الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص 38:
"سمعت أحمد وسئل عن الإمام يقرأ في الظهر السجدة؟ فقال: لا فذكر له حديث ابن عمر فقال: لم يشمعه سليمان عن أبي مجلز وقال: بعضهم لا يقول فيه عن ابن عمر".
وهذه علة ثانية قد أشار إليها الإمام أحمد رحمه الله وهي الإرسال.
وجملة القول أن الحديث غير صحيح فلا يجوز الاستدلال به على جواز السجود في السرية. فالحق ما ذهب إليه أبو حنيفة من الكراهة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد المذكور آنفا.
ومن سجود السهو
قوله في صدد بيان المواطن التي يشرع فيها السجود:" 3 عند نسيان التشهد الأول أو نسيان سنة من سنن الصلاة لما رواه الجماعة عن ابن بحينة أن النبي في صلى الله عليه وسلم صلى فقام في الركعتين فسبحوا به فمضى فلما فرغ من صلاته سجد سجدتين ثم سلم".
قلت: لم يذكر الدليل على مشروعية السجود لنسيان سنة من سنن الصلاة وإلحاق هذه السنن بالتشهد الأول في هذا الحكم لا يسوغ لأمرين:
الأول: أن التشهد مختلف في وجوبه كما سبق بيانه في محله من التشهد فلا يجوز أن يلحق به ما هو متفق على سنيته دون وجوبه.
الثاني: أن الصواب فيه أنه واجب لأنه أمر به المسئ صلاته فقال صلى الله عليه وسلم له:
"فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد". أخرجه أبو داود بسند حسن.
فثبت أنه لا يجوز الإلحاق المذكور فلا بد إذن من دليل آخر لمشروعية السجود في السنن وقد استدل له صديق خان في "الروضة" بحديث: "لكل سهو سجدتان" وهو حديث حسن عندي رواه أبو داود وأحمد وغيرهما.
ثم ذهب إلى أنه لا فرق في المشروعية بين المسنون والمندوب فراجعه 1 / 129 - 130 وسبقه إلى ذلك الشوكاني في "السيل الجرار" 1 / 274 – 275.لكنه صرح بالتفريق بين السجود لترك واجب فيجب وترك سنة فيسن فراجعه فإنه مهم.
قوله بعد أن ذكر حديثين في بناء الشاك على اليقين: "وفي هذين الحديثين دليل لما ذهب إليه الجمهور من أنه إذا شك المصلي في عدد الركعات بنى على الأقل المتيقن له ثم يسجد للسهو".
قلت: لكن قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على أن الحديثين المشار إليهما ليسا على إطلاقهما بل هما مقيدان بمن لم يغلب على رأيه شيء فهذا هو الذي يبني على الأقل وأما من ظهر له الصواب ولو كان الأكثر فإنه يأخذ به ويبني عليه وذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب في رواية: فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب. وفي أخرى: فلينظر الذي يرى أنه الصواب. وفي أخرى: فليتحر أقرب ذلك من الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين".
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم" والرواية الثانية والثالثة لهم إلا البخاري والرابعة للنسائي وهو عندهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد سلم النووي رحمه الله بأن الحديث ظاهر الدلالة على الأخذ بغالب الظن وعدم الاقتصار على الأقل كما هو مذهب أبي حنيفة. ولكن النووي رحمه
الله تأول الحديث وأخرجه عن ظاهره حتى يتفق مع مذهبه فحمل قوله فيه:
"فليتحر" على الأخذ باليقين الذي هو الأقل ولا يخفى على المنصف بعد هذا التأويل بل بطلانه إذا أمعن النظر في الروايات التي ذكرتها للحديث مثل قوله: "فلينظر الذي يرى أنه الصواب" فإنه كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد: "فلم يدر كم صلى" فإن مفهومه أن من تحرى الصواب بعد الشك حتى درى كم صلى - أنه ليس له أن يبني على الأقل بل حكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث وقد تولى بيانه حديث ابن مسعود حيث أمر صلى الله عليه وسلم فيه بالأخذ بما يظن أنه أقرب إلى الصواب سواء كان الأقل أو الأكثر ثم يسجد بعد التسليم سجدتين.
وأما في حالة الحيرة وعدم الدراية فإنه يبني على الأقل ويسجد قبل التسليم وفي هذا إشارة إلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه فتأمل.
وبعد فإن هذه المسألة تحتاج إلى كثير من البسط والشرح والتحقيق والمجال لا يتسع لذلك ولعل ما ذكرته ههنا يكفي في بيان ما أردته من إثبات وجوب الأخذ بالظن الغالب إذا وجد وهو خلاصة رسالة كنت ألفتها في هذه المسألة رددت فيها على النووي بتفصيل وبينت فيها معنى الشك المذكور في حديث أبي سعيد ومعنى التحري الوارد في حديث ابن مسعود وقد أوردت فيها من الفوائد ما لا يكاد يوجد في كتاب منها أن راوي حديث البناء على الأقل أبو سعيد رضى الله عنه كان يفتى بالأخذ بالتحري ويرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم وجعلت ذلك من الأدلة الكثيرة على صواب ما ذهب إليه الحنفية ولكنه لم يفتني أن أنبه على أن ما ذهبوا إليه من إبطال صلاة من عرض له الشك لأول مرة باطل وأن الصواب دخوله في عموم الحكم وغيرها من الفوائد التي وفقني الله تعالى إليها وله الحمد والمنة.