الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ الْإِيْمَانِ مَا هُو؟ وَبَيَانِ خِصَالِهِ
[9]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، جَمِيْعًا عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ:((أَنْ تؤمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَاءِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ الآخِرِ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِسْلَامُ؟ قَالَ:((الإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ:((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَرَاهُ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ))، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ:((مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْعُرَاةُ الْحُفَاةُ رُءُوسَ النَّاسِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْبَهْمِ فِي الْبُنْيَانِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ))، ثُمَّ تَلَا صلى الله
عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ، قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ، فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا))، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((هَذَا جِبْرِيل جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ بَعْلَهَا- يَعْنِي: السَّرَارِيَّ-.
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة جبريل رواه البخاري في صحيحه
(1)
(1)
أخرجه البخاري (50).
مختصرًا، وأما الرواية المطولة السابقة عن عمر بن الخطاب فقد انفرد بها مسلم رحمه الله، ولم يروها الإمام البخاري.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه: ((أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، ومَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ)) بإفراد ((وَكِتَابِهِ))، وأما حديث عمر رضي الله عنه فورد فيه مجموعًا:((وَكُتُبِهِ))، وهما بمعنى واحد، فقوله:((وَكِتَابِهِ)) جنس، والمراد: الكتب؛ لأن المفرد إذا أضيف أفاد العموم
(1)
.
ثم قال: ((واليَوْمِ الآخِرِ))، ويوم القيامة سمي اليوم الآخِر؛ لأنه في مقابلة اليوم الأول، فالدنيا هي اليوم الأول، والآخرة هي اليوم الآخر.
وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه لما سأله عن الإسلام قال: ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا))، وأما في رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، وهذا يدل على أن المراد بالشهادتين: توحيد الله عز وجل، ونفي الشرك، وليس المراد: لفظهما، ومجرد النطق بهما؛ لأن الروايات يفسر بعضها بعضًا.
والتوحيد: إفراد الله تبارك وتعالى بالعبادة، وعدم إشراك غيره معه، كما جاء في هذه الرواية:((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا))، وفي حديث عمر رضي الله عنه:((أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم)، والمعنى واحد، فالمراد: توحيد الله وإخلاص الدين له، ونفي الشرك، فتشهد لله بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، مع العلم واليقين والإخلاص والصدق والمحبة والانقياد والقبول.
وهنا لما سأله عن الساعة قال: ((سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا))، وفي رواية عمر رضي الله عنه قال:((أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا))، وفي الرواية الأخرى ((بَعْلَهَا)).
ومعنى ربها وربتها: سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها، أو زوجها، أو بمعنى: ابن سيدها، وبنت سيدها.
(1)
البحر المحيط، للزركشي (4/ 147)، روضة الناظر، لابن قدامة (2/ 11).
فإن قيل: كيف تلد زوجها؟ قلنا: فسَّره العلماء بكثرة السراري والإماء، فيتبادلهنَّ الناس، فيتسرَّى أحدهم الأمة حتى تلد منه، ثم يبيعها، ولا تزال تتداولها الأيدي حتى ترجع إلى ابنها، وهو لا يعلم أنها أمه، فيتزوجها، فتكون الأمة ولدت زوجها، وهذا على تفسير أن تلد الأمة بعلها- أي: زوجها.
وأما بمعنى: أنها تلد سيدها، فمعناه: أن الإماء يلدن الملوك، فيكون ولدها هو سيدها؛ لأنه يملكها، وهو الملِك على أمه وعلى غير أمه؛ لأن ابن الملِك يكون ملِكًا بعد أبيه.
وأما بمعنى ابن سيدها، فمعناه: أن تلد الأمَة من الملك ابنًا له، وابنها- ابن الملك- سيد كالملك، فتكون المرأة ولدت ابن سيدها، أو ولدت سيدها؛ لأنه سيكون مَلِكًا فيما بعد.
وقوله: ((وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ البَهْم يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ)) المراد: أنَّ أسافلَ الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم حتّى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانه
(1)
، قال القاضي:((قيل: هو تنبيه على فشو النعمة آخر الزمان، وكثرة السبي، كما قال في بقية الحديث عن تطاول رعاء الشاء في البنيان. وقيل: المراد به: ارتفاع أسافل الناس، وأن الإماء والسبايا يلدن من ساداتهن أمثالهم، فشرفن بسببهم، كما قال- فى الحديث الآخر-: ((لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ بِالدُّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ))
(2)
))
(3)
، وهذه بعض أشراط الساعة.
قوله: ((ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَليًّا))، يعني: بقيت مدة طويلة، قيل: ثلاثة أيام، قال النووي: ((وفي رواية أبي داود
(4)
والترمذي
(5)
أنه قال ذلك بعد ثلاث،
(1)
شرح مسلم، للنووي (1/ 148).
(2)
أخرجه أحمد (23303).
(3)
إكمال المعلم، للقاضي عياض (1/ 206).
(4)
أخرجه أبو داود (4695).
(5)
أخرجه الترمذي (2610).
وفي شرح السنة للبغوي (بعد ثالثة)
(1)
، وظاهر هذا: أنه بعد ثلاث ليالٍ، وفي ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة بعد هذا:(ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُدُّوا عَلَيَّ الرَّجُلَ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا جِبْرِيلُ)، فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال، وأخبر عمر رضي الله عنه بعد ثلاث؛ إذ لم يكن حاضرًا وقت إخبار الباقين، والله أعلم))
(2)
.
ثُمّ لعل النبي صلى الله عليه وسلم لقي عمر رضي الله عنه فيما بعد وسأله: ((يَا عُمَرُ أتَدْرِيْ من السَّائِل؟ ))، أي: أتعلم من هو؟ فقال عمر: ((اللهُ وَرَسُوْله أَعْلَمُ))، وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه لم يكن عنده علم بهذا السائل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((فَإِنَّهُ جِبْرِيْلُ))، وفي الرواية الأخرى:((هَذَا جِبْرِيل جَاءَ لِيُعَلِّمَ النَّاسَ دِينَهُمْ))، والإشارة إلى شيء معلوم في الذهن.
قوله: ((أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكَمُ)) جاء التعليم بصيغة السؤال والجواب؛ لأنه أمكن في النفس وأقوى في التأثير.
والدين هو الإسلام والبر والتقوى والهدى والإيمان، إذا أُطلق واحد منها شمل أمور الدين: الاعتقادية والعملية، وإذا قرن مع غيره كان له معنى آخر.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الإسلامَ والإيمانَ والإحسانَ دينًا ((أتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِيْنَكَمُ))؛ لأن الدين على هذه المراتب الثلاث: الإسلامُ والإيمانُ والإحسانُ.
(1)
أخرجه البغوي في شرح السنة (2).
(2)
شرح مسلم، للنووي (1/ 160).