الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعت فيها كتبا أدبية وغير أدبية، ومن جملتها صحيح البخارىّ، وصحيح مسلم، فذكرت ذلك بعد إفاقتى من مرضى لأبى القاسم بن القطّاع، فغضب علىّ غضبا شديدا وقال: كنت تقنع ببيع كتب الأدب، ففيها عوض، وتترك عندك الصحيحين! هل رأيت مسلما يخرج الصحيحين من داره! ولم يزل يردّد ذلك حتى استحييت من نفسى، ومن الحاضرين، وندمت غاية الندم».
798 - النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم بن عبدة بن زهير السّكب الشاعر بن عروة بن حليمة بن حجر بن خزاعىّ بن مازن ابن مالك بن عمرو بن تميم المانىّ التميمىّ
«1»
من أهل مرو [1]. كان عالما بفنون من العلم، صدوقا ثقة، صاحب غريب وشعر وفقه ومعرفة بأيام الناس ورواية للحديث؛ وهو من أصحاب الخليل بن أحمد، ويكنى أبا الحسن؛ وذكر أبو عبيدة فى مثالب أهل البصرة قال: «ضاقت المعيشة
[1] مرو، وتسمى مرو الشاهجان: وهى قاعدة بلاد خراسان على نهر مرب فتحها الأحنف ابن قيس فى خلافة عمر.
على النّضر بن شميل البصرىّ بالبصرة، فخرج يريد خراسان، فشيّعه من البصرة نحو من ثلاثة آلاف رجل؛ ما فيهم إلا محدّث أو نحوىّ أو لغوىّ أو عروضىّ أو أخبارىّ؛ فلما صار بالمربد [1] جلس فقال: يا أهل البصرة، يعزّ علىّ مفارقتكم، والله لو وجدت كلّ يوم كيلجة [2] باقّلا ما فارقتكم؛ قال: فلم يكن فيهم أحد يتكفّل له بذلك، وسار حتى وصل خراسان، فأفاد مالا عظيما».
وقال النّضر: دخلت يوما على المأمون، وعلىّ إزار مرقوع، فقال: يا نضر، ما هذا التقشّف؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، أنا شيخ وحرّ مرو كما ترى، فأحببت أن أتبرّد بهذى الخلقان؛ فجرى بنا الحديث فى ذكر النساء، فقال المأمون: حدّثنا هشيم بن بشير [3] قال: حدثنا مجالد [4] عن الشعبىّ عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيّما رجل تزوّج امرأة لدينها وجمالها كان فى ذلك سداد من عوز [5]» . قلت يا أمير المؤمنين، صدق هشيم؛ حدثنا عوف ابن أبى جميلة [6] الأعرابىّ
[1] المربد: من أشهر محال البصرة، وكان سوقا للإبل، ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس، وبه كانت مفاخرات الشعراء ومجالس الخطباء. (ياقوت).
[2]
كيلجة؛ ذكرها الجواليقى فى المعرب ص 292 وقال: «قال الأصمعىّ: تقول العرب: كيلجة وكيلكة وكيلقة وقيلقة؛ والجمع كيالج؛ وقد أدخلوا الهاء فى الجمع أيضا» . وفسرها صاحب المصباح بأنها كيل معروف لأهل العراق ثم قال: «وهى منا وسبعة أثمان منا، والمنا: رطلان» .
[3]
هو هشيم بن بشير بن القاسم السلمىّ، ولد سنة 104، وتوفى سنة 183. (تهذيب التهذيب 11: 39).
[4]
هو مجالد بن سعيد بن عمير أبو عمرو الكوفى، روى عن الشعبى وغيره، ومات سنة 144.
(تهذيب التهذيب 10: 39).
[5]
العوز: الفقر وسوء الحال.
[6]
هو عوف بن أبى جميلة أبو سهل البصرى المعروف بالأعرابىّ؛ مات سنة 146. (تهذيب التهذيب 8: 166).
عن الحسن عن على بن أبى طالب عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أيّما رجل تزوّج إمرأة لدينها وجمالها كان فى ذلك سداد من عوز» . قال: وكان المأمون متكئا، فاستوى جالسا، ثم قال: يا نضر، كيف قال هشيم:«سداد» ، ولم يقل «سداد» ، وما الفرق بينهما؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، السّداد: القصد فى الدين والسبيل، والسّداد، بالكسر: من الثغر والثّلمة، وكلّ ما سددت به شيئا فهو سداد؛ قال: وتعرف ذلك العرب؟ قلت: نعم، قال الشاعر، وهو العرجىّ [1]:
أضاعونى وأىّ فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد ثغر [2]
فقال: قبّح الله الّلحن! قلت: يا أمير المؤمنين، إنّما لحن هشيم، وهو لحّانة، فاتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع أخبار الفقهاء، ثم قال لى: ما مالك يا نضر؟
قلت: فريضة [لى بمرو [3]] أتمزّزها؛ قال: أفلا أفيدك إلى مالك مالا؟ قلت:
إنى لذلك لمحتاج؛ فتناول الدواة والقرطاس، وكتب شيئا، ثم قال لى: يا نضر؛ كيف تقول إذا أمرت أن تترب كتابا؟ قال: قلت: أتربه، قال: فهو ماذا؟
قلت: مترب، قال: فمن الطين؟ قلت: طنه، قال: فهو ماذا؟ قلت: مطين، قال: فمن السّحاءة؟ قال: قلت: اسحه، قال: فهو ماذا؟ قلت مسحىّ ومسحوّ، قال: يا غلام، أتربه وطنه، ثم صلّى بنا العشاء وقال لخادمه: تبلغ معه، وأمر بختمه، وسيّرنى مع رسوله إلى الفضل [4] بن سهل، فدخلت عليه، فتناول الورقة
[1] هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان؛ وسمى بالعرجىّ؛ لأنه ولد بالعرج؛ وهى قرية فى واد من نواحى الطائف، وهو شاعر مطبوع فى النسيب، أشعر شعراء بنى أمية؛ (وانظر ترجمته وأخباره فى الأغانى 1: 147 - 160).
[2]
بعده:
كأنى لم أكن فيهم وسيطا
…
ولم تك نسبتى فى آل عمرو
[3]
تكملة من طبقات الزبيدى.
[4]
هو الفضل بن سهل السرخسىّ؛ استوزره المأمون؛ وكان له مشاركة فى التنجيم؛ ويميل إلى التشيع؛ مات مقتولا سنة 203؛ (ابن خلكان 1: 413).
وقرأها وقال: قد أطلق لك أمير المؤمنين خمسين ألف درهم، فما الخبر؟ فأعلمته، فقال: لحنت أمير المؤمنين! قلت: إنما أخبرته لحن هشيم، فأطلق لى ثلاثين ألف درهم من عنده؛ قال: فأخذت بكلمة واحدة ثمانين ألف درهم.
توفى النّضر بن شميل سنة ثلاث ومائتين؛ قال: محمد بن حاتم المؤدّب: مرض النّضر بن شميل، فدخل الناس يعودونه، فقال له رجل من القوم: مسح الله ما بك، فقال النّضر: لا تقل مسح، ولكن قل: مصح الله ما بك، ألم تسمع قول الأعشى [1]:
وإذا ما الخمر فيها أزبدت
…
أفل الإزباد فيها فمصح [2]
فقال الرجل: لا بأس، السين تعاقب الصاد وتقوم مقامها، فقال النضر:
إن كان هكذا فى كل شىء فينبغى أن تقول لمن اسمه سليمان؟ صليمان، وتقول:
«قال رصول الله» ، وتقول لمن يكنى أبا صالح أبا سالح؛ ثم قال: لا يكون هذا فى السين إلا مع أربعة أحرف، وهى: الطاء، والحاء، والقاف، والغين؛ فيبدلون السين صادا فى هذه إذا وقعت السين قبلها، وربما أبدلوها زايا، كما قال:
سراط، وزراط.
ذكره الحاكم بن البيّع فى تاريخ نيسابور فقال: «النّضربن شميل بن خرشة المازنىّ أبو الحسن صاحب العربية، سمع هشام بن عروة وإسماعيل بن أبى خالد، وحميدا وعبد الله بن عون، وهشام بن حسان؛ وغيرهم من التابعين.
[1] هو ميمون بن قيس بن جندل؛ يعرف بأعشى قيس، ويكنى أبا البصير، وينتهى نسبه إلى ربيعة ابن نزار؛ (وانظر ترجمته ومراجعها فى الشعر والشعراء 212 - 223).
[2]
ديوانه: 35، والرواية فيه:«امتصح» .