الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصيب به ما فى نفسى، فأنشدته:
ألا أيّها النّاهى فزارة بعد ما
…
أجدّت لحرب إنما أنت حالم
أبى كلّ ذى وتريبيت بوتره
…
ويمنع منه النوم إذ أنت نائم
أقول لفتيان كرام تروّحوا
…
على الجرد فى أفواههنّ الشكائم
قفوا وقفة من يحى لا يخز بعدها
…
ومن يخترم لا تتبعه اللوائم
قال أبو حاتم: وفى هذه القصيدة:
وما أنت إن باعدت نفسك عنهم
…
لتسلم ممّا بعد ذلك سالم
قال المفضّل: فحمل إبراهيم حتى خرق الصفوف، وانضم عليه القوم، فقلت:
ذهب، ثم خرج إلىّ فقال لى: يا مفضّل، أما أنت فما عدوت ما فى نفسى.
قال أبو حاتم: والشعر لأرطاة بن سهيّة، أو قتب بن حصن الشّمخىّ.
وللمفضل أخبار مع المهدى، وأخبار مع الرشيد ومع جماعة من الشعراء، ليس هذا موضع استقصائها، وإن أخّر الله فى الأجل استقصيت أخباره فى مصنف مفرد أسميه المفصل فى أخبار المفضل إن شاء الله تعالى، لأنى أذكر فيه أخباره مفصله مفنّنة، مع كل من له خبر، والله أعلم.
765 - المفضّل بن سلمة بن عاصم أبو طالب اللغوىّ
«1»
ضبىّ، حدّث عن عمر بن شبة، ومحمد بن شدّاد المسمعىّ [1]، ويعقوب بن إسحاق ابن أبى إسرائيل [2]. وله كتاب ضياء القلوب فى تفسير القرآن العزيز وغيره من
[1] كان من رجال المعتزلة، وتوفى سنة 287؛ لسان الميزان (5: 199).
[2]
هو يعقوب ابن إسحاق بن إبراهيم؛ روى عنه المفضل بن سلمة؛ وانظر تاريخ بغداد (14: 291).
الكتب فى الأدب، وكان فهما فاضلا، روى عنه محمد بن يحيى الصّولىّ، وزعم أنه سمع منه فى سنة تسعين ومائتين.
قال: وكان منزله بباب خراسان؛ وأبوه سلمة بن عاصم صاحب الفرّاء.
وابنه أبو الطيب [1] بن المفضّل بن سلمة؛ كان أحد شيوخ الفقهاء الشافعيين، وكان المفضّل كوفىّ المذهب فى النحو، مليح الخط، وكان فى جملة الفتح بن خاقان أولا.
لقى ابن الأعرابىّ وغيره من العلماء، واستكثر من الرواية ونقل اللغة، واستدرك على الخليل فى كتاب العين، وحكاه فى كتاب كبير ألفه وسماه البارع.
ولما قرأ ابن مقلة هذا الكتاب على ابن دريد كان ابن دريد يقول فى بعض ماردّه:
صدق أبو طالب، وفى بعض الردّ يقول: كذب أبو طالب. ومات أبو طالب قبل إتمام هذا الكتاب.
والذى خرج منه: الهمزة، والهاء، والعين، والحاء، والغين، والخاء.
فمن تأليفه: كتاب البارع هذا. كتاب ضياء القلوب فى معانى القرآن، مفرد. كتاب معانى القرآن، مفرد. كتاب الاشتقاق. كتاب الفاخر فيما تلحن فيه العامة [2]. كتاب البلاد والزرع والنبات كتاب خلق الإنسان. كتاب آلة الكاتب [3]. كتاب المقصور والممدود. كتاب الملاهى [4]. كتاب المدخل إلى علم النحو. كتاب جلاء الشّبه. كتاب الخط والقلم.
كتاب عمائر القبائل [5]، لطيف.
[1] هو أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة الضبى الفقيه الشافعى البغدادى، توفى فى المحرم سنة 308. (ابن خلكان 1: 460).
[2]
طبع فى ليدن سنة 1915، ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية، وأخرى مصورة.
[3]
فى الفهرست: كتاب ما يحتاج إليه الكاتب.
[4]
فى الفهرست العود والملاهى.
[5]
فى الفهرست: جماهير القبائل؛ وزاد ابن النديم: كتاب المطيب، وكتاب الأنواء والبوارح، وكتاب الرد على الخليل، وإصلاح ما فى كتاب العين من الغلط والتصحيف.
وكان المفضّل بن سلمة متّصلا بإسماعيل بن بلبل [1] الوزير، فبلّغه أبياتا كان هجاه بها ابن الرّومىّ، فحفظها إسماعيل على بن الرومىّ فى نفسه، وكانت سبب حرمانه إياه، على كثرة صلات إسماعيل الشعراء؛ فقال ابن الرومىّ فى المفضّل هذه الأبيات [2]:
لو تلفّفت فى كساء الكسائى
…
وتلبّست فروة الفرّاء
وتخللت بالخليل وأضحى
…
سيبويه لديك رهن سباء
وتلوّنت من سواد أبى الأس
…
ود شخصا يكنى أبا السوداء
لأبى الله أن يعدّك أهل العل
…
م إلّا من جملة الأغبياء
[1] هو أبو الصقر إسماعيل بن بلبل الشيبانى، وزير المعتمد، جمع له السيف والقلم؛ وكان كريما متجملا، مدحه البحترى وابن الرومى؛ ومن مدائح ابن الرومى فيه قصيدته النونية؛ ومنها قوله:
قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم
…
كلا لعمرى ولكن منه شيبان
كم من أب قد علا بابن ذرا شرف
…
كما علا برسول الله عدنان
وكان أبو الصقر قد غمزه ناس فى نسبه، وقالوا: إنه دعىّ فى شيبان، فظن أنه يهجوه بما قال، وأنه عرّض بأنه دعىّ، فأعرض عن ابن الرومى، وتوصل ابن الرومى إلى إفهامه صورة الحال، فلم يقبل فى ذلك قول قائل، فهجاه ابن الرومى وأفحش فى هجائه، فمن ذلك قوله:
عجب الناس من أبى الصقر إذ ولّ
…
ى بعد الإجارة الديوانا
إن للحظ كيمياء إذا ما
…
مس كلبا أصاره إنسانا
وانظر الفخرى ص 223 - 224.
[2]
الأبيات فى ديوانه ص 9، ونسبها المؤلف فى الجزء الثانى ص 57 إلى ابن شقير، يقولها فى سلمة، أبى المفضل. وانظر ابن خلكان (1: 460).
وللمفضّل شعر كثير؛ منه ما كتب به إلى أبى الحسن علىّ بن يحيى [1] المنجّم فى يوم نيروز [2]:
يابن الجحاجحة الغرّ الميامين
…
ومن يزين به فعل الدهاقين
ومن تجود على العافين [3] راحته
…
بنائل من عطاء غير ممنون
اسلم لنا كلّ نوروز يمتّعنا
…
فيه الإله بإعزاز وتمكين
واشرب عقارا كريح المسك ما نسبت
…
إلى الكروم محاماة على الدين [4]
صفراء كالذهب المسبوك إن مزجت
…
أحالها المزج درّا غير مكنون
تجلو السرور إذا ذيقت وتكشف ما
…
يجنّ من حزن عن كلّ محزون
وانعم بأحمد أبقاه الإله لنا
…
فهو الأغرّ من الغرّ الميامين
وقرّ عينا بعبد الله إنّ له
…
مشابها منك تعليه على الهون
واسعد بثالثهم يحيى فإنّ له
…
فعال مقتبل الخيرات ميمون
وتمّم الله ما ترجو وتأمله
…
عليك فى رابع السادات هارون
[1] هو أبو الحسن على بن يحيى بن أبى منصور المنجم، كان نديم المتوكل ومن خواصه وجلسائه المتقدمين عنده، ثم انتقل إلى من بعده من الخلفاء، واتصل بالفتح بن خاقان، وعمل له خزانة كتب أكثرها حكمة، وكان راوية للأشعار والأخبار، حاذقا فى صنعة الغناء، وصنف عدة كتب؛ منها كتاب الشعراء القدماء الإسلاميين، وعاش إلى أن خدم المعتمد على الله، وتوفى سنة 257. ابن خلكان (1:
356).
[2]
النيروز والنوروز، فارسى معرب؛ قال إدى شير:«هو أول يوم من السنة الشمسية، ولكن عند الفرس عند نزول الشمس أول الحمل» . وانظر المعرب ص 340.
[3]
ب: «العلات» .
[4]
العقار، بضم العين: الخمر.
وكتب المفضل بن سلمة إلى عبد الله بن المعتز- وقد انصرف المفضّل من الحج:
أقول بثور واشتياقى مبرّح
…
ودمعى عنه مستهلّ وقاطر
ألا هل إلى أرض العراق ومائه
…
سبيل وإخوانى الّذين أعاشر
إلى الله أشكو ما ألاقى من الجوى
…
ومن طول وجد تحتويه الضّمائر
وقد طال ليلى بعد بعد أحبّتى
…
وما طوله إلا لأنى ساهر
إذا هبّت الرّيح الشّمال هفا لها
…
فؤادى حنينا نحوهم فهو طائر
يجدّد لى شوقا إليهم وفرحة
…
بقربى منهم أن تسير الأباعر
وهى طويلة مدح فيها وأحسن.
وقال أحمد بن أبى طاهر [1] يهجو المفضّل بن سلمة بن عاصم:
إن المفضّل نقصه فى نفسه [2]
…
وفعاله قد حط فضل أبيه
ولو انّ كل مفوّه ومفهّه [3]
…
يهجوه ما بلغ الّذى هو فيه
ولقد أردت هجاءه وكفيته
…
باللؤم منه [4] لو انه يكفيه
ومتى يقل شعرا علمت بأنه
…
من نتن رائحة تمرّ بفيه
فهو المخسّس لا المفضّل إنه
…
بأبيه إن نسبوه غير شبيه
وكأن نكهته روائح عرضه
…
فجليسه بالنتن فى مكروه
[1] هو أبو الفضل أحمد بن أبى طاهر؛ صاحب كتاب تاريخ بغداد فى أخبار الخلفاء والأمراء، توفى سنة 280. وانظر ترجمته فى معجم الأدباء (3: 87 - 98)، والأبيات فى طبقات ابن قاضى شهبة.
[2]
ابن قاضى شهبة: «من نفسه» .
[3]
ابن قاضى شهبة: «بنظامه» .
[4]
ابن قاضى شهبة: «فيه» .
وله فيه:
يا أبا طالب طلبت بشأو
…
أنت فيه كقابض للماء
أين بطء الحمير من سابق الخي
…
ل وأرض موطوءة من سماء!
لى كفء سواك فارجع إلى قد
…
رك ياغثّ لست من أكفائى
كنت أضحوكتى فأصبحت من مض
…
غك للشعر ضحكة الغوغاء
وتعدّيت فوق قدرك لمّا
…
قلت قد عدّنى من الأعداء
أبعرض يعافه الكلب نتنا
…
لم يزل عرضة لمس الهجاء
خلت أنى أراه كفئا لعرضى
…
أو أجازى فعاله بجزاء
إن ذكرى سمّ بفيك وحىّ
…
وهو داء ما إن له من دواء
هبك أدرجت فى كساء الكسائ
…
ىّ وألبست فروة الفرّاء
وبسلح الخليل حنّكت فى المه
…
د فأصبحت أفصح الفصحاء
لست إلا غثّا غثيثا ثقيل الرّو
…
ح أعمى تعدّ فى البصراء
قال محمد بن عبد الواحد: بكرنا يوما إلى أبى العباس ثعلب، ولم يك بعد خرج، وكان فى المجلس حذّاق البصريين والكوفيين، فتذاكروا قبل خروج أبى العباس الجدّ والجدّ، ففرغوا منه، فقال أبو موسى الحامض: والجدّ، بالكسر: شطّ البحر وغيره، فتضاحك الجماعة [1]؛ وقال له المعبدىّ: أكلت البيض بحتا [2]، وقال
[1] فى ب: «فتضاحكوا» .
[2]
البحت: الخالص الذى لا يخالطه غيره.
ابن كيسان، وضحك مع القوم، وضحك أبو طالب المفضّل بن سلمة بن عاصم وبرمة [1]، ومن حضر مثل القاسم بن الأنبارىّ، وتضاحكوا واشتهروا وهو ساكت؛ كأنه حجر.
ثم خرج أبو العباس، فلما جلس قال له ابن كيسان: يا سيدى الجدّ: الشطّ! فما نطق حتى لبس نعليه، ورجع، وجاءنا ومعه كتاب من جلود، قد أتت عليه الدهور، فقال خذوا، فأملى:«أما الشّطّ فهو فيه الجدّ والجدّ والجدّ» . ورفع بها صوته- فبلغ أبو موسى السماء، وصار هؤلاء فى الحضيض، ثم قال لهم: قليلا قليلا حتى ينصرف الشّيخ، فلما قام أبو العباس وخلا معهم التفت إلى المعبدىّ وقال:
أليس حدّثتنى أمس أنّك كنت فى الحمام فنمت، فجاء شيخ خضيب فعلاك! ثم التفت إلى ابن كيسان ثم قال له: أنت تتكلم مع الناس فى العلم! أليس كان بندار [2] يعفجك! ثم التفت إلى أبى طالب المفضل بن سلمة وقال له: وأنت أيضا! قد كنت أظنّ أنك تفلح، وأنك تكون بعض ندماء الخلفاء، ولكن كيف أظنّ بك هذا وأبوك ما كان يحسن حرفا واحدا من النحو، فكيف تفلح أنت! والتفت إلى الأنبارىّ فقال له: يا أنبارىّ، حدّثنى فلان العسكرىّ أنه كان لك ميزان فى كمّك، فسنجة لك وسنجة للمستقبض، وأنك كنت تعبر إلى النّبط فتؤاجر فى بيوت الخمارين، ثم التفت إلى ابن الخضر ثم قال له: أنت أيضا، يا مسخ تصحب هذا السيد منذ خمسين سنة ما سألته قط إلا عن المؤنث!
[1] هو محمد بن جعفر الصيدلانى المعروف ببرمة، تقدمت ترجمته للمؤلف فى هذا الجزء ص 81.
[2]
هو بندار بن عبد الحميد، تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأول ص 292.