الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأغتسال المستحبة
…
ومن الأغسال المستحبة
قوله تحت رقم 1 -: "وقد ذهب جماعة من العلماء إلى القول بوجوب الغسل للجمعة
…
".
قلت: وهو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه لأن الأحاديث الدالة عليه أقوى إسنادا وأصرح في الدلالة من الأحاديث التي استدل بها المخالفون على الاستحباب فانظر مثلا استدلالهم بحديث عمر المذكور في الكتاب فإنه لا حجة لهم فيه بل هو عليهم لأن إنكار عمر على رأس المنبر في ذلك الجمع الحافل على مثل ذلك الصحابي الجليل وتقرير جميع الحاضرين من الصحابة وغيرهم لما وقع من ذلك الإنكار لهو من أعظم الأدلة القاضية بأن الوجوب كان معلوما عند الصحابة ولو كان الأمر عندهم على عدم الوجوب لما عول ذلك الصحابي في الاعتذار على غيره فأي تقرير من عمر ومن حضر بعد هذا الإنكار؟!
وكذلك استدلالهم بحديث أبي هريرة: "من توضأ فأحسن الوضوء
…
" فقد أجاب عنه الحافظ نفسه بقوله في "الفتح ":
"ليس فيه نفي الغسل وقد ورد من وجه آخر في الصحيح بلفظ: "من اغتسل" فيحتمل أن يكون ذكر الوضوء لمن تقدم غسله على الذهاب فاحتاج إلى إعادة الوضوء".
وجملة القول أن الأحاديث المصرحة بوجوب غسل الجمعة فيها حكم زائد على الأحاديث المفيدة لاستحبابه فلا تعارض بينها والواجب الأخذ بما تضمن الزيادة منها وراجع تفصيل هذا البحث في "نيل الأوطار" للشوكاني و "المحلى" لابن حزم.
قوله تحت رقم 3 -: "لما روي عن عمر قال: كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل
رواه الخطيب بإسناد صحيح".
قلت: لا شك أن إسناده صحيح لكن تصديره بقوله: "روي" لا يتفق مع ما اصطلح عليه المحدثون من أن هذه الصيغة ونحوها إنما يصدر بها الحديث الضعيف فهذا يدلنا على أن المؤلف لم يراع هذا الاصطلاح ههنا فهل يا ترى يرعاه حين يصدر الحديث بهذه الصيغة ويسكت عنه كما فعل في الحديث المتقدم ص 44؟ أنا في شك من ذلك كما ذكرته هناك. والله أعلم.
ثم إن المؤلف تبع الحافظ ابن حجر في "التلخيص" أو من نقل ذلك عنه في اقتصار عزوه للخطيب يعني في "تاريخه" وذلك يوهم أنه ليس عند من هو أعلى طبقة منه وكتابه أشهر من كتابه وليس كذلك فقد أخرجه الدارقطني أيضا في "سننه" ص 191 وهي فائدة أحببت أن أنبه عليها.
وقوله: "ولما غسلت أسماء بنت عميس زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين توفي خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت: إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل؟ قالوا: لا
رواه مالك".
قلت: جزمه بان أسماء غسلت زوجها
…
الخ. يوهم أن القصة صحيحة الإسناد وليس كذلك لانقطاعه فإن مالكا أخرجها في "الموطأ" 1 / 222 - 223 عن عبد الله بن أبي بكر أن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر الصديق حين توفي ثم خرجت
…
وعبد الله بن أبي بكر هذا ليس هو ابن أبي بكر الصديق كما قد يتوهم بل
هو عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري وهو ثقة إمام من شيوخ مالك ولكنه لم يدرك أسماء بنت عميس فإن وفاتها قبل سنة خمسين وولادة عبد الله بعد سنة ستين كما يستفاد من "التهذيب" وغيره.
ولو صح هذا الأثر لكان ظاهر الدلالة على وجوب هذا الاغتسال كما هو مذهب ابن حزم لأنهم إنما أفتوها بتركه لعذر البرد الشديد مع كونها صائمة فتأمل.
فائدة: ههنا أغسال ثابتة لم يتعرض المؤلف لذكرها فرأيت من الفائدة أن لا نغفلها:
1 -
الاغتسال عند كل جماع لحديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت: يا رسول الله! ألا تجعله واحدا؟ قال: "هذا أزكى وأطيب وأطهر"
رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن ولذلك أوردته في "صحيح أبي داود" وذكرت فيه أن الحافظ ابن حجر قواه واستدل به على ما ذكرنا.
2 -
اغتسال المستحاضة لكل صلاة أو للظهر والعصر جميعا غسلا وللمغرب والعشاء جميعا غسلا وللفجر غسلا لحديث عائشة قالت: إن أم حبيبة استحيضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها بالغسل لكل صلاة
…
الحديث وفي رواية عنها: استحيضت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل لهما غسلا وتغتسل لصلاة الصبح غسلا وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين والأولى صحيح فقط كما بينته في "صحيح السنن" رقم 300 و305.
3 -
الاغتسال بعد الإغماء لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أصلى الناس؟ " فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله فقال: "ضعوا لي ماء في المخضب". قالت: ففعلت فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: "أصلى الناس؟ " فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله
فقال: "ضعوا لي الماء في المخضب". قالت: ففعلنا فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق قال: "أصلى الناس؟ " فقلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله. فذكرت إرساله إلى أبي بكر وتمام الحديث. متفق عليه كما في "المنتقى" أورده في "باب: غسل المغمى عليه إذا أفاق". قال الشوكاني 1 / 212:
"وقد ساقه المصنف ههنا للاستدلال به على استحباب الاغتسال للمغمى عليه وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهو مثقل بالمرض فدل ذلك على تأكد استحبابه".
4 -
الاغتسال من دفن المشرك لحديث علي بن أبي طالب أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات فقال: "اذهب فواره" فلما واريته رجعت إليه فقال لي: "اغتسل". أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح وله إسناد آخر صحيح أيضا وفيه زيادات وقد أوردته في "المبحث" 79 فقرة "ب" من كتابي "أحكام الجنائز" وقد فرغت منه قريبا. ثم طبع والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.