الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَوُجُوبُ الِاسْتِبْرَاءِ مِنْهُ
[292]
حَدَّثَنا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَإِسْحَاق بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ إِسْحَاق: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، قَالَ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يُحَدِّثُ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ:((أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ، قَالَ: فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ، ثُمَّ غَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا، وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا)).
حَدَّثَنِيهِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ، قَالَ:((وَكَانَ الآخَرُ لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ الْبَوْلِ، أَوْ مِنَ الْبَوْلِ)).
في الحديث دليل على أن بول الآدمي نجس، وأنه يجب التحرز منه، وفيه دليل على أن عدم التنزه من البول من أسباب عذاب القبر، وأن النميمة- أيضًا- من أسباب عذاب القبر، وأنه واقع على الروح والبدن جميعًا، وكذلك نعيم القبر يكون للروح والبدن جميعًا، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، خلافًا للمعتزلة القائلين بأن الروح هي التي تنعم وتعذب مفردة، وفيه الرد على منكري عذاب القبر، وفيه دليل على أن النميمة من الكبائر، قال صلى الله عليه وسلم:((لا يدخل الجنة قتات))
(1)
أي: نمام.
وقوله: ((لَا يَسْتَتِرُ من بوله)) معناه: أنه يكشف عورته فلا يستتر عَنْ أعين الناس، أو لا يجعل بينه وبين بوله سترة، ولا يتحفظ منه ولا يتباعد عنه،
(1)
أخرجه البخاري (6056)، ومسلم (105).
وهذا يدل على أن القليل من النجاسة والكثير سواء.
وفي الرواية السابقة عند مسلم: ((لَا يَسْتَنْزِهُ عَنِ البَولِ))، وفي لفظ:((لا يستبرئ من بوله))
(1)
فهذه ثلاثة ألفاظ متقاربات جاء بها الحديث.
واستُدل بظاهر هذا الحديث على نجاسة جميع الأبوال، حيث جعل (ال) للجنس فشملت أبوال الإبل والبقر والغنم، وهذا ليس بصحيح، فإن (ال) هنا للعهد، يعني: بول الآدمي المعهود، أما أبوال ما يؤكل لحمه فهي طاهرة، والدليل على هذا حديث أنس:((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين اجتووا المدينة أن يشربوا من أبوال الإبل وألبانها ولم يأمرهم بغسل أفواههم))
(2)
، فدل على أنها طاهرة.
أما إزالة النجاسة فإنها لا تحتاج إلى نية، فلو كانت النجاسة على الأرض ونزل المطر عليها وغَسَلها طَهُرت الأرض بدون نية، بخلاف الزكاة فإذا وجبت على الإنسان زكاة، وأداها عنه شخص فلا تصح؛ لأنها تحتاج إلى نية إلا إذا وكَّل إنسانًا في أدائها، فينوي الأداء عن الموكل.
قوله: ((فَدَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ، فَشَقَّهُ بِاثْنَيْنِ)) هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقال:((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)) ولا يقاس عليه غيره، أما ما روي عن بعض الصحابة أنه وضع جريدة فهذا من باب الاجتهاد.
قوله: ((وما يعذبان في كبير)) قال بعض العلماء: أي: كبير في اعتقادهما، وإن كان كبيرًا عند الله، وقيل: ما يعذبان في كبير يشق عليهما الاحتراز منه، فليس التحرز عن هذا الأمر بالكبير الشاق عليهما.
(1)
أخرجه النسائي (2068)، وابن الجارود (130)، وابن جرير في تهذيب الآثار (329).
(2)
أخرجه البخاري (233)، ومسلم (1671).