الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى المحرم لست عشرة ليلة خلت منه بالكوفة، وتوفى فى سنة اثنتين وأربعمائة، وهو آخر من حدّث عن الأشنانىّ [1]. وكانت وفاته فى جمادى الأولى من السنة المذكورة.
ورأيت له كتاب تاريخ الكوفة، على الأسماء، وليس بكبير [2].
613 - محمد بن جعفر أبو عبد الله التميمىّ النحوىّ القيروانىّ المعروف بالقزاز
«1»
كان الغالب عليه علم النحو واللغة والافتنان فى التأليف الذى فضح المتقدّمين، وقطع ألسنة المتأخّرين. وكان مهيبا عند الملوك والعلماء وخاصة الناس، محبوبا عند العامة، قليل الخوض إلا فى علم دين أو دنيا، يملك لسانه ملكا شديدا، وكان له شعر جيد مطبوع مصنوع ربما جاء به مفاكهة وممالحة من غير تحفّز له ولا تحفّل، يبلغ بالرفق والدعة، على الرّحب والسعة أقصى ما يحاوله أهل القدرة على الشعر من توليد المعانى، وتوكيد المبانى، بمفاصل الكلام، وفواصل النظام؛ من ذلك قوله يتغزّل:
أما ومحلّ حبّك من فؤادى
…
وقدر مكانه فيه المكين
لو انبسطت لى الآمال حتى
…
تصيّر من عنانك [3] فى يمينى
[1] هو أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الأشنانى، مقرئ مشهور ثقة، ولد سنة 221، وتوفى سنة 315. طبقات القرّاء (2: 130).
[2]
ذكر له ياقوت من المصنفات أيضا كتاب القراءات، ومختصر فى النحو، والملح والنوادر، والتحف والطرف، والملح والمسارّ، وروضة الأخبار ونزهة الأبصار.
[3]
رواية ياقوت وابن خلكان: «تصير لى عنانك» .
لصنتك فى محلّ سواد عينى
…
وخطت عليك من حذر جفونى
فأبلغ منك غايات الأمانى
…
وآمن فيك آفات الظنون
على نفس تجرّع كلّ حين
…
عليك بهن كاسات المنون
إذا أمنت قلوب الناس خافت
…
عليك خفىّ ألحاظ العيون
وكيف وأنت دنيائى ولولا
…
عقاب الله فيك لقلت دينى
وله، وهو لطيف فى نوعه:
أضمروا لى ودّا ولا تظهروه
…
يهده منكم إلىّ الضمير
ما أبالى إذا بلغت رضاكم
…
فى هواكم لأىّ حال أصير
وختن عبد الوهاب بن حسين بن الحاجب ولده وعبد الله ولد حسن أخيه، فاستدعى [1] الناس وأغفل أبا عبد الله؛ إمّا سهوا وإما حملا عليه. واجتاز به بعض أصحابه مضمّخا طيبا، فعرّفه القصّة، فصنع من وقته:
واحسرتا! مات أترابى وأقرانى
…
وشتّت الدهر أصحابى وأخدانى
وغيّرت غير الأيام خالصتى
…
والمنتضى الحرّ من أهلى وإخوانى
وصار من كنت فى السرّاء أذكره
…
بل لست أنساه فى الضّراء ينسانى
هذا أخى وشقيقى المرتضى ويدى ال
…
يمنى وموضع إسرارى وإعلانى
دعاهم للورى طرّا وأسقطنى
…
إسقاطك النونّ فى ترخيم عثمان
وكنت فى النّقرى أدعى فصرت لقى
…
لا أوّل الجفلى أدعى ولا الثانى [2]
وركب إلى عبد الوهاب، فلما رآه عبد الوهاب تلقّاه ورفع مجلسه، ودهش منه، فهنأه أبو عبد الله القزّاز، ثم أنشده الأبيات، وأقسم بأيمان مؤكّدة أنه لا يحضر
[1] كذا فى ب، وفى الأصل:«فاستأذن» .
[2]
قال ابن مكتوم: «النقرى:
الدعوة الخاصة، والجفل: الدعوة العامة، ويقال فيهما الأجفل». والملقى: المطروح.
وليمته أبدا. فشقّ ذلك على عبد الوهاب مشقة كبيرة. توفّى بالقيروان سنة اثنتى عشرة وأربعمائة.
وله من التصانيف: كتاب الجامع فى اللغة، وهو أكبر كتاب صنّف فى هذا النوع، ومنه نسخة فى وقف الفاضل عبد الرحيم بن على بالقاهرة المعزّية.
كتاب شرح المقصورة [1].
وفى سنة إحدى وستّين وثلاثمائة أمر معدّ أبو تميم [2] المدعو بالمعزّ المتولّى على إفريقية عسلوج بن الحسن الدنهاجى العامل أن يأمر القزّاز النحوىّ هذا بأن يؤلّف كتابا يجمع فيه سائر الحروف التى ذكر النحويون أن الكلام كلّه اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، وأن يقصد فى تأليفه إلى شرح الحرف الذى جاء لمعنى، وأن يجرى ما ألفه من ذلك على حروف المعجم، فسارع لما أمر به، وجمع المفرّق فى الكتب النفيسة من هذا المعنى على أقصد سبيله، وأقرب مأخذه، وأوضح طريقه، فبلغ جملة الكتاب ألف ورقة، ورفع صورا منه إلى معدّ، فأعجبه ورضيه وقال له: اذكر ما يجىء من
[1] وذكر له ياقوت من المصنفات أيضا: كتاب أدب السلطان والتأدّب له، عشر مجلدات، كتاب التعريض والتصريح مجلد، كتاب أبيات معان فى شعر المتنبى، كتاب ما أخذ على المتنبى من اللحن والغلط، كتاب الصاد والظاء. وله كتاب ضرائر الشعر منه نسخة مصوّرة بدار الكتب المصرية برقم 8316 ا (ب) وكتاب الحلى ذكر فيه الحلى والألوان وأوصاف الانسان، طبع فى صيدا سنة 1241.
[2]
هو أبو تمم معد، الملقب بالمعز لدين الله الفاطمى بن المنصور، صاحب إفريقية ومصر، ولد بالمهدية سنة 341، وهو الذى بعث جوهرا القائد لفتح مصر بعد موت كافور الإخشيدى، ففتحها سنة 358. وفى سنة 362 دخل القاهرة وأصبحت مقر ملكه، وبها توفى سنة 365.
ابن خلكان (2: 101).