الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: إن لم يكن هذا تراجعا - وهذا ما نرجوه - فهو اضطراب شديد جدا إذ يقرر في أول البحث عدم مشروعية القنوت في الفجر دائما ويؤكده أخيرا بأن هديه صلى الله عليه وسلم ترك هذا القنوت فكيف يقول مع هذا وهو حق بلا ريب: "يستوي فيه الفعل والترك" فليت شعري كيف يستوي الفعل وهو غير مشروع مع الترك وهو المشروع؟!
وسيأتي للمؤلف نحوها في "الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف والإسرار بها" فانظر ص 263.
وهذا مما يجعلني أقطع بأن المؤلف لا يعيد النظر فيما يكتب وهو من أسباب وقوع الأخطاء الكثيرة في كتابه هذا وإلا فأقل الناس علما وفهما يتبين له هذا التناقض الواضح.
ومن قيام الليل
قوله فيما جاء في فضله من السنة: 2 وقال سلمان الفارسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ومقربة لكم إلى ربكم ومكفرة للسيئات ومنهاة عن الإثم ومطردة للداء عن الجسد".
قلت: يؤخذ عليه أمران:
عدم تخريجه إياه وسكوته عن بيان ضعفه وهو من رواية الطبراني عن عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الجوف عن الأعمش عن أبي العلاء النوري عن سلمان.
وعبد الرحمن هذا قال أبو حاتم:
"لا يحتج به". وقال ابن عدي: "عامة أحاديثه مستقيمة وفي بعضها إنكار".
ثم ساق له هذا الحديث مشيرا إلى أن فيه نكارة قال الذهبي:
"وأبو العلاء لا أعرفه".
والحديث أخرجه الترمذي من طريق أخرى من حديث بلال وقال:
"ولا يصح من قبل إسناده".
قلت: وعلته أنه من رواية محمد بن سعيد وهو المصلوب وهو كذاب قال أحمد بن صالح:
"وضع أربعة آلاف حديث".
نعم الحديث دون الجملة الأخيرة منه: "ومطردة للداء عن الجسد" حسن أو صحيح فقد أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما من حديث أبي أمامة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وحسنه البغوي والحافظ العراقي فلو أن المؤلف آثره لكان أصاب وهو مخرج في "الإرواء" 452 و "المشكاة"1227.
قال: 3 وقال سهل بن سعد: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت
…
واعلم أن شرف المرء من قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس".
قلت: القول في هذا كالذي قبله وقد رواه الطبراني وفي سنده زافر بن سليمان وهو صدوق كثير الأوهام كما في "التقريب" وقد قال العقيلي في هذا الحديث:
"ليس له أصل مسند".
لكن روي من حديث جابر أيضا وعلي بن أبي طالب فهو بهما حسن كما بينته في "الصحيحة"831.
قوله في آدابه تحت رقم 2: ثم يدعو يعني عند الاستيقاظ بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: "لا إله إلا أنت سبحانك
…
وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب".
قلت: فيه ما في الحديثين قبله وكأن المؤلف اغتر بقول النووي في "الأذكار ":
"رويناه في "سنن أبي داود" بإسناد لم يضعفه عن عائشة".
قلت: وقد بينا في المقدمة أنه لا يجوز أن يغتر بسكوت أبي داود على الحديث فراجعها وهذا الحديث من الشواهد على ذلك فإن فيه عبد الله بن الوليد وهو لين الحديث كما قال الحافظ في "التقريب" وعمدته في ذلك الدارقطني. فإنه قال: "لا يعتبر بحديثه" وضعفه وأما ابن حبان فوثقه فتوسط الحافظ بينهما فلينه فالعجب منه كيف حسنه في "النتائج" ق 24 / 1!
وقوله: "ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض
…
".
قلت: هذا من أدعية الاستفتاح في صلاة الليل وقد صرحت بذلك رواية أبي عوانة في "صحيحه" وأبي داود لهذا الدعاء وهو من حديث ابن عباس. وقد جاء مطلقا في "الصحيحين" فأخذ به المصنف ههنا وأخذ برواية أبي داود المقيدة في "التوجه" 1 / 270 وهو الصواب لأن المقيد يقضي على المطلق كما تقرر
في علم الأصول فالأخذ به ههنا غير صواب فلعله ظن أنه حديث آخر!
قوله في عدد ركعاته:" 1 فعن سمرة بن جندب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل أو كثر. ونجعل آخر ذلك وترا. رواه الطبراني والبزار".
قلت: نقله المؤلف عن "مجمع الزوائد" 2 / 252 وإن لم يشر إلى ذلك ولا أدري لم لم ينقل تمام كلامه عليه المبين لحاله وهو قوله: "وإسناده ضعيف "؟ أو نقله من "الترغيب" 1 / 217 وقد صدره بقوله: "روي" مشعرا بضعفه كما نص عليه في المقدمة وفي إسناد البزار والطبراني متهم بالوضع وضعفه البزار نفسه عقب الحديث.
لكني وجدت له متابعا وطريقا أخرى لا يتقوى الحديث بها لوهائها وقد بينت ذلك في "الضعيفة"5284.
قوله:" 2 وروي عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة
…
وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل". رواه أبو الشيخ ابن حيان في "كتاب الثواب" وسكت عليه المنذري في الترغيب والترهيب ".
قلت: كلا بل ضعفه بتصديره إياه بقوله: "روي" كما قد نص عليه في المقدمة ونقلت كلامه في ذلك في "المقدمة" فراجعه.
وفي الحديث نفسه ما يدل على ضعفه فإن فيه أن الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم بعشرة آلاف والثابت في الأحاديث الصحيحة أنها بألف صلاة. ولذلك فالحديث منكر.
قوله:" 3 وعن إياس بن معاوية المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا بد من صلاة بليل ولو حلب شاة وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل". رواه الطبراني ورواته ثقات إلا محمد بن إسحاق".
قلت: نقله المؤلف من "الترغيب" وفي كلامه إشارة إلى إعلال الحديث لأن ابن إسحاق مدلس فالظاهر أنه قد عنعنه فإن كان صرح بالتحديث فليس بعلة.
لكن في الحديث علة أخرى وهي الإرسال فإن إياس بن معاوية ليس صحابيا بل هو من صغار التابعين توفي سنة 122 س فالحديث ضعيف بهذا اللفظ وهو بظاهره يفيد وجوب ما قل من صلاة الليل!
ويغني عنه في الحض عليها حديث ابن عباس الذي يتلوه في الكتاب فقد قواه المنذري والهيثمي.
ثم تأكدت مما استظهرته حين رأيت الحديث في "معجم الطبراني الكبير" 1 / 271 / 787 من طريق محمد بن إسحاق معنعنا. والله ولي التوفيق.
وقد طبع هذا المجلد بهمة وتحقيق الأخ الشيخ حمدي السلفي جزاه الله سبحانه وتعالى خيرا.
وأما حديثه الآخر رقم 5 فقد ضعفاه.
وقد رواه أحمد أيضا في "الزهد" ص 16 بسند ضعيف كما بينته في "الضعيفة" 3912 وخرجت تحته حديث ابن عباس القوي من رواية أبي يعلى
قوله تحت رقم 5 -: "والأفضل المواظبة على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة وهو مخير بين أن يصلها وبين أن يقطعها قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن
…
رواه البخاري ومسلم. ورويا أيضا عن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة".
قلت: وتمام حديث القاسم عنها عندهما: "ويركع ركعتي الفجر فتلك ثلاث عشرة ركعة". فيؤخذ على المؤلف أمور:
الأول: أنه خير بين الوصل والفصل وهو يفيد أن لا تفاضل بين الأمرين مع أنه فضل فيما سبق الفصل على الوصل في الصلاة النهارية بدليل: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" فهذا يلزمه نفس التفضيل فتأمل. مع أن ذكر النهار في الحديث شاذ لولا الطرق والشواهد التي سبق بيانها.
الثاني: أنه لم يذكر الدليل على الثلاث عشرة ركعة وهو من حديث عائشة أيضا قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالليل ثلاث عشرة ركعة ثم يصلي إذا سمع النداء بالصبح ركعتين خفيفتين. رواه البخاري 3 / 35 بشرح الفتح من طريق مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عنها.
وكذلك أخرجه أحمد 6 / 178 وفي رواية له 6 / 230:
"ويوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء منها إلا في آخرها".
وإسنادها على شرط الشيخين.
لكني أرى أن قوله: "ثلاث عشرة" خطأ من هشام لأنه قد خالفه الزهري عند مالك 1 / 141 ومن طريقه مسلم 2 / 165 وأبو عوانة 2 / 326 فقال: عن عروة
…
"إحدى عشرة".
وكذلك أخرجه البخاري 3 / 6 ومسلم وأبو عوانة من طرق أخرى عن الزهري به. وقد تابعه عمران بن ما لك ويأتي لفظه ومحمد بن جعفر بن الزبير عن عروة به. بل هو رواية عن هشام نفسه فقال محمد بن إسحاق: حدثني هشام ابن عروة بن الزبير ومحمد بن جعفر بن الزبير كلاهما حدثني عن عروة بن الزبير عن عاثشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة بركعتين بعد الفجر قبل الصبح إحدى عشرة ركعة من الليل ست مثنى مثنى ويوتر بخمس لا يقعد فيهن. أخرجه أحمد 6 / 276 وسنده جيد.
فهذه الرواية تدل على أن هشاما كان يضطرب في رواية الحديث فتارة يجعل ركعتي سنة الفجر زيادة على "الثلاث عشرة" وتارة يجعلهما منها وهذا هو الصواب لأمرين:
الأول: أنه موافق لرواية الثقات الآخرين عن عروة.
الثاني: أنه موافق للطرق الأخرى عن عائشة مثل رواية القاسم عنها فإنها صريحة بأنها ثلاث عشرة بركعتي الفجر وقد تقدمت ومثلها رواية أبي سلمة عنها بلفظ:
"كانت صلاته في شهر رمضان وغيره ثلاث عشرة ركعة منها ركعتا الفجر".
أخرجه مسلم 2 / 167.ونحوه رواية عمران عن عروة بلفظ:
"كان يصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر".
أخرجه مسلم 2 / 166 وأحمد 6 / 222.
نعم قد يعارض هذا ما روى عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة بكم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر؟ قالت: بأربع وثلاث وست وثلاث وثمان وثلاث وعشر وثلاث ولم يكن يوتر بأكثر من ثلاث عشرة ركعة ولا أنقص من سبع".
أخرجه أحمد 6 / 149 وأبو داود 1 / 214 وسنده صحيح كما قال العراقي في "تخريج الإحياء".
وجمع بين هذه الرواية والروايات المتقدمة عنها بأنها أخبرت فيها عن حالته صلى الله عليه وسلم المعتادة الغالبة وفي هذه الرواية أخبرت عن زيادة وقعت في بعض الأوقات أو ضمت فيها ما كان يفتتح به صلاته من ركعتين خفيفتين قبل الإحدى عشرة.
قلت: ويؤيد هذا حديث زيد بن خالد الجهني قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة فتوسدت عتبته أو فسطاطه فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين خفيفتين ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم صلى ركعتين دون اللتين قبلهما ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة.
أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما" وابن نصر في "قيام الليل" ص 48 وما بين القوسين ساقط من أبي عوانة والسياق له.
قلت: ويحتمل أن تكون الضميمة ركعتي سنة العشاء البعدية أحيانا فإني لا أذكر حديثا صريحا ذكر فيه صلاته عليه السلام للعشاء ثم سنتها ثم الوتر بإحدى عشرة ركعة بله ثلاث عشرة ركعة بل وقفت على ما يؤيد هذا الاحتمال وهو ما روى شرحبيل بن سعد أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية حتى إذا كنا بالسقيا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وجابر إلى جنبه فصلى العتمة ثم صلى ثلاث عشرة سجدة. رواه ابن نصر ورجاله ثقات إلا أن شرحبيل بن سعد كان اختلط بآخره. والله أعلم.