الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقهم الدهر بعد برّ
…
كأنه طالب بوتر
أبدلهم بالنّعيم بؤسا
…
وذلّة بعد طول كبر
قال: ومات معاذ فى تلك السنين، وأدرك أولاده وأولاد أولاده رجالا، وماتوا كلّهم؛ وفى ذلك يقول:
ما يرتجى فى العيش من قد طوى
…
من عمره الذّاهب تسعينا
أفنى بنيه وبنيهم فقد
…
جرّعه الدهر الأمرّينا
لا بدّ أن يشرب من حوضهم
…
وإن تراخى عمره حينا
وقال على بن مسلم بن الهيثم بن مسلم الكوفىّ: كان أبو مسلم [1] مؤدّب عبد الملك ابن مروان قد نظر فى النّحو، فلما أحدث النّاس التّصريف لم يحسنه وأنكره، فهجا أصحاب النحو، فقال:
قد كان أخذهم فى النّحو يعجبنى
…
حتّى تعاطوا كلام الزّنج والرّوم
لمّا سمعت كلاما ليس يعجبنى
…
كأنّه زجل الغربان والبوم
تركت نحوهم والله يعصمنى
…
من التّقحّم فى تلك الجراثيم
فأجابه معاذ الهرّاء أستاذ الكسائىّ:
عالجتها أمرد حتى إذا
…
شبت ولم تعرف أباجادها
سمّيت من يعرفها جاهلا
…
يصدرها من بعد إيرادها
سهّل منها كل مستصعب
…
طود عليه فوق أطوادها [2]
ذكر المسألة التى سمعها أبو مسلم عند معاذ الهرّاء
قال إسحق بن الجصّاص: جلس أبو مسلم مؤدّب عبد الملك بن مروان إلى معاذ بن مسلم الهرّاء النحوىّ- وكان يبيع الهروىّ- وسمع معاذا يناظر رجلا
[1] ذكره الزبيدىّ وذكر الخبر فى الطبقات 87 - 88.
[2]
فى الطبقات:
طود علا القرن من أطوادها
فى النّحو، فقال معاذ: كيف تقول من «تؤزّهم أزّا» : يا فاعل افعل؟ وصلها بيا فاعل أفعل من إذا الموءودة سئلت.
فأجاب الرجل معاذا، فسمع أبو مسلم كلاما لم يعرفه فقام عنهم، وأنشأ الأبيات المقدّم ذكرها:
قد كان أخذهم فى النّحو يعجبنى.
- يقال يا آزّ أزّ، ويا وائد إد، مثل قولك: يا واعد عد [1]-.
وأنشد معاذ جوابا لأبى مسلم:
عالجتها أمرد حتى إذا
............... ....
الأبيات المتقدّمة. ولما سمع أبو مسلم الأبيات قال: والله إن زاد بيتا لأهجونّه دون النحاة؛ ولأذكرنّ اسمه ظاهرا، فلم يزد معاذ بعد ذلك شيئا على ما قاله من الأبيات.
وذكرت فى أوّل ترجمته قصّته مع الكميت مختصرة، ثم وجدتها مبسوطة [2]، فأردت ذكرها هاهنا بمشيئة الله وعونه:
قال محمد بن سهل راوية الكميت: صار الطّرمّاح إلى خالد بن عبد الله القسرىّ إلى واسط فامتدحه، فأمر له بثلاثين ألف درهم، وخلع عليه حلّتى وشى لا قيمة لهما، فأراد الكميت قصده، فقال معاذ الهراء: لا تفعل فلست كالطّرمّاح- وهو ابن عمه- وبينكما بون؛ أنت مضرىّ، وخالد يمنىّ متعصّب على مضر، وأنت شيعىّ، وهو أموىّ، وأنت عراقىّ، وهو شامىّ. فلم يقبل إشارته، وأبى إلا قصد خالد وقصده، فقالت اليمانية لخالد: قد جاء الكميت، وقد هجانا بقصيدة نونية،
[1] قال السيوطى فى البغية: «ومن هنا لمحت أن أوّل من وضع التصريف معاذ هذا»
[2]
أورد الخبر ابن خلكان فى ترجمته.
وفخر فيها علينا، فحبسه خالد، وقال: فى حبسه صلاح، لأنه يهجو الناس ويتأكّلهم، فغمّ ذلك معاذا، فقال الأبيات المتقدّمة:
نصحتك والنصيحة إن تعدّت
وأجابه الكميت: «أراك كمهدى الماء
…
». البيت المتقدّم، ثم قال لمعاذ:
قد جرى القضاء علىّ فما الحيلة الآن؟ فأشار عليه أن يحتال فى الهرب، وقال له:
إن خالدا قاتلك لا محالة؛ فاحتال بامرأته، وكانت تجيئه بالأطعمة وترجع، فلبس ثيابها، وخرج كأنه هى؛ فلحق بمسلمة بن هشام، فاستجار به.
وقال يصف خروجه إليه:
خرجت خروج القدح قدح ابن مقبل
…
إليك على تلك الهزاهز والأزل [1]
علىّ ثياب الغانيات وتحتها
…
عزيمة رأى أشبهت سلّة النّصل [2]
قال معاذ: عرضت بقلبى فقلتها، وفيها عبرة:
أفّ وتفّ عاجلا آجلا [3]
…
لهذه الدار وأقذارها
بينا ابنها يرضيه إقبالها
…
عليه إذ ريع بإدبارها
فسلبته لين ميسورها
…
وأعقبته ضيق إعسارها
ما العار إلا فى ارتباط لها
…
وتركها تنجيك من عارها
[1] القدح: السهم حينما يشذب ويقوّم ويعدّ لتركيب الريش والنصل فيه. وابن مقبل شاعر فحل، ذكره ابن سلام فى الطبقات، وابن قتيبة فى الشعراء، وكان وصافا للقداح، من ذلك قوله فى صفة السهم:
غدا وهو مجدول فراح كأنه
…
من الصك والتقليب فى الكف أفطح
خروج من الغمى إذا صك صكة
…
بدا والعيون المستكفة تلمح
والهزاهز: تحريك البلايا والحروب، والأزل: الضيق والشدّة. والبيتان فى طبقات الشعراء (طبعة المعارف ص 269) مع اختلاف فى الرواية.
[2]
السلة: المضىّ والخروج؛ من سل السيف إذا أخرجه من غمده مسرعا.
[3]
فى بغية الوعاة: «يا أخى عاجلا» .