الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الفهم التامّ والعلم الصحيح والعمل الصالح، ولا سيّما علماؤهم وكبراؤهم كالأئمّة الأربعة، والخلفاء الراشدين، والأئمة المهديّين، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم» .
مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس
1- سعيد بن جبير:
هو «1» : سعيد بن جبير بن هشام الأسديّ، مولى بني والبة، يكنى بأبي محمّد «2» أو بأبي عبد الله «3» ، كان حبشيّ الأصل، أسود اللّون، أبيض الخصال «4» .
هو أحد كبار التابعين، وإمام من أئمّة الإسلام في التّفسير.
كان في أوّل أمره كاتبا لعبد الله بن عتبة بن مسعود، ثم لأبي بردة الأشعريّ، ثم تفرّغ للعلم حتّى صار إماما علما «5» .
أخذ العلم عن ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن مغفّل المزنيّ وغيرهم، وتخرّج من مدرسة ابن عبّاس «6» .
وكان ابن عباس يثق بعلمه، ويحيل عليه من يستفتيه، وكان يقول لأهل الكوفة إذا أتوه ليسألوه عن شيء: أليس فيكم ابن أمّ الدّهماء؟! يعني: سعيد بن جبير «7» .
وكان يحبّ أن يسمع منه، قال له مرّة: حدّث، فقال: أحدّث، وأنت هنا؟ فقال:
أليس من نعمة الله عليك أن تحدّث، وأنا شاهد فإن أصبت فذاك، وإن أخطأت علّمتك «8» ؟!
(1) ترجمته في: «طبقات ابن سعد» 6/ 256، «تقريب التهذيب» 1/ 292، و «فيات الأعيان» 1/ 204، «تهذيب التهذيب» 4/ 11، «البداية والنهاية» 9/ 103، «الأعلام» 3/ 145.
(2)
«طبقات ابن سعد» ، و «البداية والنهاية» وغيرهما.
(3)
«طبقات ابن سعد» ، و «البداية والنهاية» وغيرهما.
(4)
«التفسير والمفسرون» 1/ 104.
(5)
«الإسرائيليات والموضوعات» 95.
(6)
«الإسرائيليات والموضوعات» 95.
(7)
«التفسير والمفسرون» 1/ 105. [.....]
(8)
«طبقات ابن سعد» 6/ 257، و «وفيات الأعيان» 1/ 204.
مكانته في التّفسير: كان- رضي الله عنه من أعلم التابعين بالقراءات يقول إسماعيل بن عبد الملك «1» : «كان سعيد بن جبير يؤمّنا في شهر رمضان، فيقرأ ليلة بقراءة عبد الله بن مسعود، وليلة بقراءة زيد بن ثابت، وليلة بقراءة غيره، وهكذا أبدا» .
وساعدته معرفته بالقراءات على معرفة معاني القرآن وأسراره، ومع ذلك كان يتورّع من القول في التفسير برأيه.
يروي ابن خلّكان «2» : «أن رجلا سأل سعيدا أن يكتب له تفسير القرآن، فغضب، وقال: لأن يسقط شقّي أحبّ إليّ من ذلك» .
وقد شهد له التابعون بتفوّقه في العلم، ولا سيّما التفسير قال قتادة «3» :«وكان أعلم النّاس أربعة، كان عطاء بن أبي رباح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن جبير أعلمهم بالتّفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسّير، وكان الحسن أعلمهم بالحلال والحرام» .
وقال سفيان الثّوريّ «4» : «خذوا التّفسير عن أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد بن جبر، وعكرمة، والضّحّاك» .
وقال خصيف «5» : «كان من أعلم التابعين بالطّلاق سعيد بن المسيّب، وبالحجّ عطاء، وبالحلال والحرام طاوس، وبالتّفسير أبو الحجّاج مجاهد بن جبر، وأجمعهم لذلك كلّه سعيد بن جبير» .
نموذج من تفسيره: قال سعيد بن جبير: السّبع المثاني هي: البقرة وآل عمران، والنّساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، ويونس قال: وسمّيت بذلك لأنها بينت فيها الفرائض والحدود «6» .
قتله:
قتل- رضي الله عنه سنة أربع وتسعين من الهجرة، قتله الحجّاج بن يوسف الثّقفيّ
(1)«وفيات الأعيان» 1/ 204.
(2)
«وفيات الأعيان» 1/ 204- 205.
(3)
«الإسرائيليات والموضوعات» 95.
(4)
«الإسرائيليات والموضوعات» 95.
(5)
«وفيات الأعيان» 1/ 204- 205.
(6)
«تفسير الطبري» 1/ 33، 34.
صبرا وذلك: أن سعيد بن جبير خرج على الخليفة مع ابن الأشعث، فلما قتل ابن الأشعث وانهزم أصحابه من دير الجماجم هرب سعيد، فلحق بمكّة، وكان واليها خالد بن عبد الله القسريّ، فأخذه وبعث به إلى الحجّاج، فقال له الحجّاج: ما أسمك؟ قال:
سعيد بن جبير.
قال: بل أنت شقيّ بن كسير، قال: بل أمّي كانت أعلم باسمي منك.
قال: شقيت أنت وشقيت أمّك، قال: الغيب يعلمه غيرك.
قال: لأبدّلنّك بالدّنيا نارا تلظّى، قال: لو علمت أن ذلك بيدك لاتّخذتك إلها.
قال: فما قولك في محمّد؟ قال: نبيّ الرحمة، وإمام الهدى.
قال: فما قولك في عليّ؟ أهو في الجنّة أو هو في النار؟ قال: لو دخلتها وعرفت من فيها عرفت أهلها «1» .
قال: فما قولك في الخلفاء؟ قال: لست عليهم بوكيل.
قال: فأيّهم أعجب إليك؟ قال: أرضاهم لخالقهم.
قال: وأيّهم أرضى للخالق؟ قال: علم ذلك عند الذي يعلم سرّهم ونجواهم.
قال: فما بالك لم تضحك؟ قال: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين، والطين تأكله النّار؟! قال: فما بالنا نضحك؟ قال: لم تستو القلوب.
ثم أمر الحجّاج باللّؤلؤ والزّبرجد والياقوت، فجمعه بين يديه، فقال سعيد:
إن كنت جمعت هذا لتتّقي به من فزع يوم القيامة، فصالح، وإلا ففزعة واحدة تذهل كلّ مرضعة عما أرضعت، ولا خير في شيء جمع للدّنيا إلّا ما طاب وزكا، ثمّ دعا الحجّاج بالعود والنّاي، فلمّا ضرب بالعود، ونفخ بالنّاي بكى سعيد.
فقال: ما يبكيك هو اللّعب؟
قال سعيد: هو الحزن: أما النفخ، فذكّرني يوما عظيما، يوم النّفخ في الصّور، وأما
(1) هذه رواية المحاجّة بين سعيد والحجاج، أمّا نحن فننزّه سعيدا عن هذا الرد، ونجزم بكون عليّ من أهل الجنة.
العود، فشجرة قطعت من غير حقّ، وأما الأوتار، فمن الشّاء تبعث معها يوم القيامة.
قال الحجّاج: ويلك يا سعيد! قال: لا ويل لمن زحرح عن النّار وأدخل الجنّة! قال الحجاج: اختر يا سعيد أيّ قتلة أقتلك.
قال: اختر لنفسك يا حجّاج فو الله، لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة! قال: أفتريد أن أعفو عنك؟ قال: إن كان العفو، فمن الله، وأما أنت، فلا براءة لك ولا عذر.
قال الحجّاج: اذهبوا به فاقتلوه، فلمّا خرج، ضحك، فأخبر الحجّاج بذلك فردّه، وقال: ما أضحكك؟ قال: عجبت من جرأتك على الله، وحلم الله عليك.
فأمر بالنّطع فبسط، وقال: اقتلوه! فقال سعيد: وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض، حنيفا وما أنا من المشركين.
قال: وجّهوا به لغير القبلة، قال سعيد: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة 115] .
قال: كبّوه لوجهه، قال سعيد: مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى [طه: 55] .
قال الحجّاج: اذبحوه! قال سعيد: أما إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَاّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خذها منّي حتّى تلقاني بها يوم القيامة، ثمّ دعي سعيد فقال: اللهمّ لا تسلّطه على أحد يقتله بعدي.
وكان الحجّاج إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه، ويقول: يا عدوّ الله، فيم قتلتني؟
فيقول الحجّاج: ما لي ولسعيد بن جبير؟! ما لي ولسعيد بن جبير؟ «1» .
ذكر عن الإمام أحمد أنه قال «2» :
قتل سعيد بن جبير، وما على وجه الأرض أحد إلّا وهو محتاج- أو قال: مفتقر- إلى علمه.
(1) انظر «وفيات الأعيان» 1/ 205- 206، «تذكرة الحفاظ» 71- 73، «البداية والنهاية» 9/ 101- 103.
(2)
«طبقات ابن سعد» 6/ 266، «وفيات الأعيان» 1/ 206، «الأعلام» 3/ 145.