الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن صلاة الكسوف
قوله: "اتفق العلماء على أن صلاة الكسوف سنة مؤكدة في حق الرجال" والنساء".
قلت: فيه أمران:
الأول: دعوى الاتفاق منقوضة فقد قال أبو عوانة في "صحيحه" 2 / 398:
"بيان وجوب صلاة الكسوف".
ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الأمر بها كقوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموها فصلوا".
وهو ظاهر صنيع ابن خزيمة في "صحيحه" فإنه قال فيه 2 / 308:
"باب الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر
…
".
وذكر أيضا بعض الأحاديث في الأمر بها ومن المعلوم من أسلوب ابن خزيمة في "صحيحه" أنه حين يكون الأمر عنده لغير الوجوب يبين ذلك في أبواب كتابه فالمسألة فيها خلاف ولذلك قال الحافظ في "الفتح" 2/ 527:
"فالجمهور على أنها سنة مؤكدة وصرح أبو عوانة في "صحيحه" بوجوبها ولم أره لغيره إلا ما حكي عن ما أنه أجراها مجرى الجمعة ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة".
قلت: وهو الأرجح دليلا لما يأتي:
والآخر: أن القول السنية فقط فيه إهدار للأوامر الكثيرة التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة دون أي صارف لها عن دلالتها الأصلية ألا وهو الوجوب. ومال إلى هذا الشوكاني في "السيل الجرار" 1 / 323 وأقره صديق خان في "الروضة الندية" وهو الحق إن شاء الله تعالى. والعجب من ابن حزم أنه لم يتعرض في كتابه "المحلى" لبيان حكم هذه الصلاة العظيمة وإنما تكلم فقط عن كيفية صلاتها بتفصيل بالغ ولعله جاء فيه بما لم يسبق إليه فشغله ذلك عن بيان مذهب في حكمها.
قوله: "وذهب أبو حنيفة إلى أن صلاة الكسوف ركعتان على هيئة صلاة العيد والجمعة لحديث النعمان بن بشير قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكسوف نحو صلاتكم يركع ويسجد ركعتين ركعتين ويسأل الله حتى تجلت الشمس. وفي حديث قبيصة الهلالي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة". رواه أحمد والنسائي".
قلت: هذا المذهب غير صحيح لأن الحديث ليس بصحيح فإنه مضطرب كما يأتي ومخالف للأحاديث الصحيحة الواردة في الباب وقد ذكر المؤلف منها اثنين فلا يلتفت إلى ما يعارضهما.
وقد حققت القول في ذلك في كتاب "كيف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف" ألفته منذ سنين وقد جمعت فيه جميع أحاديث الكسوف التي وقفت عليها وتتبعت طرقها وألفاظها وبينت ما يصح منها وما لا يصح ثم ختمته بأن ذكرت خلاصة ما صح منها ممزوجا بعضها ببعض على نسق كتابي "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم" يسر الله لي تبييضه وطباعته.
وقد حققت في جملة ما حققت فيه أن حديث النعمان وقبيصة هما حديث
واحد - خلافا لما يبدو من سياق المصنف لهما - اضطرب في روايته أبو قلابة فكان تارة يقول: عن النعمان بن بشير وتارة: عن قبيصة الهلالي وتارة: عن النعمان ابن بشير أو غيره وتارة: عن قبيصة الهلالي أو غيره.
وقد اضطرب في متنه أيضا من ذلك قوله: "ركعتين ركعتين" زاد في رواية: "وشمال عنها". وفي أخرى: "ويسلم" بدل: "ويسأل عنها". انظر "إرواء الغليل" 3 / 131.
ومن المقرر في علم مصطلح الحديث أن الاضطراب دليل على ضعف الحديث وعدم ضبط راويه له فكيف يصلح إذن أن يعارض به الأحاديث الصحيحة؟!
قوله: "ويجوز الجهر بالقراءة والإسرار بها".
قلت: المتقرر أن صلاة الكسوف إنما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة وقد صح أنه جهر بها كما في البخاري ولم يثبت ما يعارضه ولو ثبت لكان مرجوحا فكيف إذن يسوي المؤلف بين ما صح عنه صلى الله عليه وسلم من الجهر وما لم يصح عنه من الإسرار؟ وقد سبق له مثل هذا القول في القنوت في النوازل فتذكره.