الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التى صدّر بها كتبه؛ وأمّا النّظم فقلّما يعتاده، ولو أراده لكان ميسرا على لسانه إيراده، فمّما تعلّل به على اشتعال الرأس ووهن العظم؛ وكلال الخاطر عن تعاطى النثر والنظم، قوله الذى أنشدنيه لنفسه:
أبا قاسم خلّفت عمرك كله
…
فلا تك مغترا بما ترجف المنى
فإن امرأ ناجى الثمانين عمره
…
بعيد نجاة النفس من مخلب الفنا
فوطّن على التّرحال نفسك تائبا
…
ولا ترج إلا مرقد اللحد موطنا
وقوله أيضا:
يقولون قد أنفقت عمرك كلّه
…
على أدب لم تحظ منه بطائل
فقلت لهم إذ كان أنسى وزينتى
…
وكان إلى الصّيد الكرام وسائلى
وميّزنى عن زمرة الجهل علمه
…
فلست أبالى بالحطام المزايل
قلت: رأيت من تصنيفه: شرح ألفاظ عبد الرحمن الهمذانى، وهو فى غاية الجودة والإتقان؛ وقد كان رحمه الله فى النصف الأوّل من المائة الخامسة.
781 - مهلّب بن الحسن بن بركات أبو المحاسن البهنسىّ المصرىّ النحوىّ
«1»
يدعى المهذّب من أهل البهنسا، إحدى كور مصر القبليّة، دخل مصر وقرأ النحو على جماعة؛ منهم أبو محمد بن برّى، وهو آخر شيوخه، وقرأ الفقه وتولى حكم بلده، وأقام به إلى أن دخل الغزّ البلاد، وزالت دولة العلويين، فتولى الأحكام رجل كردىّ يعرف بالصدر عبد الملك بن درباس المارانىّ؛ وكان حافظا، فصرف أكثر قضاة مصر، واستناب جماعة من الأكراد وغيرهم من الشاميين
القادمين مع الغزّ، وكان أبو المحاسن ممّن صرف عن عمله، ودخل إلى مصر، وتصدر بها لإقراء الأدب، وانتفع به جماعة من أولاد رؤسائها، وتأدّب به ناس كثير فى المدة القريبة، وعمل أبياتا حصر فيها العوامل حصرا جميلا.
سألت عنه ولده المدعوّ بالمجد على باب قنّسرين بحلب فقال: مات شابا، وكان عمره يوم موته اثنتين وأربعين سنة؛ وكان سبب موته أنه قصد عبد الرحيم ابن على المدعو بالفاضل وزير الدولة الغزّية، وأعطاه قصّة يطلب فيها رزقا، فوعده ذلك، ثم إنه استدعاه بعد أيام، فظنّ أن حاجته قد قضيت، فلما حضر عنده قال: خذ هذه الكلمات من التّذكرة لأبى علىّ واحتل لى فى إتمامها، ولم يذكر له شيئا من أمر رزقه، فأخذ المجلّدات، وخرج عنه مغضبا حنقا على الزمان.
قال لى المجد ولده: وقد كنّا عند توجّهه إليه ننتظر عوده بما يسره من أمر رزقه، قال: فلما عاد سألناه عن أمره، فألقى المجلدات من كمّه، فقال: لهذه طلبت؛ ورفع وجهه ويديه إلى السماء وقال: اللهم عجّل الموت، فقد كرهت الحياة- وكان صائما- ثم إنه أفطر ونام، ولا شك أنه وطئ فى تلك الليلة أهله، وأصبح إلى الحمام، وعاد إلى المنزل، وقد تغيّر مزاجه فمات، وذلك فى سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
ذكره محمد بن محمد بن حامد، فقال فيه: «هو من أهل المعرفة، والبدائع المستطرفة، والوشائع المفوّقة، كان قاضيا بالبهنسا، حاظيا بالأنسة، وصرف فى الدولة الصلاحية الملكية الناصرية، وله فى معنى صرفه بيتان أنشدنيهما المذكور سيدنا الأجل الفاضل وهما:
صرفت أنى صرفت من علل
…
تسع وأنى أعرب الحرفا
فليت لى خصلتين: معرفة
…
وعجمة تمنعانى الصّرفا
وذلك إلى تولية صدر الدين العجم، لمعرفته لهم».