الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثلاثة أهلين أفنيتهم
…
وكان الإله هو المستآسا
والمستآس: المستعان.
وقال محمد بن قانع: مات محمد بن سلّام ببغداذ سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
وذكر الزّبيدىّ أنه مات بالبصرة فى التاريخ.
653 - محمد بن السرىّ أبو بكر النحوىّ المعروف بابن السراج النحوىّ
«1»
كان أحد العلماء المذكورين بالأدب وعلم العربية. صحب أبا العباس المبرّد وأخذ عنه العلم، روى عنه أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزّجاجى وأبو سعيد السّيرافى وعلى بن عيسى الرمانىّ النحوىّ. وكان ثقة.
قال على بن عيسى بن على النحوىّ: كان أبو بكر بن السّراج يقرأ عليه كتاب الأصول الذى صنّفه، فمرّ فيه باب استحسنه بعض الحاضرين، فقال: هذا والله أحسن من كتاب المقتضب، فأنكر عليه أبو بكر ذلك وقال: لا تقل هذا.
وتمثل ببيت- وكان كثيرا ما يتمثل فيما يجرى له من الأمور بأبيات حسنة- فأنشد حينئذ:
ولكن بكت قبلى فهاج لى البكا
…
بكاها فقلت الفضل للمتقدّم [1]
وقال: وحضر فى يوم من الأيام بنىّ له صغير، فأظهر من الميل إليه والمحبّة له ما يكثر من ذلك، فقال له بعض الحاضرين: أتحبّه أيها الشيخ؟ فقال متمثلا:
أحبّه حبّ الشحيح ماله
…
قد كان ذاق الفقر ثم ناله
قال أبو الفتح عبيد الله بن أحمد النحوىّ: إن أبا بكر محمد بن السرىّ السرّاج مات فى يوم الأحد لثلاث بقين من ذى الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة.
وله كتب فى النحو مفيدة، منها كتابه فى أصول النحو، وهو غاية فى الشّرف والفائدة، ومختصره فى أصول العربية، وجمع مقاييسها.
وكان ابن السرّاج أديبا شاعرا عالما. وكان يحبّ أم ولده. وكانت فى القيان، فأنفق عليها ماله. وتهيأ أن قدم المكتفى من الرّقة فى الوقت الذى ولى فيه الخلافة.
قال الأوارجىّ الكاتب: فجلست أنا وابن السراج وأبو القاسم عبد الله بن حمدان الموصلىّ الفقيه فى روشن [2]، فلما وافى [المكتفى به [3]] الماء استحسناه.
[1] البيت لعدىّ بن الرقاع العاملى؛ وقبله:
ومما شجانى أننى كنت نائما
…
أعلل من فرط الكرى بالتنسم
إلى أن دعت ورقاء فى غصن أيكة
…
تردّد مبكاها بحسن الترنم
فلو قبل مبكاها بكيت صبابة
…
بسعدى شفيت النفس قبل التندم
ولكن بكت
…
وانظر شرح مقامات الحريرى للشريشى (2: 14).
[2]
الروشن: فارسى معرب؛ ومعناه الفرضة، وهو مرسى المراكب والسفن، وفى الأصل:
«روشن» ، وحذف النون فى آخر الكلمة جائز فى الفارسية مثل:«جوارشن» و «جوارش» .
[3]
من طبقات الزبيدىّ، وهو المكتفى بالله أبو محمد على بن المعتضد، بويع بالخلافة سنة 289.
وتوفى سنة 295. الفخرى ص 227.
وكانت هذه الجارية قد جفته، فقال: قد حضرنى شىء فاكتبه، فكتبته وهو قوله:
قايست بين جمالها وفعالها
…
فإذا الملاحة والخيانة لا تفى
[حلفت لنا ألّا تخون عهودنا
…
فكأنما حلفت لنا ألّا تفى [1]]
والله لا كلّمتها ولو انها
…
كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفى [2]
قال: ومرّ لهذا زمن طويل. وكان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن زنجى [3] الكاتب يهوى قينة، فكان يدعوها كلّ جمعة. وكان لا يحتشم أن يحدّث أبا العباس أحمد بن محمد بن الفرات بحديثه معها، فحدّثنى زنجى أنه غدا يوم سبت إليه، فقال له أبو العباس: ما كان خبرك مع صاحبتك أمس؟ قال: فحدّثته باجتماعنا. قال:
فما كان صوتك عليها؛ فقلت: كان:
قايست بين جمالها وفعالها
وأنشدته بيتى ابن السرّاج. فقال: هما لمن؟ فقلت لعبد الله بن المعتز. وركب إلى القاسم بن عبيد الله وأنشده البيتين، وصار معه إلى بعض الطريق فانصرف إلى ديوانه، فلما علم أنه قد قرب انصرافه خرج فتلقاه، فحدّثه أنه أنشد المكتفى البيتين، وأنه سأله عن قائلهما فقال: هما لعبيد الله بن عبد الله بن طاهر. قال:
فأمرنى المكتفى أن أحمل إليه ألف دينار. قال: فقلت: إنما أنشدتك هذا على أنه لعبد الله بن المعتز، فصرفته إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر. فقال: والله ما ظننت إلا ما ذكرته لك، وهذا رزق قد رزقه الله إياه وأنفذه إليه.
[1] من ابن خلكان.
[2]
[3]
فى طبقات الزبيدى: «يحيى» ، وهو تصحيف، ويحدث عنه الصابى كثيرا فى تاريخ الوزراء.
قال زنجىّ: فلما انصرف أبو العباس حدّثنى بالحديث وقال: خذ هذه الألف دينار وسربها إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر وقل: هذا رزق رزقك إياه من حيث لم تحتسب. فأوصلته إليه، فشكر الله عز وجل، وشكر أبا العباس.
فقلت أنا لزنجىّ: ما رأيت أعجب من هذا! يعمل هذا الشعر محمد بن السراج النحوىّ؛ ويكون سببا لرزق عبيد الله بن عبد الله بن طاهر! فعجب من ذلك؛ وهو مما يعجب منه فى أسباب الرزق.
قال: وأنشدنى ابن السراج لنفسه لما حضر ابن يانس [1] المغنى- وكان من أحسن الناس وجها، وكان قد علق به وهويه-:
يا قمرا جدّر لما استوى
…
فزادنى حزنا وزادت همومى
أظنه غنّى لشمس الضحى
…
فنقّطته طربا بالنّجوم
قال أبو محمد بن درستويه: كان ابن السراج من أحدث غلمان المبرّد سنا مع ذكائه وفطنته، وكان المبرّد يميل إليه ويقرّبه وينشرح له، ويجتمع معه فى الخلوات والدعوات ويأنس به. قال: ورأيت ابن السراج يوما وقد حضر عند الزجاج مسلّما عليه بعد موت المبرد، فسأل رجل الزجّاج عن مسألة، فقال لابن السراج:
أجبه يا أبا بكر، فأجابه فأخطأ، فانتهره الزجّاج وقال: والله لو كنت فى منزلى لضربتك؛ ولكن المجلس لا يحمل هذا، وقد كنا نشبّهك فى الذكاء والفطنة بالحسن ابن رجاء، وأنت تخطئ فى مثل هذا! فقال: قد ضربتنى يا أبا إسحاق وأدّبتنى وأنا تارك مادرست مذ قرأت الكتاب- يعنى كتاب سيبويه،- لأنى شغلت
[1] فى طبقات الزبيدىّ: «ابن ياسر» .
عنه بالمنطق والموسيقى، وأنا أعاود، فعاود وصنف ما صنف. وانتهت إليه الرياسة بعد موت الزجاج.
وله من التصنيف: كتاب الأصول الكبير. كتاب مجمل الأصول.
كتاب الموجز صغير. كتاب الاشتقاق. كتاب شرح سيبويه.
كتاب احتجاج القرّاء. كتاب الشعر والشعراء. كتاب الرياح والهواء والنار. كتاب الجمل. كتاب المواصلات فى الأخبار والمذاكرات.
قال أبو الحسن علىّ بن عيسى الرمانىّ- رحمه الله جرى بحضرة ابن السّرّاج ذكر كتابه فى الأصول النحوية الذى صنفه فقال قائل: هو أحسن من كتاب المقتضب للمبرّد، فقال أبو بكر بن السراج له: لا تقل هذا؛ فإنما استفدنا ما استفدناه من صاحب المقتضب، وأنشد:
ولكن بكت قبلى فهيّج لى البكا
…
بكاها فقلت الفضل للمتقدّم
[1] هو الأخفش الأوسط، أبو الحسن سعيد بن مسعدة.
[2]
هو الأخفش الصغير، أبو الحسن على بن سليمان، وكان معاصرا له.