الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى عصره المدرّس بنيسابور، وتشهد بفضله المحاضر، وتنزف بفوائده المحابر، ولم يكن عند الفضلاء ما عنده من علم حماسة ابى تمام، فكان- رضي الله عنه يفتح منها الغلق، ويسيغ الشّرق. ولم يبلغنى من شعره إلا ما أفادنيه الأديب يعقوب بن أحمد، قال: أنشدنى الأديب الحطابىّ لنفسه:
لنا صاحب مولع بالمراء
…
كثير الزيارة للأصدقاء
تشبه خفته بالأباء [1]
…
وتأباه نفسى كلّ الإباء
يزور فيزورّ عنه الصديق
…
ويؤذى المزور بزور الثناء
له خلق خلق الخائنين
…
وطبع به طبع الأغبياء
ونفس تسفّ لأدنى الأمور
…
وأدنى المراتب للأدنياء
وكلّفه لى أخ زورتى
…
وذاك يعاض بسوء القضاء
فقال سألقاه حتى يملّ
…
فقلت لقد ملّ قبل اللقاء
663 - محمد بن عبد الله أبو عبد الله النحوىّ الكوفىّ المعروف بابن قادم
«1»
وقيل اسمه أحمد، وجدّه قادم. نحوى كوفىّ، وهو أستاذ ثعلب، قال أبو جعفر أحمد بن إسحاق البهلول القاضى الأنبارىّ [2]: دخلت أنا وأخى البهلول [3] مدينة السلام
[1] الأباء: جمع أباءة؛ وهى القصبة.
[2]
من أهل الأنبار، عظيم القدر، واسع الأدب، تام المروءة، حسن المعرفة بمذهب أهل العراق؛ ولكنه غلبه الأدب. ولد بالأنبار سنة 231، وتوفى سنة 317. تاريخ بغداد (4: 31).
[3]
هو البهلول بن إسحاق البهلول أبو محمد التنوخىّ، سمع إسماعيل بن أبى أويس وإبراهيم بن حمزة وغيرهما. وروى عنه أخوه أحمد وابنا أخيه يوسف الأزرق وإسماعيل ابنا يعقوب. ولد سنة 240، ومات سنة 298. تاريخ بغداد (7: 109).
سنة خمس وخمسين ومائتين، فدرنا على الحلق يوم الجمعة، فوقفنا على حلقة فيها رجل يتلهّب ذكاء، ويجيب عن كلّ ما يسأل عنه من مسائل القرآن والنحو والغريب وأبيات المعانى، فقلنا: من هذا؟ فقالوا: أحمد بن يحيى ثعلب؛ فبينا نحن كذلك إذ ورد شيخ يتوكّأ على عصا، فقال لأهل الحلقة: أفرجوا للشيخ، فأفرجوا له حتى جلس إلى جانبه، ثم سأله عن مسألة فقال: قال أبو جعفر الرؤاسىّ: فيها كذا، وقال الكسائىّ: فيها كذا، وقال هشام: فيها كذا، وقلت أنا: كذا. فقال له الشيخ: إن [1] ترانى أعتقد فى هذه المسألة إلا جوابك، فالحمد لله الذى بلّغنى هذه المنزلة فيك. فقلنا: من هذا؟ فقالوا:
محمد [2] بن قادم.
وكان مع إسحاق بن إبراهيم المصعبىّ؛ قال ثعلب: وكان ابن قادم يشبه الناس فى خلقه وعلمه. قال: وجّه إلىّ إسحاق يوما فأحضرنى فلم أدر ما السبب، فلما قربت من مجلسه تلقّانى ميمون بن إبراهيم كاتبه على الرسائل وهو على غاية الهلع والجزع، فقال لى بصوت خفىّ: إنه إسحاق، ومرّ غير متلبّث ولا متوقف حتى رجع إلى مجلس إسحاق، فراعنى ذلك، فلما مثلت بين يديه قال لى:
كيف يقال: «وهذا المال مالا» أو «هذا المال مال» ؟ فعلمت ما أراد ميمون، فقلت له: الوجه «[وهذا [3]] المال مال» ، ويجوز «وهذا المال مالا» ، فأقبل إسحاق على ميمون بغلظة وفظاظة، ثم قال: الزم الوجه فى كتبك، ودعنا من يجوز ويجوز.
ورمى بكتاب كان فى يده، فسألت عن الخبر فإذا ميمون قد كتب إلى المأمون وهو
[1] فى طبقات الزبيدى: «لن ترانى» .
[2]
فى طبقات الزبيدى: «فقالوا: أستاذه محمد بن قادم» .
[3]
من طبقات الزبيدى.
ببلاد الروم عن إسحاق، وذكر مالا حمّله إليه، فكتب:«وهذا المال مالا» ، فخط المأمون على الموضع من الكتاب، ووقع بخطه فى حاشيته: تخاطبنى [1] بلحن! فقامت القيامة على إسحاق. فكان ميمون بعد ذلك يقول: ما أدرى كيف أشكر ابن قادم، أبقى علىّ روحى ونعمتى. قال ثعلب: فكان هذا مقدار العلم، وعلى حسب ذلك كانت الرغبة فى طلبه والحذر من الزلل. قال: وهذا [المال [2]] مالا ليس بشىء، ولكن أحسن ابن قادم فى التأتّى لخلاص ميمون.
وكان ابن قادم يعلّم المعتز [3] قبل الخلافة، فلما ولى الخلافة بعث إليه، فجاء الرسول وهو فى منزله شيخ كبير، فقيل له: رسول أمير المؤمنين، فقال: ليس أمير المؤمنين ببغداذ- يعنى المستعين [4].- قالوا: لا، قد ولى المعتزّ. وكان المعتزّ قد حقد عليه عقيب تأديبه، فخشى من تأديبه، وقال لعياله: عليكم السلام. وخرج فلم يرجع إليهم؛ وهذا فى سنة إحدى وخمسين ومائتين. وله من الكتب المصنفة من تصنيفه: كتاب غريب الحديث. كتاب الملوك فى النحو.
[1] فى طبقات الزبيدى: «تكاتبنى» .
[2]
من طبقات الزبيدىّ.
[3]
هو أبو عبد الله محمد بن المتوكل المعروف بالمعتز بالله الخليفة العباسى، بويع بالخلافة سنة 252 عقب خلع المستعين، ولم يكن بسيرته وعقله بأس؛ إلا أن الأتراك كانوا قد استولوا منذ قتل المتوكل على المملكة، واستضعفوا الخلفاء، فلما تولى المعتز ثاروا وطلبوا منه مالا فاعتذر إليهم، وقال: ليس فى الخزانة شىء، فاتفقوا على خلعه وقتله، وقتلوه سنة 255. الفخرى ص 214.
[4]
هو أحمد بن محمد بن المعتصم المعروف بالمستعين، الخليفة العباسى. بويع بالخلافة بعد وفاة المنتصر. وكان مستضعفا فى رأيه وعقله وتدبيره، وكانت أيامه كثيرة الفتن، ودولته شديدة الاضطراب، وخلع سنة 252، وقتل بعد ذلك. الفخرى ص 212.