الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذى الحجة سنة سبع وعشرين وأربعمائة، ودفن صبيحة تلك الليلة فى مقبرة باب حرب، وكان منزله بباب الشام.
634 - محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الوارث الفارسىّ النحوىّ أبو الحسين ابن اخت أبى على الفارسىّ النحوىّ
«1»
أحد أفراد الدهر وأعيان العلم وأعلام الفضل. وهو الإمام فى النحو بعد خاله أبى علىّ، ومنه أخذ، وعليه درس؛ حتى استغرق علمه واستحق مكانه.
وكان أبو علىّ أوفده على الصاحب القاسم بن عباد، فارتضاه وأكرم مثواه، وقرّب مجلسه.
وكتب إليه فى بعض أيامه هذه المعمّاة [1]: «ما أسود غربيب [2]، بعيد الدار قريب، يقدّم فحواه على نجواه، ويتأخّر لفظه عن معناه؛ له طرفان: أحدهما جناح نسر، والآخر خافية [3] صقر؛ يلقاك من ميامنه بارح، ومن مياسره سانح [4]، تجودك أنواؤه [5] والسنون جماد [6]، وتستقيك سماؤه والعيش جهاد [7]؛ بينا تراه على كواهل الجبال؛ حتى يتهيّل تهيّل الرمال؛ قد تجافى قطراه عن واسطته، وانضمّ ساقاه على راحلته؛ يخونك
[1] يقال: عمّى الشىء إذا أخفاه، والتعمية أن تعمى على إنسان شيئا فتلبسه عليه تلبيسا.
[2]
أسود غربيب: حالك.
[3]
الخافية، واحدة الخوافى، وهى ريشات إذا ضم الطائر جناحيه خفيت.
[4]
البارح من الصيد: ما مر من ميامنك إلى مياسرك، والسانح: ما مر من مياسرك إلى ميامنك.
[5]
الأنواء: جمع نوء؛ وهو النجم الذى يكون به المطر.
[6]
السنة الجماد: التى لا مطر فيها.
[7]
الجهاد، بالفتح: الأرض المجدية.
إن وفى لك الشباب، ويفى لك إن جهدك الخضاب؛ رفعته رفعة المنابر، ورفقته رفقة المحابر؛ يزوى عن الأحمر [1]، وإن شئت عن يحيى بن يعمر؛ أفضى بك إلى روضة غناء ينعم رائدها، وشريعة زرقاء يكرع واردها، أخرجه أبو الحسين، أسرع من خطفة عين».
ولما استأذن الصاحب فى الصدر وقّع فى رقعته: «استبقاؤك يا أخى على الملال، أقوى من سرعة الارتحال، لكنّا نقبل العذر وإن كان مرفوضا، ونبسطه وإن كان مقبوضا، ولا أمنعك عن مرادك ووفاقك، وإن منعت نفسى عن مرادها بفراقك؛ فاعزم على ذلك وفّقك الله فى اختيارك، ووصل النجح بإيثارك» .
وأصحبه كتابا إلى خاله أبى على هذه نسخته: «كتابى- أطال الله بقاء الشيخ وأدام جمال العلم والأدب بحراسة مهجته، وتنفيس مهلته- وأنا سالم، ولله حامد، وإليه فى الصلاة على النبى وآله راغب، وللشيخ أيده الله بكتابه الوارد شاكر، وأما أخونا أبو الحسين- فديته- فقد ألزمنى بإخراجه إلىّ أعظم منّة، وأتحفنى قربه بعلق مضنّة [2]؛ لولا أنه قلّل المقام، واختصر الأيام. ومن هذا الذى لا يشتاق ذلك المجلس وأنا أحوج من كافّة حاضريه إليه، وأحقّ منهم بالمثابرة عليه! ولكن الأمور مقدّرة، وبحسب المصالح ميسّرة؛ غير أنا ننتسب إليه على البعد، ونقتبس فوائده عن قرب، وسيشرح هذا الأخ هذه الجملة حقّ الشّرح بإذن الله. والشيخ- أدام الله عزّه- يبرد غليل شوقى إلى مشاهدته بعمارة ما افتتح من البرّ بمكاتبته، ويقتصر على الخطاب الوسط، دون الخروج فى إعطاء الرتب إلى الشّطط؛ كما يخاطب الشيخ المستفاد منه التلميذ الآخذ عنه، ويبسط إليه فى حاجاته؛ فإنى أظنّنى أجدر إخوانه بقضاء مهمّاته.
إن شاء الله».
[1] هو على بن الحسن الكوفى صاحب الكسائى.
[2]
يطلق على الشىء النفيس المضنون به علق مضنة، بكسر الضاد وفتحها، أى أنه شىء مضنون به ويتنافس فيه.
وتصرفت بأبى الحسين أحوال جميلة فى معاودة حضرة الصاحب وأخذه بالحظ الوافر من حسن آثارها. ثم ورد خراسان، ونزل نيسابور دفعات، وأملى بها فى الأدب والنحو ما سارت به الركبان. ثم قدم على الشابّ صاحب غوزستان [1]، وحظى عنده ووزر له، ثم وزر للأمير إسماعيل بن سبكتكين، ثم أتى غزنة وعاد إلى نيسابور حاجّا، وجاور بمكة ثم رجع إلى غزنة، ثم جاء منها إلى نيسابور؛ وأقام بأسفرايين، ثم فارقها ونزل جرجان واستقربها، وأخذ عنه أهلها فضلا كثيرا.
ومن تلامذته عبد القاهر الجرجانىّ إمام وقته. وله شعر منه:
وما كتبت سطرا من الوجد أدمعى
…
على الخدّ إلا وهو بالدم معجم
فمالى ألقى فى جنابك غلّة
…
وحوضك للعافين غيرى مفعم
وقد يغتدى الروّاد يبغون نجعة
…
فيرزق مرتاد وآخر يحرم [2]
[1] غوزستان؛ ويقال لها خوزستان، تطلق على بلاد الخوز، بين فارس والبصرة وواسط.
[2]
فى نسخة ابن مكتوم وبخط مخالف: «وحكى عن أبى الحسين محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الوارث النحوىّ أنه قال: قول الشاعر:
ديار التى كانت ونحن على منى
…
تحل بنا لولا نجاء الركائب
هذا فى معنى قول الآخر:
قد عقرت بالقوم أم الخزرج
يريد أنها استولت على قلوبهم فوقفوا ينظرون إليها؛ حتى إنها عقرت رواحلهم فعجزوا عن المضى، وإلى هذا ذهب أبو الطيب فى قوله:
وقفنا كأنا كل وجد قلوبنا
…
تمكن من أدوارنا فى القوائم
المعنى أنهم وقفوا بالمنازل يقضون لها حق التذكر للعهود السالفة، ويحيون داعية الشوق، فكأن ما فى قلوبهم من الشوق والحزن قد حصل فى قوائم ظهورهم حتى عجزت عن المشى كما كان المعنى هناك أنّ المرأة قد عقرت رواحلهم وأعجزتها عن السير، حتى كأنها شوقتها كما شوّقت أصحابها». وذكر له ياقوت من المصنفات كتاب الهجاء، كتاب الشعر.