الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
753 - محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشرىّ
«1»
ذكره السّمعانىّ، ونظرت بخطه فى تاريخه الذى ذيّل به تاريخ مدينة السلام بضمّ الزّاى؛ ولما صنّف كتابه فى الأنساب ضبطها بفتح الزاى، فقلت: على الظن أن الأوّل وهم.
كان الزمخشرىّ- رحمه الله من أهل خوارزم، وزمخشر: إحدى قراها القريبة منها. وسمعت بعض التجّار يقول: إنها قد دخلت فى جملة المدينة، وإنّ العمارة لمّا كثرت وصلت إليها وشملتها، فصارت من جملة محالّها.
وكان- رحمه الله ممّن يضرب به المثل فى علم الأدب والنحو واللغة.
لقى الأفاضل والأكابر، وصنّف التصانيف فى التفسير وغريب الحديث والنحو
وغير [1] ذلك. دخل خراسان وورد العراق، وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له، واستفادوا منه. وكان علّامة الأدب، ونسّابة العرب، أقام بخوارزم تضرب إليه أكباد الإبل، وتحطّ بفنائه رحال الرجال، وتحدى باسمه مطايا الآمال. ثم خرج منها إلى الحج، وأقام برهة من الزمان بالحجاز؛ حتى هبّت على كلامه رياح البادية، وورد مناهل العرب العاربة، ثم انكفأ راجعا إلى خوارزم، ثم قوى عزمه على الرحلة عنها وعوده إلى الحجاز، فقيل له: قد زجّيت أكثر عمرك هناك فما الموجب؟ فقال: القلب الذى لا أجده ثمّ أجده ها هنا.
وذكر ابن أخته أبو عمرو عامر بن الحسن السمسارىّ بزمخشر قال: ولد خالى بزمخشر خوارزم يوم الأربعاء السابع والعشرين من رجب سنة سبع وستين وأربعمائة.
[1] مصنفاته على ما أوردها ياقوت: الكشاف فى تفسير القرآن. الفائق فى غريب الحديث.
نكت الأعراب فى غريب الإعراب فى إعراب القرآن. متشابه أسماء الرواة. مختصر الموافقة بين أهل البيت والصحابة. الأصل لأبى سعيد الرازى إسماعيل. الكلم النوابغ فى المواعظ. أطواق الذهب فى المواعظ. نصائح الكبار. نصائح الصغار. مقامات فى المواعظ. نزهة المستأنس. الرسالة الناصحة. رسالة المسأمة. الرائض فى الفرائض معجم الحدود. ضالة الناشد. المنهاج فى الأصول. عقل الكل. النموذج.
فى النحو. المفصل فى النحو أيضا. المفرد والمؤلف. صميم العربية الأمالى فى النحو. أساس البلاغة فى اللغة. جواهر اللغة. كتاب الأجناس. مقدمة الأدب فى اللغة. كتاب الأسماء فى اللغة. القسطاس فى العروض. حاشية على المفصل. شرح مقاماته. روح المسائل. سوائر الأمثال. المستقصى فى الأمثال. ربيع الأبرار فى الأدب والمحاضرات. تسلية الضرير. رسالة الأسرار. أعجب العجب فى شرح لامية العرب.
المفصل. ديوان التمثيل. ديوان خطب. ديوان رسائل. ديوان شعر.
شرح كتاب سيبويه. كتاب الجبال والأمكنة. شافى العىّ من كلام الشافعى. شقائق النعمان فى مناقب الإمام أبى حنيفة. المحاجاة ومتمم سهام أسباب الحاجات. فى الأحاجى والألغاز.
وكان له- رحمه الله شعر كشعر النحاة؛ فمنه ما قاله يرثى شيخه أبا مضر:
وقائلة ما هذه الدّرر الّتى
…
تساقطها عيناك سمطين سمطين
فقلت هو الدرّ الذى قد حشا به
…
أبو مضر أذنى تساقط من عينى
وقال أيضا يرثيه:
أيا طالب الدنيا ويا تارك الأخرى
…
ستعلم بعد الموت أيّهما أحرى
ألم يقرعوا بالحق سمعك؟ قل: بلى
…
وذكّرت بالآيات لو تنفع الذّكرى
أما وقر الطّيش الّذى فيك واعظ
…
كأنك فى أذنيك وقر ولا وقرا
أمن حجر صلد فؤادك قسوة
…
أم الله لم يودعك لبّا ولا حجرا [1]
وما زال موت المرء يخرب داره
…
وموت فريد العصر قد خرّب العصرا
وصكّ بمثل الصخر سمعى نعيّه
…
فشبّهت بالخنساء إذ فقدت صخرا
وقال أيضا فى غير ذلك:
أيا حبّذا سعدى وحبّ مقامها
…
ويا حبّذا أين استقلّ خيامها
حياتى وموتى قرب سعدى وبعدها
…
وعزّى وذلّى وصلها وانصرامها
سلام عليها أين أمست وأصبحت
…
وإن كان لا يقرا علىّ سلامها
رعى الله سرحا قد رعى فيه سرحها
…
وروّض أرضا سام فيه سوامها
إذا سحبت سعدى بأرض ذيولها
…
فقد أرغم المسك الذكىّ رغامها
وإن ما يست قضبان بان رأيتها
…
تنكّس واستعلى عليها قوامها
وهى قصيدة طويلة مدح بها الوزير مجير الدولة الأردستانىّ، فخلع عليه وأعطاه فرسا وألف دينار.
[1] الحجر: العقل.
ولما نزل الزمخشرىّ مكة شرفها الله تعالى- وجد بها الشريف السيد الفاضل الكامل أبا الحسن على بن عيسى بن حمزة الحسنى [1]، فعرف قدره، ورفع أمره، وأكثر الاستفادة منه، وأخذ عن الزمخشرىّ وأخذ الزمخشرىّ عنه، ونشّطه لتصنيف ما صنّف، وتأليف ما ألّف- قال الشريف مادحا للزمخشرىّ:
جميع قرى الدّنيا سوى القرية التى
…
تبوّأها دارا فداء زمخشرا
وأحر بأن تزهى زمخشر بامرىء
…
إذا عدّ فى أسد الشّرى زمخ الشّرى [2]
توفى الزّمخشرىّ- رحمه الله بكر كانج، وهى قصبة خوارزم، ليلة عرفة من سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.
وكان الزمخشرىّ- رحمه الله مقطوع الرجل، قد جعل له رجلا من خشب يستعين بها فى المشى، ولما دخل بغداذ سأله الدامغانىّ [3] الفقيه الحنفىّ عن سبب قطعها، فقال: دعاء الوالدة؛ وذلك أننى فى صباى أمسكت عصفورا وربطته بخيط فى رجله، وانفلت من يدى، فأدركته وقد دخل فى خرق، فجذبته، فآنقطعت رجله فى الخيط، فتألمت أمّى لذلك وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطع رجله، فلما وصلت إلى سن الطّلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت الرجل، وعملت عملا أوجب قطعها.
وذكره صاحب الوشاح،- ذكره بألقاب وسجع له على عادته فقال: «أستاذ الدنيا، فخر خوارزم، جار الله العلامة أبو القاسم محمود الزّمخشرىّ من أكابر
[1] هو أبو الحسن على بن عيسى بن حمزة بن وهاس بن أبى الطيب، الشريف السليمانى الحسنى المكى، من أهل مكة وشرفائها وأمرائها؛ توفى سنة 506 ومن أجله صنف الزمخشرى تفسيره الكشاف.
وفى ترجمته أن مجد الدين الشيرازى (صاحب القاموس) يقول إن اسمه علىّ، بضم العين وفتح اللام.
(العقد الثمين 3: 150).
[2]
الشرى: مأسدة، قيل إنها فى جبل سلمى، وزمخ: تكبر.
[3]
فى الأصلين: «اللامعانى» ، وصوابه من ابن خلكان وهامش ب؛ وهو أحمد بن على بن محمد أبو الحسين الدامغاني، كان من بيت العلم والقضاء فى بغداد. توفى سنة 540. الجواهر المضبّة (1: 83).
الأمّه، وقد ألقت العلوم إليه أطراف الأزمّه؛ واتفقت على إطرائه الألسنة، وتشرفت بمكانه وزمانه الأمكنة والأزمنة؛ ولم يتمكن فى دهره واحد من جلاء رذائل النظم والنثر، وصقال صوارم الأدب والشعر؛ إلا بالاهتداء بنجم فضله، والاقتداح بزند عقله؛ ومن طار بقوادم الإنصاف وخوافيه، علم أن جواهر الكلام فى زماننا هذا من نثار فيه؛ وقد ساعده التوفيق والإقبال، وساعفه من الزمان الماضى والحال؛ حتى اختار لمقامه أشرف الأماكن، وجمع بجوار بيت الله الحرام بين الفضائل والمحاسن؛ وودّع أفراس الأمور الدنياويّة ورواحلها، وعاين من بحار الخيرات والبركات سواحلها؛ وقد صغر فى عيون أفاضل عهده ما رأوه ورووه، وملك فى قلوب البلغاء جميع ما رعوه ووعوه؛ وإن كان عدد أبياته التى ذكرتها قليلا، فكماله صار عليها دليلا.
وأنشدنى أفضل الدين أميرك الزبيانىّ له من قصيدة فيها:
يفوح كفوح المسك فاغم نشرها
…
إذا التحبت فيها ذلاذل ريح [1]
يقول لها الطشّ السماوىّ والصبا
…
مقيما على تلك الصبابة فوجى؟؟؟ [2]
مضاجع سعدان مغارس حنوة
…
مناجم قيصوم منابت شيح [3]
إذا ملّح المكّاء رجع صفيره
…
يجاوبه قمريّها بمليح
كأنّ بديحا والغريض تطارحا
…
على وتر للموصلىّ فصيح [4]
[1] النشر: الرائحة الطيبة. والتحبت: مرت؛ والذلاذل فى الأصل: أطراف القميص.
[2]
الطش: المطر الضعيف.
[3]
السعدان: نبت ترعاه الإبل، وهو أطيب مراعيها، والحنوة: نبات سهلىّ. والقيصوم:
نبت زهره مرّ.
[4]
يديح: مولى عبد الله بن جعفر؛ وكان يقال له بديح المليح، وله صنعة يسيرة، وإنما كان يغنى أغانى غيره. وأخباره فى الأغانى (14: 9 - 10). والغريض: لقب، واسمه عبد الملك، وأخباره أيضا فى الأغانى (2: 124 - 144). والموصلىّ، تقدمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأول ص 250.
وله أيضا:
لا بدّ من غفلة يعيش بها ال
…
مرء وإلا فعيشه كدر
أما رأيت الصحيح يؤلمه
…
ما لا يبالى بمثله الحذر
وله أيضا:
أشمال ويحك بلّغى تسليمى
…
من ليس يبلغه لنا تسليم
مرّى به وتعلّقى بردائه
…
ليكون فيك من الحبيب نسيم
قولى له ما بال قلبك قاسيا
…
ولقد عهدتك بى وأنت رحيم
إنّى أجلّك أن أقول ظلمتنى
…
والله يعلم أنّنى مظلوم
انقضى ما نقل من كتاب الوشاح.
قلت [1]: وكان بحلب رجل كاتب إنشاء لبعض المستولين عليها، وحصلت له نسخة [من كتاب «المفصل» للزمخشرى، وأراد تصحيحها، واتفق أن اجتاز][2] بدمشق فى بعض سفراته إليها، فسأل أبا اليمن زيد بن الحسن بن زيد الكندى مطالعتها وتحقيقها، فأجابه إلى ذلك- وهو يومئذ نحوىّ دمشق بزعمه- ولما فرغ من تصفّحها كتب على ظهرها كلاما مثاله: قوبل به نسختان مثله فى السّقم، واستخرجت الصّحة منهنّ، وهو تأليف موضوع على الاختصار، بالتقاط المسائل من كتب أئمة العربية، فجاء مستغلق الألفاظ على ما تحتها من المعانى الواضحة.
وكان الزمخشرىّ أعلم فضلاء العجم بالعربية فى زمانه، وأكثرهم أنسا واطّلاعا على كتبها، وبه ختم فضلاؤهم. وكان متحققا بالاعتزال؛ قدم علينا بغداذ سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، رأيته عند شيخنا أبى منصور ابن الجواليقىّ رحمه الله مرتين، قارئا عليه بعض كتب اللغة من فواتحها، ومستجيزا لها؛ لأنه لم يكن له على ما عنده من العلم لقاء ولا رواية؛ عفا الله عنه وعنا.
[1] فى الأصل: «قال» ، وما أثبته عن ب.
[2]
تكملة من ب.
وكتب أبو اليمن الكندىّ فى أواخر رجب من سنة ثمان وستمائة.
ونقلت من كتاب محمد بن محمد بن حامد قال: «كان مولده- يعنى الزمخشرىّ- فى سابع عشر شهر رجب سنة سبع وستين وأربعمائة» .
وكتب الأمير شبل الدولة أبو الهيجاء مقبل بن عطية البكرىّ ختن نظام الملك الحسن بن إسحاق إلى الزمخشرىّ:
هذا أديب فاضل
…
مثل الدرارى درره
زمخشرىّ فاضل
…
أنجبه زمخشره
كالبحر إن لم أره
…
فقد أتانى خبره
فأجابه الزمخشرىّ:
شعره أمطر شعبى شرفا
…
فاعتلى منه نبات الجسد [1]
كيف لا يستأسد النبت إذا
…
بات مسقيا بنوء الأسد
وكتب إليه منتجب الملك أبو جعفر محمد أحد كبراء دولة السلطان سنجر رسالة وقصيدة، وسيّرهما إليه إلى مكة عند مقامه بها:
«كتابى إلى جار الله العلّامة عن سلامة كمّل الله أسبابها، ونعمة أوطف بالرغائب سحابها، والحمد لله رب العالمين، والصلاة على نبيه محمد وآله الطاهرين.
بعد الملتقى وشطّ المزار
…
وتمادى لوصلك الإنتظار
يثنى فيها على أهل البيت، ويذكر له اجتماعه بالشريف على بن عيسى بن وهاس الحسينىّ من أهل مكة، وكان علّامة، وقال: قد قلت فيه كلمة طويلة؛ منها:
أولئك أعضاد النبوّة رشّحوا
…
لقمع عتاة الشرك بالذّبّل السّمر
إذا صفنت فى المأزق الضّنك خيلهم
…
رأيت المنايا يزدحمن على البتر [2]
[1] الجسد: الزعفران.
[2]
يقال: صفن الفرس إذا قام على الرابعة.
هم ملجأ للخائفين وعدّة
…
لثأر منيم أو مخوف من الثغر
مفاتيح أسداد الخطوب إذا عرت
…
مساميح بالمعروف فى اليسر والعسر
من النّفر البيض الذين نوالهم
…
يفيض بلا منّ ويأتى مع العذر
ويلقاك بالبشرى ويأتيك بالمنى
…
تحايا وجوه مشرقات من البشر
وذكر فصولا كثيرة فى الثناء على الشريف وعلى مصنّفاته، والتماس شىء من فوائد ابن وهاس ومؤلّفاته.
أما القصيدة فهى:
إليك يهزّنى الحبّ المطاع
…
ويسكرنى لرؤيتك النّزاع
فهل لك يا شقيق النفس علم
…
بما أنبأت عنه واطّلاع
[ولو أنّى قدرت لطرت شوقا
…
بحرف خطوها خطو زماع [1]]
وكنت بحيث يوصلنى إليكم
…
غدوّى أو رواحى لا أراع
وفى عدواء [2] دارك عن ديارى
…
أراقب زورة لا تستطاع
يطيل الشوق أمّا ذا الليالى
…
إليك فهل لفرقتنا اجتماع
وأنت لكل منقبة معان
…
ومن درّ العلوم لك ارتضاع
ولما كنت جار الله صارت
…
تسير بك الأماكن والبقاع
تضىء بعلمك الدنيا فيضحى
…
له فى كل ناحية شعاع
أبنت لنا كتاب الله فاعمد
…
لتنفعنا فنعم الانتفاع
أعيذك من أناس نحن فيهم
…
وحقّ الأفضلين بهم مضاع
ترى قوما كأنك ما تراهم
…
وحسبك من لقائهم السماع
كأنهم وما عرفوا بخير
…
بهائم فى مجاهلها رتاع
[1] تكملة من ب؛ والحرف: الناقة العظيمة. والزماع: سرعة المشى.
[2]
العدواء: البعد.