الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن زكاة الركاز والمعدن
قوله: "وقال أبو حنيفة: هو يعني: الركاز اسم لما ركزه الخالق أو المخلوق".
قلت: الصواب أن يقال: "وقال الحنفية المتأخرون
…
" لأن أبا حنيفة وأصحابه القدامى يحددون الركاز فيما خلقه الله تعالى في الأرض من الذهب والفضة فقط فقال أبو يوسف في "الخراج" ص 26:
"وأما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت فيه".
وذكر نحوه الإمام محمد في "الموطأ" ص 174 ثم قال:
"فيها الخمس وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا".
واحتج الإمام محمد وغيره بحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في الركاز الخمس"
قيل: وما الركاز يا رسول الله؟ قال: "الذهب والفضة الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت".
أخرجه البيهقي وضعفه جدا ونقل تضعيفه عن الشافعي وضعفه أيضا الزيلعي الحنفي في "نصب الراية" فراجعه 2 / 380.
وعلته أن فيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وضعف اتفاقا وقد ظن صديق خان أنه والده سعيد بن أبي سعيد فقال: إنه ثقة محتج به في "الصحيحين". فلذلك احتج به. وقد نقلت كلامه في ذلك ورددت عليه وعلى غيره ممن خفي عليهم حال الحديث في رسالتي "أحكام الركاز".
وقد حققت في هذه الرسالة أن الركاز لغة: المعدن والمال المدفون كلاهما وشرعا: هو دفين الجاهلية وقد أوردت فيها الشواهد والأدلة على ذلك
وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة المذكور في الكتاب: "
…
وفي الركاز الخمس"
وهو مخرج في "الإرواء" 812 عنه من طرق.
قوله تحت عنوان: صفة الركاز الذي يتعلق به وجوب الزكاة: "وله يعني: الشافعي قول آخر أن الخمس لا يجب في الأثمان: الذهب والفضة".
قلت: وهو الذي استظهره الصنعاني فقال:
"الركاز في الأظهر: الذهب والفضة".
وهذا خطأ مخالف للغة فإن الركاز فيها: "المال المدفون في الأرض" كما سبق آنفا و "المال" لغة: "ما ملكته من شيء" فيستنتج من هاتين المقدمتين أن الركاز كل ما دفن من المال فلا يختص بالنقدين وهو مذهب الجمهور واختاره ابن حزم ومال إليه ابن دقيق العيد وكان مالك يتردد في ذلك ثم استقر رأيه آخر الأمر على هذا القول المختار كما في "المدونة" وقد ذكرت نص كلامه في الرسالة السابقة الذكر.
قوله تحت عنوان: الواجب في الركاز: "وعند الشافعي في الجديد: يعتبر النصاب فيه". يعني الركاز.
قلت والظاهر من إطلاق الحديث: "وفي الركاز الخمس عدم اشتراط النصاب وهو مذهب الجمهور واختاره ابن المنذر والصنعاني والشوكاني وغيرهم وقد احتج الشافعي في قوله الجديد بحجة نقلية واهية أوردتها في الرسالة المذكورة وبينت ضعفها.
قوله: "مصرف الخمس".
قلت: ذكر فيه قولين مشهورين:
أحدهما: أن مصرفه مصرف الزكاة.
والآخر: مصرفه مصرف الفيء.
وليس في السنة ما يشهد صراحة لأحد القولين على الآخر ولذلك اخترت في "أحكام الركاز" أن مصرفه يرجع إلى رأي إمام المسلمين يضعه حيثما تقتضيه مصلحة الدولة وهو الذي اختاره أبو عبيد في "الأموال".
وكأن هذا هو مذهب الحنابلة حيث قالوا في مصرف الركاز: "يصرف مصرف الفيء المطلق للمصالح كلها".
قوله تحت عنوان: المال المستفاد: "فمن كان عنده من عروض التجارة أو الحيوان ما يبلغ نصابا فربحت العروض وتوالد الحيوان أثناء الحول وجب إخراج الزكاة عن الجميع: الأصل والمستفاد وهذا لا خلاف فيه".
قلت: لعله يعني بين المذاهب الأربعة وإلا فقد خالف فيه ابن حزم فقال:
"كل فائدة فإنما تزكى لحولها لا لحول ما عنده من جنسها وإن اختلطت عليه الأحوال".
انظر تفصيل كلامه هذا في "المحلى" 6 / 83 - 86 وهذا المذهب أقرب إلى ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في المال زكاة حتى يحول عليه الحول" لولا أن فيه حرجا في بعض الأحوال فالأقرب في مثل هذه الحالة أن يلحق بالأصل ويزكى وراجع "الأموال" لأبي عبيد.
قوله تحت عنوان: هلاك المال
…
: "وقال الشافعي و
…
و.... إن تلف النصاب قبل التمكن من الأداء سقطت الزكاة وإن تلف بعده لم تسقط ورجح ابن قدامة هذا الرأي
…
".
قلت: وهو اختيار طائفة من أصحاب أحمد منهم شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات العلمية" ص 58.
قوله تحت عنوان: دفع القيمة بدل العين: "وقد روى البخاري معلقا بصيغة الجزم أن معاذا قال لأهل اليمن: ايتوني بعرض1 ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة".
قلت: في هذا الكلام إشعار بأن الأثر المذكور عن معاذ صحيح وليس كذلك فإنما علقه البخاري هكذا: "قال طاوس: قال معاذ
…
" وهذا منقطع بين طاوس ومعاذ قال الحافظ في شرحه:
"هذا التعليق صحيح الإسناد إلى طاوس لكن طاوس لم يسمع من معاذ فهو منقطع فلا يغتر بقول من قال: "ذكره البخاري بالتعليق الجازم فهو صحيح عنده" لأن ذلك لا يفيد إلا الصحة إلى من علق عنه وأما باقي الإسناد فلا؟ إلا أن إيراده له في معرض الاحتجاج به يقتضي قوته عنده".
ثم لو صح هذا الأثر لم يدل على قول أبي حنيفة أنه لا فرق بين القيمة والعين بل يدل لقول من يجوز إخراج القيمة مراعاة لمصلحة الفقراء والتيسير على الأغنياء وهو اختيار ابن تيمية قال في "الاختيارات":
"ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة مثل
1 هو ما عدا النقدين.
أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري تمرا أو حنطة فإنه قد ساوى الفقير بنفسه وقد نص أحمد على جواز ذلك ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل وليس عنده شاة فإخراج القيمة كاف ولا يكلف السفر لشراء شاة أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم فهذا جائز".
قوله تحت عنوان: هل يعطى القوي المكتسب من الزكاة؟: "قال النووي: سئل النزالي عن القوي من أهل البيوتات الذين لم تجر عادتهم بالتكسب بالبدن هل له أخذ الزكاة من سهم الفقراء؟ فقال: نعم وهذا صحيح جار على أن المعتبر حرفة تليق به".
قلت: الحرفة مهما تدنت فهي أشرف للمسلم وخير له من البطالة ومن أن يتكفف أيدي الناس أعطوه أو منعوه والاعتبار المذكور لا يجوز في نظري أن يخصص به قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة
…
لذي مرة سوي". فتأمل.
قوله تحت عنوان: وفي سبيل الله: "والحج ليس من سبيل الله التي تصرف فيها الزكاة".
قلت: بلى هو من سبيل الله بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال ابن عباس رضي الله عنه:
أراد رسول الله الحج فقالت امرأة لزوجها: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما عندي ما أحجك عليه قالت: أحجني على جملك فلان قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله لأنها سألتني الحج معك قالت: أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
…
فقالت: أحجني على جملك فلان فقلت: ذاك حبيس في سبيل
الله فقال صلى الله عليه وسلم:
"أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله" الحديث.
أخرجه أبو داود بسند حسن والطبراني في "الكبير" والحاكم وصححه وابن خزيمة في "صحيحه" وله شاهد من حديث أبي طلق أخرجه الدولابي في "الكنى" بسند صحيح وقواه المنذري والحافظ. ولذلك قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية المشار إليها:
"وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق الحج من سبيل الله للحديث".
يريد هذا وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في "الاختيارات العلمية":
"ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أعطي ما يحج به وهو إحدى الروايتين عن أحمد".
وقد رواه أبو عبيد في "الأموال" رقم 1976 عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله فقيل له: أتجعل في الحج؟ فقال: أما إنه في سبيل الله.
وإسناده صحيح كما قال الحافظ في "الفتح" 3 / 258.
وروى أبو عبيد رقم 1784 و1965 بسند صحيح عن ابن عباس:
"أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق الرقبة" وإعلال أبي عبيد له بأن أبا معاوية انفرد به ليس بشيء لأن من رواية أبا معاوية ثقة وهو أحفظ الناس لحديث الأعمش كما في "التقريب" وهذا من روايته عنه وقد تابعه عنه عبدة بن سليمان كما في "الفتح" فزالت شبهة تفرد أبي معاوية به وانظر "إرواء الغليل" 3 / 376 – 377.
ومن الغرائب أن ينكر حضرة المؤلف ما جاء به النص وهو كون الحج من سبيل الله ثم هو يسلم بما نقله بعد هذا عن السيد رشيد في "المنار": أن من سبيل الله بناء المستشفيات الخيرية العامة وإعداد الدعاة إلى الإسلام
…
والنفقة على المدارس الشرعية وغيرها
…
الخ. مع أن تفسير الآية بهذا المعنى الواسع الشامل لجميع الأعمال الخيرية مما لم ينقل عن أحد من السلف فيما ع لمت وإن كان جنح إليه صديق حسن خان في "الروضة الندية" فهو مردود عليه ولو كان الأمر كما زعم لما كان هناك فائدة كبرى في حصر الزكاة في المصارف الثمانية في الآية الكريمة ولكان يمكن أن يدخل في سبيل الله كل أمر خيري مثل بناء المساجد ونحوها ولا قائل بذلك من المسلمين بل قال أبو عبيد في "الأموال" فقرة 1979:
"فأما قضاء الدين عن الميت والعطية في كفنه وبنيان المساجد واحتفار الأنهار وما أشبه ذلك من أنواع البر فإن سفيان وأهل العراق وغيرهم من العلماء مجمعون على أن ذلك لا يجزي من الزكاة لأنه ليس من الأصناف الثمانية".
وسيذكر المؤلف نحو هذا فيما يأتي.
قوله تحت عنوان: من الذي يقوم بتوزيع الزكاة؟: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث نوابه ليجمعوا الصدقات ويوزعها على المستحقين وكان أبو بكر وعمر يفعلان ذلك لا فرق بين الأموال الظاهرة والباطنة فلما جاء عثمان سار على هذا النهج زمنا إلا أنه لما رأى كثرة الأموال الباطنة ووجد أن في تتبعها حرجا على الأمة وفي تفتيشها ضررا بأربابها فوض أداء زكاتها إلى أصحاب الأموال".
قلت: فيه ملاحظات:
الأولى: لم أجد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث من يجمع الصدقات من الأموال الباطنة وهي عروض التجارة والذهب والفضة والركاز كما ذكر المؤلف نفسه ولا وجدت أحدا من المحدثين ذكر ذلك بل صرح ابن القيم بنفي ذلك بل إنه نفى أن يكون البعث المذكور في الكتاب في الأموال الظاهرة على عمومه حيث قال في "الزاد":
"كان صلى الله عليه وسلم يبعث سعاته إلى البوادي ولم يكن يبعثهم إلى القرى ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم أن يبعث سعاته إلا إلى أهل الأموال الظاهرة من المواشي والزروع والثمار".
ولو صح ما ذكره المؤلف لكان دليلا من السنة على وجوب الزكاة على عروض التجارة. فتأمل.
وقال أبو عبيد رقم 1644:
"سنة الصامت خاصة أن يكون الناس فيه مؤتمنين عليه".
ثانيا: لم أجده كذلك عن الخلفاء الثلالة بل روى أبو عبيد رقم 1805 والبيهقي 4 / 114 عن أبي سعيد المقبري قال:
"أتيت عمر بن الخطاب فقلت: يا أمير المؤمنين! هذه زكاة مالي - قال: وأتيته بمائتي درهم - فقال: أعتقت يا كيسان؟ فقلت: نعم فقال: فاذهب بها أنت فاقسمها". إسناده جيد.
فهذا عمر رضي الله عنه قد أولج تفريق الزكاة إلى صاحبها خلافا لما نقله المؤلف عنه وقد ترجم البيهقي لهذا الأثر بـ "باب الرجل يتولى تفرقة زكاة ماله الباطنة بنفسه".
ثالثا: ما نقله عن عثمان أنه سار على ذلك النهج
…
الخ لم أجد له أصلا
في شيء من كتب الآثار ولا ذكره أحد من أئمة الحديث فيما علمت.
والظاهر أن المؤلف نقله - وكذا ما قبله - من بعض كتب الفقه أو غيرها التي لا تتحرى الثابت مما يروى.
والله أعلم.
قوله تحت عنوان: براءة رب المال بالدفع إلى الإمام
…
: "1 - فعن أنس قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك
…
رواه أحمد".
قلت: هو من تمام الحديث المتقدم في أول كتاب "الزكاة" وقد بينا هناك أنه ضعيف لانقطاعه وأن المؤلف اغتر بقول من قال: "رجاله رجال الصحيح"!
قوله تحت عنوان: نهي المزكي أن يشتري صدقته وقد ذكر قول من رخص بشرائها: "ورجح هذا الرأي ابن حزم واستدل بحديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله
…
".
قلت: الذي يتبادر لي من الحديث أن المراد به صدقة تصدق بها رجل على فقير ثم اشتراها منه غير المتصدق عليه ولو سلمنا أنه يشمل المتصدق عليه أيضا فهو مخصوص بحديث عمر: "لا تبتعه" فلا يحل له ذلك.
ويؤيد هذا الجمع قوله في تمام حديث عمر: "لا تعد في صدقتك" فإن حديث أبي سعيد على التفسير الذي ذهبت إليه ليس فيه العود في الصدقة. فتأمل
قوله تحت عنوان: نقل الزكاة: "وعن أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلاما يتيما فأعطاني قلوصا. رواه الترمذي وحسنه".
قلت: في إسناده عند الترمذي 652 أشعث عن عون بن أبي جحيفة
وأشعث هذا هو ابن سوار الكوفي قال الحافظ في "التقريب":
"ضعيف".
ولعل تحسين الترمذي إياه إنما هو لشواهده كحديث معاذ الذي ذكره المؤلف قبله وحديث عمران الذي بعده.
قوله: "وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف فان صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الأثرم في سننه".
قلت: هذا منقطع بين طاوس ومعاذ فإنه لم يسمع منه كما قال الحافظ في متن آخر تقدم تحت عنوان: "دفع القيمة بدل العين" وهذا أخرجه ابن زنجويه 1193 نحوه.
ثم قال المؤلف: "فعن عمرو بن شعيب أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند إذ بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
رواه أبو عبيد".
هذا الإسناد منقطع فإن عمرو بن شعيب لم يدرك معاذا وبين وفاتيهما مائة سنة.
فائدة: "جند" بفتحتين بلد باليمن كما في "القاموس" وغيره.