الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
واختلف الناس في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسّر منه» .
ثم قال ع «1» بعد كلام: والذي مال إليه كثير من أهل العلم كأبي عبيد «2» وغيره، أنّ معنى الحديث أنّه أنزل على سبع/ لغات لسبع قبائل، ثم اختلفوا في تعيينهم، وأنا ألخّص الغرض جهدي بحول الله، فأصل ذلك وقاعدته قريش، ثم بنو سعد بن بكر «3» لأنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرشيّ، واسترضع في بني سعد، ونشأ فيهم، ثم ترعرع وشب، وهو يخالط في اللسان كنانة وهذيلا وخزاعة وأسدا وضبّة وألفافها لقربهم من مكة، وتكرارهم عليها، ثم بعد هذه تميما وقيسا ومن انضاف إليهم وسط جزيرة العرب، فلما بعثه الله تعالى، ويسّر عليه أمر الأحرف أنزل عليه القرآن بلغة هذه الجملة المذكورة، وهي التي قسّمها على سبعة لها السبعة الأحرف، وهي اختلافاتها في العبارة، قال ثابت بن قاسم: لو قلنا: من هذه الأحرف لقريش، ومنها لكنانة، ومنها لأسد، ومنها لهذيل، ومنها لتميم، ومنها لضبّة وألفافها «4» ، ومنها لقيس، - لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن، وهذا نحو ما ذكرناه، وهذه الجملة هي التي
ينظر: «بغية الوعاة» (1/ 351) ، ط. دار المعارف، و «غاية النهاية» (1/ 92) .
(1)
انظر «المحرر الوجيز» (1/ 54) . [.....]
(2)
القاسم بن سلام أبو عبيد البغدادي، أحد أئمة الإسلام فقها، ولغة وأدبا، أخذ العلم عن الشافعي، والقراءات عن الكسائي وغيره. قال ابن الأنباري: كان أبو عبيد يقسم الليل أثلاثا فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنف ثلثه. وقال عبد الله بن الإمام أحمد: عرضت كتاب «الغريب» لأبي عبيد على أبي فاستحسنه، وقال: جزاه الله خيرا. توفي سنة (224) .
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 67) ، «طبقات ابن سعد» (7/ 355) ، و «إنباه الرواة» (3/ 12) ، و «طبقات الشافعية» للأسنوي ص 11، «تهذيب الأسماء واللغات» (2/ 30) ، «طبقات الفقهاء» للعبادي ص 25.
(3)
بنو سعد بن بكر: هم بطن من هوازن، من قيس عيلان، أصلهم من العدنانية. وهم بنو سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان.
وهم أصحاب غنم، وهم حضنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بعثوا سنة تسع للهجرة ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه مشهور. ومن أوديتهم: قرن الحبال، ومن مياههم: تقتد.
ينظر: «جمهرة أنساب العرب» لابن حزم (ص 481) ، و «نهاية الأرب» للنويري (2/ 335) ، و «معجم قبائل العرب» لكحالة (513) .
(4)
اللفيف: القوم يجتمعون من قبائل شتى ليس أصلهم واحدا. وجاءوا ألفافا، أي لفيفا.
ينظر: «لسان العرب» (4054) .
انتهت إليها الفصاحة وسلمت لغاتها من الدّخل «1» ، ويسرها الله لذلك ليظهر آية نهيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه، وسبب سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة، فلم تطرقها الأمم.
فأما اليمن، وهو جنوبيّ الجزيرة، فأفسدت كلام عربه خلطة الحبشة والهنود على أنّ أبا عبيد القاسم بن سلّام، وأبا العبّاس المبرّد «2» قد ذكرا أنّ عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلغاتها.
قال ع «3» : وذلك عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن كالعرم «4» والفتّاح فأما ما انفردوا به كالزّخيخ «5» والقلّوب «6» ، فليس في كتاب الله منه شيء، وأما ما والى العراق من جزيرة العرب وهي بلاد ربيعة وشرقيّ الجزيرة، فأفسدت لغتها مخالطة الفرس والنّبط ونصارى الحيرة وغير ذلك، وأما الذي يلي الشام، وهو شماليّ الجزيرة، وهي بلاد آل جفنة وغيرهم، فأفسدها مخالطة الرّوم، وكثير من بني إسرائيل، وأما غربيّ الجزيرة، فهي جبال تسكن بعضها هذيل وغيرهم، وأكثرها غير معمور، فبقيت القبائل المذكورة سليمة اللغات، لم تكدر صفو كلامها أمة من العجم.
ويقوى هذا المنزع أنه لما اتسع نطاق الإسلام وداخلت الأمم العرب، وتجرّد أهل المصرين البصرة، والكوفة لحفظ لسان العرب، وكتب لغتها، لم يأخذوا إلا من هذه
(1) الدّخل: العيب والغش والفساد. ينظر «لسان العرب» (1342) .
(2)
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر، أبو العباس المبرد، إمام العربية ب «بغداد» في زمانه، أخذ عن المازني، وأبي حاتم السجستاني، له كتاب «الكامل» ، و «المقتضب» ، و «إعراب القرآن» مات سنة 285 هـ.
ينظر: «بغية الوعاة» (1/ 269) ، و «أخبار النحويين البصريين» - لأبي السعيد الصيرفي- ص 105 ط. الاعتصام.
(3)
«المحرر الوجيز» (1/ 46) .
(4)
قيل: العرم: اسم الوادي (يعني الذي كان به سبأ) . وقيل: اسم الخلد الذي نقب السدّ حتى فتح وسال ماؤه، فغرق ديارهم وأهلك بساتينهم. وقيل: العرم: المسنّاة.
قال ابن الأعرابي: العرم والبرّ من أسماء الفأرة
…
وقيل: العرم: المطر الشديد. وخصه بعضهم بالفأر الذكر، وهو الجراد أيضا.
ينظر: «عمدة الحفاظ» ، للسمين الحلبي أحمد بن يوسف ت 756 هـ، (3/ 78) ، و «تفسير غريب القرآن» ، ابن قتيبة الدينوري ص 355.
(5)
الزّخيخ: النار، يمانية، وقيل: هي شدة بريق الجمر والحرّ والحرير لأن الحرير يبرق من الثياب.
ينظر: «لسان العرب» 1820.
(6)
القلّيب، والقلّوب، والقلّوب، والقلوب، والقلاب: الذئب، يمانية. ينظر:«لسان العرب» 3715.
القبائل الوسيطة المذكورة، ومن كان معها، وتجنّبوا اليمن والعراق والشام، فلم يكتب عنهم حرف واحد، وكذلك تجنّبوا حواضر الحجاز مكّة، والمدينة، والطائف لأنّ السّبي والتجّار من الأمم كثروا فيها، فأفسدوا اللغة، وكانت هذه الحواضر في مدة النبيّ صلى الله عليه وسلم سليمة لقلّة المخالطة، فمعنى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أنزل القرآن على سبعة أحرف» ، أي: فيه عبارات سبع قبائل بلغة جملتها نزل القرآن فيعبر عن المعنى فيه مرة بعبارة قريش، ومرة بعبارة هذيل، ومرة بغير ذلك بحسب الأفصح، والأوجز في اللفظة ألا ترى أنّ:«فطر» معناها عند غير قريش ابتداء خلق الشيء وعمله، فجاءت في القرآن، فلم تتجه لابن عبّاس حتى اختصم إليه أعرابيّان في بئر، فقال أحدهما/ أنا فطرتها، قال ابن عبّاس: ففهمت حينئذ موقع قوله سبحانه: فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فاطر: 1]«1» ، وقال أيضا: ما كنت أدري معنى قوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا [الأعراف: 89] حتى سمعت بنت ذي جدن تقول لزوجها: تعال، أفاتحك، أي: أحاكمك «2» ، وكذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان لا يفهم معنى قوله تعالى: أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل: 47] ، فوقف به فتى، فقال: إن أبي يتخوّفني حقّي، فقَالَ عُمَرُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل: 47] أي: على تنقّص لهم «3» ، وكذلك اتفق لقطبة بن مالك «4» إذ سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق: 10] ذكره مسلم في باب القراءة في صلاة الفجر «5» إلى غير هذا من الأمثلة، فأباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف
(1) أخرجه البيهقي في «الشعب» (2/ 258)(1682) ، وذكره السيوطي في «الدر» في سورة فاطر (5/ 458) ، وعزاه لأبي عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الشعب» .
(2)
أخرجه الطبري في سورة الأعراف (6/ 4)(14867) ، وذكره السيوطي في «الدر» (3/ 191) ، وعزاه لابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في «الوقف والابتداء» ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» .
(3)
الطبري (7/ 581)(21618) بنحوه. وذكره السيوطي في «الدر» (4/ 223) ، وعزاه لابن جرير.
(4)
قطبة بن مالك الثعلبي. صحابي له أحاديث. وعنه ابن أخيه زياد بن علاقة فقط.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 354) ، «تهذيب التهذيب» (8/ 389)(673) ، «تاريخ البخاري الكبير» (7/ 191) ، «الثقات» (3/ 347) ، «أسماء الصحابة الرواة» ت (226) .
(5)
أخرجه مسلم (2/ 414- نووي/ دار الحديث) ، كتاب «الصلاة» ، باب القراءة في الصبح، حديث (165- 167/ 457) ، والترمذي (2/ 108- 109) ، كتاب «الصلاة» ، باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح، حديث (306) ، والنسائي (2/ 157) ، كتاب «الافتتاح» ، باب القراءة في الصبح بقاف، حديث (950) ، وابن ماجه (1/ 268) ، كتاب «الصلاة» ، باب القراءة في صلاة الفجر، حديث (816) ، وأحمد. [.....]