الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنبأنا أبو طاهر السّلفىّ قال: سمعت على بن عبد الجبار بن سلامة الهذلىّ اللغوىّ التونسىّ بالإسكندرية يقول: رأيت أبا بكر محمد بن على بن البرّ الغوثىّ اللّغوى بمدينة مازر من جزيرة صقلّيّة، وكنت على أن أقرأ عليه لما اشتهر من فضله وتبحّره فى اللغة، فاتصل بابن متكود صاحب البلد أنه يشرب الخمر- وكان يكرمه- فشقّ عليه وصار يكرهه، وأنفذ إليه وقال: المدينة أكبر، والشراب بها أكثر. فأحوجته الضرورة إلى الخروج منها، ولم أقرأ عليه شيئا.
690 - محمد بن على بن شعيب بن الدهان أبو شجاع اللغوىّ الفرضىّ
«1»
أخو الشيخ محمود بن على، كان فيه فضل ونبل، وله يد فى النحو واللغة والحساب وحلّ الزيج، وانتقل عن بغداذ إلى الموصل، وأقام بها مدّة، وصحب جمال الدين الأصبهانى [1] وزير الموصل، وقال فيه شعرا؛ ما خرج فيه على صنعته [2]، وهو:
رأيته فاعتدلت سطورى
…
وكنت فى مربّع التعذير
[1] هو أبو جعفر محمد بن على بن أبى منصور المعروف بالجواد الأصبهانى، تقدّمت ترجمته فى حواشى الجزء الثانى ص 48.
[2]
فى ب «عن الصنعة» .
وسيّر رسولا من الموصل من بيت أتابك [1] إلى صلاح الدين، وعاد إليهم ولم يقض ما سيّر فيه، فتغيروا عليه، فانتقل عنها إلى صلاح الدين، فولاه ديوان ميّافارقين، فلم يسغ له المقام بها مع سنقر الخلاطىّ أحد المماليك، وقد كان ولى أمرها، فرحل إلى دمشق وأقام، وأجرى له بها رزق لم يكن كافيا، فكان يمشّى حاله- فيما قيل- تمشية ظاهرها التجمل، وتشعر بالتكلّف.
ووجد بدمشق زيد بن الحسن بن زيد الكندىّ النحوىّ، فكان يذاكره ويحاضره، وامتدحه بقوله:
يا زيد زادك ربّى من مواهبه
…
نعماء يعجز عن إدراكها الأمل
لا غيّر الله حالا قد حباك به
…
ما دار بين النحاة «الحال» و «البدل»
النحو أنت أحقّ العالمين به
…
أليس باسمك فيه يضرب المثل!
وارتحل إلى مصر فى شهور سنة ست وثمانين، ونزل على قاضيها عبد الملك بن درباس المارانى [2] الكردىّ، وأنزله فى دار فى قبلة الجامع الأزهرىّ، بينها وبين الجامع عرصة درب غير نافذ؛ ودخل الناس إليه للأخذ، وكنت فيمن دخل عليه، فرأيته شيخا دميم الخلقة، مسنون الوجه، مسترسل اللحية خفيفها، أبيض تعلوه صفرة. وحضر من قرأ عليه منبرا فى الفرائض من جدولته، وكان القارىء له علىّ ابن جلال الدولة بن الدورىّ؛ شاب نشأ يطلب العلم ولم يعمّر، وأخرج إلينا كتابا فى ستة عشر مجلدا لطافا، فيه غريب الحديث له، وقد عمل فيه رموز الحروف
[1] أتابك، أصله «أطابك» ، مركب من لفظين تركيين، أطا بمعنى أب، وبك بمعنى أمير، وكانت الكلمة فى عهد السلاجقة تطلق على كبير الأمراء، وفى أيام المماليك كانت تطلق على مقدّم العساكر.
وانظر صبح الأعشى (4: 18)، وهامش السلوك (1: 146).
[2]
منسوب إلى ماران، قبيلة من الأكراد، قدم الديار المصرية مع السلطان صلاح الدين، وولاه القضاء بها سنة 566، وتوفى سنة 605. رفع الأصر لابن حجر، الورقة 171 - 172.