الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ كَوْنِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى أَفْضَلُ الأَعْمَالِ
[83]
وَحَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ. ح، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ زِيَادٍ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ- يَعْنِي: ابْنَ سَعْدٍ- عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((إِيمَانٌ بِاللَّهِ)) قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ((حَجٌّ مَبْرُورٌ))، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:((إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)).
وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
هذا الحديث فيه: بيان أن أفضل الأعمال هو الإيمان بالله ورسوله، وهو التصديق والاعتراف بربوبية الله، ووحدانيته، وألوهيته، وأنه مستحق للعبادة، وهذا أفضل الأعمال، وهو أساس الدين، وأساس الملة، وهو إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، ثم يتبعها عمل الجوارح، وعمل القلب اعتراف يتمِّمه المحبة، والانقياد، والنية، والإخلاص، فهذا أفضل الأعمال، ثم يليه الجهاد في سبيل الله، ثم يليه الحج المبرور، وهو الذي ليس فيه إثم.
وقُدِّم الجهاد في سبيل الله على الحج لأن نفعه متعدٍّ؛ إذ به تصان الحرمات، وبه يذاد عن الإسلام وأهله، وبه تعلو كلمة الله عز وجل، ثم يليه الحج؛ لأن الحج نفعه قاصر؛ فلذلك قُدِّم الجهاد على الحج.
[84]
حَدَّثَنِي أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ هِشَامٍ- وَاللَّفْظُ لَهُ- حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ:((الإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ))، قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا))، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: ((تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ))، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ:((تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ)).
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حميد، قَالَ عبد: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حَبِيبٍ- مَوْلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ- عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ:((فَتُعِينُ الصَّانِعَ، أَوْ تَصْنَعُ للأَخْرَقَ)).
قوله: ((أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قال: الإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ)) فجعل الإيمان عملًا، وهو عمل قلبي، ويتبعه أعمال الجوارح؛ ولهذا قال:((الإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ))، فالإيمان هو أساس الدين، وأساس الملة، وليس إقرارًا باللسان فقط، وإنما هو إقرار باللسان، وتصديق بالقلب، ويتبعه عمل القلب، وعمل الجوارح.
وقوله: ((وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ))، أي: لما فيه من النفع المتعدي، وإعلاء كلمة الله عز وجل، والذود عن الإسلام وأهله، وصيانة حرمات الإسلام.
وقوله: ((قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا)) الرقاب جمع رقبة، والرقبة هي: العبد الذي يُعتَق، يقال له: رقبة، كما قال الله سبحانه وتعالى:{فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة}
يقتحم بها الإنسان العقبة- وهي النار- بهذه الأعمال الصالحة.
وقوله: ((أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا)) هذا أفضل ما يعتق من الرقاب، كلما كانت الرقبة نفيسة، وثمنها كثير كلما كانت أفضل، وكذلك الأضحية أو غيرها أفضلها أنفسها وأغلاها عند أهلها.
وقوله: ((تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ))، أي: تعين الصانع صاحب الصنعة، فقد قال الله تعالى:{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فتساعد صاحب المهنة؛ أيَّ مهنة، سواء كانت تجارة، أو حدادة، أو خرازة، أو خياطة.
والأخرق هو الذي ليس بصانع، ولا يحسن الصنعة، يقال له: أخرق، يعني: لا يعرف شيئًا.
فالأخرق تقوم له بكل العمل، وأما الصانع إذا كان يعرف وعنده بصيرة ويحتاج إلى مساعدة، فتساعده.
وقوله: ((تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ))، أي: حينما تكف الأذى والشر عن الناس، فلا يأتيهم منك أذى، لا بالقول، ولا بالفعل- تكون صدقة تصدقت بها عن نفسك، حيث لم تحمِّلها الآثام والأوزار.
[85]
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِيَاسٍ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: ((الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا))، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((بِرُّ الْوَالِدَيْنِ))، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ، إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ.
هذا الحديث فيه: دليل على فضل الصلاة في وقتها، وأنها أفضل الأعمال؛ لأنها أفضل الفرائض وأوجب الواجبات بعد الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وأداء الصلاة في وقتها من أفضل الأعمال، وكذلك يدخل في هذا أداؤها في الجماعة للرجل القادر.
وفي الحديث السابق قدم الجهاد على الحج، وهنا قدم بر الوالدين على الجهاد؛ وذلك لأن بر الوالدين فرض، بخلاف الجهاد في سبيل الله عز وجل، فقد يكون فرضًا، وقد يكون نفلًا، والأصل أنه مستحب إلا في حالات ثلاث:
الأول: إذا داهم العدو بلاد المسلمين، صار فرضًا على كل أحد.
الثاني: إذا استنفر الإمام طائفة أو شخصًا صار فرضًا عليه.
الثالث: إذا وقف في الصف.
ففي هذه الحالات الثلاث يكون الجهاد فرضًا، وما عداها يكون نفلًا، بخلاف بر الوالدين فهو فرض في كل حال؛ ولهذا قدم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله، وما كان فرضًا في جميع الأحوال مقدم على ما كان فرضًا في بعض الأحوال، ثم إن هذه الحالات الثلاث ليست على كل أحد، بخلاف بر الوالدين فهو فرض على كل أحد؛ ولهذا جاء في الحديث الآخر لما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد قال:((أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ )) قَالَ: نَعَمْ، قال:((فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ))
(1)
، فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله؛ لأنه فرض في جميع الأحوال.
وترتيب أفضل الأعمال عند الله في هذين الحديثين كالتالي:
الإيمان بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم الصلاة على وقتها.
ثم بر الوالدين.
ثم الجهاد في سبيل الله.
ثم الحج المبرور الذي ليس فيه إثم، ولا كبيرة.
(1)
أخرجه البخاري (3004)، ومسلم (2549).
وقوله: ((فَمَا تَرَكْتُ أَسْتَزِيدُهُ، إِلَّا إِرْعَاءً عَلَيْهِ))، يعني: إلا شفقة عليه من المشقة.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَعْفُورٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّ الأَعْمَالِ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ؟ قَالَ:((الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا))، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: ((بِرُّ الْوَالِدَيْنِ))، قُلْتُ: وَمَاذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)).
قوله: ((الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا)) المواقيت جمع ميقات، وقوله:((مَوَاقِيتِهَا))، أي: بالنسبة للصلوات، وبالنسبة للصلاة الواحدة، وقدم هنا الجمع؛ لأن المراد: جنس الصلاة، فتدخل فيه الصلوات كلها.
وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ- وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ- قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: ((الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا))، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ))، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: ((ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ: وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بِهَذَا الإِسْنَادِ مِثْلَهُ، وَزَادَ: وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَا سَمَّاهُ لَنَا.
قوله: ((وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ))، يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:((أَفْضَلُ الأَعْمَالِ- أَوِ الْعَمَلِ-: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ)).
هذا الحديث فيه: الجمع بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، ولكن العمدة على الأحاديث السابقة في الترتيب.