الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ غِلَظِ تَحْرِيمِ الْغُلُولِ، وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ
[114]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي سِمَاكٌ الْحَنَفِيُّ أَبُو زُمَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ، أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا، أَوْ عَبَاءَةٍ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((يَا ابْنَ الْخَطَّابِ، اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ))، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَنَادَيْتُ: أَلَا إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ.
هذا الحديث فيه: دليل على الوعيد الشديد على الغلول، وأن من غلَّ من الغنيمة فإنه يكون مرتكبًا لكبيرة من كبائر الذنوب.
والغلول هو: الأخذ من الغنيمة قبل قسمتها، فإذا قاتل المسلمون الكفار، ثم غنموا شيئًا من أموالهم، تجمع هذه الأموال، ثم يؤخذ الخمس، ويقسم خمسة أخماس، قسم لله عز وجل، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولليتامى، والمساكين، والمسلمين، وأربعة أخماس تكون للغانمين توزع عليهم.
والغالُّ يأخذ من الغنيمة قبل أن توزع، والغلول من الغنيمة من كبائر الذنوب، ومثلها- أيضًا-: الأخذ من الأموال المشتركة، كأن يأخذ من بيت مال المسلمين، أو من صدقات جُمِعَت، أو أوقاف جُمِعَت، فيسمى هذا غلولًا.
وفيه: أن المقاتل من المؤمنين إذا قُتِلَ في المعركة قالوا له: شهيد في
أحكام الدنيا، أما في الآخرة فأمره إلى الله؛ ولهذا أقرهم الإجماع على قولهم: فلان شهيد، وبوب البخاري رحمه الله:((باب: لا يقول: فلان شهيد))
(1)
، فهو لا يقال له: شهيد في أحكام الآخرة؛ لأن هذا أمره إلى الله، ويقال له: شهيد في أحكام الدنيا، وهذا هو الجمع بينهما، فإذا قُتل المسلم المجاهد في المعركة يسمى شهيدًا، وتجرى عليه أحكام الشهداء، لا يُغَسَّل، ولا يُصَلَّى عليه، ويدفن في ثيابه ودمائه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُصَلِّ على قتلى أُحد، بل أمر بدفنهم بدمائهم وثيابهم، ولم يغسلهم
(2)
، أما في الآخرة فأمر الشهيد إلى الله عز وجل، إذا كان صادقًا فله حكم الشهادة؛ ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل يقاتل شجاعة، ورجل يقاتل حمية، ورجل يقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال:((مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ))
(3)
.
وفيه: أن الغالَّ لا يسمى شهيدًا؛ ولهذا لما ذكروا فلانًا، وقالوا: فلان شهيد، قال صلى الله عليه وسلم:((كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ))، يعني: أخذ بردة، أو عباءة من الغنيمة، قبل أن تقسم، فصارت تشتعل عليه نارًا.
(1)
صحيح البخاري (4/ 37).
(2)
أخرجه البخاري (1346).
(3)
أخرجه البخاري (123)، ومسلم (1904).
[115]
حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدُّؤَلِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْغَيْثِ- مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ- وَهَذَا حَدِيثُهُ- حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ- يَعْنِي: ابْنَ مُحَمَّدٍ- عَنْ ثَوْرٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيْبَرَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا، فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا، وَلَا وَرِقًا، غَنِمْنَا الْمَتَاعَ، وَالطَّعَامَ، وَالثِّيَابَ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا إِلَى الْوَادِي، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لَهُ وَهَبَهُ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ يُدْعَى رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ مِنْ بَنِي الضُّبَيْبِ، فَلَمَّا نَزَلْنَا الْوَادِي، قَامَ عَبْدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحُلُّ رَحْلَهُ، فَرُمِيَ بِسَهْمٍ فَكَانَ فِيهِ حَتْفُهُ، فَقُلْنَا: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((كَلَّا- وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ- إِنَّ الشَّمْلَةَ لَتَلْتَهِبُ عَلَيْهِ نَارًا، أَخَذَهَا مِنَ الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ))، قَالَ: فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((شِرَاكٌ مِنَ نَارٍ- أَوْ: شِرَاكَانِ مِنَ نَارٍ)).
قوله: ((فَفَزِعَ النَّاسُ، فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ، أَوْ شِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: شِرَاكٌ مِنَ نَارٍ- أَوْ: شِرَاكَانِ مِنَ نَارٍ)) الشِّراك هو سير النعل.
وقوله: ((وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لَهُ)): فيه جواز قول: عبد فلان، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:((لَا يَقُلْ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي، وَأَمَتِي))
(1)
، فهذا النهي للتنزيه.
(1)
أخرجه البخاري (2552)، ومسلم (2249).