المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : آية 282] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن - جـ ١

[أبو زيد الثعالبي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الاول]

- ‌«توطئة»

- ‌1- مدرسة ابن عباس ب «مكّة» ، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:

- ‌2- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌3- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلاته وشيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنّفات الثّعالبيّ:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل

- ‌التفسير اصطلاحا:

- ‌التأويل لغة:

- ‌التأويل اصطلاحا:

- ‌التأويل عند السلف له معنيان:

- ‌الفرق بين التّفسير والتّأويل

- ‌حاجة النّاس إلى التّفسير

- ‌فهم الصّحابة للقرآن الكريم

- ‌أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

- ‌1- عليّ بن أبي طالب:

- ‌2- عبد الله بن مسعود:

- ‌3- أبيّ بن كعب:

- ‌4- عبد الله بن عبّاس

- ‌طرق الرواية عن ابن عبّاس:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

- ‌مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس

- ‌1- سعيد بن جبير:

- ‌2- مجاهد بن جبر:

- ‌3- عكرمة:

- ‌4- طاوس:

- ‌5- عطاء بن أبي رباح:

- ‌مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب

- ‌1- أبو العالية:

- ‌2- محمّد بن كعب القرظيّ:

- ‌3- زيد بن أسلم:

- ‌مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود

- ‌1- علقمة بن قيس:

- ‌2- مسروق:

- ‌3- عامر الشّعبيّ:

- ‌4- الحسن البصريّ:

- ‌5- قتادة:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

- ‌سمات التّفسير في تلك المرحلة

- ‌التّفسير في عصر التّدوين

- ‌أقسام التّفسير

- ‌أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

- ‌ ابن جرير الطبريّ

- ‌طريقة الطّبريّ في التّفسير:

- ‌ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:

- ‌ثالثا- الاتّجاه البيانيّ

- ‌المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ

- ‌أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

- ‌أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:

- ‌4- «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:

- ‌5- «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:

- ‌ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:

- ‌رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:

- ‌1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي

- ‌خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:

- ‌سادسا: كتب الخصائص والشمائل:

- ‌سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:

- ‌1- «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

- ‌4- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي

- ‌تاسعا: ومن كتب التّاريخ:

- ‌عاشرا: كتب أخرى منثورة:

- ‌ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

- ‌بين يدي المنهج:

- ‌أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:

- ‌ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:

- ‌ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:

- ‌رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:

- ‌خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:

- ‌سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:

- ‌سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:

- ‌ثامنا: احتجاجه بالشّعر:

- ‌تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:

- ‌وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

- ‌باب في فضل القرآن

- ‌باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

- ‌فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق

- ‌باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

- ‌باب في الاستعاذة

- ‌تفسير فاتحة الكتاب

- ‌[سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌باب في تفسير: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]

- ‌(القَوْلُ فِي «آمِينَ» )

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 12]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 73]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 91]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 126]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 133]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 138]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 139 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 193 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 199]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 203 الى 205]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 206 الى 210]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 213 الى 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 225]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 230 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 248]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 249 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 253 الى 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 259]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 277]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 278 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 283 الى 285]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌محتوى الجزء الأول من تفسير الثعالبي

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

فقرئَتْ عليه هذه الآيةُ، فبكى عندها، ثم بكى، إلى أَنْ فاضتْ نفْسُه، ومَالَ، فحَرَّكُوه، فإِذا هو مَيِّتٌ- رحمه الله ونَفَعَ بِهِ، يَا هَذَا، مَنْ صَحَا عَقْلُه مِنْ سُكْر هواه، وجَهْلِهِ، احترق بنَارِ النَّدَمِ والخَجَلِ مِنْ مهابة نَظَرِ ربِّه، وتنكَّرت صُورةُ حالِهِ في عَيْنِهِ نفوسَ الأغبياءِ الجُهَّال، غَافِلَةً عن العظمة والجَلَال، ولَاهِيَةً عن أهْوَال المَعَاد والمَآل، مَشْغُولَةً برذائلِ الأفْعَال، وفُضُولِ القِيلِ والقَال، والاِستنباطِ والاِحْتِيَالِ لاِزدياد الأمْوَال، ولا يَعْلَمُون أنَّها فِتْنَةٌ وَوَبَال، وطُولُ حِسَابٍ وبَلَاء وبَلْبَالَ «1» ، اغتنموا، يا ذوِي البَصَائر نعْمَةَ الإِمهال، واطرحوا خَوَادِع الأمانِي، وكَوَاذِب/ الآمال، فكأنْ قد فجأتْكُم هواجمُ الآجال. انتهى من 74 «الكم الفارقيّة، في الحكم الحقيقيّة» .

ويَوْماً: نصب على المفعول، لا على الظرف، وجمهور العلماء على أنَّ هذا اليوم المحذَّر منه هو يومُ القيامةِ، والحِسَابِ والتوفيةِ، وقال قومٌ: هو يوم المَوْت، والأول أصَحُّ، وهو يومٌ تنفطرُ لذكْره القُلُوب، وفي هذه الآيةِ نصٌّ على أنَّ الثواب والعقابَ متعلِّق بكَسْب الإِنْسَان، وهذا ردّ على الجبريّة.

[سورة البقرة (2) : آية 282]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَاّ تَرْتابُوا إِلَاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلَاّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)

وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ

الآية.

قال ابن عباس: هذه الآية نزلت في السّلم خاصّة «2» ،

(1) البلبال: والبلابل، والبلبلة: شدة الهم والوسواس في الصدور وحديث النفس. ينظر: «لسان العرب» (351)(بلل) .

(2)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 116) برقم (6315) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» .

ص: 545

قال ع «1» : معناه أنَّ سَلَمَ أهْلِ المدينة كانَ سَبَبَ الآيةِ، ثم هِيَ تتناوَلُ جميعَ المدايَنَات إجماعاً، ووصفُهُ الأَجَلَ ب مُسَمًّى- دليلٌ على أنَّ الجهالة لا تجوزُ، وقال جمهورُ العلماء: الأمر بالكَتب ندْبٌ إِلى حفظ الأموال، وإِزالة الرّيب، وإِذا كان الغريمُ تقيًّا، فما يضرُّه الكَتْب، وإِن كان غير ذلك، فالكتب ثقافٌ في دَيْنِهِ وحَاجَة صاحبِ الحقِّ، قال بعضهم: إِن أشهدتَّ، فحَزْمٌ، وإِن ائتمنت، ففي حِلٍّ وَسَعةٍ.

ع «2» : وهذا هو القول الصحيحُ، ثم علم تعالى أنه سيقع الاِئتمانُ، فقال: إِن وقع ذلك، فَلْيُؤَدِّ

[البقرة: 283] الآية، فهذه وصيَّة للذِينَ علَيْهم الدُّيون.

واختلف في قوله تعالى: وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ.

فقال عطاءٌ، والشَّعْبِيُّ: واجبٌ على الكاتِبِ أنْ يكْتُبَ، إِذا لم يوجَدْ سواه «3» ، وقال السُّدِّيُّ: هو واجبٌ مع الفَرَاغ «4» .

وقوله: بِالْعَدْلِ: معناه: بالحَقِّ، ثم نهى اللَّه سبحانه الكُتَّابَ عن الإباءَة، وحكى المَهْدَوِيُّ عن الرَّبِيعِ، والضَّحَّاك أنَّ قوله تعالى: وَلا يَأْبَ منسوخٌ بقوله: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ، قال «5» ع «6» : أما إذا أمكن الكتاب، فلَيْسَ يجبُ الكَتْب على معيَّن، بل له الاِمتناع، إِلا إِذا استأجره، وأمَّا إِذا عدم الكاتبُ، فيتوجَّه وجوبُ النَّدْب حينئِذٍ على الكَاتِبِ.

وقوله تعالى: وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ

الاية: أَمَرَ اللَّه تعالى الَّذي علَيْه الحقُّ بالإِملال لأنَّ الشهادة، إِنما تكونُ بحَسَب إِقراره، وإِذا كتبت الوثيقة، وأقر بها، فهي

(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 378) .

(2)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 379) .

(3)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 119) برقم (6339) عن عطاء، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 355) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 379) .

(4)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 119) برقم (6342) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 379) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 655) ، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن السدي، وذكره.

(5)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 119) برقم (6340، 6341) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 355) عن الضحاك، وذكره أيضا ابن عطية في «تفسيره» (1/ 379) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 655) ، وعزاه لابن جرير عن الضحاك. [.....]

(6)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 379) .

ص: 546

كإمْلاله، والبَخْسُ: النقْصُ بنوعٍ من المخادَعَة، والمُدَافعة، وهؤلاءِ الذين أُمِرُوا بالإِملال هم المالكُون لأنفسهم، إِذا حَضَرُوا.

ثم ذكر تعالى ثلاثةَ أنواعٍ تقَعُ نوازلُهُمْ في كلِّ زمانٍ، فقال: فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً، والسفيهُ: الهَلْهَل الرأي في المالِ، الذي لا يحسنُ الأخذ لنَفْسِهِ ولا الإِعطاء منْها مشبَّه بالثوْبِ السَّفِيهِ، وهو الخفيفُ النَّسْجِ، والسَّفَهُ: الخِفَّة، وهذه الصفة في الشريعةِ لا تخلُو من حجر أبٍ، أو وصيٍّ وذلك هو وليُّه، ثم قال: أَوْ ضَعِيفاً، والضعيفُ: هو المدخُولُ في عَقْلِهِ، وهذا أيضاً قد يكونُ وليُّه أَباً أو وصيًّا، والذي لا يستطيعُ أن يُمِلَّ هو الصغيرُ، ووليُّه وصيُّه أو أبوه، والغائبُ عن موضعِ الإشهاد لمرضٍ أو لغيرِ ذلك مِنَ الأعذار، ووليُّه وكيلُهُ، وأمَّا الأخْرَسُ، فيسوغُ أنْ يكون من الضعفاء، والأولى أنه ممَّن لا يستطيعُ.

وقوله: بِالْعَدْلِ: معناه: بالحَقِّ، وقَصْدِ الصواب.

وقوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ

الآية: الاستشهادُ: طلبُ الشهادة/، وعبّر 74 ب ببناءِ مبالغة في «شَهِيدَيْنِ» دلالةً على مَنْ قد شهد، وتكرَّر ذلك منه فكأنه إِشارة إِلى العدالة، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه» «1» : والصحيحُ أنَّ الأمر بالاستشهادِ محمولٌ على الندب. اهـ.

وقوله تعالى: مِنْ رِجالِكُمْ: نصٌّ في رفضِ الكفارِ، والصِّبْيَانِ، والنِّساء، وأما العبيدُ، فاللفظ يتناولهم.

واختلف العلماء فيهم، وقولُ مالكٍ، والشافعيِّ، وأبي حنيفةَ، وجمهورِ العلماءِ: أنَّ شهادتهم لا تجوزُ، وغلبوا نقْضَ الرِّقِّ.

واسم كان الضميرُ الذي في قوله: يَكُونا، والمعنى في قول الجمهور: فإِن لم يكن المستشْهَدُ رجلَيْنِ، وقال قومٌ: بلْ المعنى: فإِن لم يوجَدْ رجلانِ.

ولا يجوز استشهاد المَرْأَتَيْنِ إِلا مع عَدَم الرجال، قال ع «2» : وهذا قول ضعيفٌ ولفظ الآية لا يعطيه، بل الظاهرُ منه قولُ الجمهور.

(1) ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 251) .

(2)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 381) .

ص: 547

وقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، أي: فليشهدْ أو فليكُنْ رجُلٌ وامرأتان.

وقوله تعالى: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ: رفعٌ في موضع الصفةِ لقوله: فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ، وهذا الخطاب لجميع الناس، المتلبِّس بهذه القصَّة هم الحُكَّام، وهذا كثيرٌ في كتاب اللَّه يعمُّ الخطابُ فيما يتلبَّس به البعْض.

وفي قوله: مِمَّنْ تَرْضَوْنَ: دليلٌ على أنَّ في الشهود من لا يرضى فيجيء من ذلك، أنَّ الناس ليسوا بمحمولِينَ عَلَى العَدَالة حتى تَثْبُتَ لهم.

وقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما

الآيةَ: «أنْ» مفعولٌ من أجله، والشهادة لم تقع لأَنْ تَضِلَّ إحْدَاهما، وإِنما وقع إِشهاد امرأتين لأنّ تُذَكِّر إِحداهما، إِنْ ضلَّت الأخرى، قال سيبوَيْهِ، وهذا كما تقول: أعْدَدتُّ هذه الخَشَبَةَ أنْ يميلَ الحَائِطُ، فأدعمه.

ع «1» : ولما كانتِ النفوسُ مستشرفةً إِلى معرفة أسباب الحوادِثِ، قدم في هذه العبارة ذكْرَ سبب الأمر المقْصُود إلى أنْ يخبر به، وهذا مِنْ أبْرَعِ الفَصَاحَةِ إِذ لو قال لكَ رجل: أعدت هذه الخشبةَ أنْ أدعم بها هذا الحائطَ، لقال السامعُ: ولِمَ تدعم حائطاً قائماً، فيجب ذكر السبب، فيقال: إِذا مَالَ، فجاء في كلامِهِمْ تقديمُ السَّبَبِ أخْصَرَ من هذه المحاورة، قال أبو عبيد: ومعنى: تَضِلَّ تنسى «2» .

ع «3» : والضَّلال عن الشهادة: إِنما هو نسيانُ جزءٍ منها، وذكْرُ جزء، ويبقَى المرء بَيْن ذلك حيرانَ ضَالاًّ.

وقوله تعالى: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا مَا دُعُوا

الآية: قال قتادة وغيره: معنى الآيةِ: إِذا دُعُوا أنْ يشهدوا «4» ، وقال الحسن بن أبي الحسن: الآيةُ جمعت أمرَيْن: لا تأب إِذا دُعِيتَ إلى تحصيل الشهادةِ، ولا إِذا دُعِيتَ إِلى أدائها «5» وقاله ابن عباس «6» ، وقال

(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 382) .

(2)

ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 383) .

(3)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 382) .

(4)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 126) برقم (6366) بنحوه، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 383) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 657) بنحوه، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة.

(5)

أخرجه الطبري (3/ 127) برقم (6369) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 357) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 383) .

(6)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 127) برقم (6370) ، وذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 357) .

ص: 548

مجاهد: معنى الآيةِ لا تأبَ، إِذا دُعِيتَ إِلى أداء شهادة قد حصَلَتْ عندك «1» ، وأسند النّقّاش إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه فسر الآية بهذا.

ت: وهذا هو الحقيقة في الآيةِ، وأما تسمية الشيْءِ بِما يَئُولُ إِليه، فمجازٌ، والشاهد حقيقةً من حصَلَتْ له الشهادة، قال مجاهد: فأما إِذا دُعِيتَ أوَّلاً، فإِن شئْت فاذهب، وإِن شئت، فلا تذهب» «2» ، وقاله جماعة، قال ع «3» : والآية كما قال الحَسَنُ جمعتْ أمرَيْنِ، والمسلمون مندوبون إِلى معونة إِخوانهم، فإِذا كانت الفُسْحَة لكَثْرة الشهودِ والأَمْنِ مِنْ تعطُّل الحق، فالمدعُّو مندوبٌ، وإِن خِيفَ تَلَفُ الحقِّ بتأخُّر الشاهد، وجب عليه القيام بها سِيَمَا إِن كانت محصَّلةً، ودُعِيَ لأدائها، / فهذه آكَدُ لأنها قِلَادَةٌ في العُنُق وأمانةٌ تقتضي الأداء.

م: وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ، قال أبو البقاءِ: مفعولُ «يأب» محذوفٌ، أي: ولا يأب الشهداءُ إِقامةَ الشهادةِ أو تحمُّل الشهادةِ، «وإِذا» : ظرفٌ ل «يَأْبَ» ، ويحتمل أنْ يكون ظرفا للمفعول المحذوف. اهـ.

وتَسْئَمُوا: معناه تملّوا، وقدّم الصغير اهتماما به، وأَقْسَطُ: معناه أعدل، وأَقْوَمُ، أي: أشدُّ إقامةً، وقيل: أقْوَمُ، من: قَامَ بمعنى: اعتدل، وأَدْنى:

معناه: أقرب، وتَرْتابُوا: معناه: تَشُكُّوا.

قال ابنُ هِشَامٍ: إِلى أَجَلِهِ: لا يصحُّ تعلُّقه ب «تَكْتُبُوهُ» لاِقتضائه استمرار الكتابة إِلى أجل الدَّيْن، وإِنما هو حالٌ، أي: مستقِرًّا في الذِّمَّة إِلى أجله. اهـ من «المُغْنِي» .

وقوله تعالى: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً

الآية: لما علمَ اللَّه سبحانه مشَقَّة الكتْب عليهم، نصَّ على ترك ذلك، ورَفْعِ الجُنَاح فيه، في كلِّ مبايعة بنَقْد، وذلك في الأغلَبِ، إِنما هو في قليلٍ كالطَّعام ونحوه، لا في كثير كالأملاك ونحوها، وقال السُّدِّيُّ، والضَّحَّاك: هذا فيما كان يداً بيد، تأخذ وتعطي «4» .

(1) أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 127) برقم (6375) بنحوه، وذكره الماوردي بنحوه في «تفسيره» (1/ 357) ، وابن عطية في «تفسيره» (1/ 383) .

(2)

أخرجه الطبري في «تفسيره» (3/ 128) برقم (6376) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 383) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 657) وعزاه لسفيان، وعبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد.

(3)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 383) .

(4)

أخرجه الطبري (3/ 132) برقم (6397) عن السدي، وبرقم (6398) عن الضحاك، وذكره ابن عطية (1/ 383) .

ص: 549

وقوله تعالى: تُدِيرُونَها: يقتضي التقابُضَ والبينونَةَ في المقبوضِ.

وقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ، اختلف، هل ذلك على الوجوب، أو على الندب؟ والوجوبُ في ذلك قَلِقٌ أمَّا في الدقائق، فصعب شاقٌّ، وأما ما كَثُر، فربَّما يقصد التاجر الاِستِئْلافَ بتَرْك الإِشهاد إِلى غير ذلك من المصالِحِ، فلا يُشْهِد، ويدخل ذلك كله في الائتمان، ويبقَى الأمر في الإِشهاد نَدْباً لما فيه من المصلحة في الأغلب، وحكى المهدويُّ عن قومٍ أنهم قالوا: وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ منسوخٌ بقوله تعالى: فَإِنْ أَمِنَ

[البقرة: 283] الآية: وذكره مكِّيٌّ عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ.

واختلف النَّاس في معنى قوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ، أي:

كاختلافهم في قوله تعالى: لَا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها [البقرة: 233] ، هل الفعلُ مسند إِلى الفاعل، فأصله:«وَلَا يضارر كَاتِبٌ ولَا شَهِيدٌ» بكسر الراء، وقيل: مسندٌ إلى المفعول الذي لم يسمّ فاعله، فأصله:«وَلَا يُضَارَرُ» بفتحها.

ع «1» : ووجوه المضارَّة لا تنحصرُ، وفكُّ الفعْلِ هي لغةُ الحجازِ، والإِدغامُ لغة تَمِيمٍ.

وقوله: وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ أيْ: وإِنْ تفعلوا المضارَّة، وقوله: بِكُمْ، أي: حَالٌّ بِكُمْ.

وباقي الآية موعظةٌ وتهديدٌ، واللَّه المستعانُ لا ربَّ غيره، وقيل: معنى الآية الوعْدُ لأنَّ من اتقى عُلِّمَ الخَيْرَ وأُلْهِمَهُ.

ت: وفي «العتبية» مِنْ سماع ابن القَاسِمِ، قال: سَمِعْتُ مالكاً يقولُ: سَمِعْتُ أنَّه يقالُ: ما زَهِدَ عَبْدٌ، واتقى اللَّهَ إِلا أنْطَقَهُ اللَّهُ بالحكْمَة. اهـ.

والمراد بهذا العلم العلم النافع الّذي يورث الحشية قال أبو عُمَرَ بنُ عبْدِ البَرِّ: رُوِّينَا عنْ مَسْروقٍ، قال:«كفى بالمَرْءِ عَلْماً أنْ يخشَى اللَّهَ، وكفى بالمَرْءِ جهلاً أنْ يُعْجَب بعلْمه» ، أبو عمر: إِنما أعرفه بعَمَلِهِ. اهـ من كتاب «فضل العلم» .

(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 385) . [.....]

ص: 550