الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مسائل تتعلق بالغسل
قوله: "1 - يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة أو عن جمعة وعيد أو عن جنابة وجمعة إذا نوى الكل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى" ".
قلت: الذي يتبين لي أنه لا يجزىء ذلك بل لا بد من الغسل لكل ما يجب الغسل له غسلا على حدة فيغتسل للحيض غسلا وللجنابة غسلا آخر أو للجنابة غسلا وللجمعة غسلا آخر لأن هذه الأغسال قد قام الدليل على وجوب كل واحد منها على انفراده فلا يجوز توحيدها في عمل واحد ألا ترى أنه لو كان عليه قضاء شهر رمضان أنه لا يجوز له أن ينوي قضاءه مع صيامه لشهر رمضان أداء وهكذا يقال في الصلاة ونحوها والتفريق بين هذه العبادات وبين الغسل لا دليل عليه ومن ادعاه فليتفضل بالبيان.
واستدلال المصنف بقوله صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى" لا وجه له ههنا وليس له العموم الذي نزع إليه المصنف إذ المعنى: له ما نوى من النية الصالحة أو الفاسدة في العمل المشروع بمعنى أن العمل المشروع لا يكون مقبولا عند الله إلا إذا كانت النية فيه صالحة بخلاف ما إذا كانت النية فاسدة. مثل أن يقصد به غير وجه الله تعالى فحينئذ لا يقبل عمله ويدلك على أن هذا هو المراد من الحديث تمامه وهو: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله وهذه هي النية الصالحة ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها وهذه هي النية الفاسدة فهجرته إلى ما هاجر إليه".
وخلاصة القول أن الحديث إنما يدل على صلاح العمل الذي ثبت في
الشرع جوازه إذا اقترنت به النية الصالحة وأما أنه يدل على صلاح ما لم يثبت جوازه بدليل خاص لمجرد اقترانه بالنية الصالحة فلا دليل فيه البتة وهذا بين لا يخفى.
وقد عكس ابن حزم فاستدل بالحديث على ما ذهبنا إليه فقال بعد أن ذكر أن من أجنب يوم الجمعة فلا يجزيه إلا غسلان غسل ينوي به الجنابة وغسل آخر ينوي به الجمعة
…
الخ. قال 2 / 43:
"برهان ذلك قول الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى" فصح يقينا أنه مأمور بكل غسل من هذه الأغسال فإذ قد صح ذلك فمن الباطل أن يجزئ عمل عن عملين أو أكثر وصح يقينا أنه إن نوى أحد ما عليه من ذلك فإنما له بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادقة الذي نواه فقط وليس له ما لم ينوه فإن نوى بعمله ذلك غسلين فصاعدا فقد خالف ما أمر به لأنه مأمور بغسل تام لكل وجه من الوجوه التي ذكرنا فلم يفعل ذلك والغسل لا ينقسم فبطل عمله كله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
ثم ذكر أنه ذهب إلى ما اختاره من عدم الإجزاء جماعة من السلف منهم جابر بن زيد والحسن وقتادة وإبراهيم النخعي والحكم وطاوس وعطاء وعمرو بن شعيب والزهري وميمون بن مهران قال:
"وهو قول داود وأصحابنا".
وقد ساق الآثار بذلك عنهم فراجعها ويحسن أن يلحق بهم أبو قتادة الأنصاري رضي الله عنه فقد روى الحاكم 1 / 282 من طريق يحمص بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال:
دخل علي أبى وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال: غسل من جنابة أو للجمعة؟ قال: قلت: من جنابة
قال: أعد غسلا آخر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى". وقال الحاكم:
"حديث صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي! فلو كان أبو قتادة يرى إجزاء الغسل الواحد عن الغسلين لما أمره بإعادة غسل واحد للجمعة بل لقال له: انو في غسلك من الجنابة الغسل للجمعة أيضا.
لكن في صحة الإسناد المذكور نظر لأن يحيى بن أبي كثير مدلس وقد عنعنه ثم إن في الطريق إليه هارون بن مسلم العجلي وليس من رجال الشيخين بل ولا روى له أحد من الستة شيئا وقد قال فيه الحاكم عقب هذا الحديث:
"ثقة روى عنه أحمد بن حنبل وعبد الله بن عمر القواريري".
وروى عنه جماعة آخرون وذكره ابن حبان في "الثقات" وأخرج له هو وابن خزيمة في "صحيحيهما" كما في "التهذيب" وقال:
قال أبو حاتم: "فيه لين".
وقال في "التقريب ":
"صدوق".
فالظاهر أنه حسن الحديث على الأقل
وقد رواه من طريقه الطبراني في "الأوسط" كما في "المجمع" 2 / 174 وقال:
"وفيه هارون بن مسلم قال أبو حاتم: فيه لين. ووثقه الحاكم وابن حبان وبقية رجاله ثقات".
ثم خرجته في "الصحيحة"2321.
قوله: "2 - إذا اغتسل من الجنابة ولم يكن قد توضأ يقوم الغسل عن الوضوء قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل. وعن ابن عمر أنه قال لرجل قال له: إني أتوضأ بعد الغسل؟ فقال له: لقد تعمقت".
قلت: في هذا الاستدلال نظر أما الأثر عن ابن عمر فموقوف ولا حجة فيه إن صح ثم الظاهر أن المراد منه ما يراد من الحديث وهو أن السنة الوضوء قبل الغسل لا بعده بدليل حديثها الآخر قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم اغتسل
…
الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما.
ولا شك أن من توضأ قبل الغسل ثم بعده فهو تعمق ومن اقتصر على الوضوء بعده فهو مخالف للسنة فليس إذن في حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يتوضأ في الغسل مطلقا ولو كان كذلك لصح الاستدلال به وإذ لا فلا.
فالأولى الاستدلال بحديث جابر بن عبد الله: أن أهل الطائف قالوا: يا رسول الله إن أرضنا أرض باردة فما يجزئنا من غسل الجنابة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا". رواه مسلم وغيره. وبه استدل البيهقي للمسألة فقال في "سننه" 1 / 177:
"باب: الدليل على دخول الوضوء في الغسل
…
" وهذا ظاهر من الحديث فإذا ضم إليه حديث عائشة الذي أورده المؤلف - وهو صحيح كما بينته في "صحيح سنن أبي داود" برقم 244 - ينتج منهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالغسل الذي لم يتوضأ فيه ولا بعده. والله أعلم.
قوله: "وقال أبو بكر بن العربي: لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث
…
".
قلت: بلى قد اختلف العلماء في ذلك وابن العربي إنما قال ما علم، {وفوق كل ذي علم عليم} فقد قال الحافظ في "الفتح" 2 1 / 287:
"ونقل ابن بطال الإجماع على أن الوضوء لا يجب مع الغسل وهو مردود فقد ذهب جماعة منهم أبو ثور وداود وغيرهما إلى أن الغسل لا ينوب عن الوضوء للمحدث". قال الشوكاني عقبه:
"وهو قول أكثر العلماء وإلى القول الأول - أعني: عدم وجوب الوضوء مع الغسل ودخول الطهارة الصغرى تحت الكبرى - ذهب زيد بن علي ولا شك في مشروعية الوضوء مقدما على الغسل كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة وأما الوجوب فلم يدل عليه دليل والفعل بمجرده لا ينتهض للوجوب نعم يمكن تأييد القول الثاني بالأدلة القاضية بوجوب الوضوء".
قلت: وعدم الوجوب هو مذهب ابن حزم خلافا لما قد يظن راجع المحلى 2 / 28.
قوله: "4 - لا بأس بدخول الحمام إن سلم الداخل من النظر إلى العورات وسلم من نظر الناس إلى عورته".
قلت: هذا الكلام بإطلاقه يشمل كل من يدخل الحمام ولو كان من النساء ولا سيما أن المؤلف لم يستثنهن من الحكم المذكور فعليه أقول:
لا يجوز إشراك النساء في هذا الحكم بل الحمام - والمقصود به ما كان خارج الدار طبعا - حرام عليهن مطلقا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته