الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صغره غوامض هذا النوع. وصنّف كتاب المعلم، وهو فى غاية الجودة.
وصنف كتاب شرح الألف واللام للمازنىّ، وأجاد فيه، وشرع فى كتب أخر، رأيت بعضها بخطه، وأظنه مات ولم يتمّها.
وكان يمشى على سنن أبى على الفارسىّ وصاحبه أبى الفتح فى تتبّع غوامض هذا العلم والإغراب فى أنواع الإعراب؛ وكانت له طريقة فى الخط تشبه طريقة عبد السّلام البصرىّ، مخلعة الحروف، كثيرة الضبط؛ وكانت له بلاغة، ما كتب شيئا بخطّه على سبيل الإجازة والمقابلة إلا جاء مسجوعا مضمّنا نوعا من بلاغة.
وخطّه- رحمه الله مرغوب فيه، له قدر عند العلماء بهذا الشأن.
توفى ليلة النصف من ذى القعدة من سنة خمسمائة، ودفن بباب حرب، وهو أخو البارع ابن الدبّاس [1] من أمه.
741 - المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد أبو السعادات بن أبى الكرم الجزرىّ الموصلىّ، المجد ابن الأثير
«1»
كاتب فاضل، له معرفة تامة بالأدب، ونظر حسن فى العلوم الشرعية.
ولد بالجزيرة المعروفة بجزيرة ابن عمر [2]، وسكن الموصل بدرب دراج، وكتب
[1] هو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب الدباس المعروف بالبارع، تقدّمت ترجمته للمؤلف فى الجزء الأوّل ص 363.
[2]
انظر ص 98 من هذا الجزء.
لأمرائها، وقرأ بها النحو على أبى محمد سعيد بن المبارك بن الدهان، ثم على أبى الحرم مكّىّ بن ريّان الماكسينىّ الضرير، نزيل الموصل. وسمع الحديث من أبى بكر يحيى ابن سعدون القرطبىّ [1]، وأبى الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد الطوسىّ [2]، وغيرهما. وحج وسمع ببغداذ جماعة من المتأخرين، كابن سكينة [3] وغيره، وعاد إلى الموصل، فصنّف كتبا جيدة فى النحو وغريب الحديث والحديث النبوىّ، وأجاد فيها، وجمع وبالغ، ورويت عنه- رحمه الله.
وكان له برّ ومعروف. وقنى من صحبة الناس ملكا قريب الحال، فوقفه على مصالح أهله، وبنى رباطا [4] فيه من يستريح بما وقفه عليه. كتب إلىّ الإجازة بجميع مصنّفاته [5] ومسموعاته ومرويّاته.
وذكر لى أخوه أبو الحسن علىّ: أنه رآه بعد موته فى المنام، أنّ نجاسة قد آذته، قال: فاستقصيت وبحثت عن صحّة هذه الرؤيا، فوجدت أحد الأهل قد أطلق
[1] هو أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام ضياء الدين الأزدى القرطبىّ، أحد القراء. ولد بقرطبة وقرأ بها، ثم رحل إلى المهدية والإسكندرية ودمشق وبغداد، ونزل الموصل، وتوفى بها سنة 567.
طبقات القراء لابن الجزرى (2: 372).
[2]
خطيب الموصل، توفى فى شهر رمضان سنة 579. النجوم الزاهرة (6: 94).
[3]
هو عبد الوهاب بن على الشيخ أبو محمد الصوفى المعروف بابن سكينة، كان فاضلا محدثا عابدا؛ توفى سنة 607. النجوم الزاهرة (6: 201).
[4]
بناه بقرية من قرى الموصل، تسمى قصر حرب (ابن خلكان).
[5]
ذكر منها ياقوت عدا ما أورده. الباهر فى الفروق فى النحو أيضا. تهذيب فصول ابن الدهان. الإنصاف فى الجمع بين الكشف والكشاف، فى تفسير القرآن.
الشافى؛ وهو شرح مسند الشافعى. غريب الحديث (طبع مرارا). رسائل فى الحساب مجدولات. ديوان رسائل. كتاب البنين والآباء والأمهات والأذواء والذوات.
المختار فى مناقب الأخيار. وزاد ابن خلكان: المصطفى والمختار فى الأدعية والأذكار.
وكتاب لطيف فى صنعة الكتابة.
غنما له فوق سطح الصّفّة التى هو فيها مدفون، وقد كثر ما يخرج من أجوافها فوق ذلك الموضع، فأزلته ونظّفته ممّا حصل فيه، وكان قد أقعد قبل موته بمدّة، ولزم منزله راضيا بما قضى له، قانعا بما قدّر له من الرزق، يغشاه الناس لفضله والرواية عنه.
قال: وأتانا رجل مغربىّ شرط على نفسه أنه يبرئه مما هو فيه، وأنه لا يأخذ عليه أجرا إلا بعد برئه. قال: فملت إلى قوله، وأخذ فى معاناته بدهن صنعه، وكان يمدّ رجليه فى يوم وهى متجافية عن الأرض لما بها من اليبس، ويقيس ما بينها وبين الأرض، وكانت كلّما لانت قربت من الأرض، فيعلم ذلك، ولم يزل يفعل هذا الفعل إلى أن ظهر فيها الصلاح وأشرف على البرء، فقال لى يوما:
أعط لهذا المغربىّ شيئا يرضيه واصرفه، فقلت له: لماذا وقد ظهر نجح معاناته؟
فقال: الأمر كما تقول؛ ولكنى فى راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بأخطارهم، وقد سكنت روحى إلى الانقطاع والدّعة؛ وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذلّ روحى بالسعى إليهم، وهأنا اليوم قاعد فى منزلى، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاءوا لى بأنفسهم لأخذ رأيى، وبين هذا وذاك كثير، وإنما أحدثه هذا الألم، ولا أرى زواله ولا معاناته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعنى أعيش باقيه حرّا سليما من ذلّ وصغار، فقد أخذت منه أوفر الحظ.
قال أخوه: فقبلت قوله، وصرفت الرجل بإحسان.
وكان مولده فى أحد الربيعين من سنة أربع وأربعين وخمسمائة بجزيرة ابن عمر، وتوفى يوم الخميس سلخ ذى الحجة من سنة ست وستمائة بالموصل، ودفن برباطه- رحمه الله.