الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن لا ينقض الوضوء
…
ومن ما لا ينقض الوضوء
قوله في صدد عد ما لا ينقضه: "أكل لحم الإبل وهو رأي الخلفاء الأربعة وكثير من الصحابة والتابعين إلا أنه صح الحديث بالأمر بالوضوء منه". ثم ذكره من حديث جابر بن سمرة والبراء بن عازب ثم قال:
"وقال ابن خزيمة: لم أر خلافا بين علماء الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه وقال النووي: هذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه انتهى. إلا أنه يقال: كيف خفي حديث جابر والبراء على الخلفاء الراشدين والجمهور الأعظم من الصحابة والتابعين"!
قلت: هذا الاستفهام لا طائل تحته بعد أن صح الحديث عنه صلى الله عليه وسلم باعتراف المؤلف فلا يجوز تركه مهما كان المخالفون له في العدد والمنزلة فإن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما "يثبت بنفسه لا بعمل غيره من بعده" كما قال الإمام الشافعي على ما سبق في "المقدمة: القاعدة 14".
وإني لأستغرب جدا من المؤلف هذا القول لأنه لا يتفق في شيء مع الغرض الذي من أجله وضع كتابه هذا وهو "جمع المسلمين على الكتاب والسنة والقضاء على الخلاف وبدعة التعصب للمذاهب" كما نص هو عليه في "المقدمة" بل إن قوله هذا تأييد عملي للمقلدة الذين يردون أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بمثل هذه الدعوى في أئمتهم1.
1 ثم رأيت المؤلف - جزاه الله خيرا - قد حذف من طبعته الجديدة للكتاب 1 / 55 هذا الاستفهام تجاوبا منه مع إنكارنا إياه. أثابه الله.
أقول: هذا على افتراض أن ما ذكره المؤلف عن الخلفاء الراشدين من مخالفة الحديث ثابت عنهم وإلا فإني أقول: أين السند الصحيح بذلك عنهم؟ وهذا أقل ما يجب على من يريد أن يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخالفة غيره له؟!
وليس للمؤلف أي دليل أو سند في إثبات ذلك إلا اعتماده على ما ذكره النووي في "شرح مسلم" أنه: "ذهب الأكثرون إلى أنه لا ينقض الوضوء يعني أكل لحم الجزور وممن ذهب إليه الخلفاء الأربعة الراشدون
…
".
وهذه الدعوى خطأ من النووي رحمه الله قد نبه عليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال في "القواعد النورانية" ص 9:
"وأما من نقل عن الخلفاء الراشدين أو جمهور الصحابة أنهم لم يكونوا يتوضؤون من لحوم الإبل فقد غلط عليهم إنما توهم ذلك لما نقل عنهم أنهم لم يكونوا يتوضؤون مما مست النار وإنما المراد أن كل ما مست النار ليس سببا عندهم لوجوب الوضوء والذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الوضؤ من لحوم الإبل ليس سببه مس النار كما يقال: كان فلان لا يتوضأ من مس الذكر وإن كان يتوضأ منه إذا خرج منه مذي".
قلت: ويؤيد ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن الطحاوي 1 / 41 والبيهقي 1 / 157 رويا عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أكلا خبزا ولحما فصليا ولم يتوضيا. ثم أخرجا نحوه عن عثمان والبيهقي عن علي.
فأنت ترى أنه ليس في هذه الآثار ذكر للحم الإبل البتة وإنما ذكر فيها.
اللحم مطلقا وهذا لو كان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لوجب حمله على غير لحم الإبل دفعا للتعارض فكيف وهو عن غيره صلى الله عليه وسلم فحمله على غير لحم الإبل واجب من باب أولى حملا لأعمالهم على موافقة الشريعة لا على مخالفتها ولذلك أورد الطحاوي والبيهقي هذه الآثار في باب "الوضوء مما مست النار" ولم يوردها البيهقي في "باب التوضؤ من لحوم الإبل" وإنما قال فيه:
"وروينا عن علي بن أبي طالب وابن عباس: الوضوء مما خرج وليس مما دخل وإنما قالا ذلك في ترك الوضوء مما مست النار".
ثم روى البيهقي فيه بسنده عن ابن مسعود أنه أكل لحم جزور ولم يتوضأ ثم قال: "وهذا منقطع وموقوف وبمثل هذا لا يترك ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قلت: وبخاصة أنه ثبت عن الصحابة خلافه فقال جابر بن سمرة رضي الله عنه: كنا نتوضأ من لحوم الإبل ولا نتوضأ من لحوم الغنم رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" 1 / 46 بسند صحيح عنه
ومن ما يجب له الوضوء
قلت: ذكر فيه حديث: "لا يمس القرآن إلا طاهر" من طريقين ثم قال:
"فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا لمن كان طاهرا ولكن الطاهر لفظ مشترك يطلق على الطاهر من الحدث الأكبر والطاهر من الحدث الأصغر ويطلق على المؤمن وعلى من ليس على بدنه نجاسة ولا بد لحمله على معين من قرينة فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف".
قلت: هذا الكلام اختصره المؤلف من كلام الشوكاني على الحديث في "نيل الأوطار" 1 / 180 - 181 وهو كلام مستقيم لا غبار عليه إلا قوله في آخره: "فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف" فإنه من كلام المؤلف ومفهومه أن الحديث نص في منع المحدث حدثا أكبر من مس المصحف وهو على هذا غير منسجم مع سياق كلامه لأنه قال فيه: "ولا بد لحمله على معين من قرينة" فها هو قد حمله على المحدث حدثا أكبر فأين القرينة؟!
فالأقرب - والله أعلم - أن المراد بالطاهر في هذا الحديث هو المؤمن سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن لا ينجس" وهو متفق على صحته والمراد عدم تمكين المشرك من مسه فهو كحديث: "نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو" متفق عليه أيضا وقد بسط القول في هذه المسالة الشوكاني قي كتابه السابق فراجعه إن شئت زيادة التحقيق.
ثم إن الحديث قد خرجته من طرق في "إرواء الغليل" 122 فليراجعه من شاء.
ومن ما يستحب له الوضوء
قوله تحت رقم 1 -: وعن علي كرم الله وجهه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويكل معنا اللحم ولم يكن يحجزه عن القران شيء ليس الجنابة. رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن السكن.
قلت: الترمذي معروف عند العلماء بتساهله في التصحيح حتى قال الذهبي في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف من "الميزان ":
"ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه".
وكذلك ابن السكن ليس تصحيحه مما إليه يركن ولذلك لا بد من النظر في سند الحديث إذا صححه أحد هذين أو من كان مثلهما في التساهل كابن خزيمة وابن حبان حتى يكون المسلم على بصيرة من صحة حديث نبيه صلى الله عليه وسلم وقد وجدنا في الأئمة ممن ضعف الحديث من هم أعلى كعبا في هذا العلم وأكثر عددا من الترمذي وابن السكن فقال النووي:
"خالف الترمذي الأكثرون فضعفوا هذا الحديث".
وقال المنذري في "مختصر السنن" 1 / 156:
"وذكر أبو بكر البزار أنه لا يروى عن علي إلا من حديث عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة وحكى البخاري عن عمرو بن مرة: كان عبد الله - يعني: ابن
سلمة - يحدثنا فنعرف وننكر وكان قد كبر لا يتابع على حديثه. وذكر الإمام الشافعي هذا الحديث وقال: لم يكن أهل الحديث يثبتونه. قال البيهقي: وإنما توقف الشافعي في ثبوت هذا الحديث لأن مداره على عبد الله بن سلمة الكوفي وكان قد كبر وأنكر من حديثه وعقله بعض النكر وإنما روى هذا الحديث بعدما كبر
قال شعبة: وذكر الخطابي أن الإمام أحمد كان يوهن حديث علي ويضعف أمر عبد الله بن سلمة".
فهذا الإمام الشافعي وأحمد والبيهقي والخطابي قد ضعفوا الحديث فقولهم مقدم لوجوه:
الأول: أنهم أعلم وأكثر.
الثاني: أنهم قد بينوا علة الحديث وهي كون راويه قد تغير عقله وحدث به في حالة التغير فهذا جرح مفسر لا يجوز أن يصرف عنه النظر.
الثالث: أنه قد عارضه حديث عائشة رضي الله عنها قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
رواه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" فهو بعمومه يشمل حالة الجنابة وغيرها كما أن الذكر يشمل القرآن وغيره.
وقد كنت قديما اعترضت على المؤلف لاحتجاجه بهذا الحديث واحتججت عليه بنحو ما ذكرت هنا ثم رد عل بأن الحافظ حسنه فتعجبت وقتئذ كيف قدم تحسين الحافظ على تضيف هؤلاء الأئمة مع كون هذا التضعيف موافقا لقواعد علم الحديث من رد حديث المختلط والمتغير كما تقدم بيانه في المقدمة.
والآن أعود فأذكر الأستاذ الفاضل بهذه الحقيقة {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} 1.
وقد زدت هذا البحت بيانا في "الإرواء" 485 فمن شاء رجع إليه
قوله تحت رقم 6 -: وروي عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
قلت: هذا يوهم أن الترمذي - الذي من عادته أن يتكلم على الحديث تصحيحا أو تضعيفا - قد سكت على هذا الحديث وليس كذلك بل صرح عقب تخريجه بأن إسناده ضعيف. وقد يعتذر عن المؤلف بأنه استغنى عن ذكره اختصارا مكتفيا بالإشارة إلى ضعف الحديث بتصديره إياه بقوله: "روي". فأقول: هذا لا يكفي فإنا مأمورون بمخاطبة الناس على قدر ما يفهمون والتصدير المذكور أمر اصطلاحي عند المحدثين قليل من قراء هذا الكتاب من يعلم المقصود منه أو يتنبه له حتى المؤلف نفسه قد ذهل عن هذه الحقيقة حين نقل بعض الأحاديث عن الترغيب للمنذري مصدرة بهذه اللفظة: "روي" وعقب ذلك بقوله: "سكت عنه المنذري" مع أن المنذري ضعفه بهذا التصدير فإذا خفي هذا على المؤلف نفسه فلأن يخفى على قراء كتابه أولى ولا سيما أنه لم ينص في "المقدمة" على أن له هذا الاصطلاح كما فعل المنذري في مقدمة كتابه وقد نقلت كلامه في مقدمة هذه التعليقات "القاعدة: 13" فراجعها بل أنا في شك من أن يكون المؤلف قد عنى تضعيف الحديث بهذا التصدير الذي تبع فيه المنذري لما ذكرته.
1 راجع الصفحة الأولى من هذه التعليقات وانظر ما سيأتي من التعليق على ما يحرم على الجنب.
آنفا ولما سيأتي في "الغسل من غسل الميت".
ثم إن الحديث متفق على تضعيفه عند المحدثين وقد ذكرت نصوصهم في ذلك في كتابي "ضعيف سنن أبي داود" رقم 9 ومنهم المنذري حيث صدره بصيغة روي وعنه نقله المؤلف بالحرف الواحد!
هذا وتتميما للفائدة أذكر مواضع أخرى يستحب لها الوضوء لم يذكرها المؤلف وقد أوردتها في "الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب" ومنه نقلت الخلاصة الآتية:
1 -
الوضوء عند كل حدث لحديث بريدة بن الحصيب قال:
أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا بلالا فقال: "يا بلال بما سبقتني إلى الجنة؟ إني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامي؟ " فقال بلال: يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده فقال رسول الله "صلى الله عليه وسلم: "لهذا".
رواه الترمذي والحاكم وابن خزيمة في "صحيحه" وإسناده صحيح على شرط مسلم واقتصر المنذزي على عزوه لابن خزيمة وحده وهو قصور!
2 -
الوضوء من القئ لحديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر فتوضأ فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له فقال: صدق أنا صببت له وضوءه.
أخرجه الترمذي 1 / 142 - 143 وغيره بإسناد صحيح والاضطراب الذي وقع في سنده لا يعله لأن حسينا المعلم قد جوده كما قال الترمذي وأحمد راجع "نيل الأوطار" 1 / 164 وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على الترمذي.