفتن» ، باب الصبر على البلاء، حديث (4026) ، -

ص: 511

السلام- أحرى ألَاّ يشكَّ، فالحديث مبنيٌّ على نفْيِ الشكِّ عن إِبراهيم، والذي روي فيه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ:«ذَلِكَ مَحْضُ الإِيمَانِ» «1» إِنما هو في الخواطر الجاريَةِ الَّتي لا تثبتُ، وأما الشَّكُّ، فهو توقّف بيْن أمرين، لا مزية لأحدهما على الآخرِ، وذلك هو المنفيُّ عن الخليل صلى الله عليه وسلم.

وإِحياء الموتى إِنما يثبُتُ بالسمْع، وقد كان إِبراهيمُ أُعْلِمَ بذلك يدلُّك على ذلك قولُهُ: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ [البقرة: 258] ، والشكُّ يبعد على من ثبت قدمه في

- والطبري في تفسيره بأرقام (5973) ، (5973) ، (19399) ، (19400) ، وأحمد (2/ 326) ، وابن حبان (6208) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1/ 134) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (507) ، وابن منده في «الإيمان» (369، 370، 371) ، والبغوي في «شرح السنة» (1/ 123- بتحقيقنا) . كلهم من حديث أبي هريرة مرفوعا.

قال البغوي في «شرح السنة» (1/ 124) : حكي عن أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني أنه قال: لم يشك النبي، ولا إبراهيم (صلوات الله عليهما) في أن الله قادر على أن يحيي الموتى، وإنما شكّا أن يجيبهما إلى ما سألاه، ومما يؤيد هذا الذي ذكره المزني ما روي عن ابن عباس في قوله عز وجل:

رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قال: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.

قال أبو سليمان الخطّابي: ليس في قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم، لكن فيه نفي الشك عنهما، يقول: إذا لم أشك أنا، ولم أرتب في قدرة الله عز وجل على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك ولا يرتاب، وقال ذلك على سبيل التواضع، والهضم من النفس، وفيه الإعلام أن المسألة من قبل إبراهيم لم تعرض من جهة شك، لكن من قبل زيادة العلم فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال، وقوله: لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أي: بيقين النظر.

(1)

أخرجه مسلم (1/ 119) : كتاب «الإيمان» ، باب بيان الوسوسة في الإيمان، وما يقوله من وجدها، حديث (211/ 133) ، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ، كما في «تحفة الإشراف» (7/ 107) ، وأبو عوانة (1/ 79) ، وابن حبان (149- الإحسان) ، وابن منده في «الإيمان» (347)، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2/ 251) والبغوي في «شرح السنة» (1/ 120- بتحقيقنا) . وكلهم من طريق إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد الشيء، لو خر من السماء فتخطفه الطير كان أحب إليه من أن يتكلم به؟ قال: ذلك محض، أو صريح الإيمان. اهـ.

وقال ابن حبان: إذا وجد المسلم في قلبه، أو خطر بباله من الأشياء التي لا يحل له النطق بها- من كيفية الباري جل وعلا، أو ما يشبه هذه، فرد ذلك على قلبه بالإيمان الصريح، وترك العزم على شيء منها- كان رده إياها من الإيمان، لا أن خطرات مثلها من الإيمان.

وقال البغوي: قال أبو سليمان الخطابي: قوله صلى الله عليه وسلم: «ذلك صريح الإيمان» معناه أن صريح الإيمان هو الذي يمنعكم من قبول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم، والتصديق به، وليس معناه أن الوسوسة نفسها صريح الإيمان، وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله، فكيف يكون إيمانا صريحا.

ص: 512

الإِيمان فقَطْ، فكيف بمرتبة النبوَّة والخُلَّة، والأنبياءُ معصومون من الكبائرِ، ومن الصغائرِ التي فيها رذيلةٌ إِجماعاً، وإِذا تأمَّلت سؤاله- عليه السلام وسائِرَ ألفاظ الآيةِ، لم تعط شكًّا، وذلك أنَّ الاستفهام ب «كَيْفَ» ، إِنما هو عن حالِ شيء موجودٍ، ومتقرّر الوجودِ عند السائل والمسئول نحو قولكَ: كَيْفَ عِلْمُ زَيْدٍ، وَكَيْفَ نَسْجُ الثَّوْبِ؟ ف «كَيْفَ» في هذه الآية إِنما هي استفهامٌ عن هيئة الإِحياء، والإِحياءُ متقرِّر، ولما وجدنا بعض المنكرين لوجودِ شيْء قد يعبَّر عن إِنكاره بالاستفهام عن حالةٍ لذلك الشيء، يعلم أنها لا تصحّ، فنيلزم من ذلك أنَّ الشيْءَ في نفْسه لا يصحُّ مثال ذلك: أنْ يقولَ مدَّعٍ: أنا أرفَعُ هذا الجَبَلَ، فيقول المكذِّب: كَيْفَ ترفعه، فهذه طريقة مجازٍ في العبارة، ومَعْنَاها: تسليمٌ جدليٌّ كأنه يقول: افرض أنَّك ترفعه، أَرِنِي كيف، فلمّا كان في عبارة الخليل صلى الله عليه وسلم هذا الاشتراكُ المجازيُّ، خَلَّصَ اللَّه سبحانه ذلك/، وحمَلَهُ على أنْ يبيّن الحقيقةَ، فقال له: 67 ب أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى فكمل الأمر، وتخلَّص من كلِّ شك، ثم علَّل- عليه السلام سؤاله بالطّمأنينة.

ت: قال الداوديّ: وعن ابن جُبَيْر: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ بالخُلَّة «1» ، قال مجاهدٌ، والنَّخَعِيُّ: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، أي: أزداد إِيماناً إِلى إِيماني «2» ، وعن قتادة: لأزداد يقيناً «3» . انتهى.

قال ع «4» : وقوله تعالى: أَوَلَمْ تُؤْمِنْ معناه: إِيماناً مطلقاً دخل فيه فصْل إِحياء الموتى، والواو: واو حالٍ دخَلَتْ عليها ألِفُ التقريرِ، وقال ص: الهمزة في أَوَلَمْ تُؤْمِنْ للتقرير كقوله تعالى: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: 1] وكقوله [الوافر] :

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المطايا «5»

(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 50) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 352) .

(2)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 52) ، برقم (5984) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 334) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 353) .

(3)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 52) برقم (5979) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 334) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 353) .

(4)

ذكره ابن عطية (1/ 353) .

(5)

صدر بيت لجري، وعجزه

...............

... وأندى العالمين بطون راح-

ص: 513

أي: قد شَرَحْنا لك صدرك، وأنتم خَيْر.

وقولُ ابن عطيَّة «1» : «الواو للحالِ، دخَلَتْ عليها ألفُ التقرير» : متعقَّب، والظاهر أنَّ التقرير منسحبٌ على الجملة المنفيَّة فقطْ، وأن الواو للعطْف. انتهى.

ولِيَطْمَئِنَّ: معناه: ليسكُنَ، فطمأنينةُ القَلْب هي أنْ تَسْكُنَ فِكَرُهُ في الشيء المعتَقَدِ، والفِكَرُ في صورة الإِحياء غيْرُ محظورةٍ كما لنا نحن اليوم أنْ نفكِّر فيها، بل هي فِكَرٌ، فيها عِبَرٌ، فأراد الخليلُ أن يعاين، فتذهب فِكَرُهُ في صُورة الإِحياء إِذ حرَّكه إِلى ذلك، إِما الدابَّةُ المأكولةُ في تأويل، وإِمَّا قولُ النُّمْرُوذِ: أنا أُحْيِي وأميتُ في تأويل آخر، ورُوِيَ أن الأربعة التي أَخَذَ إِبراهيم- عليه السلام هي الدِّيكُ، وَالطَّاوُسُ، والحَمَامُ، وَالغُرَابُ، قاله مجاهد وغيره «2» ، وقال ابن عباس: مكان الغرابِ الكَرْكِيّ، فروي أنه أخذها- عليه السلام حَسَب ما أمر، وذكَّاها، ثم قَطَعها قِطَعاً قِطَعاً صِغَاراً، وجمع ذلك مع الدم والرِّيش، ثم جعل من ذلك المجْمُوع المختلط جزْءاً على كلِّ جبل، ووقَفَ هو من حيثُ يرى تلك الأجزاء، وأمْسَك رُءُوس الطَّيْر في يده، ثم قال: تَعَالَيْنَ بإِذنِ اللَّه، فتطايَرَتْ تلك الأجزاءُ، وطار الدمُ إِلى الدمِ، والريشُ إِلى الريشِ حتى التأمت كما كانَتْ أولاً، وبقيتْ بلا رءوسٍ، ثم كرر النداء، فجاءته سعياً حتى وضعت أجسادها في رءوسها، وطارتْ بإِذن اللَّه تعالى.

وقوله تعالى: فَصُرْهُنَّ، يقال: صُرْتُ الشَّيْءَ، أصُورُهُ، بمعنى: قطعته، ويقال أيضاً: صُرْتُ الشيْءَ، بمعنى: أَمَلْتُهُ، وقد تأوَّل المفسِّرون اللفظة بمعنى التقطيع، وبمعنى الإمالَةِ، وقد قال ابن عَبَّاس وغيره في هذه الآية:«صرهنّ» : معناه: قطّعهنّ «3» ، وقال

- وهو من قصيدة مدح بها عبد الملك بن مروان مطلعها:

أتصحو بل فؤادك غير صاح

عشيّة همّ صحبك بالرّواح

وهو في ديوانه (ص 85، 89) ، و «الجنى الداني» (ص 32) و «شرح شواهد المغني» (1/ 42) و «لسان العرب» (7/ 101)(نقص) و «مغني اللبيب» (1/ 17) وبلا نسبة، في «الخصائص» (2/ 463، 3/ 269) ، و «رصف المباني» (ص 46) ، و «شرح المفصل» (8/ 123) ، و «المقتضب» (3/ 292) .

واستشهد بمجىء همزة الاستفهام للإيجاب وتحقق الكلام. والمعنى: أنتم خير من ركب المطايا. [.....]

(1)

ذكره ابن عطية (1/ 353) .

(2)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 53) برقم (5991) عن مجاهد، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 334) ، والبغوي في «معالم التنزيل» (1/ 248) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 352) .

(3)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 56) برقم (5996) عن ابن عباس، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 334) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 354) .

ص: 514