الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن مباحات الصيام
قوله تحت هذا العنوان: "
…
فإذا طلع الفجر وفي فمه طعام وجب عليه أن يلفظه
…
".
قلت: هذا تقليد لبعض الكتب الفقهية وهو مما لا دليل عليه في السنة المحمدية بل هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه".
أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه هو والذهبي وأخرجه ابن حزم وزاد:
"قال عمار يعني: ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة: وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر".
قال حماد يعني: ابن سلمة عن هشام بن عروة: كان أبي يفتي بهذا.
وإسناده صحيح على شرط مسلم.
وله شواهد ذكرتها في "التعليقات الجياد" ثم في "الصحيحة"1394.
وفيه دليل على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه فهذه الصورة مستثناة من الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} 1 فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث وبين هذا الحديث ولا إجماع يعارضه بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر وينتشر البياض في الطرق راجع "الفتح 4 / 109 – 110.
لأن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة؟ لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة. فتأمل.
1 البقرة 187.
ومن ما يبطل الصيام
قوله: "الاستمناء إخراج المني سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه أو كان باليد فهذا يبطل الصوم ويوجب القضاء".
قلت: لا دليل على الإبطال بذلك وإلحاقه بالجماع غير ظاهر ولذلك قال الصنعاني:
"الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع وإلحاق غير المجامع به بعيد".
وإليه مال الشوكاني وهو مذهب ابن حزم فانظر "المحلى" 6 / 175 - 177 و205.
ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة قالوا:
"لأن الجماع أغلظ والأصل عدم الكفارة".
انظر "المهذب" مع "شرحه" للنووي 6 / 368.
فكذلك نقول نحن: الأصل عدم الأفطار والجماع أغلظ من الاستمناء
فلا يقاس عليه. فتأمل.
وقال الرافعي 6 / 396:
"المني إن خرج بالاستمناء أفطر لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا".
قلت: لو كان هذا صحيحا لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الإيلاج بدون إنزال وهم لا يقولون أيضا بذلك. فتأمل تناقض القياسيين!
أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل وقد ذكرت بعضها في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" تحت الأحاديث 219 - 221 ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سألها: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت:
"كل شيء إلا الجماع".
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" 4 / 190 / 8439 بسند صحيح كما قال الحافظ في "الفتح" واحتج به ابن حزم. وراجع سائرها هناك.
وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في "صحيحه" 2 / 243:
"باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين: أحدهما مباح والآخر محظور إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "إن الجماع يفطر الصائم" والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير
مكروهة".
وإن مما ينبغي التنبيه عليه هنا أمرين:
الأول: أن كون الإنزال بغير جماع لا يفطر شيء ومباشرة الصائم شيء آخر ذلك أننا لا ننصح الصائم وبخاصة إذا كان قوي الشهوة أن يباشر وهو صائم خشية أن يقع في المحظور الجماع وهذا سدا للذريعة المستفادة من عديد من أدلة الشريعة منها قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه" وكأن السيدة عائشة رضي الله عنها أشارت إلى ذلك بقولها حين روت مباشرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صائم:
"وأيكم يملك إربه؟ ".
والأمر الآخر: أن المؤلف لما ذكر الاستمناء باليد فلا يجوز لأحد أن ينسب إليه أنه مباح عنده لأنه إنما ذكره لبيان أنه مبطل للصوم عنده.
وأما حكم الاستمناء نفسه فلبيانه مجال آخر وهو قد فصل القول فيه في "كتاب النكاح" وحكى أقوال العلماء واختلافهم فيه وإن كان القارئ لا يخرج مما ذكره هناك برأي واضح للمؤلف كما هو الغالب من عادته فيما اختلف فيه.
وأما نحن فنرى أن الحق مع الذين حرموه مستدلين بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}
ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا إلا إذا استعمل الطب النبوي وهو قوله صلى الله عليه وسلم للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج:
"فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
ولذلك فإننا ننكر أشد الإنكار على الذين يفتون الشباب بجوازه خشية الزنا دون أن يأمروهم بهذا الطب النبوي الكريم.
قوله: "قال الشوكاني: وقد وقع في الروايات ما يدل على الترتيب والتخيير يعني في كفارة الإفطار بالجماع والذين رووا الترتيب أكثر ومعهم الزيادة".
قلت: قد ذكر ابن القيم لرواية الترتيب مرجحات ستة إحداها ما ذكره الشوكاني ومن وقف عليها لا يشك في أرجحيتها فراجعها في "تهذيب السنن" 3 / 269 – 272.