الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي هِيَ أَحَدُ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ
[11]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جَمِيلِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ- فِيمَا قُرِئَ عَلَيْهِ- عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، ثَائِرُ الرَّأْسِ، نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ، وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ، حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنِ الإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ))، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ؟ قَالَ: ((لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ، وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ))، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ فَقَالَ: ((لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ))، وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((الزَّكَاةَ))، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: ((لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ))، قَالَ: فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ، وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا، وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ)).
في هذا الحديث: سؤال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم فيما أوجبه الله عليه، فذكر له الصلاة، والزكاة، والصيام.
وقوله: ((هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ)) استدل به العلماء على أن الفريضة الواجبة هي الصلوات الخمس، وليس منها تحية المسجد، فدل على أنها مستحبة، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء
(1)
، وذهب الظاهرية إلى أنها واجبة
(2)
؛ لأن لها سببًا، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر هنا الواجبات اليومية فقط.
وكذلك استدل به الجمهور على أن صلاة العيد ليست واجبة، وإنما هي
(1)
بدائع الصنائع، للكاساني (1/ 264)، الشرح الكبير، للدردير (1/ 313)، المجموع، للنووي (4/ 52)، كشاف القناع، للبهوتي (3/ 111).
(2)
المحلى، لابن حزم (2/ 231).
مستحبة
(1)
، والصواب: أنها فرض كفاية؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج النساء والعواتق والحُيَّض، فدل على أنها فرض كفاية، ولما سألت إحداهن وقالت:((إِحْدَانَا لَا تَجِدُ جِلْبَابًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ))))
(2)
.
وكذلك- أيضًا- استدل به الجمهور على أن صلاة الوتر ليست بواجبة
(3)
؛ لأنها زائدة عن الصلوات الخمس، وهو الصواب، واستدل البخاري بحديث:((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَيَّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ عَلَيْهَا))
(4)
على أن الوتر ليس بواجب
(5)
، وذهب الإمام أبو حنيفة وجماعة إلى أن الوتر واجب
(6)
، لكن الصواب: أنه مستحب.
وكذلك استُدلَّ بهذا الحديث على أن صيام عاشوراء ليس بواجب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أخبره أنه لا يجب عليه إلا صوم رمضان.
(1)
المجموع، للنووي (5/ 2 - 3)، التاج والإكليل، للمواق (2/ 568).
(2)
أخرجه البخاري (324)، ومسلم (890).
(3)
الشرح الكبير، للدردير (1/ 317)، روضة الطالبين، للنووي (1/ 328)، مسائل الإمام أحمد رواية ابنه أبي الفضل صالح (1/ 333).
(4)
أخرجه البخاري (1098)، ومسلم (700).
(5)
صحيح البخاري (2/ 45).
(6)
الاختيار لتعليل المختار، لأبي المودود الموصلي (1/ 54)، تبيين الحقائق، للزيلعي (1/ 168).
حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، جَمِيعًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ، أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ)).
قوله: ((أَفْلَحَ وَأَبِيهِ)): فيه إشكال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف بغير الله، فكيف يحلف بغيره؟ !
واختلف العلماء في هذه اللفظة، فمن العلماء من قال: هذه اللفظة جرت مما يجري على اللسان بغير قصد، وليس المقصود بها الحلف، كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث:((عَقْرَى حَلْقَى))
(1)
فهذا دعاء، لكن ليس المراد به الشر، ومثله- أيضا- قوله:((تَرِبَتْ يَدَاكَ))
(2)
، وقوله:((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ))
(3)
، ومعناه: فقدتك أمك، وهو دعاء عليه أن تفقده أمه، لكن ليس المراد المعنى الحقيقي للعبارة، بل ذلك مما يجري على اللسان بغير قصد.
وقد يكون المقصود به: الحث على الشيء والترغيب فيه، وليس المقصود منه الحلف.
وقال آخرون: إنها تَصَحَّفت على الراوي، فالرواية:((أَفْلَحَ واللهِ إِنْ صَدَقَ))، والراوي قال:((أَفْلَحَ، وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ)).
وقال آخرون- وهذا هو الصواب-: إن هذا كان قبل النهي عن الحلف بغير الله، وهذا في أول الإسلام، حيث كان الناس يحلفون بآبائهم، ثم جاء النهي في عدة أحاديث، كما في حديث عمر رضي الله عنه لما جاءه النبي صلى الله عليه وسلم وهو
(1)
أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211).
(2)
أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
(3)
أخرجه أحمد (22016)، والترمذي (2616)، وابن ماجه (3973).
يحلف، فناداه، فقال:((لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ، وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ))
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود (3248)، والنسائي (3769).