الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
735 - محمد بن يزيد بن عبد الأكبر أبو العباس المبرّد
«1»
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر بن عميرة بن حسان بن سليمان بن سعد بن عبد الله ابن زيد بن مالك بن الحارث بن عامر بن عبد الله بن بلال بن عوف بن أسلم (وهو ثمالة) بن أحجن بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأسد بن الغوث. وعن أبى العباس يزعم أن ثمالة [1] عوف بن أسلم.
[1] روى القالى أن المبرد أنشد لعبد الصمد بن المعذل فيه:
سألنا عن ثمالة كل حى
…
فقال القائلون ومن ثماله
فقلت محمد بن يزيد منهم
…
فقالوا زدتنا بهم جهاله
فقال لى المبرد خل عنى
…
فقومى معشر فيهم نذاله
ونقل الكبرى أن أبا العباس كان يروى ما هجى به من مثل هذا وشبههه ليئبت نسبه فى ثمالة. وانظر اللآلى ص 339 - 340.
وكان أبو العباس [1] محمد بن يزيد من العلم، وغزارة الأدب، وكثرة الحفظ، وحسن الإشارة، وفصاحة اللّسان، وبراعة البيان، وملوكية المجالسة، وكرم العشرة، وبلاغة المكاتبة، وحلاوة المخاطبة، وجودة الخطّ، وصحة القريحة، وقرب الإفهام، ووضوح الشرح، وعذوبة المنطق؛ على ما ليس عليه أحد ممن تقدّمه أو تأخّر عنه.
وقرأ المبّرد كتاب سيبويه على الجرمىّ، ثم توفى الجرمىّ فابتدأ قراءته على المازنىّ؛ وقيل سمع أبو العباس الكتاب على الجرمىّ وعمله على المازنىّ [2].
وقال إسماعيل بن إسحاق القاضى: لم ير أبو العباس مثل نفسه ممّن كان قرينه، ولا يرى بعده مثله.
قال سهل بن أبى سهل البهزىّ [3] وإبراهيم بن محمد المسمعىّ: رأينا محمد بن يزيد وهو حدث السنّ، متصدّرا فى حلقة أبى عثمان المازنىّ يقرأ عليه كتاب سيبويه؛ وأبو عثمان فى تلك الحلقة كأحد من فيها.
وقال اليوسفىّ الكاتب [4]: كنت يوما عند أبى حاتم السّجستانىّ إذ أتاه شاب من أهل نيسابور فقال: يا أبا حاتم إنى قدمت بلدكم، وهو بلد العلم والعلماء، وأنت
[1] ذكر السيوطى فى المزهر (2: 456): «حيث أطلق البصريون أبا العباس فالمراد به المبرد، وحيث أطلقه الكوفيون فالمراد به ثعلب» .
[2]
[3]
البهزىّ، بفتح الباء: منسوب إلى بهز بن امرىء القيس بن بهتة بن سليم بن منصور. وانظر اللباب (1: 156).
[4]
هو أبو الطيب محمد بن عبد الله، من ولد أحمد بن يوسف الكاتب (كاتب المأمون)؛ الفهرست 124.
شيخ هذه المدينة؛ وقد أحببت أن أقرأ عليك كتاب سيبويه. فقال:
«الدين النصيحة» ؛ إن أردت أن تنتفع بما تقرؤه فاقرأ على هذا الغلام، محمد بن يزيد، فتعجّبت من ذلك.
وكان سبب حمله من البصرة فيما ذكره أحمد بن حرب صاحب الطيّلسان [1] قال:
قرأ المتوكل يوما وبحضرته الفتح بن خاقان: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ
فقال له الفتح بن خاقان: (إنّها) بالكسر يا سيدي. فتبايعا على عشرة آلاف درهم، وتحاكما إلى يزيد بن محمد المهلبىّ- وكان صديقا للمبرّد- ولما وقف يزيد على ذلك خاف أن يسقط عند أحدهما، فقال: ما أعرف الفرق بينهما، وما رأيت أعجب من أن يكون باب أمير المؤمنين يخلو من عالم متقدّم. فقال المتوكل: فليس هاهنا من يسأل عن هذا؟ فقال: ما أعرف أحدا يتقدّم فتى بالبصرة يعرف بالمبرّد.
فقال: ينبغى أن يشخص، فنفذ الكتاب إلى محمد بن القاسم بن محمد بن سليمان الهاشمىّ بأن يشخصه مكرّما.
قال محمد بن يزيد: فوردت سرّ من رأى، فأدخلت على الفتح بن خاقان، فقال: يا بصرىّ، كيف تفسّر هذا الحرف: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [2]
؟ بالفتح أو بالكسر؟ فقلت: إنها بالكسر، وهو الجيّد
[1] هو أحمد بن حرب المهلبى، وكان قد وهب الحمدونىّ الشاعر طيلسانا لم يرضه. قال أبو العباس المبرد: فأنشدنا فيه عشر مقطعات، فاستحلينا مذهبه فيها، فجعلها فوق الخمسين، فطارت كل مطار، وذهب فيها كل مذهب؛ فمنها:
يابن حرب كسوتنى طيلسانا
…
ملّ من صحبة الزمان وصدّا
فحسبنا نسج العناكب قد حا
…
ل إلى ضعف طيلسانك سدّا
طال ترداده إلى الرفو حتى
…
لو بعثناه وحده لتهدّى
وانظر (زهر الآداب 2: 234 - 237).
[2]
سورة الأنعام آية 109.
المختار، وذلك أن أوّل الآية وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها، قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ
. ثم قال تعالى: يا محمد أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ [1]
باستيفاء جواب الكلام المتقدّم. قال: صدقت، وركب إلى دار أمير المؤمنين فعرّفه بقدومى، وطالبه بدفع ما تخاطرا عليه وتبايعا فيه، فأمر بإحضارى، فحضرت، فلما وقعت عين المتوكّل علىّ قال: يا بصرىّ، كيف تقرأ هذه الآية: وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ
بالكسر أو بالفتح؟ فقلت:
يا أمير المؤمنين؛ أكثر الناس يقرءونها بالفتح، فضحك وضرب رجله اليسرى وقال:
أحضر يا فتح المال، فقال: يا سيدى، قد والله قال لى خلاف ما قال لك؛ قال:
دعنى من هذا، أحضر المال. قال المبرّد: وأخرجت فلم أصل إلى الموضع الذى كنت فيه نازلا، حتى أتتنى رسل الفتح، فأتيته فقال: يا بصرىّ، أوّل ما ابتدأتنا بالكذب! فقلت: ما كذبت، فقال: وكيف وقد قلت لأمير المؤمنين إن الصواب وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها
بالفتح، فقلت أيها الأمير؛ لم أقل هكذا، وإنما قلت: أكثر الناس يقرءونها أَنَّها
وأكثرهم على الخطأ؛ وإنما تخلّصت من اللأئمة، وهو أمير المؤمنين! فقال لى: أحسنت.
قال أبو العباس: فما رأيت أكرم كرما، ولا أرطب بالخير لسانا من الفتح.
وقال أبو العباس: حملت إلى المتوكّل سنة ست وأربعين ومائتين.
وقال أبو العباس المبرّد: أحضرت مجلس المتوكل، وقد عمل فيه النّبيذ وبين يديه أبو عبادة الوليد بن عبادة البحترىّ [2]، وهو ينشده قصيدا يمدحه، وبالقرب من البحترىّ أبو العنبس الصّيمرىّ، فأنشد قصيدته التى أوّلها:
[1] هذه قراءة مجاهد وأبى عمرو وابن كثير. راجع (الجامع لأحكام القرآن ج 7 ص 64). طبع دار الكتب المصرية.
[2]
هو أبو عبادة الوليد بن عبيد بن يحيى البحترى الطائى؛ الشاعر المشهور.
ولد بمنبج وتخرج بها؛ ثم خرج إلى العراق ومدح جماعة من الخلفاء وأولهم المتوكل على الله، وأقام ببغداد دهرا طويلا، ثم عاد إلى الشام، وله أشعار كثيرة فيها ذكر حلب ونواحيها، ثم عاد إلى منيج، وتوفى بها سنة 284. (ابن خلكان 2: 175 - 179).
عن أىّ ثغر تبتسم
…
وبأىّ طرف تحتكم [1].
حسن يضنّ بحسنه
…
والحسن أولى [2] بالكرم
المرتضى ابن المجتبى
…
والمنعم ابن المنتقم
أما الرعيّة فهى من
…
أمنات عدلك فى حرم
نعم عليها فى بقا
…
ئك فلتتمّ لها النّعم
يا بانى المجد الذى
…
قد كان قوّض فانهدم
اسلم لدين محمّد
…
فإذا سلمت له سلم
حتى بلغ إلى قوله:
قل للخليفة جعفر ال
…
متوكّل بن المعتصم
نلنا الهدى بعد العمى
…
بك والغنى بعد العدم
فلما انتهى رجع القهقرى لينصرف، فوثب أبو العنبس وقال: يا سيدى يا أمير المؤمنين، تأمر بردّه؟ فردّه. فقال له أبو العنبس [قد عارضتك [3] فى قصيدتك وكنت بحضرة أمير المؤمنين]، ثم اندفع ينشد:
فى أى سلح ترتطم
…
وبأىّ كفّ تلتقم
أدخلت رأس البحترىّ
…
أبى عبادة فى الرّحم
[1] ديوانه (2: 224).
[2]
فى الديوان: «أشبه» . وفى الديوان قبل هذا البيت:
أفديه من ظلم الوشا
…
ة وإن أساء وإن ظلم
يهنيك أنك لم تذق
…
سهدا وأنى لم أنم
وكأن فى جسمى الذى
…
فى ناظريك من السقم
أقسمت بالبيت الحرا
…
م وحرمة الشهر الأصم
وعلى أمير المؤمني
…
ن فإنها حسن القسم
لقد اصطفى رب السما
…
ء له الخلائق والشيم
ملك غدا وجبينه
…
شمس الضحى بدر الظلم
قل للخليفة جعفر ال
…
متوكل بن المعتصم
[3]
من طبقات الزبيدى.
ووصل ذلك بما أشبهه، فضحك المتوكل، وضرب برجله اليسرى، وقال:
ادفعوا إلى أبى العنبس عشرة آلاف درهم. فقال له الفتح بن خاقان: يا سيدى فالبحترىّ الذى هجى وأسمع المكروه ينصرف خائبا؟ فقال: يدفع إليه عشرة آلاف درهم. فقال: سيدى، فهذا البصرىّ الذى أشخصناه من بلده لا يشركهم فيما حصّلوه! قال: ويدفع إليه أيضا عشرة آلاف درهم. قال: فانصرفنا فى ساعة الهزل بثلاثين ألف درهم، ولم ينفع البحترىّ جدّه ولا اجتهاده وتقدّمه.
وذكر أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى فى كتابه المقتبس: «أن السبب فى تلقيبه بالمبرّد أن المبرّد قال: كان سبب ذلك أن صاحب الشّرطة طلبنى للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت على أبى حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ، فجاء رسول الوالى يطلبنى، فقال لى أبو حاتم: ادخل فى هذا- يعنى غلاف مزمّلة [1] فارغ- فدخلت فيه، وغطّى رأسه، ثم خرج إلى الرسول فقال:
ليس هو عندى، فقال: أخبرت أنه دخل إليك. قال: فادخل الدار وفتّشها، فدخل وطاف فى كل موضع فى الدّار، ولم يفطن لغلاف المزمّلة، ثم خرج، فجعل أبو حاتم يصفّق وينادى على المزمّلة: المبرّد المبرّد! وتسامع الناس بذلك فلهجوا به [2]».
ذكر محمد بن يحيى أن أبا العباس المبرد مات يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين. وفيها مات البحترىّ فى المحرّم.
[1] المزملة: التى يبرد فيها الماء.
[2]
وقال ياقوت: «إنما لقب بالمبرد لأنه لما صنف المازنى كتاب الألف واللام سأله عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب، فقال له المازنىّ: قم فأنت المبرّد (بكسر الراء) أى المثبت للحق، فحرفه الكوفيون ففتحوا الراء.
وقال عبد الله بن سعد القطربلّىّ فى تاريخه: «مات أبو العباس المبرّد يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين، وله تسع وسبعون سنة، ودفن فى مقابر باب الكوفة فى دار اشتريت له» .
وقال أبو علىّ إسماعيل بن محمد الصفّار: مات أبو العباس المبرّد فى ذى الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين. وذكر غيرهم فى ذى القعدة. قال غيرهم: إنه نيّف على التسعين.
وكان أبو العباس مقدّما فى الدّول عند الوزراء والأكابر؛ ولما مات الفتح بن خاقان كتب محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحارث يحث فى إشخاص محمد بن يزيد المبرّد فلم يزل مقيما معه، وسبّب له أرزاقا على مصر حسبما كانت أرزاق الندامى تجرى عليهم من هناك.
وكان له شعر جيّد كثير لا يدّعيه ولا يفخر به؛ فمنه قوله فى عبيد الله بن عبد الله ابن طاهر بن الحارث [1]، وقد ورد عليه كتابه وفى درجه [2] التسبيب بأرزاقه إلى مصر:
فأجاب عن الكتاب بأبيات قالها على البديهة [3]:
بنفسى أخ برّ شددت به أزرى
…
فألفيته حرّا على العسر واليسر
أغيب فلى منه ثناء ومدحة
…
وأحضر منه أحسن القول والبشر
وما طاهر إلّا جمال لصحبه
…
وناصر عافيه على كلب الدهر [4]
تفردت يا خير الورى فكفيتنى
…
مطالبة شنعاء ضاق لها صدرى
وأحسن من وجه الحبيب ووصله
…
كتاب أتانى مدرجا فى يدى نصر [5]
[1] كذا فى الأصلين، وفى طبقات الزبيدىّ:«طاهر بن الحارث» ؛ وهو الأنسب لسياق الأبيات.
[2]
فى درجه: فى طيه.
[3]
الأبيات فى السيرافى 106.
[4]
كلب الدهر:
شدته.
[5]
نصر: الغلام الموصل للرسالة.
سررت به لما أتى ورأيتنى
…
غنيت وإن كان الكتاب إلى مصر
فقلت رعاك الله من ذى مودّة
…
فقدفتّ إحسانا وقصّرت من شكرى
وكتب إلى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بعد أن استبطأه وعاتبه:
يا موئلا لذوى الهمّات والخطر
…
ومن عمدت لحاجاتى من البشر
هل أنت راض بأن يضحى نزيلكم
…
والمستجيب لكم فى حال مستتر
صفرا من المال إلّا من رجائكم
…
ولا بسا بعد يسر حلّة العسر
قل للأمير عبيد الله دام له
…
عزّ الإمارة فى طول من العمر
بدأت وعدا فأنجزه لمنتظر
…
فإنّ حقّ تمام الورد فى الصدر
وقد بدا عود شكرى مورقا فأجد
…
سقياه أجنيك منه يانع الثمر
فإنما يسم الوسمىّ مبتدئا
…
وللولىّ نبات الرّوض والزّهر [1]
والسّيف يجلى فإن لم تسق صفحته
…
نبا ولم يك كالمشحوذة البتر
وقد تقدّم إحسان إلىّ لكم
…
لم أوت فيه من الإغراق فى الشّكر
وفى بقاء عبيد الله لى خلف
…
وفيض راحته المغنى عن المطر
وله فى أحمد بن يحيى ثعلب:
أقسم بالمبتسم العذب
…
ومشتكى الصّبّ إلى الصّبّ
لو أخذ النحو من الرّبّ
…
ما زاده إلا عمى قلب
ولما أنشد ثعلب هذين البيتين تمثل بقول الشاعر:
أسمعنى عبد بنى مسمع
…
فصنت عنه النفس والعرضا
ولم أجبه لاحتقارى له
…
ومن يعضّ الكلب إن عضّا!
[1] الوسمىّ: مطر الربيع الأول، والولىّ: المطر بعده.
وذكر العجوزىّ [1] قال: كنت يوما عند أبى العباس محمد بن يزيد فأتاه رجل على دابّة على كتفه طيلسان أخضر، فلما رآه قام إليه فاعتنقه، فأكبر الرّجل قيامه إليه، وقال: أتقوم إلىّ يا أبا العبّاس؟ فقال له:
أينكر أن أقوم إذا بدا لى
…
لأكرمه وأعظمه هشام
ولا تعجب لإسراعى إليه
…
فإنّ لمثله ذخر القيام
وكان المبرّد ممسكا بخيلا، يقول: ما وزنت شيئا بالدرهم إلا ورجح الدّرهم فى نفسى، هذا مع السّعة التى كان فيها، وكان ثعلب أشدّ منه فى الاستمساك، وكان المبرّد يصرّح بالطلب، وثعلب يعرّض ويلوّح.
ولما قتل المتوكّل بسرّ من رأى دخل المبرّد إلى بغداذ، فقدم بلدا لا عهد له بأهله، فاختلّ وأدركته الحاجة، فتوخّى شهود صلاة الجمعة، فلما قضيت الصلاة أقبل على بعض من حضره، وسأله أن يفاتحه السؤال ليتسبّب له القول، فلم يكن عند من حضره علم؛ فلما رأى ذلك رفع صوته وطفق يفسّر ويوهم بذلك أنه قد سئل؛ فصارت حوله حلقه عظيمة، وأبو العباس يصل فى ذلك كلامه.
فتشوّف أحمد بن يحيى ثعلب إلى الحلقة، وكان كثيرا ما يرد الجامع قوم خراسانيّون من ذوى النظر؛ فيتكلّمون ويجتمع الناس حولهم، فاذا أبصرهم ثعلب أرسل من تلاميذه من يفاتشهم، فإذا انقطعوا عن الجواب انفضّ الناس عنهم.
فلما نظر ثعلب إلى من حول أبى العباس المبرّد أمر إبراهيم بن السّرىّ الزّجّاج وابن الخيّاط [2] بالنهوض، وقال لهما: فضّا حلقة هذا الرجل، فنهض معهما من حضر
[1] هو أبو بكر أحمد بن محمد بن بشار العجوزىّ، البغدادىّ، توفى سنة 311. تاريخ بغداد (4: 400).
[2]
كذا فى الأصلين، وفى طبقات الزبيدى «ابن الحائك» .
من أصحابه فلمّا صاروا بين يديه قال له إبراهيم بن السّرىّ: أتأذن- أعزّك الله- فى المفاتشة؟ فقال له المبرّد: سل عمّا أحببت، فسأله عن مسألة فأجابه عنها بجواب أقنعه، فنظر الّزجاج فى وجوه أصحابه متعجّبا من تجويد أبى العباس للجواب [، فلما انقضى ذلك قال له أبو العباس: أقنعت بالجواب؟ [1]]. فقال: نعم؛ [قال [1]]: فإن قال قائل فى جوابنا هذا كذا، ما أنت راجع إليه؟ وجعل أبو العباس يوهن جواب المسألة ويفسده ويعتلّ فيه. فبقى إبراهيم بن السرىّ سادرا لا يحير جوابا، ثم قال: إن رأى الشيخ- أعزّه الله- أن يقول فى ذلك. فقال المبرّد: فإنّ القول على نحو كذا؛ فصحّح الجواب الأوّل وأوهن الاعتراض. فبقى الزجاج مبهوتا، ثم قال فى نفسه: قد يجوز أنه كان حافظا لهذه المسألة، مستعدا للقول فيها؛ فسأله مسألة ثانية، ففعل المبرّد فيها ما فعله [فى] الأولى؛ حتى سأله أربع عشرة مسألة، وهو يجيب عن كلّ واحدة منها بما فعله فى المسألة الأولى.
فلما رأى ذلك الزّجّاج قال لأصحابه: عودوا إلى الشيخ، فلست مفارقا هذا الرجل، ولا بدّ لى من ملازمته والأخذ عنه. فعاتبه أصحابه وقالوا: تأخذ عن مجهول لا يعرف اسمه، وتدع من شهر اسمه وعلمه، وانتشر فى الآفاق ذكره! فقال:
لست أقول بالذّكر والخمول؛ ولكنّى أقول بالعلم والعمل. قال: فلزم أبا العباس، فسأله عن حاله فأخبره برغبته فى النظر، وأنه قد حبس نفسه على ذلك؛ إلا ما يشغله من صناعة الزّجاج فى كل خمسة أيام من الشهر؛ فيتقوّت بذلك الشّهر كلّه. ثم أجرى عليه فى الشهر ثلاثين درهما، وأمره أبو العباس المبرّد بإخراج كتب الكوفيين، ولم يزل ملازما له، وآخذا عنه حتى برع من بين أصحابه. وكان أبو العباس لا يقرىء أحدا كتاب سيبويه حتى يقرأه على إبراهيم ويصحّح به كتابه؛ فكان ذلك أوّل رياسة أبى إسحاق الزجّاج.
[1] من طبقات الزبيدى.
وكان مولد أبى العباس يوم الاثنين فى ذى الحجة ليلة الأضحى سنة عشرين ومائتين. وتوفى يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذى الحجّة سنة ست وثمانين ومائتين، ودفن بمقبرة باب الكوفة، وصلى عليه أبو محمد يوسف بن يعقوب القاضى- رحمه الله.
وقال محمد بن إسحاق النديم فى كتابه: «قال أبو عبد الله محمد بن القاسم: كان أبو المبرّد من السورجيّين [1] بالبصرة ممن يكسح [2] الأرضين، وكان يقال له حيّان السّورجىّ [3] وانتمى إلى اليمن؛ ولذلك تزوّج المبرّد ابنة الحفصىّ المغنّى، والحفصىّ شريف من اليمنية» .
«قال أبو سعيد: وكان مولده فيما أخبرنا به أبو بكر بن السّراج وأبو على الصفّار فى سنة عشر ومائتين، ومات سنة خمس وثمانين ومائتين وله تسع وسبعون سنة. وقيل: مولده سنة سبع ومائتين» . وقال [الصولى [4]]: «سمعته يقول ذلك. ودفن فى مقابر الكوفة» .
«وله من الكتب: كتاب الكامل. كتاب الروضة. كتاب المقتضب.
كتاب الاشتقاق. كتاب الأنواء والأزمنة. كتاب القوافى. كتاب الخط والهجاء. كتاب المدخل إلى سيبويه. كتاب المقصور والممدود. كتاب المذكر والمؤنث». كتاب معانى القرآن ويعرف بالكتاب التام. كتاب احتجاج القرأة. [كتاب [4] الرسالة الكاملة. كتاب الرد على سيبويه.
كتاب قواعد الشعر. كتاب إعراب القرآن. كتاب الحث على الأدب
[1] فى الأصل: «السرجين» ، وما أثبته عن الفهرست.
[2]
فى الفهرست: «يكسر» .
[3]
ورد هذا النص فى الفهرست 59 وعلق عليه ناشره «فلوجل فى مقدمته ص 35» بقوله:
«إن أصل النسبة «السورجى» لم أعثر على معناه على الرغم من محاولاتى الكثيرة للبحث عنه حتى فى بلاد الشرق».
[4]
من الفهرست.
والصدق. كتاب فحطان [1] وعدنان. كتاب الزيادة المنتزعة من سيبويه.
كتاب المدخل فى النحو]. كتاب شرح شواهد كتاب سيبويه. كتاب ضرورة الشعر. كتاب أدب الجليس. كتاب الحروف ومعانى القرآن إلى طه.
كتاب معانى صفات الله جل اسمه. كتاب الممادح والمقابح. كتاب الرياض المونقة. كتاب أسماء الدواهى [عند العرب. كتاب الإعراب [2]]. كتاب الجامع لم يتمه. كتاب التعازى. كتاب الوشى.
كتاب فقر كتاب سيبويه [كتاب الناطق [2]]. كتاب معنى كتاب الأوسط للاخفش. [كتاب البلاغة [2]] كتاب العروض. كتاب شرح كلام العرب وتلخيص ألفاظها [ومزاوجة كلامها وتقريب معانيها [2]]. كتاب ما اتفقت [3] ألفاظه واختلفت معانيه فى القرآن. [كتاب الفاضل [4] والمفضول [2]]. كتاب طبقات النحويين البصريين وأخبارهم. [كتاب العبارة عن أسماء الله تعالى. كتاب الحروف. كتاب التصريف [2]].
[وقال أبو بكر بن السرّاج: حدثنى أبو العباس المبرّد قال: دخلت من البصرة إلى بغداد، فاجتزت بالمازنىّ متفرّجا، وكان فى بعض البيوت رجل كهل نظيف، فلما رآنى قال: مرحبا بهذا الوجه الغريب، وشكلك من البصرة، قلت: نعم، قال: درست بها على نابغهم؟ قلت: ومن هو؟ قال: الملقب المبرّد، قلت:
رأيته؛ قال: هو فاضل، وله شعر منه:
أيها الطالب شيئا
…
من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفّا
…
ح خدود الغانيات
[1] طبع بمطبعة لجنة التأليف والترجمة بتحقيق الأستاذ عبد العزيز الميمنى. سنة 1354.
[2]
من الفهرست.
[3]
طبع بالمطبعة السلفية بمصر؛ بتحقيق الأستاذ عبد العزيز الميمنى سنة 1350.
[4]
طبع بدار الكتب المصرية سنة 1953 بتحقيق الأستاذ عبد العزيز الميمنى.