الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما الْمَلائِكَةُ، فالوعيد بإِتيانهم عنْدَ المَوْت والغمامُ: أرقُّ السحابِ، وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظُلِّلَ به بنو إِسرائيل.
وقال النَّقَّاش: هو ضَبَابٌ أبيض، وقُضِيَ الأمرُ: معناه وقع الجزاء، وعُذِّبَ أهل العصيان، وقرأ معاذ بن جَبَلٍ «1» :«وقضاء الأمر» .
وإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ: هي راجعةٌ إِليه سبحانه قَبْل وبَعْد، وإِنما نبه بذكْر ذلك في يَوْم القيامة على زوالِ ما كان منها إلى الملوك في الدنيا.
[سورة البقرة (2) : الآيات 211 الى 212]
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (212)
وقوله سبحانه: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ
…
الآية: معنى الآية: توبيخُهم على عنادهم بعد الآياتِ البيِّناتِ، والمراد بالآيةِ: كم جاءَهُمْ في أمر محمّد صلى الله عليه وسلم من آية معرّفة به دالّة عليه، ونِعْمَةَ اللَّهِ: لفْظٌ عامٌّ لجميع إِنعامه ولكنْ يقوِّي من حال النبيّ صلى الله عليه وسلم معهم أنَّ المشار إِليه هنا هو محمَّد صلى الله عليه وسلم فالمعنى: ومن يبدِّلْ من بني إِسرائيل صفةَ نعمة اللَّه، ثم جاء اللفظ منسحباً على كلِّ مبدِّل نعمةً للَّه، ويدخل في اللفظ كفّار قريش/، والتوراة أيضا نعمة 52 ب على بني إِسرائيل، فبدَّلوها بالتحريفِ لها، وجَحْدِ أمر محمّد صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ: خبرٌ يتضمنُ الوعيد.
وقوله تعالى: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا
…
الآية: الإِشارة إِلى كفار قريشٍ لأنهم كانوا يعظمون حالهم من الدنيا، ويغتبطون بها، ويسخرون من أتْبَاعِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كبلالٍ «2» ، وصُهَيْبٍ، وابنِ مَسْعودٍ، وغيرهم، فذكر اللَّه قبيح فعلهم، ونبه على خفض
(1) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 284) ، و «الكشاف» (1/ 254) ، وفيه أنها عطف على «الملائكة» ، وينظر:«الشواذ» (ص 20) .
(2)
بلال بن رباح. هو بلال بن حمامة. أبو عبد الرحمن. الحبشي. مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن حجر: اشتراه أبو بكر الصديق من المشركين لما كانوا يعذبونه على التوحيد، فأعتقه، فلزم النبي وأذن له، وشهد معه جميع المشاهد، وآخى النبي بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، ثم خرج بلال بعد النبي مجاهدا. توفي ب «الشام» .
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (1/ 243) ، «الإصابة» (1/ 170) ، «الاستيعاب» (1/ 178) ، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 56) ، «التاريخ الكبير» (2/ 106) ، «الجرح والتعديل» (2/ 395) ، «الثقات» (3/ 28) ، «تهذيب الكمال» (1/ 140) ، «تهذيب التهذيب» (1/ 502) ، «العبر» (1/ 24) ، «تقريب التهذيب» (1/ 110) ، «التحفة اللطيفة» (1/ 382) ، «الحلية» (1/ 147) .
منزلتهم بقوله: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، ومعنى الفوقيَّة هنا في الدرجَةِ والقَدْر ويحتمل أن يريد أنَّ نعيم المتَّقِينَ في الآخرة فوق نعيم هؤلاء الآن. قلت: وحكى الداوديّ عن قتادة: فوقهم يوم القيامة. قال: فَوْقَهُم في الجنّة «1» . انتهى.
ومهما ذكرت الداوديّ في هذا «المختصر» ، فإِنما أريد أحمد بن نَصْرٍ الفقيهَ المَالِكِيَّ، ومن تفسيره أنا أنقل. انتهى.
فإِن تشوَّفَتْ نفسُك أيها الأخُ إِلى هذه الفوقيَّة، ونَيْلِ هذه الدرجة العَليَّة، فارفض دنياك الدنيَّة، وازهَدْ فيها بالكليَّة لتسلَمَ من كل آفة وبليَّة، واقتد في ذلك بخَيْر البريَّهْ. قال عِيَاضٌ في «شِفَاهُ» «2» : فانظُرْ- رحمك الله- سيرة نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم وخُلُقَه في المال، تجده قد أوتي خزائنَ الأرْض [ومفاتيح البلاد، وأُحلّت له الغنائم «3» ، ولم تحلَّ لنبي قبله، وفتح عليه في حياته صلى الله عليه وسلم بلاد الحجاز واليمن وجميع جزيرة العرب، وما دانى ذلك من الشام والعراق]«4» ، وجُبِيَتْ إِلَيْه الأخماس، [وصدقاتها ما لا يجبى «5» للملوك إِلَاّ بعضه]«6» ، وهادَتْه جماعةٌ من الملوك، فما استأثر بشيء من ذلك، ولا أمْسَكَ دِرْهَماً منْه، بل صرفه مصارفه، وأغنى به غيره، وقوى به المسلمين، ومات صلى الله عليه وسلم، ودِرْعُهُ مرهُونَةٌ في نفقةِ عيَالِهِ، واقتصر من نفقته ومَلْبَسِهِ على ما تدْعُوه ضرُورتُهُ إِليه، وزهد فيما سواه، فكان- عليه
(1) أخرجه الطبري (2/ 346) رقم (4050) ، وابن عطية في «المحرر الوجيز» (1/ 285) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (1/ 434) ، وعزاه لعبد الرزاق عن قتادة. [.....]
(2)
ينظر: «الشفا» (122- 123) .
(3)
الغنيمة في اللغة: ما ينال الرجل أو الجماعة بسعي، ومن ذلك قول الشاعر:[الوافر]
وقد طوّفت في الآفاق حتى
…
رضيت من الغنيمة بالإياب
وتطلق الغنيمة على الفوز بالشيء بلا مشقة، ومن قولهم للشيء يحصل عليه الإنسان عفوا بلا مشقة:
«غنيمة باردة» .
واصطلاحا: عرفها الشافعية بأنها: مال أو مال ألحق به، كخمر محترمة، حصل لنا من كفار أصليين حربيين، مما هو لهم بقتال منا، أو إيجاف خيل ما، أو نحو ذلك.
وعرفها الحنفية: بما نيل من أهل الشرك عنوة أي قهرا، أو غلبة والحرب قائمة.
وعرفها المالكية: بأنها اسم لما أخذه المسلمون من الكفار بإيجاف الخيل أو الركاب.
وعرفها الحنابلة: بأنها ما أخذ من مال حربي قهرا بقتال وما ألحق به.
ينظر: «الإقناع» للخطيب الشربيني (2/ 517) ، «أنيس الفقهاء» (183) ، و «كشاف القناع» (3/ 77) .
(4)
من «الشفا» (1/ 123) .
(5)
يجبى: يجمع.
(6)
من «الشفا» (1/ 123) .