الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأذان
قوله:
"وهو واجب أو مندوب"
قلت: لعل المؤلف حفظه الله تعالى لم تتح له الفرصة ليحقق القول ويبين الحق من القولين وإلا فإن القول بأن الأذان مندوب لا نشك مطلقا في بطلانه كيف وهو من أكبر الشعائر الإسلامية التي كان عليه الصلاة. والسلام إذا لم يسمعه في أرض قوم أتاهم ليغزوهم وأغار عليهم فإن سمعه فيهم كف عنهم كما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما وقد ثبت الأمر به في غير ما حديث صحيح والوجوب يثبت بأقل من هذا فالحق أن الأذان فرض على الكفاية وهو الذي صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" 1 / 67 - 68 و4 / 20 بل وعلى المنفرد كما يأتي.
وسنذكر دليلا آخر على الوجوب في بحث "صلاة الجماعة" وقد ذكره الشوكاني في "السيل الجرار" 1 / 196 - 197 مع أحاديث أخرى وختم ذلك بقوله:
"والحاصل أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها فإنها أشهر من نار على علم وأدلتها هي الشمس المنيرة ثم هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعة بل لكل مصل عليه أن يؤذن ويقيم لكن من كان في جماعة كفاه أذان المؤذن لها وإقامته ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائق الرجال والأمر لهم أمر لهن ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن فإن الوارد في ذلك في أسانيده متروكان لا يحل الاحتجاج بهم فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك وإلا فهن كالرجال".
قوله في حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه في ابتداء شرع الأذان ص 201 - 202: "رواه أحمد"!
قلت: هذا يوهم أنه لم يروه أحد من أهل السنن والصحاح وهو تقصير فاحش فقد أخرجه أبو داود والدارمي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما"1 وإسناده حسن صحيح كما بينته في "صحيح أبي داود" 512 وانظر "المشكاة"650.
فائدة: قوله في هذا الحديث بعد أن ساق الأذان:
"ثم استأخر غير بعيد ثم قال: تقول إذا أقمت الصلاة
…
" الخ.
قلت: في هذا دليل واضح على أن السنة في الإقامة في موضع غير موضع الأذان فقول ابن قدامة في "المغني" 1 / 427:
"ويستحب أن يقيم في موضع أذانه قال أحمد: أحب إلي أن يقيم في مكانه ولم يبلغني فيه شيء إلا حديث بلال: لا تسبقني بآمين" يعني: لو كان يقيم في موضع صلاته لما خاف أن يسبقه بالتأمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يكبر بعد فراغه من الإقامة ولأن الإقامة شرعت للإعلام فشرعت في موضعه ليكون أبلغ في الإعلام. وقد دل على هذا حديث عبد الله بن عمر قال: كنا إذا سمعنا الإقامة توضأنا ثم خرجنا إلى الصلاة".
فأقول: أما حديث ابن عمر فلا دلالة فيه لما ذكره مطلقا لأنه من الممكن سماعه للإقامة لقربه من المسجد وذلك لا يستلزم أن تكون الإقامة في موضع
1 ثم رأيته في الطبعات الجديدة قد استدرك بعض هذه المصادر.
الأذان كما هو ظاهر. وإسناده حسن كما هو مبين في "صحيح أبي داود" 527 بخلاف حديث بلال فإنه منقطع بين أبي عثمان وبلال ولذلك أوردته في "ضعيف أبي داود" برقم 167 على أنه لو صح فلا دلالة فيه أيضا على الدعوى.
وما نقله عن الإمام أحمد ففيه نظر لأنه لا يعني بقوله: "مكانه" الأذان وإنما المقيم يعني أنه يقيم حيث هو ولا يمشي قال عبد الله بن أحمد في "مسائله" 61 / 220:
"قلت لأبي: الرجل يمشي في الإقامة؟ قال: أحب إلي أن يقيم مكانه
…
" الخ.
وقد وجدت بعض الآثار تشهد لحديث عبد الله بن زيد فروى ابن أبي شيبة 1 / 224 عن عبد الله بن شقيق قال: من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد وكان عبد الله يفعله. وسنده صحيح.
وروى عبد الرزاق 1 / 506 أن عمر بن عبد العزيز بعث إلى المسجد رجالا: إذا أقيمت الصلاة فقوموا إليها وسنده صحيح أيضا وهو ظاهر في أن الإقامة كانت في المسجد.
قوله: "ويشرع للمؤذن التثويب وهو أن يقول في أذان الصبح بعد الحيعلتين: الصلاة خير من النوم قال أبو محذورة: يا رسول الله علمني سنة الأذان فعلمه وقال: "فإن كان صلاة الصبح قلت: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم
…
" رواه أحمد وأبو داود".
قلت: إنما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبا لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال: "كان في الأذان الأول بعد الفلاح: الصلاة خير من النوم مرتين"
رواه البيهقي 1 / 423 وكذا
الطحاوي في "شرح المعاني" 1 / 82 وإسناده حسن كما قال الحافظ. وحديث أبي مخذورة مطلق وهو يشمل الأذانين لكن الأذان الثاني غير مراد لأنه جاء مقيدا في رواية أخرى بلفظ: "وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل: الصلاة خير من النوم. الصلاة خير من النوم". أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 510 - 516 فاتفق حديثه مع حديث ابن عمر ولهذا قال الصنعاني في "سبل السلام" 1 / 167 - 168 عقب لفظ النسائي:
"وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات. قال ابن رسلان: وصحح هذه الرواية ابن خزيمة قال: فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر لأنه لإيقاظ النائم وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة. اهـ من "تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي". ومثل ذلك في "سنن البيهقي الكبرى" عن أبي محذورة: أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم.
قلت: وعلى هذا ليس "الصلاة خير من النوم" من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول".
قلت: وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لجريان العمل من أكثر المؤذنين في البلاد الإسلامية على خلاف السنة فيها أولا ولقلة من صرح بها من المؤلفين ثانيا فان جمهورهم - ومن ورائهم السيد سابق - يقتصرون على إجمال القول فيها ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة خلافا للبيان المتقدم من ابن رسلان والصنعافي جزاهما الله خيرا.
ومما سبق يتبين أن جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة وتزداد المخالفة حين يعرضون عن الأذان الأول بالكلية ويصرون على التثويب في الثاني فما أحراهم بقوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} .
فائدة: قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أبي محذورة وابن عمر المتقدمين الصريحين في التثوب في الأذان الأول:
"وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى".
قوله في أذان الفجر: "يشرع تقديمه على أول الوقت إذا أمكن التمييز بين الأذان الأول والثاني حتى لا يقع الاشتباه".
قلت: ذلك ممكن بيسر إذا التزمت السنة التي ميزت الأذان الأول بزيادة جملة: "الصلاة خير من النوم مرتين " كما تقدم.
على أن هناك سنة أخرى تزيد الأمر يسرا وهي أن يكون مؤذن الأذان الأول غير مؤذن الأذان الثاني كما في حديث ابن عمر الذي ذكره المؤلف أخرجه الشيخان وله شواهد كثيرة خرجتها في "الإرواء" 219 وهى سنة متروكة أيضا فهنيئا لمن وفقه الله تبارك وتعالى لإحيائها.
قوله: "وروى الطحاوي والنسائي أنه لم يكن بين أذانه يعني ابن عمر وأذان ابن أم مكتوم إلا أن يرقى هذا وينزل هذا".
قلت: لقد أبعد النجعة وأخل بفن التخريج فإن هذه الرواية قد جاءت في "الصحيحين" في حديث ابن عمر المشار إليه آنفا من حديث نافع عنه. انظر "الإرواء" 1 / 236.
قوله: فعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة" رواه أبو داود والنسائي والترمذي
…
وزاد: قالوا: فماذا نقول يا رسول الله؟ قال: "سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة".
قلت: الحديث صحيح كما قال الترمذي وأما الزيادة فضعيفة منكرة في سندها يحيى بن اليمان وزيد العمي وهما ضيفان وقد وقفت للحديث على أربعة طرق ذكرتها في "الثمر المستطاب" ثم في "إرواء الغليل" 244 وليس في شيء منها هذه الزيادة إلا في هذه الطريق الضعيفة فلا يشرع العمل بها ولا يغتر أحد بكلام الشوكاني في هذا المقام فإنه لم يعط الموضوع حقه من التتبع والبحث.
قوله: وعن أم سلمة قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أذان المغرب: "اللهم هذا إقبال ليلك
…
".
قلت: سكت عنه المصنف فأوهم ثبوته وليس كذلك فإنه حديث ضعيف وسكت عن تخريجه وليس بجيد وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي كثير مولى أم سلمة عنها وقال الترمذي:
"حديث غريب وأبو كثير لا نعرفه" ولذلك قال النووي:
"رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده مجهول".
فمثل هذا الحديث لا يجوز نشره بين الأمة إلا مع بيان حاله من الضعف.
قوله: "يستحب لمن يسمع الإقامة أن يقول مثل ما يقول المقيم إلا عند قوله: "قد قامت الصلاة" فإنه يستحب أن يقول: أقامها الله وأدامها فعن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما قال: قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقامها الله وأدامها".
قلت: بل المستحب أن يقول كما يقول المقيم: "قد قامت الصلاة" لعموم
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول
…
". وتخصيصه بمثل هذا الحديث لا يجوز لأنه حديث واه وقد ضعفه النووي والعسقلاني وغيرهم ولا يغتر بقول صاحب "التاج الجامع للأصول ": "سنده صالح" لأنه اغتر بسكوت أبي داود عليه وقد بينا قيمة سكوت أبي داود على الحديث في "المقدمة" فراجعها وقد بينت ما في سنده من العلل في "ضعيف أبي داود" 83 ثم في "الإرواء" 241.
وبهذه المناسبة أقول: إن كتاب "التاج" هذا ملئ جدا بالأخطاء العلمية وقد كنت نقدت الجز الأول منه منذ أكثر من عشر سنين من تأليف هذا الكتاب ومسودته موجودة عندي ولو تسنى لنا نشره لفعلنا نصحا للأمة.
قوله فيما يستحب للمؤذن: "4 - أن يلتفت برأسه وعنقه وصدره يمينا
…
".
قلت: أما تحويل الصدر فلا أصل له في السنة البتة ولا ذكر له في شيء من الأحاديث الواردة في تحويل العنق ولعله سبق قلم من المؤلف وإن كان استمر عليه في كل طبعات الكتاب ويؤيد هذا الاحتمال قوله عقبه: "قال النووي في هذه الكيفية: هي أصح الكيفيات. قال أبو جحيفة
…
".
فإن النووي قال في "المجموع" 3 / 104 بعد حديث الشيخين عن أبي جحيفة الذي ذكره المؤلف وفيه: "فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يمينا وشمالا".
وفي رواية أبي داود: "فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر" وإسناده صحيح.
ثم قال 3 / 106 - 107: "والسنة أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يستدير كما ذكره المصنف".
ثم قال: "قال أصحابنا: والمراد بالالتفات: أن يلوي رأسه وعنقه ولا يحول صدره عن القبلة ولا يزيل قدمه عن مكانها وهذا معنى قول المصنف: "ولا يستدير" وهذا هو الصحيح المشهور الذي نص عليه الشافعي وقطع به الجمهور".
هذا من الناحية الفقهية وأما من الناحية الحديثية فإن قوله في رواية أبي داود:
"وإسناده صحيح" غير صحيح لأن فيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وتد تفرد بقوله: "ولم يستدر" كما بينته في "صحيح أبي داود" 533 وقد ثبتت الاستدارة من رواية جمع لكن المراد بها الالتفات يمينا ويسارا كما شرحته هناك فأغنى عن الإعادة.
ومما يحسن التنبيه عليه أيضا أنه ليس في رواية البخاري قوله: "يمينا وشمالا" وإنما هو عند مسلم فقط كما كنت ذكرت ذلك في تخريج الحديث في "إرواء الغليل" 233 فعزو المؤلف تبعا للنووي للشيخين فيه تساهل واضح وانظر إن شئت "فتح الباري" 2 / 114 – 115.
قوله: "
…
وروى ابن المنذر عن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة".
قلت: ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان الإمام في المسجد وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة: إن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مصافهم قبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم مقامه
رواه مسلم وغيره وهو مخرج في "صحيح أبي داود"
وأما إذا لم يكن في المسجد فلا يقومون حتى يروه قد خرج لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني قد خرجت". متفق عليه واللفظ لمسلم وهو مخرج في "صحيح أبى داود" 550 - 552 انظر الشوكاني 3 / 162.
واعلم أنه لا علاقة لهذه المسألة بتكبيرة الإمام للإحرام فإن عليه بعد قيام الناس أن يأمرهم بسد الفرج وتسوية الصفوف كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ثبت ذلك في أحاديث كثيرة عنه وسيأتي في الكتاب بعضها حتى إذا رأى الإمام أن الصفوف استوت كبر فما جاء في "الآثار" للإمام محمد ص 13: "عن إبراهيم قال: إذا قال المؤذن: حي على الفلاح فإنه ينبغي للقوم أن يقوموا فيصفوا فإذا قال: قد قامت الصلاة كبر الإمام. قال محمد: وبه نأخذ وهو قول أبي حنيفة".
قلت: وعلى هذا كثير من مقلدة الحنفية وبخاصة في البلاد الأعجمية فإن في ذلك إضاعة للسنة المحمدية كما سبقت الإشارة إلى ذلك آنفا وقريب منه اقتصار بعض الأئمة على قولهم: "استووا استووا" فقط!! وهذه ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.
قوله: "
…
وعن معاذ الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الجفاء كل الجفاء والكفر والنفاق من سمع منادي الله ينادى يدعو إلى الفلاح ولا يجيبه". رواه أحمد والطبراني"
قلت: سكت عن الحديث فأوهم صحته وليس بصحيح ولا حسن فإنه من طريق ابن لهيعة عن زبان بن فائد وكلاهما ضعيف وإعلال الهيثمي له بالثاني منهما فقط قصور.
قوله: "قال ابن عمر: ليس على النساء أذان ولا إقامة رواه البيهقي بإسناد صحيح".
قلت: هذا خطأ فاحش قلد فيه المؤلف الشوكاني في "نيل الأوطار" 2 / 27 وهذا قلد الحافظ ابن حجر في "التلخيص" 1 / 211 وذلك لأنه من رواية عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر وعبد الله بن عمر هو العمري المكبر وهو ضعيف كما كنت بينت في "الضعيفة" 2 / 270 وخرجته من طريق "مصنف عبد الرزاق" أيضا من هذا الوجه فكأنهم توهموا أن عبد الله هو عبيد الله بن عمر فإنه ثقة وليس به. ثم هو بظاهره مخالف لما رواه ابن أبى شيبة في "المصنف" 1 / 223 بسند جيد عن وهب بن كيسان قال: سئل ابن عمر هل على النساء أذان؟ فغضب وقال: أنا أنهى عن ذكر الله؟! واحتج به الإمام أحمد كما ذكرت هناك وراجع كلام الشوكاني المتقدم قريبا.
قوله: "وعن عائشة أنها كانت تؤذن وتقيم وتؤم النساء وتقف وسطهن رواه البيهقي".
قلت: في "السنن الكبرى" 1 / 408 و3 / 131 من طريق الحاكم وهو في "المستدرك" 1 / 203 - 204 وفيه ليث وهو ابن أبي سليم ومن طريقه عبد الرزاق 3 / 126 وابن أبي شيبة 1 / 223 دون إمامة النساء. لكن هذه الزيادة تابعه عليها ابن أبي ليلى عن عطاء عن عائشة أخرجه ابن أبي شيبة 2 / 89
فأحدهما يقوي الآخر ولها طريق أخرى من حديث رائطة الحنفية أن عائشة أمت نسوة في المكتوبة فأمتهن بينهن وسطا.
أخرجه عبد الرزاق 3 / 141 والدارقطني 1 / 404 والبيهقي 3 / 131
وقال النووي في "المجموع" 4 / 199:
" إسناده صحيح"!
كذا قال وأقره الزيلعي في "نصب الراية" 2 / 31 وأما الحافظ فسكت عن إسناده في "التلخيص" 2 / 42 وهو أقرب فإن رائطة هذه لم أجد لها ترجمة وفي طبقتها ما في "التهذيب":
"رائطة بنت مسلم روت عن أبيها وعنها ابنها عبد الله بن الحارث بن أبزى المكي".
وقال الحافظ في "التقريب":
"لا تعرف".
فمن المحتمل أن تكون هي هذه أو غيرها فأنى لإسنادها الصحة؟!
ولها شاهد من رواية حجيرة بنت حصين قالت:
"أمتنا أم سلمة في صلاة العصر قامت بيننا".
رواه عبد الرزاق أيضا وابن أبي شيبة 2 / 88 والبيهقي ورجاله ثقات غير حجيرة هذه فلم أعرفها ومع ذلك صححه النووي أيضا وسكت الحافظ عنه أيضا. لكن يقويه ما عند ابن أبي شيبة من طريق قتادة عن أم الحسن أنها رأت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تؤم النساء تقوم معهن في صفهن.
قلت: وهذا إسناد صحيح رواته ثقات معروفون من رجال الشيخين غير أم الحسن هذه وهو البصري واسمها خيرة مولاة أم سلمة وقد روى عنها جمع من الثقات ورمز لها في "التهذيب" بأنها ممن روى لها مسلم وذكرها ابن حبان في "الثقات" 4 / 216.
وبالجملة فهذه الآثار صالحة للعمل بها ولا سيما وهي مؤيدة بعموم قوله
صلى الله عليه وسلم: "إنما النساء شقائق الرجال" كما تقدم فيما نقلناه لك من كلام الشوكاني في "السيل الجرار" فتذكره فإنه مهم.
قوله: "
…
روى الأثرم وسعيد بن منصور عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا فأذن بهم وأقام فصلى بهم جماعة".
قلت: قد علقه البخاري ووصله البيهقي بسند صحيح عنه وقد يستدل به بعضهم على جواز تعدد صلاة الجماعة في المسجد الواحد ولا حجة فيه لأمرين:
الأول: أنه موقوف.
الثاني: أنه قد خالفه من الصحابة من هو أفقه منه وهو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فروى عبد الرزاق في "المصنف" 2 / 409 / 3883 وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" 9380 بسند حسن عن إبراهيم أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس وقد صلوا فرجع بهما إلى البيت
…
ثم صلى بهما.
فلو كانت الجماعة الثانية في المسجد جائزة مطلقا لما جمع ابن مسعود في البيت مع أن الفريضة في المسجد أفضل كما هو معلوم.
ثم وجدت ما يدل على أن هذا الأثر في حكم المرفوع فانه يشهد له ما روى الطبراني في "الأوسط" 4739 - بترقيمي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة فوجد الناس قد صلوا فمال إلى منزله فجمع أهله فصلى بهم. وقال:
"لا يروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو حسن وقال الهيثمي 2 / 45:
"رواه الطبراني في "الكبير" و "الأوسط" ورجاله ثقات".
ولعل الجماعة التي أقامها أنس رضي الله عنه كانت في مسجد ليس له إمام راتب ولا مؤذن راتب فإن إعادتها في مثل هذا المسجد لا تكره لما يأتي وبذلك يتفق الأثران ولا يختلفان.
وأحسن ما وقفت عليه من كلام الأئمة في هذه المسألة هو كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه ولا بأس من نقله مع شيء من الاختصار ولو طال به التعليق نظرا لأهميته وغفلة أكثر الناس عنه قال رضي الله عنه في "الأم" 1 / 136:
"وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ففاتته الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلي إن لم يأته وصلى في مسجده منفردا فحسن وإذا كان للمسجد إمام راتب ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة صلوا فرادى ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا بل قد عابه بعضهم وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام الجماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة فإذا قضيت دخلوا فجمعوا فيكون بهذا اختلاف وتفرق الكلمة وفيهما المكروه وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام راتب ويصلي فيه المارة ويستظلون فلا أكره ذلك لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره قال:
وإنما منعني أن أقول: صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة
بحال تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ولم يقل: لا تجزي المنفرد صلاته وأنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة فصلوا بعلمه منفردين وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما فجاؤوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين".
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولا عن الحسن البصري قال:
"كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه صلوا فرادى".
رواه ابن أبي شيبة 2 / 223.
وقال أبو حنيفة:
"لا يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب".
ونحوه في "المدونة" عن الإمام مالك.
وبالجملة فالجمهور على كراهة إعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق وهو الحق ولا يعارض هذا الحديث المشهور: "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" وسيأتي في الكتاب ص 277 فإن غاية ما فيه حض الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الذين كانوا صلوا معه صلى الله عليه وسلم في الجماعة الأولى أن يصلي وراءه تطوعا فهي صلاة متنفل وراء مفترض وبحثنا إنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض فاتتهم الجماعة الأولى ولا يجوز قياس هذه على تلك لأنه قياس مع الفارق من وجوه:
الأول: أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه صلى الله عليه وسلم لا إذنا ولا تقريرا مع وجود المقتضى في عهده صلى الله عليه وسلم كما أفادته رواية الحسن البصري.
الثاني: أن هذه الصورة تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة وإذا علموا أنها لا تفوتهم يتأخرون فتقل الجماعة وتقليل الجماعة مكروه وليس شيء من هذا المحذور في الصورة التي أقرها. رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت الفرق فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرر من هديه صلى الله عليه وسلم.
وبعد
…
فإن هذا البحث يتطلب شرحا أوسع لا يتسع له هذا التعليق وفي النية أن أجمع في ذلك رسالة فعسى أن أوفق لتحريرها إن شاء الله تعالى.
قوله: "الجهر بالصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم
…
محدث مكروه".
قلت: مفهومه أن الإسرار بها سنة فأين الدليل على ذلك؟ فإن قيل: هو قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي
…
" وقد مضى في الكتاب في فقرة الذكر عند الأذان فالجواب: ان الخطاب فيه للسامعين المأمورين بإجابة المؤذن ولا يدخل فيه المؤذن نفسه وإلا لزم القول بأنه يجيب أيضا نفسه بنفسه وهذا لا قائل به والقول به بدعة في الدين.
فإن قيل: فهل يمنع المؤذن من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم سرا؟
قلت: لا يمنع مطلقا وإنما يمنع من أن يلتزمها عقب الأذان خشية الزيادة فيه وأن يلحق به ما ليس منه ويسوى بين من نص عليه صلى الله عليه وسلم وهو السامع - ومن لم ينص عليه - وهو المؤذن - وكل ذلك لا يجوز القول به. فليتأمل.