الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن الأيام المنهي عن صيامها
قوله تحت عنوان: 1 النهي عن صيام يومي العيدين: "لقول عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام هذين اليومين أما يوم الفطر
…
رواه أحمد والأربعة".
قلت: هو في "الصحيحين" أيضا بمعناه وهو مخرج في "الإرواء"962.
قوله تحت عنوان: 2 النهي عن صوم أيام التشريق: "وروى الطبراني في "الأوسط" عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل صائحا يصيح: "أن لا تصوموا هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال".
قلت: لنا عليه مؤاخذتان:
الأولى: أن الحديث نقله عن "مجمع الزوائد" فأساء العزو أو النقل لأن الهيثمي قال عقبه 3 / 203:
"رواه الطبراني في "الكبير" وفي رواية له في "الأوسط" و "الكبير" أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء وإسناد الأول حسن".
أقول: من الواضح أن هذا اللفظ هو في "المعجم الكبير" للطبراني دون "الأوسط" له فعزو المؤلف إياه ل "الأوسط" خطأ على الهيثمي وعلى الطبراني أما أنه خطأ على الهيثمي فواضح من تخريجه الذي نقلته آنفا.
وأما أنه خطأ على الطبراني فلأنه لم يروه في "الأوسط" بهذا اللفظ له وإنما بلفظ آخر مخالف لهذا في طرف منه وقد أشار الهيثمي إلى مخالفته في طرفه الأول وليته ساقه بتمامه ليتبين للقارئ الفرق الجوهري بينه وبين اللفظ الأول ولو أنه فعل لم يقع المؤلف في هذا الخطأ إن شاء الله تعالى.
والمؤاخذة الأخرى: أن الحديث بهذا السياق الذي في آخره زيادة: "وبعال" ضعيف الإسناد وإن حسنه الهيثمي لأن الطبراني أخرجه في "المعجم الكبير" 11 / 232 / 1587 من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس به.
وإبراهيم هذا ضعفه الجمهور من قبل حفظه حتى قال البخاري وأبو حاتم فيه:
"منكر الحديث"
والترمذي مع تساهله. المعروف لما روى له حديثين قال عقب كل منهما:
"يضعف في الحديث".
قلت: وإن مما يدلك على ضعفه روايته في الحديث زيادة:
"وبعال".
فإنها لم ترد في الإسناد الآخر الذي ذكر الهيثمي طرف متنه الأول فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" أيضا 11 / 110 / 203 وفي "المعجم الأوسط" 2 / 142 / 7198 من طريق أبي جميلة المفضل ووقع في مطبوعة "الكبير": الفضل وهو خطأ مطبعي بن صالح عن عمرو بن دينار عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بديل بن ورقاء بـ منى فنادى:
"إن هذه أيام أكل وشرب فلا تصوموها".
وهذا إسناد ضعيف أيضا المفضل بن صالح ضعيف أيضا كما في "التقريب" لكن المتن دون الزيادة صحيح لأنه جاء عن جمع من الصحابة
دونها خرجت الكثير الطيب منها في "الإرواء" 4 / 128 - 131 بعضها من حديث نبيشة عند أحمد ومسلم.
نعم وقعت هذه الزيادة في طريقين آخرين عند الطحاوي 1 / 428 - 429 في الأولى منهما محمد بن أبي حميد وفي الأخرى موسى بن عبيدة وكلاهما ضعيف.
وبالجملة فهذه الزيادة منكرة رواية ومعنى أما الرواية؟ فقد عرفتها مما سبق وأما المعنى فلمخالفتها لما في بعض الطرق الصحيحة بلفظ: "وذكر الله" ولأن "البعال" لا يمكن تحقيقه عمليا في أيام التشريق تحت الخيام الكثيرة المزدحمة المتلاصقة كما هو ظاهر. والله أعلم.
تنبيه هام: في "النهاية" لابن الأثير: "البعال: النكاح وملاعبة الرجل أهله".
إذا عرفت هذا فقد أخطأ الشيخ عبد الله الغماري في كتابه الذي كان أسماه ب "الكنز الثمين في أحاديث النبي الأمين" خطأ فاحشا في حديث نبيشة المشار إليه آنفا.
فإنه أورده بزيادة: "وبعال" برواية "حم م" عنه.
وهذا باطل من وجوه:
أولا: أن هذه الزيادة: "وبعال" مع ضعفها كما تقدم فلم يروها المذكوران ولا غيرهما عن نبيشة فهو خطأ عليهم جميعا.
ثانيا: أنه خطأ على السيوطي أيضا فإن الحديث عنده في "الجامع الصغير" برواية المذكورين عنه دون الزيادة.
ثالثا: كأنه لاحظ ما أشرت إليه من نكارة هذه الزيادة ولذلك اقتصر من معناها اللغوي على المقدار الذي لا نكارة فيه ففسرها في التعليق بقوله: "ملاعبة الرجل زوجه" فحذف لفظ "النكاح" الذي هو الغاية عادة من الملاعبة لأنه مستنكر فلو أنه كان على معرفة بالأحاديث الصحيحة ومتونها وما يصح وما لا يصح من ألفاظها لما كان به حاجة إلى أن يقع في هذا الخطأ اللغوي أيضا.
وللغماري هذا أخطاء عديدة وتصحيح لأحاديث كثيرة في "كنزه" وغيره نبهت على أنواع كثيرة منها في المجلد الثالث والرابع من "الأحاديث الضعيفة" وراجع مقدمتهما.
قوله تحت عنوان: النهي عن صوم يوم الجمعة منفردا: "فعن عبد الله ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة في يوم الجمعة فقال لها: "أصمت أمس؟ " فقالت: لا
قال: "أتريدين أن تصومي غدا؟ " قالت: لا قال: "فأفطري إذن". رواه أحمد والنسائي بسند جيد".
قلت: وقد رواه البخاري من حديث جويرية نفسها والحديث واحد ولكن الرواة اختلفوا فبعضهم رواه من مسند ابن عمرو وبعضهم من مسند جويرية وهو الذي رجحه الحافظ في "الفتح" انظر تعليقي على "صحيح ابن خزيمة" 2162 و "صحيح أبي داود"2093.
قوله تحت عنوان: النهي عن إفراد يوم الست بصيام: "عن بسر السلمي عن أخته الصماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم
…
". رواه أحمد وأصحاب السنن والحكم وقال: صحيح على شرط مسلم وحسنه الترمذي".
قلت: اختلف العلماء في هذا الحديث فقواه من ذكر المؤلف وقال
مالك:
"هذا كذب".
وضعفه الإمام أحمد كما في "تهذيب السنن" وقال النسائي:
"هو حديث مضطرب" وبه أعله الحافظ في "بلوغ المرام" فقال:
"ورجاله ثقات إلا أنه مضطرب وقد أنكره مالك".
وقد بين الاضطراب فيه الحافظ في "التلخيص" 6 / 472 فليراجعه من شاء.
ثم تبين لي أن الحديث صحيح وأن الاضطراب المشار إليه هو من النوع الذي لا يؤثر في صحة الحديث لأن بعض طرقه سالم منه وقد بينت ذلك في "إرواء الغليل" 960 بيانا لا يدع مجالا للشك في صحته.
وتأويل الحديث بالنهي عن صوم السبت مفردا يأباه قوله: "إلا فيما افترض عليكم" فإنه كما قال ابن القيم في "تهذيب السنن":
"دليل على المنع من صومه في غير الفرض مفردا أو مضافا" لأن الاستثناء دليل التناول وهو يقتضي أن النهي عنه يتناول كل صور صومه إلا صورة الفرض ولو كان إنما يتناول صورة الأفراد لقال: لا تصوموا يوم السبت إلا أن تصوموا يوما قبله أو يوما بعده كما قال في الجمعة فلما خص الصورة المأذون فيها صومها بالفريضة علم تناول النهي لما قابلها".
قلت: وأيضا لو كانت صورة الاقتران غير منهي عنها لكان استثناؤها في الحديث أولى من استثناء الفرض لأن شبهة شمول الحديث له أبعد من شموله لصورة الاقتران فإذا استثني الفرض وحده دل على عدم استثناء غيره كما لا
يخفى.
وإذ الأمر كذلك فالحديث مخالف للأحاديث المبيحة لصيام يوم السبت كحديث ابن عمرو الذي قبله ونحوه مما ذكره ابن القيم تحت هذا الحديث في بحث له قيم أفاض فيه في ذكر أقوال العلماء فيه وانتهى فيه إلى حمل النهي على إفراد يوم السبت بالصوم جمعا بينه وبين تلك الأحاديث وهو الذي ملت إليه في "الإرواء".
والذي أراه - والله أعلم - أن هذا الجمع جيد لولا أمران اثنان:
الأول: مخالفته الصريحة للحديث على ما سبق نقله عن ابن القيم.
والآخر: أن هناك مجالا آخر للتوفيق والجمع بينه وبين تلك الأحاديث إذا ما أردنا أن نلتزم القواعد العلمية المنصوص عليها في كتب الأصول ومنها:
أولا: قولهم: إذا تعارض حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح.
ثانيا: إذا تعارض القول مع الفعل قدم القول على الفعل.
ومن تأمل في تلك أحاديث المخالفة لهذا وجدها على نوعين:
الأول: من فعله صلى الله عليه وسلم وصيامه.
الآخر: من قوله صلى الله عليه وسلم كحديث ابن عمرو المتقدم.
ومن الظاهر البين أن كلا منهما مبيح وحينئذ فالجمع بينها وبين الحديث يقتضي تقديم الحديث على هذا النوع لأنه حاظر وهي مبيحة. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لجويرية: "أتريدين أن تصومي غدا" وما في معناه مبيح أيضا فيقدم الحديث عليه.
هذا ما بدا لي فإن أصبت فمن الله وله الحمد على فضله وتوفيقه وإن أخطأت فمن نفسي وأستغفره من ذنبي.
قوله تحت عنوان: النهي عن صوم الدهر: "فإن أفطر يومي العيد وأيام التشريق وصام بقية الأيام انتفت الكراهة".
قلت: هذا التأويل خلاف ظاهر الحديث: "لا صام من صام الأبد" وقوله: "لا صام ولا أفطر" وقد بين ذلك العلامة ابن القيم في "زاد المعاد" بما يزيل كل شبهة فقال رحمه الله:
"وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرمة
…
".
وذكر نحوه الحافظ في "الفتح" 4 / 180.
قوله في تمام بحثه السابق: "وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة الأسلمي على سرد الصيام وقال له: "صم إن شئت وأفطر إن شئت" وقد تقدم".
قلت: نعم تقدم الحديث تحت الكلام عمن يرخص لهم في الفطر
…
ولكن بلفظ آخر وليس فيه السرد جاء ذلك في رواية لمسلم بلفظ:
"قال يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم؟ أفأصوم في السفر؟ قال: "صم إن شئت وأفطر إن شئت".
ورواه ابن خزيمة 2153.
ولا دليل في الحديث على ما ذهب إليه المؤلف لأنه لا تلازم بين السرد وصوم الدهر وقد ذكر الحافظ في "الفتح" استدلال بعض العلماء على الجواز بحديث حمزة هذا ثم عقب عليه بقوله:
"وتعقب بأن سؤال حمزة إنما كان عن الصوم في السفر لا عن صوم الدهر ولا يلزم من سرد الصيام صوم الدهر فقد قال أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسرد الصوم فيقال: "لا يفطر". أخرجه أحمد1 ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم الدهر فلا يلزم من ذكر السرد صيام الدهر".
ثم قوله أيضا: "والأفضل أن يصوم يوما ويفطر يوما فإن ذلك أحب الصيام إلى الله".
قلت: فهذا من الأدلة على كراهة صوم الدهر مع استثناء الأيام المحرمة إذ لو كان صوم الدهر هذا مشروعا أو مستحبا لكان أكثر عملا فيكون أفضل إذ العبادة لا تكون إلا راجحة فلو كان عبادة لم يكن مرجوحا
كما تقدم عن ابن القيم.
1 في "المسند" 5 / 201 وسنده حسن.