الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تأكيد تعجيلها في يوم الغيم
قوله: "عن بريدة الأسلمي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة فقال: "بكروا بالصلاة في اليوم الغيم فإنه من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله". رواه أحمد وابن ماجه".
قلت: إنما يصح من هذا الحديث مرفوعا قوله: "من فاتته
…
الخ" كذلك أخرجه البخاري وغيره.
وأما باقي الحديث فإنما هو من قول بريدة موقوفا عليه أخطأ أحد رواة الحديث فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمحفوظ الأول كما قال الحافظ في "التهذيب" وقد أوضحت ذلك في "التعليق الرغيب" 1 / 169 ثم في "إرواء الغليل" رقم 255 وهو مطبوع.
ومن وقت العشاء
قوله: "وأما وقت الجواز والاضطرار يعني لصلاة العشاء فهو ممتد إلى الفجر لحديث أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجئ وقت الصلاة الأخرى" رواه مسلم.
والحديث يدل على أن وقت كل صلاة ممتد إلى دخول وقت الصلاة الأخرى إلا صلاة الفجر فإنها لا تمتد إلى الظهر فإن العلماء أجمعوا على أن وقتها ينتهي بطلوع الشمس".
قلت: تبع المصنف الشوكاني وغيره في هذا الاستدلال بهذا الحديث ولا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إذ ليس فيه بيان أوقات الصلاة ولا سيق من أجل
ذلك وإنما لبيان إثم من يؤخر الصلاة حتى يخرجها عامدا عن وقتها مطلقا سواء كان يعقبها صلاة أخرى مثل العصر مع المغرب أو لا مثل الصبح مع الظهر ويدل على ذلك أن الحديث ورد في صلاة الفجر حين فاتته صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وهم نائمون في سفر لهم واستعظم الصحابة رضي الله عنهم وقوع ذلك منهم فقال صلى الله عليه وسلم لهم: "أما لكم في أسوة؟ " ثم ذكر الحديث. كذلك هو في "صحيح مسلم" وغيره فلو كان المراد من الحديث ما ذهبوا إليه من امتداد وقمت كل صلاة إلى دخول الأخرى لكان نصا صريحا على امتداد وقت الصبح إلى وقت الظهر وهم لا يقولون بذلك ولذلك اضطروا إلى استثناء صلاة الصبح من ذلك وهذا الاستثناء على ما بينا من سبب الحديث يعود عليه بالإبطال لأنه إنما ورد في خصوص صلاة الصبح فكيف يصح استثناؤها؟ فالحق أن الحديث لم يرد من أجل التحديد بل لإنكار تعمد إخراج الصلاة عن وقتها مطلقا ولذلك قال ابن حزم في "المحلى" 3 / 178 مجيبا على استدلالهم المذكور:
"هذا لا يدل على ما قالوه أصلا وهم مجمعون معنا أن وقت صلاة الصبح لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط سواء أتصل آخر وقتها بأول الثانية أم لم يتصل وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها وإن لم يدخل وقت أخرى ولا أنه يكون مفرطا بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله وقال تعالى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ".
وإذ قد ثبت أن الحديث لا دليل فيه على امتداد وقت العشاء إلى الفجر فإنه
يتحتم الرجوع إلى الأحاديث الأخرى التي هي صريحة في تحديد وقت العشاء مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط
…
". رواه مسلم وغيره وقد مضى بتمامه في الكتاب ويؤيده ما كتب به عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: "
…
وأن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل وإن أخرت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين". أخرجه مالك والطحاوي وابن حزم وسنده صحيح.
فهذا الحديث دليل واضح على أن وقت العشاء إنما يمتد إلى نصف الليل فقط وهو الحق ولذلك اختاره الشوكاني في "الدرر البهية" فقال: "
…
وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل"1 وتبعه صديق حسن خان في "شرحه" 1 / 69 - 70 وقد روي القول به عن مالك كما في "بداية المجتهد" وهو اختيار جماعة من الشافعية كأبي سعيد الإصطخري وغيره. انظر المجموع 3 / 40.
فائدة: ينتهي الليل بطلوع الفجر الصادق وهو مذهب كافة العلماء كما في المصدر المذكور.
1 وكذا في "السيل الجرار" أيضا 1 / 183.