الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قضاء رمضان
قوله: "قضاء رمضان لا يجب على الفور بل يجب وجوبا موسعا في أي وقت وكذلك الكفارة".
قلت: هذا يتنافى مع قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران: 133] فالحق وجوب المبادرة إلى القضاء حين الاستطاعة وهو مذهب ابن حزم 6 / 260 وليس يصح في السنة ما يعارض ذلك.
وأما استدلال المؤلف على عدم الوجوب بقوله:
"فقد صح عن عائشة أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان. رواه أحمد ومسلم ولم تكن تقضيه عند قدرتها على القضاء".
فليس بصواب لأنه ليس في حديث عائشة أنها كانت تقدر أن تقضيه فورا بل فيه عكس ذلك فإن لفظ الحديث عند مسلم 3 / 154 - 155:
"كان يكون على الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهكذا أخرجه البخاري أيضا في "صحيحه" خلافا لما أوهمه تخريج المصنف وفي رواية لمسلم عنها قالت:
"إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان".
فالحديث بروايتيه صريح في أنها كانت لا تستطيع ولا تقدر على القضاء قبل شعبان وفيه إشعار بأنها لو استطاعت لما أخرته فهو حجة على المؤلف ومن سبقه ولذلك قال الزين بن المنير رحمه الله:
"وظاهر صنيع عائشة يقتضي إيثار المبادرة إلى القضاء لولا ما منعها من الشغل فيشعر بأن من كان بغير عذر لا ينبغي له التأخير".
واعلم أن ابن القيم والحافظ وغيرهما قد بينا أن قوله في الحديث: "الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو برسول الله صلى الله عليه وسلم مدرج في الحديث ليس من كلام عائشة بل من كلام أحد رواته وهو يحيى بن سعيد ومن الدليل على ذلك قول يحيى في رواية لمسلم: "فظننت أن ذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم".
ولكن هذا لا يخدج فيما ذكرنا لأننا لم نستدل عليه بهذا المدرج بل بقولها: "فما أستطيع
…
والمدرج إنما هو بيان لسبب عدم الاستطاعة وهذا لا يهمنا في الموضوع ولا أدري كيف خفي هذا على الحافظ حيث قال في خاتمة شرح الحديث:
"وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا سواء كان لعذر أو لغير عذر لأن الزيادة كما بيناه مدرجة
…
"؟!
فخفي عليه أن عدم استطاعتها هو العذر. فتأمل.
قوله: "وروى الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في قضاء رمضان: "إن شاء فرق وإن شاء تابع".
قلت: لو صح هذا لكان دليلا قاطعا للنزاع ولكنه لم يصح فإنه عند الدارقطني ص 244 من طريق سفيان بن بشر بسنده عنه ثم قال الدارقطني:
"لم يسنده غير سفيان بن بشر".
قلت: وهو في عداد المجهولين فإني لم أجد له ذكرا في شيء من كتب الرجال التي عندي وكأنه لذلك صرح بتضعيف إسناده البيهقي في "السنن" 4 / 258 وأشار لتضعيفه الحافظ في "التلخيص" 6 / 434 حيث قال بعد أن عزا الحديث للدارقطني:
"قال: ورواه عطاء عن عبيد بن عمير مرسلا. قلت: وإسناده ضعيف أيضا".
وأما قول الشوكاني:
"وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال: ما علمنا أحدا طعن في سفيان ابن بشر".
قلت: هذا القدر لا يكفي في تصحيح الحديث فإن مثل هذا القول يمكن أن يقال في كل مجهول ونقول على سبيل المعارضة: ما علمنا أحدا وثق سفيان ابن بشر. وهذا أقرب إلى القواعد الحديثية لأن صحة الحديث يشترط فيها ثبوت ثقة رجاله بشهادة الأئمة وأما ضعفه فيكفي أن لا تثبت أو لا تعرف الثقة ولو في بعض رواته كما هو معروف عند المشتغلين بعلم السنة ثم نقول: كيف يصح هذا الحديث وقد ضعفه أحد أئمة الحديث ونقاده وهو الإمام البيهقي؟!
ثم هو معارض بما هو أقوى منه وهو حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لا صوم بعد النصف من شعبان حتى رمضان ومن كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه".
أخرجه الدارقطني ص 243 وعنه البيهقي من طريق حبان بن هلال: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيم القاص - وهو ثقة -: ثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وقال الدارقطني:
"عبد الرحمن بن إبراهيم ضعيف الحديث".
قلت: وهو مختلف فيه وقد وثق في إسناد الدارقطني كما ترى وقد وثقه ابن معين والبخاري وغيرهما ولذلك قال ابن القطان:
"فهو مختلف فيه والحديث من روايته حسن" كما في "الجوهر النقي".
ونقل الحافظ عن ابن القطان أنه قال:
"ولم يأت من ضعفه بحجة والحديث حسن".
ثم تعقبه الحافظ بقوله:
"قلت: قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن".
قلت: وجملة القول "أنه لا يصح في هذا الباب شيء لا سلبا ولا إيجابا والأمر القرآني بالمسارعة يقتضي وجوب المتابعة إلا لعذر وهو مذهب ابن حزم أيضا 6 / 261 قال:
"فإن لم يفعل فيقضيها متفرقة وتجزيه لقول الله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} ولم يحدد تعالى في ذلك وقتا يبطل القضاء بخروجه وهو قول أبي
حنيفة".
فائدة: لم يتعرض المؤلف لقضاء رمضان ممن أفطره عامدا متعمدا هل يشرع له قضاؤه أم لا؟ والظاهر الثاني وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقد قال في "الاختيارات" ص 65:
"لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ولا تصح منه وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في رمضان بالقضاء ضعيف لعدول البخاري ومسلم عنه".
وهو مذهب ابن حزم و - رواه عن أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود وأبي هريرة فراجع "المحلى" 6 / 180 – 185.
لكن تعليل ابن تيمية ضعف حديث أمر المجامع في رمضان بالقضاء بعدول البخاري ومسلم عنه ليس بشيء عندي فكم من حديث عدل الشيخان عنه وهو صحيح والحق أنه ثابت صحيح بمجموع طرقه كما قال الحافظ ابن حجر وأحدها صحيح مرسل كما كنت بينته في تعليقي على رسالة ابن تيمية في "الصيام" ص 25 - 27 ثم في "إرواء الغليل" 4 / 90 - 92 فقضاء المجامع من تمام كفارته فلا يلحق به غيره من المفطرين عمدا ويبقى كلام الشيخ في غيره سليما.
أما الصلاة فهو مختار المصنف أيضا تبعا لابن حزم وقد كان نقل كلامه في ذلك ملخصا في "الصلاة" قبيل "الجمعة" وكان يلزمه أن يختار مثله في الصوم فإن دليل عدم القضاء فيه مثله في الصلاة ولا سيما أنه مذهب ابن حزم أيضا فقد قال:
"برهان ذلك أن وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء نص
بإيجاب القضاء لأنما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح المقيم العاقل البالغ فإيجاب صيام غيره بدلا منه إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به فهو باطل ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى فيقول قائل: إن صوم غيره ينوب عنه بغير نص وارد في ذلك وبين من قال: إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة والصلاة إلى غير الكعبة تنوب عن الصلاة إلى الكعبة وهكذا في كل شيء قال الله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا} وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} ".
ثم شرع يرد على المخالفين قياسهم كل مفطر بعمد على المفطر بالقئ وعلى المجامع في رمضان.
ثم روى مثل قوله عن الخلفاء الراشدين حاشا عثمان وعن ابن مسعود وأبي هريرة
فراجعه.
قلت: لكن المجامع في رمضان قد صح أنه أمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء أيضا.