المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ومن زكاة التجارة - تمام المنة في التعليق على فقه السنة

[ناصر الدين الألباني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌مقدمة علمية هامة:

- ‌القاعدة الأولى

- ‌رد الحديث الشاذ

- ‌القاعدة الثانية

- ‌رد الحديث المضطرب

- ‌القاعدة الثالثة

- ‌رد الحديث المدلس

- ‌القاعدة الرابعة

- ‌رد حديث المجهول

- ‌القاعدة الخامسة

- ‌عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان

- ‌القاعدة السادسة

- ‌قولهم: رجاله رجال الصحيح ليس تصحيحا للحديث

- ‌القاعدة السابعة

- ‌عدم الاعتماد على سكوت أبي داود

- ‌القاعدة الثامنة

- ‌القاعدة التاسعة

- ‌سكوت المنذري على الحديث في "الترغيب" ليس تقوية له

- ‌القاعدة العاشرة

- ‌تقوية الحديث بكثرة الطرق ليس على إطلاقه

- ‌القاعدة الحادية عشرة

- ‌لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مع بيان ضعفه

- ‌القاعدة الثانية عشرة

- ‌ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال

- ‌القاعدة الثالثة عشرة

- ‌لا يقال في الحديث الضعيف: قال صلى الله عليه وسلم أو: ورد عنه ونحو ذلك

- ‌القاعدة الرابعة عشرة

- ‌وجوب العمل بالحديث الصحيح وإن لم يعمل به أحد

- ‌القاعدة الخامسة عشرة

- ‌أمر الشارع للواحد أمر لجميع أفراد الأمة

- ‌من المقدمة

- ‌من التمهيد

- ‌ومن التشريع الإسلامي أو: الفقه

- ‌ومن المياه وأقسامها

- ‌ومن السؤر

- ‌ومن النجاسات

- ‌ومن النجاسات

- ‌ومن فوائد تكثر الحاجة إليها

- ‌ومن قضاء الحاجة

- ‌ومن سنن الفطرة

- ‌ومن الوضوء

- ‌ومن سنن الوضوء

- ‌ومن نواقض الوضوء

- ‌ومن لا ينقض الوضوء

- ‌ومن المسح على الخفين

- ‌ومن الغسل

- ‌ومن الأغتسال المستحبة

- ‌ومن غسل المرأة

- ‌ومن مسائل تتعلق بالغسل

- ‌ومن التيمم

- ‌ومن المسح على الجبيرة ونحوها

- ‌ومن الحيض

- ‌ومن الاستحاضة

- ‌ومن الصلاة

- ‌ومن صلاة الصبي

- ‌ومن تأكيد تعجيلها في يوم الغيم

- ‌ومن وقت العشاء

- ‌ومن الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

- ‌ومن الأذان

- ‌ومن شروط الصلاة

- ‌ومن كيفية الصلاة

- ‌ومن فرائض الصلاة

- ‌ومن سنن الصلاة

- ‌ومن لإطالة الركعة الاولى في "الصبح

- ‌ومن القراءة خلف الإمام

- ‌ومن هيئات الركوع

- ‌ومن الذكر فيه

- ‌ومن أذكار الرفع من الركوع والاعتدال

- ‌ومن كيفية الهوي إلى السجود والرفع منه

- ‌ومن مقدار السجود وأذكاره

- ‌ومن جلسة الاستراحة

- ‌ومن صفة الجلوس للتشهد

- ‌ومن التشهد الأول

- ‌ومن الدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام

- ‌ومن الأذكار والأدعية بعد السلام

- ‌ومن التطوع

- ‌ومن أقسام التطوع

- ‌ومن سنة الفجر

- ‌ومن سنة الظهر

- ‌ومن السنن غير المؤكدة

- ‌ومن الوتر

- ‌ومن قيام الليل

- ‌ومن قيام رمضان

- ‌ومن صلاة الضحى

- ‌ومن صلاة الصبح

- ‌ومن صلاة الحاجة

- ‌ومن صلاة الكسوف

- ‌ومن صلاة الاستسقاء

- ‌ومن سجود التلاوة

- ‌ومن سجود السهو

- ‌ومن صلاة الجماعة

- ‌ومن الإمام والمأموم

- ‌ومن المساجد

- ‌ومن المواضع المنهي عن الصلاة فيها

- ‌ومن السترة أمام المصلي

- ‌وما يباح في الصلاة

- ‌ومن مكروهات الصلاة

- ‌ومن صلاة المريض

- ‌ومن صلاة الخوف

- ‌ومن صلاة السفر

- ‌ومن السفر يوم الجمعة

- ‌ومن الجمع بين الصلاتين

- ‌ومن أدعية السفر

- ‌ومن الجمعة

- ‌ومن اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد

- ‌ومن باب صلاة العيدين

- ‌ومن الزكاة

- ‌ومن زكاة التجارة

- ‌ومن زكاة الركاز والمعدن

- ‌ومن زكاة الفطر

- ‌ومن صدقة التطوع

- ‌ومن الصيام

- ‌ومن الترهيب من الفطر في رمضان

- ‌ومن اختلاف المطالع

- ‌ومن الأيام المنهي عن صيامها

- ‌ومن صيام التطوع

- ‌ومن مباحات الصيام

- ‌ومن قضاء رمضان

- ‌ومن مات وعلية صيام

الفصل: ‌ومن زكاة التجارة

‌ومن زكاة التجارة

قوله في التعليق تفسيرا لقوله صلى الله عليه وسلم: "وفي البز صدقته": "البز: متاع البيت".

قلت: في "القاموس": "البز: الثياب أو متاع البيت من الثياب ونحوها" فتفسيره بالثياب هو المناسب للمقام وإلا فمتاع البيت لا زكاة عليه اتفاقا.

ثم اعلم أن هذا الحديث وحديث سمرة الذي قبله ضعيفان ليس لهما إسناد ثابت1 وحسن الحافظ بعض طرق الثاني وظاهره كذلك وجريت عليه مدة من الزمن ثم ظهر لي أن فيه موسى بن عبيدة الضعيف كما بينته رواية الدارقطني والمخلص لكنه سقط من إسناد الحاكم فصححه هو وحسنه الحافظ وهما معذوران.

ثم إن الحديث فيه لفظة اختلفت النسخ فيها وهي: "البز" فهي في بعضها البز بفتح الموحدة والزاي المعجمة وقد صرح بذلك موسى بن عبيدة وقد علمت ضعفه وفي بعضها "البر" بالباء المضمومة والراء المهملة ولم يتبين لنا ولا لكثيرين قبلنا أيهما الأرجح وهذا كما قال صديق خان في "الروضة":

"مما يوجب الاحتمال فلا يتم الاستدلال".

قلت: هذا لو صح الحديت فكيف به وهو ضعيف؟!

والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة مع منافاته لقاعدة "البراءة الأصلية" التي يؤيدها هنا قوله

1 والأول في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" 1178 المجلد الثالث وقد تم طبعه والحمد لله. والحديث الآخر مخرج في "إرواء الغليل"827.

ص: 363

صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:

"فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد

". الحديث.

رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء"1458.

ومثل هذه القاعدة ليس من السهل نقضها أو على الأقل تخصيصها ببعض الآثار ولو صحت كقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

"ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة".

أخرجه الإمام الشافعي في "الأم" بسند صحيح.

ومع كونه موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما تطيب به نفس صاحبها فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْْ

} وقوله جل وعلا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:

"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا".

رواه الشيخان وغيرهما. وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 920.

وقد صح شيء مما ذكرته عن بعض السلف فقال ابن جريج: قال لي عطاء:

ص: 364

"لا صدقة في اللؤلؤ ولا زبرجد ولا ياقوت ولا فصوص ولا عرض ولا شيء لا يدار أي لا يتاجر به وإن كان شيئا من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع".

أخرجه عبد الرزاق 4 / 84 / 7061 وابن أبي شيبة 3 / 144 وسنده صحيح جدا.

والشاهد منه قوله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع".

فإنه لم يذكر تقويما ولا نصابا ولا حولا ففيه إبطال لادعاء البغوي في "شرح السنة 6 / 53 الإجماع على وجوب الزكاة في قيمة عروض التجارة إذا كانت نصابا عند تمام الحول كما زعم أنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري!

وإن مما يبطل هذا الزعم أن أبا عبيد رحمه الله قد حكى في كتابه "الأموال" 427 / 1193 عن بعض الفقهاء أنه لا زكاة في أموال التجارة. ومن المستبعد جدا أن يكون عنى بهذا البعض داود نفسه لأن عمره كان عند وفاة الأمام أبي عبيد أربعا وعشرين سنة أو أقل ومن كان في هذا السن يبعد عادة أن يكون له شهرة علمية بحيث يحكي مثل الإمام أبي عبيد خلافه وقد توفي سنة 224 وولد داود سنة 200 أو 202 فتأمل.

ولعل أبا عبيد أراد بذاك البعض عطاء بن أبي رباح فقد قال إبراهيم الصائغ:

"سئل عطاء: تاجر له مال كثير في أصناف شتى حضر زكاته أعليه أن يقوم متاعه على نحو ما يعلم أنه ثمنه فيخرج زكاته؟ قال: لا ولكن ما كان من ذهب أو فضة أخرج منه زكاته وما كان من بيع أخرج منه إذا باعه".

أخرجه ابن زنجويه في كتابه "الأموال" 3 / 946 / 1703 بسند حسن

ص: 365

كما قال المعلق عليه الدكتور شاكر ذيب فياض وهو شاهد قوي لرواية ابن جريج المتقدمة.

وجملة القول أن المسألة لا يصح ادعاء الإجماع فيها لهذه الآثار وغيرها مما ذكره ابن حزم في "المحلى" الأمر الذي يذكرنا بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى:

"من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعلهم اختلفوا".

وصدق - جزاه الله خيرا - فكم من مسالة ادعي فيها الإجماع ثم تبين أنها من مسائل الخلاف وقد ذكرنا أمثلة منها في بعض مؤلفاتنا مثل "أحكام الجنائز" و "آداب الزفاف" وغيرها.

وقد أشبع ابن حزم القول في مسألتنا هذه وذهب إلى أنه لا زكاة في عروض التجارة ورد على أدلة القائلين بوجوبها وبين تناقضهم فيها ونقدها كلها نقدا علميا دقيقا فراجعه فإنه مفيد جدا في كتابه "المحلى" 6 / 233 – 240.

وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق حسن خان في شرحه "الروضة الندية" 1 / 192 - 193 ورد الشوكاني على صاحب "حدائق الأزهار" قوله بالوجوب في كتابه "السيل الجرار" 2 / 26 - 27 فليراجعه من شاء.

وقد رد عليه أيضا قوله بوجوب الزكاة على "المستغلات"1 الذي تبناه بعض الكتاب في العصر الحاضر فقال الشوكاني رحمه الله 2 / 27:

"هذه مسألة لم تطن على أذن الزمن ولا سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه ثم الذي يليه وإنما هي من الحوادث

1 كالدور التي يكريها مالكها وكذلك الدواب ونحوها.

ص: 366

اليمنية والمسائل التي لم يسمع بها أهل المذاهب الإسلامية عنى اختلاف أقوالهم وتباعد أقطارهم ولا توجد عليها أثارة من علم ولا من كتاب ولا سنة ولا قياس. وقد عرفناك أن أموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا يحل أخذها إلا بحقها وإلا كان ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. وهذا المقدار يكفيك في هذه المسألة".

وراجع لها "الروضة الندية" 1 / 194 تزدد فقها وعلما.

فائدة هامة: قد يدعي بعضهم أن القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة فيه إضاعة لحق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء والمثرين.

والجواب من وجهين:

الأول: أن الأمر كله بيد الله تعالى فليس لأحد أن يشرع شيئا من عنده بغير إذن من الله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ألا ترى أنهم أجمعوا على أنه لا زكاة على الخضروات على اختلاف كثير بينهم مذكور عند المصنف وغيره واتفقوا على أنه لا زكاة على القصب والحشيش والحطب مهما بلغت قيمتها فما كان جوابهم عن هذا كان الجواب عن تلك الدعوى على أن المؤلف قد جزم أنه لم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.

فأقول: فهذا هو الحق وبه تبطل الدعوى من أصلها.

والآخر: أن تلك الدعوى قائمة على قصر النظر في حكمة فرض الزكاة أنها لفائدة الفقراء فقط والأمر على خلافه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ

} الآية.

فإذا كان الأمر كذلك ووسعنا النظر في الحكمة قليلا وجدنا أن الدعوى المذكورة باطلة لأن طرح

ص: 367

الأغنياء أموالهم ومتاجرتهم بها أنفع للمجتمع - وفيه الفقراء - من كنزها ولو أخرجوا زكاته ولعل هذا يدركه المتخصصون في علم الاقتصاد أكثر من غيرهم والله ولي التوفيق.

وأما الأثر الذي أورده المؤلف في حكم زكاة التجارة عن عمر فهو ضعيف لأن أبا عمرو بن حماس ووالده مجهولان كما قال ابن حزم ولا يخدج فيه توثيق ابن حبان للوالد لما نبهنا عليه مرارا أن توثيق ابن حبان لا يوثق به لتساهله في ذلك ولذلك لم يعتد الحافظ به فصرح في "بلوغ المرام" بأن إسناده لين!

وأما ما نقله المؤلف عقب ذلك عن "المغني" قال:

"وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا"!

فيقال: أثبت العرش ثم انقش على أنه لو ثبتت القصة فليس فيها ما يدل على الإجماع البتة يوضحه قول ابن رشد بعد أن أشار إلى هذه القصة وقول ابن عمر المتقدم:

"ولا مخالف لهم من الصحابة وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلافه وفيه ضعف".

قلت: وفيه الخلاف الذي شرحته آنفا؟!

قوله في "زكاة الزروع": "وأن مذهب الحسن البصري والشعبي أنه لا زكاة إلا في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب لأن ما عداه لا نص فيه واعتبر الشوكاني هذا المذهب الحق".

قلت: وهو الذي يجب الوقوف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ حين أرسلهما إلى اليمن:

ص: 368

"لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة: الشعير والحنطة والزبيب والتمر".

أخرجه البيهقي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وهو كما قالا على ما بينته في "إرواء الغليل" 801 وهو اختيار أبي عبيد في كتابه "الأموال" فراجع كلامه فيه رقم 1381 1409 وبه يرتاح المسلم من الأقوال المختلفة المتضاربة مما سينقله المؤلف والتي ليس عليها دليل سوى الرأي!

لكن هنا ملاحظات دقيقة يجب التنبيه عليها وهي:

أولا: أن في حديث معاذ: "لا تأخذا الصدقة إلا من هذه الأربعة

" فذكرها وليس فيها الذرة وبها تصبح الأربعة خمسة وهي عندي منكرة لأنها مع مخالفتها لهذا الحديث الصحيح فليس لها طريق تقوم بها الحجة وهي:

الأولى: رواية ابن ماجه التي ذكرها المؤلف آنفا وأفاد أن فيها العرزمي المتروك وهي في "ابن ماجه" 1815 من روايته عن عمرو بن شعيب عن آبائه.

الثانية: رواية البيهقي 4 / 129 من طريق عتاب الجزري عن خصيف عن مجاهد قال:

"لم تكن الصدقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في خمسة أشياء

" فذكر الأربعة وزاد: "والذرة".

وهذا مع كونه مرسلا فهو ضعيف لأن عتابا وخصيفا ضعيفان.

الثالثة: رواية البيهقي أيضا عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن عبيد عن الحسن قال:

فذكر نحو حديث مجاهد لكن قال ابن عيينة:

ص: 369

"أراه قال: والذرة".

وهذا مع شكه في هذه الزيادة ففيه أمران:

الأول: أن شيخه عمرو بن عبيد - وهو شيخ المعتزلة - قال الذهبي في "الضعفاء":

"سمع الحسن كذبه أيوب ويونس وتركه النسائي".

قلت: فمثله لا يستشهد به ولا كرامة هذا لو ثبت ذلك عنه فكيف وفيه ما يأتي:

والآخر: أن سفيان لم يثبت على شكه المذكور ففي رواية أخرى للبيهقي عن سفيان بلفظ:

"السلت" ولم يذكر "الذرة".

و"السلت": ضرب من الشعير أبيض لا قشر له كما في "النهاية" وحينئذ فهو صنف من الأصناف الأربعة فلا اختلاف بين هذه الرواية والحديث الصحيح كما لا يخفى.

ويبدو أنه خفي على الإمام الشوكاني رحمه الله مثل هذا التحقيق فإنه بعد أن ذكر رواية عمرو بن شعيب التي فيها المتروك استدرك فقال في "النيل" 4 / 122:

"ولكنها معتضدة بمرسل مجاهد والحسن"!

وكأنه رحمه الله لم يتتبع أسانيدها وإلا لم يقل هذا كيف ومرسل الحسن فيه المتروك أيضا مع الشك الذي في إحدى الروايتين عنه؟! والأخرى - لو صحت - تشهد للحديث الصحيح وليس لهذه الزيادة المنكرة!

ص: 370

ومرسل مجاهد ضعيف كما سبق بيانه ولا يشهد له رواية العرزمي لشدة ضعفه مع مخالفته للحديث الصحيح وشواهده.

ولعل الشوكاني غره قول البيهقي عقب الشواهد المشار إليها ومرسل مجاهد والحسن المذكورين وساق شاهدا ثالثا بسنده عن الشعبي بمعنى الحديث الصحيح قال البيهقي عقبها:

"هذه الأحاديث كلها مراسيل إلا أنها من طرق مختلفة فبعضها يؤكد بعضا ومعها رواية أبي بردة عن أبي موسى ومعها قول بعض الصحابة".

فهو يعني ما اتفقت عليه الروايات مع رواية أبي بردة عن أبي موسى وهي صحيحة كما تقدم وليس يعني مطلقا ما تفرد به بعض الضعفاء والمتروكين فتنبه.

وقد ترتب من خطأ تصحيح هذه الزيادة المنكرة خطأ آخر فقهي وهو حشر الشوكاني الذرة في جملة الأصناف الأربعة التي تجب عليها الزكاة! في كتابه "الدرر البهية" وتبعه على ذلك شارحه في كتابه "الروضة الندية" 2 / 195 واستدل عليها بحديث أبي موسى والمراسيل المذكورة آنفا وأتبعها بكلام البيهقي الذي مر آنفا دون أن يتنبه لمقصوده الذي ذكرته قريبا. ولعله تنبه له فيما بعد فقد أعاد ذكر حديث أبي موسى مع الإشارة إلى الروايات الأخرى ولكنه أتبعها بقوله 1 / 200:

"وفي بعضها ذكر الذرة ولكن من طريق لا تقوم بمثلها حجة".

وهذا هو الصواب فكان عليه أن يعود إلى متن شرحه ويرفع منه لفظة: "الذرة" ليطابق ذلك ما انتهى إليه من الصواب.

ولعل الشوكاني رجع إلى الصواب أيضا فإنه لم يذكر في كتابه "السيل

ص: 371

الجرار" سوى الأصناف الأربعة فلم يذكر "الذرة" مطلقا وذكر 2 / 43 أن الأحاديث الواردة فيها تنهض بمجموعها للعمل بها كما أوضحناه في شرحنا للمنتقى.

هذا كله فيما يتعلق بقولنا أولا.

وثانيا: إن حشر "الذرة" في مذهب الحسن البصري خطأ لأنه قد صح من طرق عنه: أنه كان لا يرى العشر إلا في

فذكر الأصناف الأربعة فقط.

أخرجه أبو عبيد 469 / 1379 - 1380 وابن زنجويه 1030 / 1899 بأسانيد صحيحة عنه.

ثالثا: قول المؤلف: "لأن ما عداه لا نص فيه".

يشعر بأن الصنف الخامس "الذرة" فيه نص يعتد به وقد عرفت ما فيه وزيادة في الإفادة أقول:

إن قول الحسن هذا هو الذي ينبغي اعتماده لمطابقته للحديث الصحيح وكنت أرجو للمؤلف أن يلفت النظر إليه كي لا يضيع القارئ في غمرة الأقوال المختلفة التي ساقها في هذا الباب كما كنت أستحب له أن يروي لهم قول عبد الله بن عمر الذي رواه أبو عبيد 469 / 1378 بسنده الصحيح عنه في صدقة الثمار والزرع قال:

"ما كان من نخل أو عنب أو حنطة أو شعير".

لما فيه من زيادة اطمئنان لصحة قوله رحمه الله ولهذا قال أبو عبيد وابن زنجويه في كتابيهما:

"والذي نختاره في ذلك الاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسك بها: أنه لا

ص: 372

صدقة في شيء من الحبوب إلا في البر والشعير ولا صدقة في شيء من الثمار إلا في النخل والكرم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسم إلا إياها مع قول من قال به من الصحابة والتابعين ثم اختيار ابن أبي ليلى وسفيان إياه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خص هذه الأصناف الأربعة للصدقة وأعرض عما سواهما قد كان يعلم أن للناس أموالا وأقواتا مما تخرج الأرض سواها فكان تركه ذلك وإعراضه عنه عفوا منه كعفوه عن صدقة الخيل والرقيق".

قلت: وهذه الحجة الأخيرة تنسحب أيضا على عروض التجارة فإنها كانت معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وذكرت في القرآن والأحاديث مرارا كثيرة وبمناسبات شتى فسكوته صلى الله عليه وسلم عنها وعدم تحدثه عنها بما يجب عليها من الزكاة التي ذهب إليها بعضهم فهو عفو منه أيضا لحكمة بالغة سبق لفت النظر إلى شيء منها مما ظهر لنا والله سبحانه وتعالى أعلم.

قوله تحت عنوان: تقدير النصاب في النخيل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث

".

قلت: إسناده ضعيف فيه من لا يعرف عند الذهبي وغيره ولا عبرة بتصحيح من ذكرهما المؤلف لأنهما من المتساهلين وحسبك دليلا على ذلك أن الترمذي - على تساهله الذي عرف به - لما أخرج الحديث سكت عنه ولم يحسنه ولذلك خرجته في "الضعيفة" 2556 و "ضعيف أبي داود"281.

والأثر الذي ذكره المؤلف بعده عن بشير بن يسار قال: بعث عمر بن الخطاب

الخ. رواه أبو عبيد في "الأموال" 486 / 1449 وابن أبي شيبة 3 / 194 بسند رجاله ثقات لكنه منقطع بين بشير وعمر فإنهم لم يذكروا له رواية إلا عن صغار الصحابة كأنس وغيره.

ص: 373

والأثر الذي بعده عن مكحول مرسل أيضا. رواه أبو عبيد 1453 ورجاله ثقات.

قوله تحت عنوان: زكاة العسل: "قال البخاري: ليس في زكاة العسل شيء يصح".

أقول: ليس هذا على إطلاقه فقد روي فيه أحاديث أحسنها حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده وأصح طرقه إليه طريق عمرو بن الحارث المصري عن عمرو بن شعيب

بلفظ:

"جاء هلال أحد بني متعان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشور نحل له وكان سأله أن يحمي له واديا يقال له: سلبته فحمى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الوادي فلما ولي عمر بن الخطاب كتب سفيان بن وهب إلى عمر يسأله عن ذلك فكتب عمر: إن أدى إليك ما كان يؤدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشور نحله فاحم له سلبته وإلا فإنما هو ذباب غيث يأكله من يشاء".

قلت: وهذا إسناد جيد وهو مخرج في "الإرواء" رقم 810 وقواه الحافظ في "الفتح" فإنه قال عقبه 3 / 348:

"وإسناده صحيح إلى عمرو وترجمة عمرو قوية على المختار لكن حيث لا تعارض إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر ابن الخطاب".

وسبقه إلى هذا الحمل ابن زنجويه في "الأموال" 1095 - 1096 ثم الخطابي في "معالم السنن" 1 / 208 وهو الظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولدقة المسألة حديثيا وفقهيا اضطرب فيه رأي الشوكاني فذهب في "نيل الأوطار" 4 / 125 إلى عدم وجوب الزكاة على العسل وأعل أحاديثه كلها وأما

ص: 374

في "الدرر البهية" فصرح بالوجوب وتبعه شارحه صديق خان في "الروضة الندية" 1 / 200 وأيد ذلك الشوكاني في "السيل الجرار" 2 / 46 - 48 وقال:

"وأحاديث الباب يقوي بعضها بعضا".

فلم يتنبه إلى الفرق واختلاف دلالة بعضها عن بعض فهذه الطريق الصحيحة دلالتها مقيدة بالحمى كما رأيت والأخرى مطلقة ولكنها ضعيفة لا تنهض للاحتجاج بها كما قال هو نفسه في "النعل" ثم تبنى العمل بها في المصدرين المشار إليهما ونسي قاعدة "حمل المطلق على المقيد" التي يكررها في كثير من المسائل التي تتعارض فيها الأدلة فيجمع بينها بها.

إذا تبين هذا فنستطيع أن نستنبط مما سبق أن المناحل التي تتخذ اليوم في بعض المزارع والبساتين لا زكاة عليها اللهم إلا الزكاة المطلقة بما تجود به نفسه على النحو الذي سبق ذكره في عروض التجارة. والله أعلم.

ص: 375