المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34] - تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن - جـ ١

[أبو زيد الثعالبي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الاول]

- ‌«توطئة»

- ‌1- مدرسة ابن عباس ب «مكّة» ، وكان أشهر تلاميذه من التابعين:

- ‌2- مدرسة أبي بن كعب ب «المدينة النبوية» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌3- مدرسة عبد الله بن مسعود ب «العراق» ، وأشهر تلاميذه:

- ‌المبحث الأول نبذة عن حياة الثعالبي

- ‌مولده:

- ‌نشأته:

- ‌رحلاته وشيوخه:

- ‌تلاميذه:

- ‌مصنّفات الثّعالبيّ:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌وفاته:

- ‌المبحث الثاني التفسير قبل أبي زيد الثعالبي التّفسير والتّأويل

- ‌التفسير اصطلاحا:

- ‌التأويل لغة:

- ‌التأويل اصطلاحا:

- ‌التأويل عند السلف له معنيان:

- ‌الفرق بين التّفسير والتّأويل

- ‌حاجة النّاس إلى التّفسير

- ‌فهم الصّحابة للقرآن الكريم

- ‌أشهر مفسّري القرآن من الصّحابة

- ‌1- عليّ بن أبي طالب:

- ‌2- عبد الله بن مسعود:

- ‌3- أبيّ بن كعب:

- ‌4- عبد الله بن عبّاس

- ‌طرق الرواية عن ابن عبّاس:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن الصّحابة

- ‌مدرسة مكّة تلاميذ ابن عبّاس

- ‌1- سعيد بن جبير:

- ‌2- مجاهد بن جبر:

- ‌3- عكرمة:

- ‌4- طاوس:

- ‌5- عطاء بن أبي رباح:

- ‌مدرسة المدينة تلاميذ أبيّ بن كعب

- ‌1- أبو العالية:

- ‌2- محمّد بن كعب القرظيّ:

- ‌3- زيد بن أسلم:

- ‌مدرسة العراق تلاميذ عبد الله بن مسعود

- ‌1- علقمة بن قيس:

- ‌2- مسروق:

- ‌3- عامر الشّعبيّ:

- ‌4- الحسن البصريّ:

- ‌5- قتادة:

- ‌قيمة التّفسير المأثور عن التّابعين

- ‌سمات التّفسير في تلك المرحلة

- ‌التّفسير في عصر التّدوين

- ‌أقسام التّفسير

- ‌أوّلا- الاتّجاه الأثريّ (التّفسير بالمأثور) :

- ‌ ابن جرير الطبريّ

- ‌طريقة الطّبريّ في التّفسير:

- ‌ثانيا- الاتّجاه اللّغويّ:

- ‌ثالثا- الاتّجاه البيانيّ

- ‌المبحث الثّالث الكلام على تفسير الثّعالبيّ

- ‌أوّلا: المصادر الّتي استقى منها أبو زيد الثّعالبيّ في «الجواهر الحسان»

- ‌أوّلا: مصادره من كتب التّفسير:

- ‌4- «مفاتيح الغيب» أو التفسير الكبير، للإمام الرّازيّ:

- ‌5- «أحكام القرآن» للقاضي أبي بكر بن العربيّ:

- ‌ثالثا: المصادر الّتي اعتمد عليها من كتب السّنّة:

- ‌رابعا: كتب الترغيب والترهيب والرقائق:

- ‌1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، للإمام القرطبي

- ‌خامسا: كتب في الأحكام الفقهية والأصوليّة:

- ‌سادسا: كتب الخصائص والشمائل:

- ‌سابعا: كتب في التربية وتهذيب النفوس:

- ‌1- «بهجة النفوس وتحليها بمعرفة ما لها وما عليها»

- ‌4- شرح ابن الفاكهاني على أربعين النووي

- ‌تاسعا: ومن كتب التّاريخ:

- ‌عاشرا: كتب أخرى منثورة:

- ‌ثانيا: منهج الإمام الثّعالبيّ في تفسيره

- ‌بين يدي المنهج:

- ‌أولا: جمعه بين التفسير بالمأثور والرّأي:

- ‌ثانيا: تعرّضه لمسائل في أصول الدين:

- ‌ثالثا: مسائل أصول الفقه في تفسيره:

- ‌رابعا: تعرضه لآيات الأحكام، وذكره للاختلافات الفقهية:

- ‌خامسا: احتجاجه باللّغة والمسائل النحوية، والتصريفية وغيرها:

- ‌سادسا: ذكره لأسباب النّزول، ومكّيّ القرآن ومدنية:

- ‌سابعا: ذكره للقراءات الواردة في الآية:

- ‌ثامنا: احتجاجه بالشّعر:

- ‌تاسعا: موقفه من الإسرائيليّات:

- ‌وصف النسخ المعتمد عليها في كتاب تفسير «الثعالبي» المسمى بجواهر الحسان في تفسير القرآن

- ‌عملنا في الكتاب

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌وسمّيته ب «الجواهر الحسان في تفسير القرآن»

- ‌باب في فضل القرآن

- ‌باب في فضل تفسير القرآن وإعرابه

- ‌فصل فيما قيل في الكلام في تفسير القرآن والجرأة عليه ومراتب المفسّرين

- ‌فصل

- ‌فصل في ذكر الألفاظ الّتي في القرآن ممّا للغات العجم بها تعلّق

- ‌باب تفسير أسماء القرآن وذكر السّورة والآية

- ‌باب في الاستعاذة

- ‌تفسير فاتحة الكتاب

- ‌[سورة الفاتحة (1) : آية 1]

- ‌باب في تفسير: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 2 الى 3]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 4 الى 5]

- ‌[سورة الفاتحة (1) : الآيات 6 الى 7]

- ‌(القَوْلُ فِي «آمِينَ» )

- ‌تفسير سورة البقرة

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 1 الى 3]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 4 الى 7]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 8 الى 12]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 17 الى 20]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 21 الى 24]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 25]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 26 الى 29]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 32]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 37 الى 38]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 42 الى 43]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 44 الى 46]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 47 الى 48]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 49]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 50 الى 54]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 55 الى 57]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 58 الى 60]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 61 الى 64]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 67 الى 73]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 74 الى 75]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 76 الى 78]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 79 الى 82]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 83 الى 85]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 86 الى 88]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 89 الى 91]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 92 الى 95]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 96 الى 97]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 98 الى 104]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 105 الى 106]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 107 الى 108]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 109 الى 110]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 111 الى 115]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 116 الى 117]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 118 الى 120]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 121 الى 124]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 125 الى 126]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 127 الى 129]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 130 الى 133]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 134 الى 138]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 139 الى 141]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 142 الى 143]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 144 الى 145]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 146 الى 147]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 148 الى 151]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 152 الى 153]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 154 الى 157]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 158]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 159 الى 160]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 161 الى 162]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 163 الى 164]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 165 الى 167]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 170]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 171]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 174 الى 176]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 177]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 178 الى 179]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 180 الى 182]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 183 الى 184]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 185]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 186]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 187 الى 188]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 189 الى 192]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 193 الى 195]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 196]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 197]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 198 الى 199]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 200 الى 202]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 203 الى 205]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 206 الى 210]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 213 الى 214]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 215 الى 216]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 217 الى 218]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 219 الى 220]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 221]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 222]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 223]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 224 الى 225]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 226 الى 227]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 228]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 229]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 230 الى 232]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 233]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 234]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 235]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 236 الى 237]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 238 الى 239]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 240 الى 242]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 243 الى 245]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 246 الى 248]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 249 الى 252]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 253 الى 254]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 255]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 256 الى 257]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 258 الى 259]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 260]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 261 الى 264]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 265 الى 266]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 267 الى 269]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 270 الى 271]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 272 الى 273]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 274 الى 277]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 278 الى 281]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 282]

- ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 283 الى 285]

- ‌[سورة البقرة (2) : آية 286]

- ‌محتوى الجزء الأول من تفسير الثعالبي

الفصل: ‌[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

وقال آخرون: إِن كنتم صادِقِينَ في أنِّي إِن استخلفتكم، سبَّحتم بحَمْدِي، وقدَّستم لي.

وقال/ قوم: معناه: إن كنتم صادقين في جوابِ السؤال، عالمين بالأسماء. 15 أوسُبْحانَكَ: معناه تنزيهاً لك وتبرئةً أنْ يعلم أحدٌ من علمك إِلا ما علمته، والعَلِيمُ: معناه: العَالِمُ، ويزيد عليه معنى من المبالغةِ والتكثيرِ في المعلوماتِ، والحكيمُ:

معناه: الحاكِمُ وبينهما مزية المبالغةِ، وقيل: معناه: المُحْكِمُ، وقال قوم: الحَكِيمُ المانعُ من الفساد، ومنه حَكَمَةُ الفرسِ مانعته.

[سورة البقرة (2) : الآيات 33 الى 34]

قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَاّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (34)

وقوله تعالى: قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ: أَنْبِئْهُمْ: معناه: أخبرهم، والضمير في «أَنْبِئْهُمْ» عائدٌ على الملائكة بإجماعٍ، والضميرُ في «أَسْمَائِهِمْ» مختلَفٌ فيه حَسَبَ الاختلاف في الأسماء التي علَّمها آدم، قال بعض العلماء: إنَّ في قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ نبوءةً لآدم عليه السلام إِذ أمره اللَّه سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم اللَّه عز وجل.

وقوله تعالى: أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ: معناه: ما غاب عنكم لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء، الكلُّ معلوم له.

واختلف في قوله تعالى: مَا تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.

فقال طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع، «وإِذْ» من قوله: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ معطوفةٌ على «إذِ» المتقدِّمة، وقولُ «1» اللَّه تعالى

(1) كلام الله تعالى صفة أزلية قديمة قائمة بذاته (تعالى) ، منافية للسكوت والآفة- كما في الخرس- ليست من جنس الأصوات والحروف. بل بها آمر ناه. يدل عليها بالعبارات أو الكتابة أو الإشارة. فتلك الصفة واحدة في ذاتها، وإن اختلفت العبارات الدالة عليها، كما إذا ذكر الله بألسنة مختلفة، فالصفة: هي الأمر القائم بالغير، فهو جنس في التعريف أو كالجنس، بناء على الخلاف في المفهومات الاصطلاحية: هل هي حدود أو رسوم.

الأول: مبني على أنها وإن كان أمرا اصطلاحيا طارئا على المعنى اللغوي للكلام إذ الكلام في اللغة القول. يقال: أتى بكلام طيب، أي قول، إلا أنه ليست وراء ما اصطلح عليه المصطلح أمر آخر. فذلك-

ص: 211

وخطابه للملائكةِ متقرِّر قديم في الأَزَلِ بشرط وجودهم وفهمهم، وهذا هو الباب كله في أوامر الله تعالى ونواهيه ومخاطباته.

- الذي ذكر في تعريف تلك الصفة هو ذاتياتها بحسب الاصطلاح.

والثاني: مبني على أن لها قبل المعنى الاصطلاحي معنى وضع الواضع اللفظ ليدل عليه، فذلك المعنى ثان بعد أول، فهو عارض والتعريف بالعوارض رسم. وجزم البعض من المحققين بأنها رسوم لأن الاطلاع على ذاتيات تلك الصفات غير ممكن. والحد ما تركب من الذاتيات: الجنس، والفصل. وحيث إن الذاتيات لم يطلع عليها فلا تكون إلا رسوما لأنها بخواص هذه الصفات فقط لأن الخواص مأخوذة في تعريف الصفات حيث أخذ في تعريف صفة الكلام أنها تتعلق دلالة

وفي تعريف صفة القدرة أنها تتعلق تعلق تأثير.

وعلى كل ف «صفة» يشمل الصفة القديمة والحادثة. «قديمة» : فصل أو كالفصل- مخرج لغير الصفة القديمة، وهو الصفة الحادثة. ثم الأقوال في القديم والأزلي ثلاثة:

الأول: القديم هو الذي لا ابتداء لوجوده. والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا. فكل قديم أزلي ولا عكس.

الثاني: القديم هو القائم بنفسه الذي لا أول لوجوده. والأزلي: ما لا أول له عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أو غيره.

الثالث: القديم والأزلي: ما لا أول له، عدميا كان أو وجوديا، قائما بنفسه أولا.

فعلى الأول: الصفات السلبية لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذات الله تعالى والصفات الثبوتية فإنها توصف بالقدم والأزلية.

وعلى الثاني: الصفات مطلقا لا توصف بالقدم، وتوصف بالأزلية، بخلاف ذاته تعالى فإنها توصف بكل منهما.

وعلى الثالث: كل من الذات والصفات مطلقا يوصف بالقدم والأزلية. فالقديم في التعريف صحيح على الرأي الأول والثالث، بخلافه على الثاني «قائمة بذاته» . وللقيام معنيان:

قيام: بمعنى التبعية في التحيز كما في العرض بالنسبة لجوهره. وليس قيام صفة الله بذاته على هذا النحو إذ لا تحيز للذات حتى تتبعها الصفة فيه. وقيام: بمعنى آخر هو اختصاص الناعت بالمنعوت.

وهو المراد بقيام الصفة بذاته تعالى.

«ليس بحرف ولا صوت» : لأنه معنى نفسي، وتلك أعراض مشروط حدوث بعضها بانقضاء البعض إذ امتناع التكلم بالحرف الثاني بدون انقضاء الحرف الأول بدهي خلافا للحنابلة، والحشوية، والكرامية القائلين بأن كلامه منتظم من كلمات قائمة بذاته تعالى. قديم عند الحنابلة، حادث عند الكرامية. «منافية للسكوت والآفة» : السكوت عدم التكلم مع القدرة عليه.

والآفة: عدم مطاوعة الآلة، إما بحسب الفطرة كما في الخرس، أو من جهة ضعفها كما في الطفولية.

ولقائل أن يقول: هذا إنما يصدق على الكلام اللفظي دون النفسي إذ السكوت والخرس إنما ينافيان التلفظ.

ويجاب بأن المراد ب «السكوت والآفة» : الباطنيان، بأن لا يريد في نفسه الكلام، أو لا يقدر عليه، ويتلخص في أنه كما أن الكلام لفظي ونفسي، كذلك ضده، وهو السكوت والخرس: لفظي وباطني، -

ص: 212

ت: ما ذكره- رحمه الله هو عقيدةُ أهل السنة، وها أنا أنقل من كلام الأئمة، إن شاء اللَّه، ما يتبيَّن به كلامه، ويزيده وضوحاً، قال ابن رُشْدٍ: قوله صلى الله عليه وسلم: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خلق» «1» لا يفهم منه أن لله عز وجل كلمات غير تامّات لأن

- والمراد الثاني منهما حيث أريد بالكلام الكلام النفسي، فالله منزه عن الاتصاف بالخرس والآفة. «هو بها آمر ناه» : فهو صفة واحدة تتكثر بحسب التعلقات. فالكلام باعتبار تعلقه بشيء خبر، وبآخر أمر أو نهي. وبهذا يخرج العلم والقدرة. وهكذا سائر الصفات الوجودية غير الكلام لأنه لا أمر ولا نهي بواحدة منها.

وغير الأشاعرة يقولون: الكلام هو اللفظ المنتظم من الحروف والأصوات، وينفون الصفة النفسية وهم في ذلك قد انقسموا إلى قسمين:

القسم الأول: كلامه ألفاظ قائمة بذاته، وهي قديمة، وهم بعض الحنابلة، أو حادثة، وهم الكرامية.

والقسم الثاني: يقول: كلام الله ألفاظ قائمة بالغير. وهم المعتزلة. فالحنابلة يعرفونه: بأنه المؤلف من الكلمات القديمة القائمة بذاته تعالى. والكرامية يعرفونه: بأنه هو المؤلف من الكلمات الحادثة القائمة بذاته تعالى. وحيث إن المعتزلة لم يعرفوه بالصفة النفسية، فليس عندهم سوى الألفاظ وهي حادثة لأنها مرتبة، ويستحيل قيام الحادث بالقديم. فهم يقولون: إن كلامه ألفاظ قائمة بغيره، فهم يتجوزون بمتكلم عن موجد وخالق للكلام. وعليه فالمعتزلة لا يثبتون كلاما لله لا نفسيا، كما أثبته الأشاعرة.

ولا لفظيا حادثا كما قالت الكرامية، بل يثبتون كلاما لا على أنه متصف به، بل على أنه مخلوق قائم بغيره.

فالكلام عند المعتزلة هو المؤلف من الكلمات المسموعة الحادثة القائمة بغير الذات. فقد خالفوا جميع الفرق.

ينظر: تحقيق «صفة الكلام» لشيخنا حافظ مهدي ص 52- 54.

(1)

أخرجه مالك (2/ 978) ، كتاب «الاستئذان» ، باب ما يؤمر به من الكلام في السفر، حديث (34) ، ومسلم (4/ 2080- 2081) ، كتاب «الذكر والدعاء» ، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره، حديث (54/ 2708) ، والترمذي (5/ 496) ، كتاب «الدعوات» ، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (3437) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 144) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (10364) ، وأحمد (6/ 377) ، وابن السني في «عمل اليوم والليلة» ، رقم (533) ، وابن خزيمة (4/ 150- 151) ، رقم (2567) ، وابن حبان (6/ 418) ، رقم (2700) ، والبيهقي (5/ 253) ، كتاب «الحج» ، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلهم من طريق يعقوب بن عبد الله الأشج، عن بسر بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص، عن خولة بنت حكيم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نزل منزلا فليقل

» فذكرت الحديث.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.

وقال: وروى مالك بن أنس هذا الحديث أنه بلغه، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، فذكر نحو هذا الحديث.

وروى ابن عجلان هذا الحديث عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، ويقول: عن سعيد بن المسيب، عن خولة. -

ص: 213

كلماته هي قوله، وكلامه هو صفةٌ من صفات ذاتِهِ يستحيلُ عليها النقص، وفي الحديث بيان واضح على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ، وهذا هو قول أهل السنة، والحقّ أن كلام اللَّه عز وجل صفة من صفات ذاته قديمٌ غيرُ مخلوقٍ لأن الكلام هو، المعنى القائِمُ في النفسِ، والنطقُ به عبارةٌ عنه قال اللَّه عز وجل: وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ [المجادلة: 8] فأخبر أن القول معنًى يقوم في النفْسِ، وتقول: في نَفْسِي كَلَامٌ، أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهومُ من كلامه، وأما الذي تسمعه منه، فهو عبارة عنه وكذلك كلام الله عز وجل القديمُ الذي هو صفة من صفاتِ ذاته هو المفهوم من قراءة القارئ لا نَفْسُ قراءته التي تسمعها لأنَّ نفس قراءته التي تسمعها مُحْدَثَةٌ، لم تكن حتى قرأ بها، فكانت، وهذا كله بيِّن إلا لمن أعمى اللَّه بصيرته. انتهى بلفظه من «البَيَانِ» .

وقال الغَزَّالِيُّ «1» بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابن رشد: وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده حتى إذا خلق ولده، وعقل، وخلق اللَّه سبحانه له علْماً بما في قلْب أبيه من الطَّلَب، صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عز وجل: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ/ [طه: 12] بذات اللَّه تعالى، ومصير موسى عليه السلام سامعا لذلك الكلام

- وحديث الليث أصح من رواية ابن عجلان. اهـ. وهذا توضيح وشرح لكلام الترمذي رحمه الله: أما رواية مالك، فهي في «الموطأ» (2/ 978) ، عن الثقة عنده، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج به. أما رواية محمد بن عجلان، فأخرجها ابن ماجة (2/ 1174) ، كتاب «الطب» ، باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه، حديث (3547) ، والنسائي في «الكبرى» (6/ 144) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا نزل منزلا، حديث (10395) ، كلاهما من طريق محمد بن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك، عن خولة بنت حكيم به.

وقد ورد هذا الحديث، عن سعيد بن المسيب مرسلا.

أخرجه عبد الرزاق (9260) ، والنسائي (6/ 144- الكبرى) ، كتاب «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا نزل منزلا، كلاهما من طريق ابن عجلان، عن يعقوب بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب مرسلا.

(1)

محمد بن محمد بن محمد، حجة الإسلام، أبو حامد الغزالي، ولد سنة (450) ، أخذ عن الإمام، ولازمه، حتى صار أنظر أهل زمانه وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف «الإحياء» المشهور، و «البسيط» ، وهو كالمختصر للنهاية، وله «الوجيز» ، و «المستصفى» ، وغيرها. توفي سنة (505) .

انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 293) ، «وفيات الأعيان» (3/ 353) ، «الأعلام» (7/ 247) ، و «اللباب» (2/ 170) ، و «شذرات الذهب» (4/ 10) ، و «النجوم الزاهرة» (5/ 203) ، «العبر» (4/ 10) .

ص: 214

مخاطَباً به بعد وجوده إذ خلقت له معرفة بذلك الطلبِ، ومعرفةُ بذلك الكلامِ القديمِ.

انتهى بلفظه من «الإحياء» .

وقوله: لِلْمَلائِكَةِ عمومٌ فيهم، والسجودُ في كلام العرب: الخضوعُ والتذلُّل، وغايته وضعه الوجْه بالأرض، والجمهور على أنَّ سجود الملائكة لآدم إيماءٌ وخضوعٌ، ولا تدفع الآية أنْ يكونوا بلغوا غاية السجود، وقوله تعالى: فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [الحجر: 29] لا دليل فيه لأن الجاثي على ركبتيه واقعٌ، واختُلِفَ في حال السجودِ لآدم.

فقال ابن عَبَّاسٍ: تعبَّدهم اللَّه بالسجود لآدم، والعبادةُ في ذلك للَّهِ «1» ، وقالَ عليُّ بْنُ أبي طَالِبِ، وابنُ مَسْعُودٍ، وابن عبَّاس أيضاً: كان سجودَ تحيَّة كسجود أبوَيْ يوسُفَ عليه السلام له، لا سجودَ عبادة «2» ، وقال الشَّعبيُّ: إنما كان آدم كالقِبْلة «3» ، ومعنى لِآدَمَ:

إلى آدَمَ.

ع «4» : وفي هذه الوجوهِ كلِّها كرامةٌ لآدم عليه السلام.

وقوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ نصبٌ على الاستثناءِ المتَّصِلِ لأنه من الملائكة على قوله الجمهور، وهو ظاهر الآية، وكان خازناً ومَلَكاً على سماء الدنيا والأرض، واسمه عزازيل قال ابن عباس «5» .

وقال ابن زيد والحسن: هو أبو الجِنِّ كما آدمُ أبو البشر، ولم يكُ قطُّ ملَكاً «6» ، وقد روي نحوه عن ابن عباس أيضا، قال: واسمه الحارث «7» .

(1) ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 124) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 102) بنحوه.

(2)

ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 124) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 102) ، بنحوه عن ابن عباس.

(3)

ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 124) . [.....]

(4)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 124) .

(5)

أخرجه البيهقي في «الشعب» (1/ 170) برقم (146- 147) بنحوه، وذكره السيوطي في «الدر» (1/ 102- 103) ، وعزا أحدهما لابن أبي الدنيا في «مكايد الشيطان» ، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في كتاب:«الأضداد» ، والبيهقي في «الشعب» ، والثاني عزاه لوكيع، وابن المنذر، والبيهقي.

(6)

أخرجه الطبري (1/ 264) رقم (701) ، عن ابن زيد، وذكره ابن عطية في تفسيره (1/ 124) ، والقرطبي (1/ 251) .

(7)

أخرجه الطبري (1/ 265) برقم (704) ، عن السدي، وذكره ابن عطية الأندلسي (1/ 124) ، والقرطبي (1/ 251) ، والسيوطي في «الدر» (1/ 103) ، عن السدي، بلفظ «كان اسم إبليس الحرث» .

ص: 215

وقال شَهْرُ بن حَوْشَبٍ: كان من الْجِنِّ الذين كانوا في الأرض، وقاتلتهم الملائكةُ فسَبَوْهُ صغيراً، وتعبَّد مع الملائكة، وخُوطِبَ معها، وحكاه الطبريّ عن ابن مسعود «1» .

والاستثناء على هذا الأقوال منقطعٌ واحتجَّ بعض أصحاب هذا القول بأن اللَّه تعالى قال في صفة الملائكة: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] ورجَّح الطبريُّ قَوْلَ من قال: إن إِبليسَ كان من الملائكَةِ، وقال «2» : ليس في خلقه مِنْ نارٍ، ولا في تركيبِ الشَّهْوَةِ والنسلِ فيه حينَ غُضِبَ عليه ما يدْفَعُ أنه كان من الملائكة، وقوله تعالى:

كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [الكهف: 50] يتخرَّج على أنه عمل عملهم، فكان منهم في هذا، أو على أن الملائكة قد تسمى جِنًّا لاستتارها قال اللَّه تعالى: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً [الصافات: 158] وقال الأعشى في ذكر سليمانَ عليه السلام: [الطويل]

وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ المَلَائِكِ تِسْعَةً

قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلونَ بِلَا أَجْرِ «3»

أو على أن يكون نسبه إلى الجَنَّةِ كما ينسب إلى البَصْرَةِ بِصْرِيَّ.

قال عِيَاضٌ: ومما يذكرونه قصَّةُ إبليس، وأنه كان من الملائكة، ورئيساً فيهم، ومن خُزَّان الجَنَّة إلى ما حكَوْه، وهذا لم يتفقْ عليه، بل الأكثر ينفون ذلك، وأنه أبو الجن.

انتهى من «الشِّفا» «4» .

وإِبْلِيسُ: لا ينصرفُ لأنه اسم أعجميٌّ قال الزَّجَّاج: ووزنه فِعْلِيلُ، وقال ابن عبَّاس وغيره: هو مشتقٌّ من أُبْلِسَ، إِذا أبعد عن الخير، ووزنه على هذا إفعيل «5» ، ولم

(1) أخرجه الطبري (1/ 263) برقم (698) ، وذكره القرطبي (1/ 251) .

(2)

ينظر: «تفسير الطبري» (1/ 508) .

(3)

البيت للأعشى وقبله:

ولو كان شيء خالدا أو معمّرا

لكان سليمان البريء من الدّهر

براه إلهي واصطفاه عباده

وملّكه ما بين ثريا إلى مصر

ينظر: «ملحق ديوانه» (243) ، و «اللسان» (جنن) ، و «تفسير الطبري» (1/ 506) ، و «القرطبي» (1/ 295) ، و «البحر المحيط» (1/ 304) ، و «الدر المصون» (1/ 186)، و «روح المعاني» (1/ 230) وقال: وكون الملائكة لا يستكبرون- وهو قد استكبر- لا يضر، إما لأن من الملائكة من ليس بمعصوم- وإن كان الغالب فيهم العصمة على العكس منا- وفي «عقيدة أبي المعين النسفي» ما يؤيد ذلك، وإما لأن إبليس سلبه الله (تعالى) الصفات الملكية، وألبسه ثياب الصفات الشيطانية، فعصى عند ذلك، والملك ما دام ملكا لا يعصي.

(4)

ينظر: «الشفا» ص (858) .

(5)

ذكره ابن عطية الأندلسي في «تفسيره» (1/ 125) .

ص: 216

تصرفه هذه الفرقةُ لشذوذه وقلَّته، ومنه قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام: 44] أيْ:

يائسون من الخير، مبعدون منه فيما يرون، وأَبى: معناه: امتنَعَ من فعْلِ ما أمر به، وَاسْتَكْبَرَ: دخل في الكبرياءِ، والإبَاءَةُ مقدَّمة على الاِستكبارِ في ظهورهما عليه، والاستكبارُ والأَنَفَة مقدَّمة في معتقده، وروى ابْنُ القاسم «1» عن مَالكٍ أنه قال: بَلَغَنِي أنَّ أوَّلَ معْصيَةٍ كانت الحسدُ، والكِبْرُ، والشُّحُّ، حسد إِبليسُ آدم، وتكبَّر، وشحّ آدم/ في أكله 16 أمن شجرة قد نُهِيَ عن قربها «2» .

ت: إِطلاق الشحِّ على آدم فيه ما لا يخفى عليك، والواجب اعتقاد تنزيه الأنبياء عن كل ما يحُطُّ من رتبتهم، وقد قال اللَّه تعالى في حق آدَمَ: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً [طه: 115] .

وقوله تعالى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ: قالت فِرقَةٌ: معناه: وصار من الكافرين، وردَّه ابن فُورَكَ، وقال جمهور المتأوِّلين: معنى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ، أيْ: في علْمِ اللَّهِ تعالى، وقال أبو العالية: معناه: من العاصين «3» ، وذهب الطبريُّ إِلى أن اللَّه تعالى أراد بقصة إبْلِيسَ تقريعَ أشباهه من بني آدم، وهم اليهود الذين كفروا بمحمّد صلى الله عليه وسلم، مع علمهم بنبوءته، ومع تقدُّم نعم اللَّه عليهم، وعلى أسلافهم.

ت: ولفظ الطبريِّ «4» : وفي هذا تقريعٌ لليهود إذ أبوا الإسلام مع علمهم بنبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوراة والكُتُبِ حَسَداً له، ولبني إِسماعيل كما امتنع إِبليسُ من السجود حَسَداً لآدَم وتكبُّراً عن الحق وقبولِهِ، فاليهود نظراء إِبْليسَ في كُفْرهم وكِبْرهم وحَسَدهم وتَرْكِهِمْ الانقيادَ لأمر اللَّه تعالى. انتهى من «مختصر الطبريِّ» لأبي عبد اللَّه اللَّخْمِيِّ النحْويِّ.

واختلف، هل كفر إبليس جهلاً أو عناداً؟ على قولَيْن بين أهل السنة، ولا خلاف أنه

(1) عبد الرحمن بن القاسم العتقي: جمع بين الزهد والعلم، وتفقه بمالك ونظرائه، وصحب مالكا عشرين سنة، وعاش بعده اثنتي عشرة سنة، مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائة، ومات ب «مصر» سنة إحدى وتسعين ومائة.

ينظر: «الطبقات» للشيرازي (150) .

(2)

ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 125) .

(3)

أخرجه الطبري (1/ 266) برقم (705) .

(4)

ينظر: «تفسير الطبري» (1/ 510) .

ص: 217