الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين".
قلت: وإنما يمكن أن يتبين لنا حاله بأن يوثقه إمام معتمد في توثيقه وكأن الحافظ أشار إلى هذا بقوله: إن مجهول الحال هو الذي روى عنه اثنان فصاعدا ولم يوثق"وإنما قلت: "معتمد في توثيقه" لأن هناك بعض المحدثين لا يعتمد عليهم في ذلك لأنهم شذوا عن الجمهور فوثقوا المجهول منهم ابن حبان وهذا ما بينته في القاعدة التالية
نعم يمكن أن تقبل روايته إذا روى عنه جمع من الثقات ولم يتبين في حديثه ما ينكر عليه وعلى هذا عمل المتأخرين من الحفاظ كابن كثير والعراقي والعسقلاني وغيرهم. وانظر بعض الأمثلة فيما يأتي 204 – 207.
القاعدة الخامسة
عدم الاعتماد على توثيق ابن حبان
قد علمت مما سبق آنفا أن المجهول بقسميه لا يقبل حديثه عند جمهور العلماء وقد شذ عنهم ابن حبان فقبل حديثه واحتج به وأورده في "صحيحه" قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان ":
"قال ابن حبان: من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر ولو كان ممن يروي المناكير ووافق الثقات في الأخبار لكان عدلا مقبول الرواية إذ الناس أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح [فيجرح بما ظهر منه من الجرح] هذا حكم المشاهير من
الرواة فأما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على الأحوال كلها". " الضعفاء" 2 / 192 - 193 والزيادة من ترجمة عائذ الله المجاشعي.
ثم قال الحافظ:
"قلت: وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة حتى يتبين جرحه مذهب عجيب والجمهور على خلافه وهذا مسلك ابن حبان في "كتاب الثقات" الذي ألفه فإنه يذكر خلقا نص عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون وكان عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور وهو مذهب شيخه ابن خزيمة ولكن جهالة حاله باقية عند غيره". هذا كله كلام الحافظ.
ومن عجيب أمر ابن حبان أنه يورد في الكتاب المذكور بناء على هذه القاعدة المرجوحة جماعة يصرح في ترجمتهم بأنه "لا يعرفهم ولا آباءهم"!
فقال في الطبقة الثالثة: "سهل يروي عن شداد بن الهاد روى عنه أبو يعفور ولست أعرفه ولا أدري من أبوه".
ومن شاء الزيادة في الأمثلة فليراجع "الصارم المنكي" ص 92 - 93 وقد قال بعد أن ساقها:
"وقد ذكر ابن حبان في هذا الكتاب خلقا كثيرا من هذا النمط وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يعرف حاله وينبغي أن ينتبه لهذا ويعرف أن توثيق ابن حبان للرجل بمجرد ذكره في هذا الكتاب من أدنى درجات التوثيق".
ولهذا نجد المحققين من المحدثين كالذهبي والعسقلاني وغيرهما لا يوثقون من تفرد بتوثيقه ابن حبان وستأتي أمثلة كثيرة على ذلك عند الكلام على الأحاديث الضعيفة التي وثق المؤلف - أو من نقل عنه - رجالها مع أن فيها من تفرد ابن حبان بتوثيقهم من المجهولين
ومما ينبغي التنبه له أن قول ابن عبد الهادي:
" وإن كان مجهولا لم يعرف حاله" ليس دقيقا: لأنه يعطي بمفهوم المخالفة أن طريقة ابن حبان في "ثقاته" أن لا يذكر فيه من كان مجهول العين وليس كذلك بدليل قوله المتقدم في "سهل": "لست أعرفه ولا أدري من أبوه". ومثله ما يأتي قريبا.
وكذلك قول الحافظ: "برواية واحد مشهور" يوهم أن ابن حبان لا يوثق إلا من روى عنه واحد مشهور: لأنه إن كان يعني مشهورا بالثقة كما هو الظاهر فهو مخالف للواقع في كثير من ثقاته وإن كان يعني غير ذلك فهو مما لا قيمة له لأنه إما ضعيف أو مجهول ولكل منهما رواة في "كتاب الثقات" وإليك بعض الأمثلة من طبقة التابعين عنده:
1 -
إبراهيم بن عبد الرحمن العذري قال 4 / 10:
"يروي المراسيل روى عنه معان بن رفاعة".
ثم ذكر له بإسناده عنه مرسلا: "يرث هذا العلم من كل خلف عدوله..". الحديث.
قلت: ومعان هذا قال الحافظ نفسه فيه:
"لين الحديث".
وقال الذهبي:
"ليس بعمدة ولا سيما أتى بواحد لا يدرى من هو".
يعني إبراهيم هذا فهو مجهول العين وأشار ابن حبان إلى هذا فقال في ترجمة معان من "الضعفاء" 3 / 36: "منكر الحديث يروي مراسيل كثيرة ويحدث عن أقوام مجاهيل لا يشبه حديثه حديث الأثبات".
2 -
إبراهيم بن إسماعيل. قال 4 / 14 - 15:
"يروي عن أبي هريرة روى عنه الحجاج بن يسار".
قلت: الحجاج هذا - ويقال فيه: ابن عبيد - قال الحافظ فيه:
"مجهول".
وكذا قال قبله أبو حاتم وغيره كما في "ميزان" الذهبي وبين وجه ذلك فقال:
"روى عنه ليث بن أبي سليم وحده"!
وليث هذا ضعيف مختلط كما هو معروف حتى عند ابن حبان 2 / 231.
3 -
إبراهيم الأنصاري قال ابن حبان 4 / 15:
"يروي عن مسلمة بن مخلد.. روى عنه ابنه إسماعيل بن إبراهيم".
قلت: وإسماعيل هذا مجهول كما قال الحافظ ومن قبله أبو حاتم.
فتبين من هذا التحقيق أن ابن حبان ترتفع جهالة العين عنده برواية واحد ولو كان ضعيفا أو مجهولا خلافا لظاهر كلام الحافظ المتقدم وإن كان
لم يجزم به فإنه قال: "وكأن ابن حبان.." وهو أخذه من قول ابن حبان الذي نقله عنه آنفا: "هذا حكم المشاهير من الرواة فأما المجاهيل.." الخ فهو منقوض بالمثال الثاني كما هو ظاهر.
وبالجملة فالجهالة العينية وحدها ليست جرحا عند ابن حبان وقد ازددت يقينا بذلك بعد أن درست تراجم كتابه "الضعفاء" وقد بلغ عددهم قرابة ألف وأربعمائة راو فلم أر فيهم من طعن فيه بالجهالة اللهم إلا أربعة منهم لكنه طعن فيهم بروايتهم المناكير وليس بالجهالة وهاك أسماءهم وكلامه فيهم:
1 -
حميد بن علي بن هارون القيسي. ذكر له 1 / 263 - 264 بعض المناكير ثم قال:
" فلا يجوز الاحتجاج به بعد روايته مثل هذه الأشياء عن هؤلاء الثقات
…
وهذا شيخ ليس يعرفه كثير أحد"
2 -
عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري قال 2 / 5:
" هذا رجل مجهول ما أعلم له شيئا يرويه غير هذا الحرف المنكر الذي يشهد إجماع المسلمين قاطبة ببطلانه".
3 -
عبد الله بن زياد بن سليم قال 2 / 7: "شيخ مجهول روى عنه بقية بن الوليد لست أحفظ له راويا غير بقية وبقية قد ذكرنا ضعفه في أول الكتاب فلا يتهيأ لي القدح فيه على أن ما رواه يجب تركه على الأحوال"
4 -
أبو زيد: قال 3 / 158:
" أبو زيد. يروي عن ابن مسعود ما لم يتابع عليه ليس يدرى من هو؟ لا يعرف أبوه ولا بلده والإنسان إذا كان بهذا النعت ثم لم يرو إلا خبرا واحدا خالف فيه الكتاب والسنة والإجماع والقياس والنظر والرأي يستحق مجانبته فيه ولا يحتج به".
ومن هنا قال ابن عبد الهادي فيما تقدم:
"وطريقته فيه أنه يذكر من لم يعرفه بجرح وإن كان مجهولا لم يعرف حاله".
لكن الصواب أن يقال عنه: "لم يعرف عينه" للأمثلة المتقدمة. والله أعلم.
والخلاصة أن توثيق ابن حبان يجب أن يتلقى بكثير من التحفظ والحذر لمخالفته العلماء في توثيقه للمجهولين
لكن ليس ذلك على إطلاقه كما بينه العلامة المعلمي في "التنكيل" 1 / 437 - 438 مع تعليقي عليه
وراجع لهذا البحث ردي على الشيخ الحبشي فإنه كثير الاعتماد على من وثقه ابن حبان من المجهولين ص 18 – 21.
وإن مما يجب التنبيه عليه أيضا أنه ينبغي أن يضم إلى ما ذكره المعلمي أمر آخر هام عرفته بالممارسة لهذا العلم قل من نبه عليه وغفل عنه جماهير الطلاب وهو أن من وثقه ابن حبان وقد روى عنه جمع من الثقات ولم يأت بما ينكر عليه فهو صدوق يحتج به.
وبناء على ذلك قويت بعض الأحاديث التي هي من هذا القبيل كحديث العجن في الصلاة فتوهم بعض الناشيءين في هذا العلم أنني