الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن نواقض الوضوء
قوله في صدد عد النواقض: "4، 5، 6 - المني والمذي والودي لقول ابن عباس: أما المني فهو الذي منه الغسل وأما المذي والودي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك للصلاة. رواه البيهقي في السنن".
قلت: هذا موقوف والاستدلال به وحده - مع أنه مختلف في صلاحيته للاحتجاج به - يوهم أن ليس في المرفوع ما يدل على ما دل عليه الموقوف ولو بالنسبة لبعض النواقض وليس كذلك ففي المذي أحاديث أشهرها حديث علي ابن أبي طالب قال: استحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المذي من أجل فاطمة فأمرت رجلا فسأله فقال: "فيه الوضوء". أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "صحيح أبي داود" 200 و "الإرواء"108.
قوله في النوم المستغرق: "فإذا كان النائم جالسا ممكنا مقعدته من الأرض لا ينتقض وضوؤه وعلى هذا يحمل حديث أنس قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون رواه الشافعي ومسلم وأبو داود والترمذي ولفظ الترمذي من طريق شعبة: لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوقظون للصلاة حتى لأسمع لأحدهم غطيطا ثم يقومون فيصلون ولا يتوضؤون قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس".
قلت: قد ذكر الحافظ في "الفتح" 1 / 251 نحو كلام ابن المبارك هذا ثم رده بقوله:
" لكن في "مسند البزار" بإسناد صحيح في هذا الحديث: فيضعون جنوبهم فمنهم من ينام ثم يقومون إلى الصلاة".
قلت: وأخرجه أيضا أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" ص 318 بلفظ: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضعون جنوبهم فينامون فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ. وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
فهذا اللفظ خلاف اللفظ الأول: "تخفق رؤوسهم" فإن هذا إنما يكون وهم جلوس كما قال ابن المبارك فإما أن يقال: إن الحديث مضطرب فيسقط الاستدلال به وإما أن يجمع بين اللفظين فيقال: كان بعضهم ينام جالسا وبعضهم مضطجعا فمنهم من يتوضأ ومنهم من لا يتوضأ وهذا هو الأقرب وحينئذ فالحديث دليل لمن قال: إن النوم لا ينقض الوضوء مطلقا وقد صح ذلك عن أبي موسى الأشعري وابن عمر وابن المسيب كما في "الفتح" وهو باللفظ الآخر لا يمكن حمله على النوم ممكنا مقعدته من الأرض وحينئذ فهو معارض لحديث صفوان بن عسال المذكور في الكتاب بلفظ: "
…
لكن من غائط وبول ونوم" فإنه يدل على أن النوم ناقض مطلقا كالغائط والبول ولا شك أنه أرجح من حديث أنس لأنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك حديث أنس إذ من الممكن أن يكون ذلك قبل إيجاب الوضوء من النوم.
فالحق أن النوم ناقض مطلقا ولا دليل يصلح لتقييد حديث صفوان بل يؤيده حديث علي مرفوعا: "وكاء السه العينان فمن نام فليتوضأ" وإسناده حسن كما قال المنذري والنووي وابن الصلاح وقد بينته في "صحيح أبي داود" رقم 198 فقد أمر صلى الله عليه وسلم كل نائم أن يتوضأ.
ولا يعكر على عمومه - كما ظن البعض - أن الحديث أشار إلى أن النوم ليس
ناقضا في نفسه بل هو مظنة خروج شيء من الإنسان في هذه الحالة فإنا نقول: لما كان الأمر كذلك أمر صلى الله عليه وسلم كل نائم أن يتوضأ ولو كان متمكنا لأنه عليه السلام أخبر أن العينين وكاء السه فإذا نامت العينان انطلق الوكاء كما في حديث آخر والمتمكن نائم فقد ينطلق وكاؤه ولو في بعض الأحوال كأن يميل يمينا أو يسارا فاقتضت الحكمة أن يؤمر بالوضوء كل نائم. والله أعلم.
وما اخترناه هو مذهب ابن حزم وهو الذي مال إليه أبو عبيد القاسم بن سلام في قصة طريفة حكاها عنه ابن عبد البر في "شرح الموطأ" 1 / 117 / 2 قال:
"كنت أفتي أن من نام جالسا لا وضؤ عليه حتى قعد إلى جنبي رجل يوم الجمعة فنام فخرجت منه ريح! فقلت: قم فتوضأ. فقال: لم أنم. فقلت: بلى وقد خرجت منك ريح تنقض الوضوء! فجعل يحلف بالله ما كان ذلك منه وقال لي: بل منك خرجت! فزايلت ما كنت أعتقد في نوم الجالس وراعيت غلبة النوم ومخالطته القلب".
فائدة هامة: قال الخطابي في "غريب الحديث" ق 32 / 2:
"وحقيقة النوم هو الغشية الثقيلة التي تهجم على القلب فتقطعه عن معرفة الأمور الظاهرة. والناعس: هو الذي رهقه ثقل فقطعه عن معرفة الأحوال الباطنة".
وبمعرفة هذه الحقيقة من الفرق بين النوم والنعاس تزول إشكالات كثيرة ويتأكد القول بأن النوم ناقض مطلقا. ولقد أنحرف قلم الشوكاني عن الصواب هنا في "السيل الجرار" فإنه بعد أن قرر وجه القول المذكور أحسن تقرير عقب عليه بقوله 1 / 96:
"ولكنها وردت أحاديث قاضية بأنه لا ينتقض الوضوء بالنوم إلا إذا نام مضطجعا وهي تقوي بعضها بعضا كما أوضحت ذلك في شرحي لـ "المنتقى" فتكون مقيدة لما ورد في نقض مطلق النوم فلا ينقض إلا نوم المضطجع"!
وأنت إذا رجعت إلى الشرح المذكور وجدته قد ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
الأول: عن ابن عباس: "ليس على من نام ساجدا وضوء
…
" ومع أنه قد ذكر تضعيفه عن جمع كثير من الأئمة. وعن البيهقي أنه قال: أنكره جميع أئمة الحديث على أبي خالد الدالاني. فقد حاول تقويته بقول الذهبي في "المعني" في الدالاني:
"مشهور حسن الحديث".
وليس يخفى على العارف بهذا الفن أن مثل هذا القول لو سلم به فلا يفيد تقوية للحديث وقد أجمع المحدثون المتقدمون على إنكاره كما تقدم فكيف وقد قال الحافظ في الدالاني هذا:
"صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس"؟!
والذهبي نفسه قد ذكر هذا الحديث في ترجمته من "الميزان" في جملة ما أنكر عليه؟ فكيف وفي إسناده علل ثلاثة أخرى بينتها في كتابي "ضعيف أبي داود" 25 ذكر الشوكاني نفسه منها الوقف ولكنه مر عليها!
الثاني: عن ابن عمرو مرفوعا نحوه. قال الشوكاني:
"وفيه مهدي بن هلال وهو متهم بوضع الحديث. وعمر بن هارون البلخي وهو متروك ومقاتل بن سليمان وهو متهم".
الثالث: عن حذيفة مرفوعا: قال البيهقي:
"تفرد به بحر بن كنيز وهو متروك لا يحتج به".
فأنت ترى أن هذه الأحاديث شديدة الضعف فلا ينجبر ضعفها بمجموعها كما هو معلوم عند الشوكاني وغيره فلا أدري ما الذي حمله على المخالفة؟!
قوله تحت رقم 4 -: ويرى الأحناف أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لحديث طلق أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يمس ذكره هل عليه الوضوء؟ فقال: "لا إنما هو بضعة منك" رواه الخمسة وصححه ابن حبان.
قلت: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما هو بضعة منك" فيه إشارة لطيفة إلى أن المس الذي لا يوجب الوضوء إنما هو الذي لا يقترن معه شهوة لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم بخلاف ما إذا مسه بشهوة فحينئذ لا يشبه مسه مس العضو الآخر لأنه لا يقترن عادة بشهوة وهذا أمر بين كما ترى وعليه فالحديث ليس دليلا للحنفية الذين يقولون بأن المس مطلقا لا ينقض الوضوء بل هو دليل لمن يقول بأن المس بغير شهوة لا ينقض وأما المس الشهوة فينقض بدليل حديث بسرة وبهذا يجمع بين الحديثين وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه على ما أذكر. والله أعلم.