الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: وهذا مذهب علي بن أبي طالب أيضا فقد أخرج البيهقي 1 / 288 والطحاوي في "شرح المعاني" 1 / 58 عن أبي ظبيان أنه رأى عليا رضي الله عنه بال قائما ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى زاد البيهقي: "فأم الناس". وإسنادهما صحيح على شرط الشيخين.
وفيه دليل على جواز المسح على النعلين وقد صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث سبقت الإشارة إليها.
ومن الغسل
قوله تحت الفقرة أمن موجباته: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد".
قلت: أورده من حديث ابن عباس في قصة له مع بعض أصحابه من التابعين وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه وابن عبد البر في "جامع العلم" عنه مرفوعا دون القصة وقال الترمذي:
"حديث غريب"
يعني ضعيف ونقل المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال:
"إسناده ضعيف جدا".
وهو كما قال وبيانه في التعليق على "المشكاة"217.
وأما القصة فلم أقف الآن على سندها للنظر فيه وما أظنها تصح وفيها نكارة والله أعلم.
ومن ما يحرم على الجنب
قوله: "
…
ولا مانع من مس ما اشتمل على آيات من القرآن كالرسائل وكتب التفسير والفقه وغيرها فإن هذه لا تسمى مصحفا ولا تثبت لها حرمته".
قلت: هذا الجواب مبني على القول بحرمة مس المصحف من الجنب والمصنف لم يذكر دليلا عليه ههنا ولكنه أشار في "فصل: ما يجب له الوضوء" أن الدليل هو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يمس القرآن إلا طاهر" مع أنه صرح هناك بأن لفظة "طاهر" مشترك يحتمل معاني شتى وأنه لا بد من حمله على معنى معين من قرينة ثم حمله هو على غير الجنب بغير قرينة وقد رددنا عليه هناك بما فيه كفاية وبينا المراد من الحديث هناك وأنه لا يدل على تحريم مس القرآن على المؤمن مطلقا. فراجعه.
والبراءة الأصلية مع الذين قالوا بجواز مس القران من المسلم الجنب وليس في الباب نقل صحيح يجيز الخروج عنها. فتأمل.
قوله: "يحرم على الجنب أن يقرأ شيئا من القرآن عند الجمهور لحديث علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القرآن شيء ليس الجنابة رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وغيره قال الحافظ في "الفتح":
وضعف بعضهم بعض رواته والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة".
قلت: كلا بل هو من قبيل الضعيف الذي لا تقوم به حجة لأنه تفرد به عبد الله بن سلمة وقد كان تغير بآخر عمره باعتراف الحافظ ابن حجر نفسه في "التقريب" وفي هذه الحالة كان قد حدث بهذا الحديث كما سبق بيانه في فصل
" ما يستحب له الوضوء" وهي علة قوية تورث شبهة في ثبوت الحديث تمنع من الاحتجاج به سيما وقد ثبت عن عائشة ما يعارضه وقد ذكرته ثم وليس له ما يشهد له من الطرق ما يصلح لتقويته مثل قول المؤلف عقبه:
"وعنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال: "هكذا لمن ليس بجنب فأما الجنب فلا ولا آية".رواه أحمد وأبو يعلى وهذا لفظه قال الهيثمي: رجاله موثقون".
قلت: فإن لهذه الطريق علتين: الضعف والوقف.
أما الضعف فسببه أن في سنده عامر بن السمط أبا الغريف ولم يوثقه غير ابن حبان وهو مشهور بالتساهل في التوثيق كما بينته في "المقدمة" وقد خالفه من هو أعرف بالرجال منه وهو أبو حاتم الرازي فقال في أبي الغريف هذا: "ليس بالمشهور
…
قد تكلموا فيه من نظراء أصبغ بن نباتة".
وأصبغ هذا لين الحديث عند أبي حاتم ومتروك عند غيره ومنهم الحافظ ابن حجر فثبت ضعفه.
وأما الوقف فقد أخرجه الدارقطني وغيره عن أبي الغريف عن علي موقوفا عليه كما بينت ذلك في "ضعيف سنن أبي داود" رقم 131.
فقد عاد الحديث إلى أنه موقوف مع ضعف إسناده فلا يصلح شاهدا للمرفوع الذي قبله بل لعل هذا أصله موقوف أيضا أخطأ في رفعه ولفظه عبد الله ابن سلمة حين رواه في حالة التغير وهذا محتمل فسقط الاستدلال بالحديث على التحريم ووجب الرجوع إلى الأصل وهو الإباحة وهو مذهب داود وأصحابه واحتج له ابن حزم 1 / 77 - 80 ورواه عن ابن عباس وسعيد بن
المسيب وسعيد بن جبير وإسناده عن هذا جيد رواه عنه حماد بن أبي سليمان قال: سألت سعيد بن جبير عن الجنب يقرأ؟ فلم يربه بأسا وقال: أليس في جوفه القرآن؟ وقرن البغوي في "شرح السنة" 2 / 43 مع القائلين بالجواز عكرمة أيضا لكن لا يخفى أن الأمر لا يخلو من كراهة لحديث: "إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر". انظر "الصحيحة"834.والله أعلم.
قوله: "يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد لحديث عائشة قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد
…
فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب". رواه أبو داود. وعن أم سلمة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد فنادى بأعلى صوته: "إن المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب". رواه ابن ماجه والطبراني".
قلت: سوق الحديث على هذه الصورة يوهم القارئ أنهما حديثان بإسنادين متغايرين أحدهما عن عائشة والآخر عن أم سلمة وليس كذلك بل هما حديث واحد بإسناد واحد مداره على جسرة بنت دجاجة اضطربت في روايته فمرة قالت: "عن عائشة" ومرة: "عن أم سلمة" والاضطراب مما يوهن به الحديث كما هو معروف عند المحدثين لأنه يدل على عدم ضبط الراوي وحفظه. يضاف إلى ذلك أن جسرة هذه لم يوثقها من يعتمد على توثيقه بل قال البخاري:
"عندها عجائب" ولذلك ضعف جماعة هذا الحديث كما قال الخطابي. وقال البيهقي:
" ليس بالقوي لما" وقال عبد الحق:
" لا يثبت" وبالغ ابن حزم فقال:
"إنه باطل"1.
وللحديث شاهدان لا ينهضان لتقويته ودعمه لأن في أحدهما متروكا وفي الآخر كذابا وقد خرجتهما وفصلت القول فيهما في "ضعيف سنن أبي داود" رقم 32
والقول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب للبراءة الأصلية وعدم وجود ما ينهض على التحريم وبه قال الإمام أحمد وغيره
قال البغوي في "شرح السنة" 2 / 46: "وجوز أحمد والمزني المكث فيه وضعف أحمد الحديث لأن راويه أفلت مجهول وتأول الآية على أن عابري السبيل هم المسافرون تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون وقد روي ذلك عن ابن عباس".
قوله: "وعن يزيد بن حبيب أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم إلى المسجد فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ولا طريق إليه إلا من المسجد فأنزل الله تعالى: {وَلا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} رواه ابن جرير".
قلت: كذا في الأصل: "ابن حبيب" ولعله خطأ مطبعي والصواب: "ابن أبي حبيب" كما في "تفسير ابن جرير" وكتب الرجال وهو أبو رجاء المصري وكان فقيها من ثقات التابعين إلا أنه كان يرسل
فهذه الرواية معللة بالإرسال فلا يفرح بها.
1 قلت: وقد خفي هذا التحقيق على الشوكاني فقوى حديث عائشة بحديث أم سلمة كما خفي عليه أن علة الحديث جسرة هذه فانظر "السيل الجرار" 1 / 109.