الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنْ الثِّقَاتِ، وَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَاعْلَمْ- وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى- أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا، وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنْ الْمُتَّهَمِينَ: أَنْ لا يَرْوِيَ مِنْهَا إِلا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ، وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ، وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ، وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الَّذِي قُلْنَا مِنْ هَذَا هُوَ اللازِمُ دُونَ مَا خَالَفَهُ: قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ:{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} ، وَقَالَ عز وجل:{وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .
فَدَلَّ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الآيِ: أَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ سَاقِطٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَأَنَّ شَهَادَةَ غَيْرِ الْعَدْلِ مَرْدُودَةٌ، وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا؛ إِذْ كَانَ خَبَرُ الْفَاسِقِ غَيْرَ مَقْبُولٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ شَهَادَتَهُ مَرْدُودَةٌ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ، وَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى نَفْيِ رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنْ الأَخْبَارِ، كَنَحْوِ دَلالَةِ الْقُرْآنِ عَلَى نَفْيِ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَهُوَ الأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ ح، وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ- أَيْضًا- حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ.
قوله: ((وَالْخَبَرُ وَإِنْ فَارَقَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ فَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فِي أَعْظَمِ مَعَانِيهِمَا)): فيجتمعان في: العقل، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وضبط الخبر، أو الشهادة حين السماع، والأداء، ويفترقان في: الحرية، والذكورية، والعدد، ومراعاة الأهلية، والعداوة.
وهنا أمر مهم، وهو: أن الشهادة تتعلق بواحد، أو اثنين، أما الخبر فإنه يتعلق بالأمة كلها وبدينها؛ فهو أهم من الشهادة من هذه الجهة.
وقوله: ((الأَثَرُ الْمَشْهُورُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم): الأثر: يطلق على المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَوْ عن صحابي، أَوْ تابعي، أَوْ من بعده عند الجمهور، وهو الصحيح.
وقيل: الأثر هو: المروي عن صحابي، أَوْ تابعي
(1)
.
وقوله: ((يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ)): يُرَى- بضم الياء المثناة- بمعنى: يُظَنُّ، وذكر بعضهم جواز فتح الياء، بمعنى: يَعلم، والأول أبلغ، وهو المشهور.
وقوله: ((فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ)): الْكَاذِبِينَ- بكسر الباء الموحدة وفتح النون على الجمع- أي: هو أحد الكذبة، ورواه بعضهم بفتح الباء الموحدة وكسر النون على التثنية، أي: الراوي له يشارك البادئ بهذا الكذب.
(1)
الباعث الحثيث، لابن كثير (ص 45)، تدريب الراوي، للسيوطي (1/ 202).